أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: جدلية الأصالة و المعاصرة في الشعر العربي الحديث..

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد الأمين سعيدي شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    المشاركات : 1,981
    المواضيع : 138
    الردود : 1981
    المعدل اليومي : 0.30

    افتراضي جدلية الأصالة و المعاصرة في الشعر العربي الحديث..

    هذه محاضرة سألقيها الخميس المقبل عندنا على جماعة من أدباء وكتاب المنطقة لذا يهمني كثيرا رأيكم أيها الأساتذة الكرام..
    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
    سنتحدث في هذه المحاضرة عن قضية طالما شغلت تفكير الباحثين و الدارسين في الشعر وفنونه و ألوانه في العصر الحديث وهي جدلية الأصالة و المعاصرة في الأدب عامة و في الشعر خاصة
    فدعت جماعة غير قليلة من الدارسين إلى ضرورة التجديد في هذا الشعر من منطلق أن تحديات العصر و العولمة تفرض هذا مستدلين على أن الشعر العربي في مختلف مراحله التاريخية قد مر بعدة أطوار من الولادة إلى النمو و التطور.
    وقبل الولوج إلى هذا الموضوع كان لابد من تعريف هذا الشعر الضارب في أعماق الثقافة العربية وأنواعه و فنونه و ما استحدث منه وذلك أن تاريخ نشأته كما يقدر بعض العلماء ومن بينهم الجاحظ كان حوالي مئة و خمسين سنة قبل الإسلام إذ يقول:(أما الشعر العربي فحديث الميلاد صغير السن أول من نهج سبيله و سهّل الطريق إليه امرؤ القيس ابن حجر ومهلهل ابن ربيعة فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له إلى أن جاء الله بالإسلام خمسين و مئة عام وإذا استظهرنا بغاية الإستظهار مئتيْ عام)
    والشعر لغة كما جاء في لسان العرب لابن منظور من: شَعَرَ به وشَعُرَ يَشْعُر شِعْراً وشَعْراً وشِعْرَةً ومَشْعُورَةً وشُعُوراً وشُعُورَةً وشِعْرَى ومَشْعُوراءَ ومَشْعُوراً الأَخيرة عن اللحياني كله عَلِم
    ومن ذلك قول عمر ابن الخطاب (الشعر علم العرب ) وقوله كذلك (الشعر ديوان العرب)
    وقولهم لَيْتَ شِعْرِي أَي ليت علمي أَو ليتني علمت وليتَ شِعري من ذلك أَي ليتني شَعَرْتُ قال سيبويه قالوا ليت شِعْرَتي فحذفوا التاء مع الإِضافة للكثرة كما قالوا ذَهَبَ بِعُذَرَتِها وهو أَبو عُذْرِها فحذفوا التاء مع الأَب خاصة وحكى اللحياني عن الكسائي ليتَ شِعْرِي لفلان ما صَنَعَ وليت شِعْرِي عن فلان ما صنع وليتَ شِعْرِي فلاناً ما صنع وأَنشد يا ليتَ شِعْرِي عن حِمَارِي ما صَنَعْ.
    وقال الأَزهري الشِّعْرُ القَرِيضُ المحدود بعلامات لا يجاوزها والجمع أَشعارٌ وقائلُه شاعِرٌ لأَنه يَشْعُرُ ما لا يَشْعُرُ غيره أَي يعلم وشَعَرَ الرجلُ يَشْعُرُ شِعْراً وشَعْراً وشَعُرَ وقيل شَعَرَ قال الشعر وشَعُرَ أَجاد الشِّعْرَ ورجل شاعر والجمع شُعَراءُ.
    أما اصطلاحا و كما عرفه أكثر القدماء فهو كلام موزون مقفى دال على معنى ..
    وقد وجد الشاعر منذ العصر الجاهلي اهتماما كبيرا عند الجماهير العربية انطلاقا من نظرتهم على أن الشاعر هو شخص غير عاديّ يتمتع بالفطنة و الذكاء و التنبه إلى مالا يتنبه إليه الآخرين فكان يبهرهم بشعره و صوره ومعانيه حتى كثرت التساءلات عن مصدره فلم يجدوا له تفسيرا إلا أن ينسبوه إلى الجن وقد آمن كثير من الشعراء بهذه الفكرة وحاولوا تجسيدها في شعرهم إذ يقول صاحب محاضرات الأدباء:(زعم كثير من الشعراء أن له رإيّا يقول الشعر بفيه و له اسم معروف و من ذلك مسحل شيطان الأعشى الذي يقول فيه صاحبه:
    وما كنت ذا شعر و لكن حسبتني إذا مسحل يسدي لي َ القول أنطقُ
    يقول فلا أعيــــا بشيئ يقــــــوله كفانيَ لا أعيا و لا هو أخـــــرقُ

