الجزء الثاني : دولة الراشدين .
أولاً .. لا يوجد تعريف مُـحدد ، ولا خلفاء معدودون تقتصر عليهم صفة الخلفاء الراشدين .!
فحتى إذا صح ما نـُقل عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه - أنه قال .. الخلفاء الراشدين من بعدي ..
فهو لم يُـحددهم بالزمان أو بالعدد ، ولم يذكرهم بالإسم ، بدليل الخلافات التي حدثت بسبب الخلافة - منذ اليوم الأول لوفاة الرسول الكريم ، وحتى قبل مواراة جثمانه الطاهر-الثرى .!
وإذا كانت الثقافة والتاريخ الإسلاميين قد حددا عصر الخلافة الراشدة بتلك الحقبة التي تلت عصر النبوة ، وسبقت قيام الدولة الأموية ؛ ومنهم من أضاف عمر بن العزيز -كخليفة راشد خامس ؛ ..
فإن ذلك كله لا يُـعطي تعريفاً كافياً ومُـحدداً لمعنى الخلفاء الراشدين ؛ ولا يمنع من استمرار وجودهم وظهورهم وتطورهم -بما يكفل رشاد الأمة وسلامتها - وفق تغير العصور وتطور حياة الإنسان .. إلى ما شاء الله .!
ثانياً .. لا أحـد يمكنه أن يُـنكر حقيقة إيمان أولئك الأبطال الذين أرسوا - بعد الرسول الكريم مباشرة - قواعد الأمة الإسلامية ؛ بمجهوداتهم العظيمة وصبرهم ومحاولاتهم الفكرية .
ولكن وبالمقابل فإن ذلك لا يُعطي الحق لأحد أن يقول عنهم أنهم معصومون عن الخطأ ؛ وأنهم الذين يقصدهم الرسول دون غيرهم - بقوله الخلفاء الراشدين .
كما وأنه لا ينفي عنهم أنهم كانوا آنذاك (أولياء الأمـر والرعية) حديثي عهد بالجاهلية وبالتعصب القبلي ؛ وأن العرف والولاء وروابط الدم لديهم كانت ذات تأثير كبير في معاملامتهم وقراراتهم .. رغم صدق إيمانهم .
وقد نقل لنا التاريخ شواهد كثيرة على ذلك .. أذكر منها : أن الذين امتنعوا عن دفع الزكاة للخليفة الأول ، والذين قامت ضدهم ما سُميت بحروب الردة ؛ كان دافعهم إلى ذلك هو عدم رضاهم عن خلافة أبي بكر الصديق رضى الله عنه .!
وهم عرب مسلمون عاصروا الرسول ونزول الوحي ، ويعلمون بمكانة أبي بكر عند الرسول ويعلمون بصدقه وإيمانه .. ولكن ذلك لم يكن كافياً لهم ليبايعوه خليفة عليهم .!
ومعلوم أن علياً كـرّم الله وجهه - قد تأخـر في تقديم البيعة لأبي بكر ، وأن ذلك كان إيذاناً ببداية التشيـّع لعلي كـرّم الله وجهه .
وأذكر منها .. أن الخليفة الثالث - عثمان رضي الله عنه ، كان قد تصدّق بقافلة كاملة في سبيل الله في عهد الرسول ، حيث قال فيه الرسول الكريم حينها .. لن يُضير عثمان ما يفعله بعد اليوم .
وكذلك فإن عثمان -وأثناء خلافته- كان قد ولى أخيه -لأمه- على مصر ، وعهد له بجباية خراج شمال إفريقيا . ومعلوم أن أخيه لأمه ذاك - كان قد أهدر الرسول الكريم دمه في مرحلة سابقة .
ومعلوم أن ولاية أخيه تلك كانت هي السبب في وفاة عثمان . ومعلوم كذلك أن الكيفية التي قـُتل بها عثمان على أيدي مسلمين - وهو يقرأ القرآن في بيته ، وهو خليفة المسلمين آنذاك .. كانت هي السبب في ما بعدها من صراعات على الخلافة أو (على السلطة بمفهومنا اليوم ) .
حيث طالب معاوية بن أبي سفيان بقتلة عثمان ليقتص منهم (معاوية وعثمان -ينتميان إلى ذات العشيرة) ، وكان أن رفض علي بن أبي طالب تسليمهم أو القصاص منهم ؛ مما حدا بمعاوية إلى رفض إعطاء البيعة لعلي ؛ ثم ترتب على ذلك إعلان الطائفة الشيعية عن ظهورها ؛ ومن ثم انضمام بقية المسلمين إلى معاوية ومبايعته وهم من يُـعرفون اليوم بأهل السنة والجماعة ؛ ثم ظهور طائفة المعتزلة والخوارج ...
فهل يا ترى يوجد في تلك الحقبة مثالاً يحتذ .؟
أنا أرى أن تلك حقبة لها ما لها وعليها ما عليها بمفارقاتها العجيبة .. وعلـم ذلك وتأويله عند الله وحـده .
ولذلك فإني لا أرى أنها تصلح مثالاً يُـقاس عليه في قيام الدولة ونظام الحكم .!
.
.
الجزء الثالث والأخير .. رؤيتي للدولة الأموية وما تلاها -باختصار - حتى يومنا هذا ، والنتيجة التي خرجت بها ..
سيأتيكم ذلك قريباً .. مع أصدق تحياتي ..