لو أُجـْرِي استبيان ، وطـُلِبَ من المواطن العربي أن يقول رأيه بصراحة - في تداول السلطة
- بعد إعطائه الأمان على حياته طبعاً ..
.. لقال البعض : أنه داء الحكّـام- ودواء الشعوب . ولقال آخرون : لو حصل عليه العرب- لتحولت عينهم إلى غين .
ولقال غيرهم : اسألوا الراسخون في العلم - فربما احتاج الأمـر إلى تأويل . ولقال سواهم : لا شك أنها كاميرا خفية- ولكنها مفضوحة .
ولقال آخرون : لا فائدة من السؤال عن المستحيل . ولقال آخرون- التساؤل حول الغيبيات- أمـر منهي عنه – فما بالك بالإجابة عليه .
والآخرون ، و .. ، و ... الخ ، وربما قال بعضهم : اسألوا عن سبب غيابه - فلن تحتاجوا - إلى السؤال عنه ...
أما لو تم توجيه ذات السؤال إلى الحكّـام .. ؛ فإنني أظن أن الصريح والجريء منهم سيجيب عن السؤال (بعـد ضمان عدم التسجيل وعدم النشر ) ..
.. سيجيب بهذا السؤال : هل توجد بيئة شعبية عربية صالحة لتداول السلطة ؟ .. بمعنى من يكفل للرئيس كرامته واحترامه كإنسان – إذا تنازل عن السلطة .؟ ..
.. وهو سؤال يتقاطع مع المنطق في نقاط عـدة ...
إذ كيف نطلب من الحكّـام أن يعيشوا معنا حياة نهرب منها ..! كيف نطلب منهم التنازل عن المنصب الوحيد - المحترم بيننا ..!
كيف نطلب منهم أن يذوقوا مرارة العيش بملء إرادتهم ..! كيف نطلب منهم أن يكونوا أفراداً في مجتمعات تـدّعي الإيمان – وهي التي غيـّرت مفاهيمها - بما يُـخالفه ؛ وتغيرت فيها دلالات الألفاظ ..
مجتمعات أصبح فيها الظلم - رجولة ؛ وأضحى التزوير - ثقافة ؛ وأمست الغيبة - صدق ؛ وباتت النميمة - وفاء للصداقة ؛
وسُـمِّـيـت الفتنة - ذكاء ؛ ونـُعِـتَ التعصب الأعمى - بالوفاء ؛ وتمت ترجمة الغش - إلى تكنولوجيا ؛ وصار الكذب- سرعة بديهة ؛ ووُصِـفَ النفاق - بالوعي ؛
وتحول الصدق - إلى بلاهة ؛ ومُـسِـخت الأمانة - إلى دروشة ؛ وتغيـّر الآخر - إلى عدو ؛ وتم التعامل دون اتفاق وفق مبدأ - أن المبادئ - تخلف ؛
وأن الولاء - شهادة خبرة وكفاءة ؛ وأن الجبن - فطنة , والأخلاق - مرض نفسي ؛ والنظام - عقـدة ؛ والهمجية - تواصل اجتماعي ؛ والفوضى - حرية ؛ وصلة الرحم - صلة مصالح والمصالح تبيح المحظورات ؛
والسرقة - فن وإقدام ؛ والخداع -عولمة ؛ والاحتيال - نشاط ؛ والصفاقة - حداثة ؛ واللؤم - كياسة ؛ ومخالفة القانون - شجاعة ؛ والعنف - حجّـة ؛ ... و ...الخ .
وحجـّة مجتمعاتنا في ذلك أن الحكّـام هم الذين أوصلونا إلى هذا المآل . وأنهم لو شاءوا لأصلحونا ..!
نقول هذا دون حياء من رب العزة . نقول هذا ونقول قبله وبعده .. أننا مؤمنون نخاف الله ملك يوم الدين ؛ ونقول أن الأرزاق والآجال بيد الله .
ونعترف أن - الابن والأخ والقريب والصديق والزميل والجار والصهر- الذين نـُقـدّرهم ونحترمهم ونساعدهم ، وننافقهم في حضورهم ؛ ونغتابهم ولا نواجههم ، ونـدّعي مُـصارحتهم ..
نعترف أن ما يفعله ويُـخـطـّط له هـؤلاء من فساد ، هو الذي يمس الأخـلاق والأرزاق - مباشرة - لا ما يفعله الحكّـام ؛
لأن ما يفعله هؤلاء مكشوف ومعلوم للجميع ، وبالتالي فهو مُـثير لروح التنافس الشرير من أجل الثراء ، وخالع للحياء .!
فهم الذين يفعلون ما يُـغضب الله - ولا يُضيـر الحكّـام - ويُفاقم ويُرسّـخ مآسي المحكومين .!
ونعترف أننا نـُخالف شريعة الله وقوانين الحكـّام . ونعترف أننا نحن من طبق القوانين على الضعيف وترك القوي , وليس الحكام .!