    هذا الإهتمام جعل القبائل تتنافس و تتباهى بشعرائها إذ يقول د.احمد أحمد بدوي في كتابه أسس النقد الأدبي عند العرب :(وكانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيهم شاعر أتت القبائل فهنأتها و صنعت الأطعمة واجتمعت النساء يلعبن بالمزاهر و يتباشر الرجال و الولدان لأنه حماية لأعراضهم و ذب عن أحسابهم و تخليد لمآثرهم وإشادة بذكرهم)
    بعد هذه الإطلالة على تاريخ الشعر و أصله عند القدماء كان لابد من إيجاز تعريف حديث لهذا الشعر حتى نستطيع أن نتعمق في موضوع هذه المحاضرة ..
    ومن هنا أقول إن الشعر في العصر الحديث أصبح يحمل كثيرا من معاني الجمال الخالص فهو تعبير جميل وأسلوب بديع و لغة راقية و هو حامل الرسالة الإنسانية بما تحمله من عواطف و مشاعر تتلون على حسب الظروف و الحالات
    التي يكون فيها الإنسان إما فاعلا و إما مفعولا به..
    ومن هذا الكلام نجد أن الشعر فن قائم بذاته وهو فرع من الأنواع الأدبية كونه تعبيراً فنياً، وله خصوصيته التي تميزه عن بقية الأنواع الأدبية الأخرى..
    والشعر من جهة أخرى هو القدرة على الأداء الجميل لأي مضمون ومن هنا بدأت تختفي في المنظور الحديث ما يسمى بالأغراض الشعرية لأن الكون من منظور جمالي أصبح في حد ذاته غرضا شعريا يحق للشاعر أن يأخذ كل نقطة منه و يجعلها موضوعا لقصيدته..
    هذا التغيير لم يقف عند حد الموضوعات التي يتناولها الشعر بل تحول ذلك إلى ثورة حقيقية على النظام الشعري الموروث في مختلف مستوياته لا من حيث الصورة أو من حيث المعاني فقط وإنما من حيث الميزان العروضي المتمثل في الأوزان التي تعبر عنها بحور الشعر .
    فعندما يعيش الشاعر تجربته فإن ذلك يتطلب منه أن يكون معاصراً، أي أن يحيا عصره بكل أبعاده الواقعية والاجتماعية وما تفرزهما من مؤثرات حتّى يتمكن من تلك المعاصرة.
    وهذا ما طالب به روّاد الحداثة الشعرية بدأ بنازك الملائكة و بدر شاكر السيّاب و صلاح عبد الصبور و نزار قباني و غيرهم الذين طالبوا بضرورة التخلص من بعض العناصر الشعرية و التي قد تكون من التوابث عند كثير من الشعراء و الأدباء .فحرروا أنفسهم من قيود العمود الشعريّ كما زعم بعضهم و حاولوا أن يعبروا بحرية أكثر بما يسمى بشعر التفعيلة أو الشعر الحر ..
    غير أن أصل الحداثة أو الدعوة إلى التجديد ليس من ناحية البناء فقط و إنما هو تغيير يغوص في داخل الشعر ليمحو ما هو عائق للكتابة و التعبير ..وهاهو عبدالوهاب البياتي و هو أحد روّاد الحداثة يقول :(تمردا على الأوزان الشعرية ..كما يزعم صغار الشعراء النظّامين .بل تعني أي الحداثة ثورة في التعبير ضد الجمل الجاهزة أو اللغة الصلعاء التي تخفي صلعتها بالبيان و البديع و الطباق و الجناس)
    فنفهم من كلام هؤلاء أن الثورة إنما كانت من أجل الشعر و للشعر وكان لابد لإلغاء تلك العوائق التي ثار من أجلها هؤلاء الشعراء الإتيان بالبديل فكان شعر التفعيلة أو الشعر الحديث أو الشعر الحر إلى غير ذلك من الأسماء التي أطلقت عليه..
    وشعر التفعيلة ما إلا هو فضاء أوسع كما يقول أصحابه يستطيع أن يستوعب كثيرا من المسافات القولية ..والذي يُعطي للشاعر مساحة أخرى للبوح و التعبير ..
    وهو يعتمد في بناء نغميته الموسيقيّة على نظام التفعيلات المنفردة و أحيانا الممزوجة بتفعيلات أخرى كان من المستحيل أن تجتمع مع بعضها في العمود القديم وأصبح للشاعر عندهم حرية أكبر للتعبير و ذلك على حسب الشحنة الشعورية التي تتوفر عند ه في لحظة التعبير ..وهاهو نموذج من هذا الشعر الذي تتراوح أجزائه بين الطول و القصر حسب ما تقتضيه نفس الشاعر..يقول عبد الوهاب البياتي في قصيدة قرصان :
    غليونه القذر المدمى والضباب،
    وكوة الحان الصغيرة
    ورفاقه المتآمرون يثرثرون:
    "البحر مقبرة الضمير"
    ويقلبون كؤوسهم ويقهقهون:
    "هذا العجوز ألا يكفُّ عن الشخير؟"
    والليل والحان الصغير
    ورفاقه والخمر والدم والضباب
    صور تعود به، تعود إلى الوراء
    إلى جزيرته وشاطئها وآلاف السفائن، والرجال
    والمومساتْ
    بثيابهن الباليات
    يجمعن أعواد الثقاب
    وينتظرن على الرصيف
    والسحب تبكي والخريف
    في أخريات الليل، والبحر الغضوب
    إن أوّل ما يلاحظ على هذه القصيدة كبناء خارجي ظاهر أن سطورها لا تتميز بالتساوي في عدد التفعيلات ..وعدم تقيّد الشاعر في ذات الوقت بقافية واحدة وإنما استعمل عدة قواف كالراء و الباء و التاء..وهذا راجع إلى تلك المبادئ التي يؤمن بها الشاعر و المتمثلة في ترك الحرية للشعور حتى يتجول كما يشاء في شوارع المدن القوليّة الكثيرة ..
    إذا ذهبنا كذلك إلى رائد آخر من روّاد هذا الشعر الشاعر العظيم بدر شاكر السياب في قصيدة تعد نموذجا مثاليا لما نحن بصدده إذ يقول:
    .. ولكن لم أرَ الأموات يطردهن حفّارُ
    من الحفر العتاق وينزع الأكفان عنها أو يغطيها
    يقول رفيقي السكران: " دعها تأكل الموتى
    مدينتنا ل
    تكبر، تحضن الأحياء"
    وأوقدت المدينة نارها في ظلمة الموتِ
    تقلّع أعين الأموات
    ثم تدس في الحفر بذور شقائق النعمان
    سلامٌ جال فيه الدمعُ والآهات والوجدُ
    على المتبدّلات لحودهم والغاديات قبورهم طرقا
    وطيبُ رقادهم أرَقا
    يحنّ إلى النشور ويحسب العجلات في الدربِ
    ويرقب موعدَ الربِّ
    هذا النموذج هو الآخر يظهر تلك الحرية التي كان يتمتع بها بدر شاكر السيّاب داخل الجملة الشعرية فهو ينتقل من فكرة إلى أخرى دون تحمل مشقة القافية و الوزن الواحد الذي يعد الخروج عنه كفرا بواحا في ملّة الخليل ابن أحمد الفراهيدي .
    غير أن أصحاب هذا الشعر انقسموا إلى تيّارين رئيسين وهما :تيار الوضوح الفني و على رأسهم نزار قباني و أحمد مطر و تيّار الغموض الفني و على رأسهم أدونيس علي أحمد سعيد.
    أما عن التيار الأول الذي على رأسه نزار قباني فهو ميّال إلى وضوح المعاني و عمق الدلالة وجمال التعابير و الأساليب ..فكان أقرب إلى النفس العربية التي تميل دائما إلى البسيط المفهوم الجميل..وهاهو صلاح عبد الصبور الذي يمثل أحد أقطاب هذا التيّاريقول عندما سئل :
    هل تقرأ لجيل الشباب؟ فأجاب: "نعم بكل تأكيد, ولكنني في بعض الأحيان أجد صعوبة في فهم ما يرمي إليه الشاعر وقد قرأت في إحدى المرات قصيدة لشاعر شاب فلم أفهمها ومعروف عني أنني أقرأ القصيدة لمرة واحدة فأردد غيباً أغلب أبياتها ولكن الذي حصل هذه المرة أنني لم أفهمها فأعدت قراءتها مرة أخرى لا بل مرات أخرى ولم أفهمها أيضاً فأدركت في النهاية أن العيب ليس فيّ أو في ذاكرتي ولكن العيب هو في كاتب هذه الكلمات المبهمة والمستعصية على الفهمََََ..
    ويلمح نزار في أحد أبياته عن موقفه من الغموض الشعري إذ يقول:
    شـعراء هذا اليوم جنس ثالث
    فالقول فوضى، والكلام ضباب

