العزيزة فاطمة..
اذا هي لفظة الفلسفة هي ما تقض عليهم مضاجعهم، وليست الفلسفة كمضمون، ربما الاثنان معا، نعم ربما الاثنان معا، اللفظة والمضمون،لان بلاغة العرب علمتهم كيف يفسرون اللفظة حسب مايريدون لكنها لم تعلمهم كيف ينقلون هذا التفسير الى واقع عملي تطبيقي بحيث يخروجون بذلك من اطوار الغفلة الى الى اغوار اليقظة.
معك انا في الامر، لكني احب هنا ان اشير الى نقطة ربما يتحامل البعض بسببها علي، ويقول بانه يذكرها لاثارة موضوع جانبي اخر، لكن لاباس بالامر اذا كان الغرض من الذكر هنا ان ينتفع المؤمنون، ولست اخص اهل الايمان فقط هنا، الايمان السحطي، انما أي انسان يؤمن بفكر استساغه بجهد عقلاني ذاتي.
"لايكفي لطالب الحقيقة ان يكون مخلصا في قصده بل عليه ان يترصد اخلاصه ويقف موقف المتشكك فيه لان عاشق الحقيقة انما يحبها لا لنفسه مجاراة لاهوائه بل يهيم بها لذاتها ولو كان ذلك مخالفا لعقيدته، فاذا اعترضته فكرة ناقضت مبدأه وجب عليه ان يقف عندها فلا يتردد ان ياخذ بها، اياك ان تقف حائلا بين فكرتك وبين ما ينافيها، فلا يبلغ اول درجة من الحكمة من لايعمل بهذه الوصية من المفكرين، عليك ان تصلي نفسك كل يو حربا، وليس لك ان تبالي بما تجنيه من نصر او تجني عليك من اندحار، فان ذلك من شأن الحقيقة لا من شأنك.."(هكذا تكلم زرادشت/ نيتشه).
اظن فاطمة..
من هنا يبدأ الامر، وتتسع الهوة بحيث يمكن ان يتحول الانسان كونه انسانا عاقلا الى مراحل اخرى من التطور العقلاني لديه، بغض النظر عن انتمائه العقائدي،او المذهبي، او الشيء الاكثر مفعولا لدى الاقوام المتخلفة العرقي .
عزيزتي فاطمة..لفظة اليقظة(الفلسفة) هي بلاشك تثير جدا بين الاوساط الدينية اكثر من غيرها، والسبب واضح ولااحد يمكنه ان يشك فيه، ان اليقظة هذه سلاح ليس ذو حدين فقط، انما يمكن ان يكون سلاح ذو حدود لانهاية لها، ويمكن ان يفسر الامر على اوجه لانهاية لها، فاليقظة مثلا تكون مقبولة اذا ما وجد الحاكم الذي يمكن ان يفسر الامر على انه لمصلحة الفكرة والعقيدة، فتفتح امام اليقظة الابواب وتنهل عليها العطايا،لكن هل يكفي موافقة السلطان وحدها، بلا شك لا، لان السلطان الحاكم انما يكون في مرتبة العلم والعقل اذا ما وجد محيطا متجها نحو افاق العقل وانفتاحه على الحياة والعلوم من اجل ارساء مبادئ تفوق العادي في تصوراتها، وتنفذ الى الاعماق بتوجهاتها،وهذان الامران مرادفان ملازمان لايمكن ليس جزما انما كوجهة رأي فصلهما.
بلا شك عزيزتي، نحن قد اكتفينا منذ امد بعيد مسألة النظري من القول، ونحتاج لبضعة وقت فقط ان نمارس الحق الفعلي، وهذا حق يقره الانسان كونه انسانا، لانه لم يخلق للقول فقط، انما خلق ليكد ويثابر ويجتهد في الارض من اجل ان يستمر كانسان وليس كحيوان ناطق فقط،ربما هذا ما سماه مالك بن نبي المنطلق العملي، ليس ذلك الشيء الذي دونت اصوله ووضعت قواعده منذ ارسطو، وانما ما كان يعنيه مالك بن نبي هو كيفية ارتباط العمل بوسائله ومعانيه وذلك حتى لانستسهل او نستعصب شيئا، بغير مقياس يستمد معاييره من واقع الوسط الاجتماعي وما يشمل عليه من امكانيات.
ربما هنا من يقول كيف يمكن ان نستصيغ هذا المقياس..؟
يرد عليه مالك بن نبي نفسه حينما يقول: انه ليس من الصعب على الفرد المسلم (الانسان أي كان انتمائه) ان يصوغ مقياسا نظريا يستنتج به نتائج عن مقدمات محددة، غير انه من النادر جدا ان نعرف المنطق العملي، أي استخراج اقصى ما يمكن من الفائدة من وسائل ميعنة..وهذا بالطبع يؤكد لنا بان العقل المجرد متوفر لدينا لكن على خلافه العقل التطبيقي الذي يتكون في جوهره من الارادة والانتباه يكاد يكون معدوما.
اما ما يخص اليقظتين..فلي عودة.
محبتي لك
جوتيار