ونعترف أنه لو اقتصرت التجاوزات على الحكـّام .. لشعر الناس بالعدل والمساواة .!
ونعترف أنه لو استطاع أحدنا امتلاك الأرض بمن فيها وما عليها .. لما تأخر لحظة .!
ونعلم أنه منا من اشترى ضمائر القضاة والمحامين ؛ ومنا من زوّر الشهادات التعليمية ؛ ومنا من برّر للظالم ظلمه ؛ ومنا من حمى هاتك العرض والسارق ؛
ومنا من حفظ الفاتحة ونسي الخاتمة ؛ ومنا من صـدّق بياسين(يس) ، وكذب بيوم الدين ؛ ومنا من ينتظـر قيام الساعة ، ويشارك في قيام البشاعة ؛ ومنا من غشيت مسامعه الأنعام ، وملأ بطنه الحرام ؛
ومنا من ادّعى خشوع قلبه ، وأكّـد عِظَمَ ذنبه ؛ ومنا من بنى بسرقته القصر ، وأسقط من حساباته القبر . ومنا من تباعدت به الآمال ، ولم يعبأ بقرب الآجال .
فهل من المنطق أن نطلب ممن يمتلك عناصر القوة في مجتمع لا يحترم إلا الأقوياء ، أن يتنازل عنها ، ويصبح فرداً حقيراً- لا تشفع له إنسانيته ولا إسلامه - فـيُـهان في أول بوابة يـمـر منها - وذنبه الوحيد أنه مواطن - وليس رئيساً ..!
ولصالح من يتنازل عنها ؟ .. لصالح أحد أفراد ذاك المجتمع ..!
كيف نطلب من الأقوياء فينا ، أن يصبحوا ضعفاء بيننا .! كيف نطلب من الأعزاء أن يصبحوا أذلاء .!
ألسنا نحن من أوصل الحكام إلى احتقارهم لنا .! ألسنا من يمتدحهم في حضورهم , ونغتابهم ونسبهم في ظهورهم .!
ألسنا من يقـدّس ويُجل المسئولين بين أيديهم ، ونكيل لهم الشتائم والسخرية والمكائد – من خلفهم .!
ألسنا هؤلاء هم نحن ..! هل نحن أكثر من ذلك .! هل هذه مجتمعات يفخر الحكام أن يكونوا أفراداً فيها ..؟
ثم إذا تنازل الحاكم عن السلطة ، فهل الملائكة جاهزة لتحل محله ، وتقيم العدل في الأرض ..! وهل في مجتمعاتنا من يجزم أنه لا يحول بيننا وبين الصدق والأمانة والعدل والقسط والإيمان .. إلا الحكام ..!
هل منا من يعتقد أن الحكام يفخرون بتخلف بلدانهم و جهل شعوبهم ..! ألم يخطر ببالنا أنهم ربما يتمنون الأمن والاستقرار والتقدم والرفاهية لشعوبهم ليفاخروا بها - إذا لم يكن ذلك من أجلها .! أليسوا بشراً مثلنا .! ألا نظلمهم بعض الشيء .!
ثم إن ما نراه من ظلم ومحسوبية ووساطة وعبث بالممتلكات العامة وتكبـّر وجهل من المسئولين الصغار والمدراء ..
أليس دليلاً على أن الخلل فينا وليس في الحكام .! وأن الحكام هم أقلنا ظلماً وجوراً .!
ولنفترض أن الحكام ظلمة ... ألسنا مسلمين ونعلم من قرآننا أن الحكم مُلكٌ - يؤتيه الله من يشاء ، وينزعه ممن يشاء .!
فهل نحن بما نفعله من كبائر الذنوب وصغائرها ، وتحميل وزرها للحكام .. هل نحن بذلك نعترض على قضاء الله ..! أم ماذا .!
ألا يتمنى بعضنا زوال نعمة البعض منا .! ألا نحسد بعضنا على المناصب والمال .!
ألا يكون الخلل في الطبقة الوسطى .. التي تفصل - وتصل الحكام بالمحكومين . أليست هذه الطبقة هي المسئولة عن تعويض الفاقد - من بطانة الحكام .!
ألا يـُحسب إنتاج وبناء هذه الطبقة على الطبقة السفلى – والذين بالنتيجة - هم نحن ..!
أليست المسئولية - كبيرة كانت أو صغيرة - أمانة عظيمة جسيمة .. حسابها عسير وأجلها قصير .!
فهل من الإيمان في شيء أن نحسد من حملها .. ونجتهد في مزاحمته عليها ، ومشاركته في وزرها .!
بدل أن نقتنع بما قسم الله لنا ، ونصون ألسنتنا ونحسب كلماتنا ، ونتقي الله في ضعفائنا ، ونساعد بما نستطيع في بناء بلداننا ،
وأن نصمت إذا لم نستطع قول الخير أو فعله .. حتى نستحق بذلك رحمة الله .. فيستجيب سبحانه وتعالى - دعاءنا ...
مع تحياتي ..