    وحتى لا أطيل أذكر هنا نموذج لأهم روّاد هذه المدرسة و هو نزار قباني إذ يقول في قصيدة تقرير سري جدا من بلاد قمعستان:
    لم يبق فيهم لا ابو بكر .. ولا عثمان
    جميعهم هياكل عظمية في متحف الزمان
    تساقط الفرسان عن سروجهم
    واعلنت دويلة الخصيان
    واعتقل المؤذنون في بيوتهم
    والغي الاذان...
    جميعهم .. تضخمت اثدائهم
    واصبحوا نسوان
    جميعهم يأتيهم الحيض ومشغولون بالحمل
    وبالرضاعة...
    جميعهم قد ذبحوا خيولهم
    وارتهنوا سيوفهم
    وقدموا نساءهم هدية لقائد الرومان
    ما كان يدعى ببلاد الشام يوما
    صار في الجغرافيا...
    يدعى (يهودستان)
    الله ... يا زمان
    لم يبق في دفاتر التاريخ
    لا سيف ولا حصان
    جميعهم قد تركوا نعالهم
    وهربوا اموالهم
    وخلفوا وراءهم اطفالهم
    وانسحبوا الى مقاهي الموت والنسيان
    جميعهم تخنثوا...
    تكحلوا...
    تعطروا...
    تمايلوا اغصان خيزران
    حتى تظن خالدا ... سوزان
    ومريما .. مروان
    الله ... يا زمان...
    جميعهم موتى ... ولم يبق سوى لبنان
    يلبس في كل صباح كفنا
    ويشعل الجنوب اصرارا وعنفوان
    جميعهم قد دخلوا جحورهم
    واستمتعوا بالمسك, والنساء, والريحان
    جميعهم مدجن, مروض, منافق, مزدوج .. جبان
    ووحده لبنان
    يصفع امريكا بلا هوادة
    ويشعل المياه والشطان
    في حين الف حاكم مؤمرك
    يأخذها بالصدر والاحضان
    هل ممكن ان يعقد الانسان صلحا دائما مع الهوان؟
    الله ... يا زمان ..
    هل تعرفون من انا
    مواطن يسكن في دولة(قمعستان)
    وهذه الدولة ليست نكتة مصرية
    او صورة منقولة عن كتب البديع والبيان
    فأرض (قمعستان) جاء ذكرها
    في معجم البلدان ...
    وان من اهم صادراتها
    حقائبا جلدية
    مصنوعة من جسد الانسان
    الله ... يا زمان ...
    هل تطلبون نبذة صغيرة عن ارض (قمعستان)
    تلك التي تمتد من شمال افريقيا
    الى بلاد نفطستان
    تلك التي تمتد من شواطئ القهر الى شواطئ
    القتل
    الى شواطئ السحل, الى شواطئ الاحزان ..
    وسيفها يمتد بين مدخل الشريان والشريان
    ملوكها يقرفصون فوق رقبة الشعوب بالوراثة
    ويكرهون الورق الابيض, والمداد, والاقلام بالوراثة
    واول البنود في دستورها:
    يقضي بأن تلغى غريزة الكلام في الانسان
    الله ... يا زمان ...
    هل تعرفون من انا؟
    مواطن يسكن في دولة (قمعستان)
    مواطن...
    يحلم في يوم من الايام ان يصبح في مرتبة الحيوان
    مواطن يخاف ان يجلس في المقهى .. لكي
    لا تطلع الدولة من غياهب الفنجان
    مواطن ان يخاف ان يقرب زوجته
    قبيل ان تراقب المباحث المكان
    مواطن انا من شعب قمعستان
    اخاف ان ادخل اي مسجد
    كي لا يقال اني رجل يمارس الايمان
    كي لا يقول المخبر السري:
    اني كنت اتلو سورة الرحمن
    الله ... يا زمان ...
    هل تعرفون الان ما دولة (قمعستان)؟
    تلك التي الفها .. لحنها ..
    اخرجها للشيطان
    هل تعرفون هذه الدويلة العجيبة؟
    حيث دخول المرء للمرحاض يحتاج الى قرار
    والشمس كي تطلع تحتاج الى قرار
    والديك كي يصبيح يحتاج الى قرار
    ورغبة الزوجين في الانجاب
    تحتاج الى قرار
    وشعر من احبها
    يمنعه الشرطي ان يطير في الريح
    بلا قرار
    ما اردأ الاحوال في دولة(قمعستان)
    حيث الذكور نسخة من النساء
    حيث النساء نسخة من الذكور
    حيث التراب يكره البذور
    وحيث كل طائر يخاف بقية الطيور
    وصاحب القرار يحتاج الى قرار
    تلك هي الاحوال في دولة (قمعستان)
    الله ... يا زمان ...

    فهذه القصيدة من بين قصائد نزار الممنوعة التي يتعرض فيها بالشتم للعرب و السخرية منهم لكن بطريقة يظن الغرير أنه يستطيع أن يكتب مثلها لسهولتها لكنها عميقة في طرحها و بعيدة في دلالاتها..كما أنها تحمل جرسا موسيقيا رنانا نجح الشاعر في إبرازه عن طريق انتقاء التفعيلة المناسبة للموضوع وهي مستفعلن وكذا الكم الهائل من القوافي الذي وضعه نزار في أماكنه المناسبة له..
    أما التيّار الثاني و هو كما ذكرنا تيارالغموض الفني و الذي يأتي على رأسه أدونيس الشاعر السوري الذي غير شكل اللغة وأسلوبيتها السائدة خلال العقود الخمسة الماضية..
    وعلى هذا نجد شعراء هذا الإتجاه يهتمون بغموض النص و تلغيزه من أجل ضمان عمق النص و فلسفيته معتمدين كما التيار الأول على عنصري الرمز و الأسطورة في بناء الصورة الشعرية في كثير من الأحيان..
    ولهذا نجد محود درويش وهو أحد شعراء الحداثة أو إن صح كلامي هو أحد الذين دعو إليها
    يقول في قصيدته الخروج من ساحل المتوسط:
    لن تفهموني دون معجزة
    لغاتكم مفهومة لأن
    إن الوضوح جريمة
    هذه التهمة التي يوجهها درويش إلى القارئ هي شبيهة بما قاله أبو تمام لأبي العميثل حين سأله لماذا تقول ما لا يُفهم فأجابه :لماذا لا تفهم مالا يُقال..
    ومن هنا نجد أن موقف أدونيس يتغير تماما إذ يوجه أصابع الإتهام إلى كل المسلمين ويتهمهم في أهم شيئ عندهم و هم موروثهم الثقافي إذ يقول:: (( سيجد العرب المسلمون أنهم أصحاب ماض سلبي بكافة أبعاده )).ومن هنا يدعو أدونيس إلى ضرورة مراجعة التراث الذي يُعتبر ثابثا في النفوس و العقول العربية و يتهمه بأنه مليئ بالسلبيات ..ويدعو أدونيس إلى ضرورة قراءة التراث العربي قراءة يهودية أي على طريقة المؤرخ اليهودي الذي شك في موسى ووجوده..
    ومن هنا فقد أثار أدونيس إشكالات كثيرة تتعلق بالتراث ما كان التيار الأول ليثيرها ..وهذا كما رجح محود الكسواني راجع إلى تأثره بالحضارة و الأفكار الغربية المناقضة تماما لما جاء به الإسلام .
    فموقف أدونيس لم يقف عند حد تحطيم النغمية الموسيقية القديمة بل تجاوزها إلى تنظيرات كثيرة حول الشعر و الأدب و التراث ..كنموذج لهذا النوع من الشعر الذي جاء به أدونيس نورد قصيدته :العربي لون الماء التي يقول فيها :

    لونكَ لونُ الماء
    يا جَسَدَ الكَلامْ
    حين يكون الماءْ
    خميرةً أو صاعقاً أو نارْ
    وَاشْتعَلَ الماءُ وصارَ صاعقاً وصارْ
    خميرةً ونارْ،
    نَيُلوفراً
    يسْألُ عن وسادتي
    ينامْ...
    يا نَهَرَ الكَلامْ
    سافرْ معي يومين، جمعتين في خميرة الأسرارْ
    نلتقطُ البحارَ، أو نسْتكشف المحارْ
    نُمطرُ ياقوتاً وآبنوساً
    نعرفُ أنَّ السّحرْ
    جنّيةٌ سوداءْ
    ترفضُ أن تعشقَ غير البَحرْ.
    سافرْ معي واظهرْ هنا... وغِبْ هنا...
    واسألْ معي يا نَهَرَ الكَلامْ
    عن صَدفٍ يموتُ كي يَصيرْ
    سحابةً حمراءْ
    تُمطِرُ،
    عن جزيرهْ
    تَسيرُ أو تطيرْ،
    وَاسألْ معي يا نَهَرَ الكلامْ
    عنِ نجمةٍ أسيرهْ
    بين شِباكِ الماءْ
    تحمل تحت ثديها
    أياميَ الأخيرهْ.
    واسألْ معي يا نهرَ الكلامْ
    عن حجرٍ ينبُعُ منه الماءْ
    عن موجةٍ يولد منها الصّخرْ
    عن حيوان المِسكِ، عن يَمامةٍ من نورْ
    واهبطْ معي في شَبك الدّيجورْ
    في القاع،
    حيثُ الزّمنُ المكسورْ
    وَلْيكنِ الكلامْ
    قصيدةً تلبَس وجهَ البَحْر.
    فنلاحظ في هذه القصيدة تلك العدمية التي تصيب القارئ وذلك الشلل الذي يصيب العقل القارئ مما يعوق عملية الفهم ..وهذا عندهم هو قمة الإبداع.
    وبعد أليس أدونيس القائل :
    قيدت سفني بالرياح وفوضت أمري إلى الموج
    افتح يديك أيها المعنى وانظر
    ما أفرغهما،
    وما أحنَّ هذا الفراغ

    فاللفظة أو النص الفارغ الذي لا معنى فيه هو ما ينشده أدونيس حيث - بزعمه - يجد الحنان في الفراغ فأي فراغ روحي وذهني هذا الذي ينشده أدونيس؟!
    و قد قرأنا دراسات حول شعر أدونيس و كل دراسة لا تشابه الأخرى لأن النقاد في حد ذاتهم يختلفون في الفهم و التفسير فتجد في بعض الدراسات ما يسمى بالإحتمالية في التأويل بمعنى أن هناك عدة احتمالات للفهم وعدة سبل تؤدي إلى عمق القصيدة وهذا ما يدخل القارئ في دوامة يصعب الخروج منها..
    أدّت هذه الثورة إلى ولادة ثورة جديدة على الجديد أي على التفعلية فجاءت قصيدة النثر حين تداخلت الآراء حول مفهوم التفعيلة برزت قصيدة النثر و كأنها البديل من هذا الشعر الذي لم يتأسس بعد ولم تحدد هويته ..
    أدت هذه القصيدة إلى الخلط بين فنين أدبيين كبيرين و هما الشعر و النثر كما قال كثير من الباحيثين ..
    لكن في مقابل هذه الثورات على النظام الشعري القديم بكل مستوياته الفنية ظهرت ثورة مضادة تزعمها الأدباء و الشعراء المحافظين الذين رأو أن الشعر مهما كان يجب أن يتسم بالوضوح الذي يسهل الطريق أمامه إلى النفوس قبل العقول .
    ذلك أن الشعر هو لغة جميلة و تعبير جميل وجد ليؤنس الروح وذلك لا يتم إلا بجعلة بسيطا سهلا مفعما بالجمال حتى تتمكن النفس من فهمه واستعاب معانيه و رسالته .
    وكذا إن الشعر العربي في مختلف مراحله ابتداء من العصر الجاهلي كان يقال بلغة مفهوة قريبة من أفراد هذه اللغة و لذلك حارب هؤلاء المحافظين فكرة أن اللغة تحتاج إلى إعادة صياغة تجعلها حديثة و ذلك في إغراقها في التلغيز و الغموض.
    ولذا فقد وجه هؤلاء المحافظين أصابع الإتهام إلى التيارين السابقين و خصوصا إلى تيار التعقيد و الغموض بأهم ممولون من قبل دول غربية غرضها الوحيد هو هدم مبادئ الأمة العربية الإسلامية و إنتمائيتها من خلال إحداث فجوة بين العربي و تراثه و لغته وفكره و منحه بديل وهمي مسموم ليغرقه في السراب و الوهم .وهذا ما اتهمت به كما أورد د.مصطفى عطية جمعة في أحد مقالاته مجلة شعر " التي كانت على حسب قوله تصدر في بيروت في الستينيات واتضح بعدها أن المجلة ممولة من المخابرات المركزية الأمريكية كما ورد في الكتاب الشهير " من الذي دفع الثمن ؟ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والحرب الباردة الثقافية " ، لمؤلفه " فرانسيس ستونور سونديرز " وكانت تستهدف بث قيم أدبية غربية في الأدب العربي ، بهدف إغراق الجيل الجديد من الأدباء العرب في تهويمات شعرية ولغوية ، تبعدهم عن تقاليد وقيم المجتمع ، وتزيد من غربتهم الفكرية ، وتحدث قطيعة بينهم وبين المتلقي العربي .
    بعد هذا العرض لمختلف التيارات الرئيسة التي ظهرت في هذا العصر بخصوص
    الشعر كان لا بد من إبداء رأي فيما سبق ذكره بناء على عدة أفكار أدلى بها جماعة من الدارسين .
    أقول : إن ما تكسير النغمية الموسيقية ليس غريبا على الشعر العربي فقد حدث ذلك في مراحل معينة من عمر هذا الشعر حين دعت الحاجة إلى ذلك كما حدث في الأندلس حين دعت الحضارة إلى ذلك فظهرت عدة فنون كالموشح و الدوبيت و الموالياو الزجل وغيرها كما أن هذا الشعر إنما هو من صلب القصيدة العمودية .ذلك أن تفعيلاته إنما هي مأخوذة من ذلك العمود لامحالة ..
    كما أن هذا الشعر إنما هو مولود جديد في تاريخ الأدب العربي لذا كان من الأليق بنا أن نحتضنه .وهو في آخر المطاف له مشجعيه و محبيه كما للقصيدة العمودية جمهورها ..
    غير أن هذا الشعر تجاوز تكسير الميزان العروضي إلى كثير من التنظيرات التي لا يقدر أن يحملها الشعر بوصفه تعبير جميل عن عاطفة إنسانية معينة في لحظة معينة و لذا كان على هذا الشعر أن يوطد العلاقة ما بين الشاعر و النص ثم ما بين النص و المتلقي بصفته المالك الرسمي لهذا النص من خلال قراءته له و تفاعله مع أفكاره.
    كم أن إقصاء القصيدة العمودية هو في ذات الوقت إجحاف في حقها وتحقيق لكثير من الشكوك التي أحاطت بهذا الشعر منذ ولادته ذلك أن العمود القديم ما هو إلا قالب يُسقط في الشاعرأفكاره و عواطفه مثله مثل النظام التفعيلي الذي يسقط فيه الشاعر أفكاره كذلك ومن هنا فالحداثة أو الإبداع لا تكمن في القالب من أجل إنه قالب بل من أجل إنه أداة يعبر بها الشاعر الذكي عن مشاعره بطريقة حديثة.
    ومن أجل تصديق هذا القول نورد قصيدة عمودية من بحر البسيط لأحد رواد الحداثة و الداعين إليها و هو عبد الوهاب البياتي إذ يقول في قصيدة سارق النار:

    داروا مع الشمس فانهارت عزائمهم
    وعاد أولهم ينعي على الثاني
    وسارق النارِ لم يبرح كعادته
    يسابق الريح من حان إلى حان
    ولم تزل لعنةُ الآباء تتبعه
    وتحجب الأرض عن مصباحه القاني
    ولم تزل في السجون السود رائحة
    وفي الملاجئ من تاريخه العاني
    مشاعل كلما الطافوت أطفأها
    عادت تضيء على أشلاء إنسان
    عصر البطولات قد ولى وها أنذا
    أعود من عالم الموتى بخذلان
    وحدي احترقت! أنا وحدي! وكم عبرت
    بي الشموس ولم تحفل بأحزاني
    إني غفرت لهم
    إني رثيت لهم!
    إني تركت لهم
    يا رب أكفاني!
    فلتلعب الصدفة العيماء لعبتها
    فقد بصقت على قيدي وسجاني
    وما علي إذا عادوا بخيبتهم
    وعاد أولهم ينعى على الثاني
    فهذه القصيدة لاريب أنها تحمل كثيرا مما كان يدعوا إليه رواد تلك الحداثة .ذلك أن البياتي إنما كان ذكيا في تعامله مع هذا العمود القديم الذي استطاع أن يبعث فيه كثيرا من المعاني الحداثية و الصور المعاصرة الرائعة.
    وأريد أن أعرض لشاعر قد يكون وجوده هنا مدعاة للعجب و لكنه استطاع أن يلبَس لبعمود الشعري و يكيفه على حسب عصره و تفكير إنه الشاعر العظيم عبد الله البردوني يقول في قصيدة عروس الحزن:
    صوتها دمع و أنغام صبايا
    و ابتسامات و أنّات عرايا
    كلّما غنّت جرى من فمها
    جدول من أغنيات و شكايا
    أهي تبكي أم تغنّي أم لها
    نغم الطير و آهات البرايا ؟
    صوتها يبكي و يشدو آه ما
    ذا وراء الصوت ما خلف الطوايا ؟
    هل لها قلب سعيد و لها
    غيره قلب شقيّ في الرزايا ؟
    أم لها روحان : روح سابح
    في الفضا الأعلى وروح في الدنايا ؟
    أم تلاقت في حنايا صدرها
    صلوات و شياطين خطايا ؟
    أن تناجت في طوايا نفسها
    لحن عرس و جراحات ضحايا ؟
    لست أدري . صوتها يحرقني
    بشجوني إنّه يدمي بكايا
    كلّما طاف بسمعي صوتها
    هزّ في الأعماق أوتار شجايا
    و سرى في خاطري مرتعشا
    رعشة الطيف بأجغان العشا يا
    أترى الحزن الذي في شجوها
    رقّة الحرمان أم لطف السحابا
    أم تراها هدّجت في صوتها
    قطع القلب و أشلاء الحنايا
    كلّما غنّت .. بكت نغمتها
    و تهاوى القلب في الآه شظايا
    هكذا غنّت ، و أصغيت لها
    و تحمّلت شقاها و شقايا

    هذا المقطع الذي بين إيدينا إنما هو دليل قاطع على قدرة القصيدة العمودية على المواصلة بل على التعبير بحداثة و معاصرة على الرغم من أنها كتبت منذ زمن و البردوني مات منذ مدة ..
    ولذلك أريد أن أقول أن الحداثة ليس مرهونة بنمط معين من القالب بل هي راجعة لنمط معين من العقلية و التفكير .ولنوع من الذكاء الذي يتمتع به الشاعر أثناء عملية الكتابة ..
    أعرض هنا لنموذج أخير لشاعر جزائري نشر ثلاث دواوين في التفعيلة التي تنتصر للغموض الفني منها الصعود إلى قمة الونشريس و على حساب الوقت وكتاب في النقد هو النص و التقعيد يقول في قصيدة له هي أشبه بما يُكتب في شعر التفعيلة من ناحية الطرح و يناء الصورة الشعري و التركيز على الترميز و الغموض القصيدة بعنوان رقصة البجع أو عينية العاشق العربي في الذكرى الرابعة لسقوط بغداد يقول :
    رقصةُ البجعِ
    تَمَنَّعِِي.."يَا فُتَـاتَ الـرُّوحِ" وَ امْتَنِعِـي
    وَ صَفِّفِي خَصَلاَتِ الرِّيحِ..وَ اضْطَجِعِـي
    "تَدَلَّعِي"..و الْعَبِي بالقُـرْبِ مِـنْ سُفُنِـي
    وَ بَادِلِينِـي خُيُـوطَ اللَّهْـوِ و"الـدَّلَـعِ"
    تَزَلَّجِـي فَثلُـوجُ الـجُـرْحِ مُحْـرِقَـةٌ
    وَ "بَرِّدِي القَلْبَ" فِي صَيْفِي وَ مُنْتَجَعِـي
    وَ وَزِّعي قِطَعَ الحَلْـوَى عَلَـى شَـرَفٍ
    يَكَادُ يُخْبـرُ عَمَّـا بَـاتَ فِـي القِطَـعِ
    +++ +++ +++
    تَزَلَّجِي فَجِـرَاحُ القَلْـبٍ مِـنَ خَـزَفٍ
    وَ حَاذِري "يا فُتَاتَ الـرُّوحِ" أنْ تَقَعِـي
    فَنَحْنُ لـمِ نَقْتَـرِفْ حُبًّـا وَ لاَ شَجَـراً
    وَ لمْ نَـذُقْ ثَمَـرَاتِ الشَّـوْقِ و الوَلَـعِ
    وَ لَـمْ تَـذُبْ فِـي هَوَانَـا أَيُّ فَاكِـهَـةٍ
    تُظْمِي الشِّفَاهَ..وَلَمْ نَشْبَـعْ وَ لَـمْ نَجُـعِ
    فََخَفِّضي صَـوْتَ مُوسِيقَاكِ...مَعـذِرةً..
    وَ إِنْ تَعَذََّّرَ تَخْفِيضُ الصَّدَى.. فَدَعِـي..
    وَ حَدِّثِينِي عَلَى مَهْـلٍ.. بِمَـا سَرَقَـتْ
    تِلْكَ المَرَايَا، وَ إنْ حَدَّثْـتُ.. فَاسْتَمِعِـي
    +++ +++ +++
    تَمَنَّعِي..لَـسْـتُ أَدْرِي أَيُّـنَـا ثَـمِـلٌ
    بِمَا تَخَثَّرَ مِنْ غَيْمِـي وَ مِـنْ ضِيَعِـي
    و نَاوِلِينِـي كُؤُوسـاً مِـنْ مُكَابَـدَتِـي
    وَ رَاقِصِينِـي قَلِيـلاً رَقْصَـةَ البَـجَـعِ
    فَأَنْـتِ كَالطِّفْـلِ لا تَدْرِيـنَ بَعْـدَ غَـدٍ
    مَاذَا يُصِيبُـكِ مِـنْ تَقْـوَايَ أَوْ وَرَعِـي
    +++ +++ +++
    تَقَنّعِي..لَسْـتُ أخْشَـى اليَـوْمَ أَقْنِـعَـةً
    فَمِعْطَفِـي لَـمْ يَعُـدْ يَشْتَـاقُ لِلْـبِـدَعِ
    تَأَكَّدِي..هَـلْ لِهَـذَا القَـلْـبِ أَجْنِـحَـةٌ
    فَكُلُّ مَا طَارَ..مِنْ سِحْرِي.. وَ مِنْ خِدَعِي
    وَ كُلُّ مَا مَزَّقَتْهُ الرِّيـحُ.. مِـنْ خِرَقِـي
    وَ كُلُّ مَا نَسَجَتْهُ الأَرْضُ..مِـنْ رُقَعِـي
    وَ كُلُّ مَا أَحْرَقَتْـهُ النَّـارُ مِـنْ كُتُـبٍ..
    حِبْرٌ تَعَلَّمَ مِنْ صَمْتِـي..وَ مِـنْ وَجَعِـي
    هذا المقطع أليس يحمل تلك السمات التي طالما تحدث عنها رواد الحداثة ؟ حقيقة هي قصيدة غامضة يُخيل للقارئ أنها قصيدة غزلية إذ يُخاطب الشاعر ضميرا مؤنثا يحتمل كثيرا من التفاسير غير أن القصيدة وكما قال صاحبها هي عبارة عن مخاطبة تخيل أن صدام يوجهها إلى أمريكا .
    في الأخير ما أريد أن أختم به هذه المحاضرة هو أن الشعر هو لغة النفس للنفس يتحقق نجاحه بالعفوية والوضوح بل حتى بالترميز و الغموض لكن إذا أمكن الفهم .وتحققت غاية الشعر و هي الإطراب و تأدية رسالة التي فيكثير من الأحيان لا يوجهها الشاعر و إنما تُفهم من كلامه داخل حدود النص .

  2. #2
    الصورة الرمزية د. عمر جلال الدين هزاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    الدولة : سوريا , دير الزور
    العمر : 50
    المشاركات : 5,078
    المواضيع : 326
    الردود : 5078
    المعدل اليومي : 0.75

    افتراضي

    تسجيل حضور
    ـــــــــــــ
    لك التقدير أخي
    موضوع هام ومميز
    لي عودة بعد التمعن
    ولك المودة
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية د. عمر جلال الدين هزاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    الدولة : سوريا , دير الزور
    العمر : 50
    المشاركات : 5,078
    المواضيع : 326
    الردود : 5078
    المعدل اليومي : 0.75

    افتراضي

    الأخ الكريم
    والأديب الكبير :
    محمد الأمين سعيدي

    ـــــــــــــــــــــ
    لايسعني سوى أن أقدم لك شكراً جزيلاً و امتناناً جماً لما تفضلت به من دراسة عميقة أصابت في معظم نواحيها ومحاورها قلب الحقيقة
    فكانت كشعلة تضيء الطريق لرواد الشعر ومحبيه إذ فتحت نوافذ واسعة أمام الحداثة في الشعر العربي الفصيح
    هيكلياً و معنوياً
    وقد لا يكون لدي المزيد لكي أقوله هنا
    ولكنني رغبت لو أنك وأنت من قد أجاد ترتيب أفكاره بدءاً من المقدمة النموذجية التي قمت فيها بتعريف الشعر وظروف نشأته
    ثم ولجت فيها إلى بدايات التغييرات التي حدثت في أس الشعر وأغراضه
    ومثلت لذلك بما أحسنت اختياره من تلك الشواهد
    وددت لو أنك قد فتحت نوافذ أخرى في صور تلك الحداثة
    ولن أتعمق في ذكرها
    ولكنني ساكتفي بذكرها مع بعض الأمثلة
    واترك لك وللإخوة الكرام أن يمعنوا فيها , ففيها إن شاء الله ما سيفيد القراء
    .........


    - أن كثيراً ممن اتهموا الشعر العربي بالنمطية والتقليد والقولبة , قد تراجعوا عن أقوالهم أمام ثبات الشعر الموزون بوجه هجمة العصرنة التي تريد تحطيم أهم عناصر الشعر التي تميزه عن بقية صنوف الأدب
    وأعني بذلك الوزن والقافية والقالب الموسيقي المميز
    ومنهم :
    محمود درويش الذي قال عن هذا الشعر :
    "باتت تميزه النمطية على الرغم من أن هذا الشعر في حد ذاته يمثل ثورة على النمطية في الشعر العربي."
    وهو نفسه يقول :
    " أشعر بالاطمئنان حين أقرأ شيئا جديداً لسعدي يوسف ذلك أن الشعر العربي مازال بخير "
    وفي هذا دلالة وكفاية على أن مثل هؤلاء الشعراء لا يمثلون مرجعية في الأدب العربي

    - أن الجنوح لتهديم القالب الموسيقي ليس من أجل الشعر لأن تهديم هذا الأساس سيخرج الشعر من زمرته التي ينتمي إليها
    ويصبح نشئاً جديداً , إن لم يكن مسخاً غريباً
    بل تحطيم الوزن والقافية ما هو إلا دلالة ضعف أراد أصحابها أن يتفلتوا من ضوابط الكتابة الشعرية متذرعين بالحداثة في القالب والمعاني
    وكما لو أننا حاولنا تجديد الشكل العام للقصة أو الرواية بحذف أحد عناصرها , كحذف العقدة ( الحبكة ) مثلاً
    فسنجد أن أبسط قارىء لا يستسيغ النمط الجديد
    وهذا لا يعني بحال من الأحوال إنكارنا للإبداع الأدبي أياً كان شكله أو مضمونه
    فحيث أننا لا نبخس الأدباء حقهم
    ومن كان منهم لا يقوى على نظم الموزون
    لن نلقي بنتاجه الأدبي في القمامة
    ولكننا لا نقول لكل من كتب كلمتين أو نصاً خالياً من الموسيقى بأنه شاعر
    فلكل تصنيف لا يتعداه
    ولكل وجوه إبداعية قد لا يتمكن منها الآخر بأدواته التي يستعملها

    - والنقطة الهامة التي كنت آمل أن أجدها في بحثك ودراستك هذه
    هي الجنوح الشديد للغموض في المعاني
    فبرغم ما تفضلت به من مقال وشواهد
    إلا أنها تظل بحاجة إلى أهم محور للحديث
    وهو أن الحداثيين قد تطاولوا على القيم الاجتماعية والموروث الشعبي
    والمفهوم الديني
    بل وحتى على الخالق جل وعلا
    ومن ذلك أمثلة كثيرة
    من الواجب علينا أن نذكر بها القراء
    ومنها :

    * محود درويش :

    فى قرائته لجدارية - (مديح الظل العالي) ،عام 1986 في قاعة المركز الثقافي الملكي في عمان :


    اقرأ
    باسم الفدائي الذي خلقا
    من جزمة أفقا
    يا الله
    جربناك
    جربناك
    من اعطاك هذا السحر
    من سمّاك

    ومن أعلاك فوق جراحنا ليراك ؟؟

    * عبد الوهاب البياتي :

    يقول في ديوانه ( كلمات لا تموت ) صفحة 526 :

    الله في مدينتي يبيعه اليهود
    الله في مدينتي مشرد طريد
    أراده الغزاة أن يكون
    لهم أجيراً شاعراً قواد
    يخدع في قيثاره المذهب العباد
    لكنه أصيب بالجنون
    لأنه أراد أن يصون زنابق الحقول من جرادهم
    أراد أن يكون


    * مظفر النواب :

    دخلت على بستان
    كان الرب يجلس على أصغر برعم ورد
    قلت له اركض ستموت الان
    ركض الرب
    الدرب
    الارض
    وابواب صفيح تشبه حلم فقير فتحت


    * نزار قباني :

    لا تخجلي مني فهذي فرصتي
    لأكون رباً أو أكون رسولاً

    [الأعمال السياسية (2/761)]


    ـــــــــــــــــــ
    قد يطول الحديث عن متفرعات أخرى
    ولكن :
    هذا ما وددت أن أشارك به في محاضرتك المفيدة
    وآمل أن يكون له محل نظر عندكم
    ولك التقدير

  4. #4
    الصورة الرمزية محمد الأمين سعيدي شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    المشاركات : 1,981
    المواضيع : 138
    الردود : 1981
    المعدل اليومي : 0.30

    افتراضي

    هزاع ..

    أشكرك على ردك الجميل و على ثقافتك الكبيرة ..

    جميل ما كتبته هنا

    كنت أريد مناقشة من الإخوة حول هذا الموضوع لأهميته لكن أدري لم لا يزورون كثيرا منتدى النقد
    شكرا

  5. #5
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    الدولة : أرض الله..
    المشاركات : 1,952
    المواضيع : 69
    الردود : 1952
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    أخي الأمين..

    أفصحت عن الحضور الشعري ..وحتمية تواجده ..والشعر اللجدير بالذكر ما كان مرآت عاكسة لهوية أمته..إذ لايعقل أن يغرد عصفور خارج سربه ثم ينتظر الاستجابة...

    الواجب هو التمسك بالهوية..و التعبير بالطرق الحديثة..

    والبعث :كيفية الوصول إلى قلب وذهن القارئ..

    إن هؤلاء الذين حملوا أبواقهم و زمجروا خارج الصفوف هم الذين أسقطوا الشعر في منظور القارئ..

    ولكثرتهم ..عزف المتلقي عن الشعر كلية ظنا منه أن الشعراء كلهم قلب واحد..

    والسؤال المطروح للنقاش:كيف نعيد الشعر إلى حضيرة القارئ..؟

  6. #6
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    الدولة : أرض الله..
    المشاركات : 1,952
    المواضيع : 69
    الردود : 1952
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    أخي الأمين..

    أفصحت عن الحضور الشعري ..وحتمية تواجده ..والشعر الجدير بالذكر ما كان مرآة عاكسة لهوية أمته..إذ لايعقل أن يغرد عصفور خارج سربه ثم ينتظر الاستجابة...

    الواجب هو التمسك بالهوية..و التعبير بالطرق الحديثة..

    والباعث :كيفية الوصول إلى قلب وذهن القارئ..؟

    إن هؤلاء الذين حملوا أبواقهم و زمجروا خارج الصفوف هم الذين أسقطوا الشعر في منظور القارئ..

    ولكثرتهم ..عزف المتلقي عن الشعر كلية ظنا منه أن الشعراء كلهم قلب واحد..

    والسؤال المطروح للنقاش:كيف نعيد الشعر إلى حضيرة القارئ..؟

  7. #7
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    بحث قيّم كتب بأكاديمية وتنظيم وبتقدم في الطرح ذكي وموفق، بعرض واع واختيار ذكي للنماذج التمثيلية
    نجحت بتقديم رؤيتك بما يفي ويفتح الباب لمزيد حوار وتوضيح في قضية تستحق ندوات توضيحا للحقيقة وتفنيذا لمزاعم المدعين بوجود الخروج من قوالب الشعر الأنيقة التي تميزه عن غيره من ألوان الأدب


    دمت بخير

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

المواضيع المتشابهه

  1. كتاب جديد/ القدس في الشعر العربي الحديث/ د. يوسف حطيني
    بواسطة د. يوسف حطيني في المنتدى أَنْشِطَةُ وَإِصْدَارَاتُ الأَعْضَاءِ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 08-03-2012, 11:57 AM
  2. الأصالة في الحديث محفوظ فرج
    بواسطة محفوظ فرج في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 13-08-2011, 12:00 AM
  3. الصورة الفنية في الشعر العربي الحديث
    بواسطة عبدالقادر حوسو في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 03-06-2011, 10:11 PM
  4. تجدُّدُ موسيقا الشِّعْرِ العربيِّ الحديث
    بواسطة د. مصطفى عراقي في المنتدى العرُوضُ وَالقَافِيَةُ
    مشاركات: 55
    آخر مشاركة: 16-05-2010, 11:39 AM
  5. العلمانية في الشعر العربي الحديث
    بواسطة الصمصام في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 17-08-2003, 05:26 AM