إن التطهر في صورته النهائية هي الرجوع إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها .. ويبدأ هذا من منطلق الطلب كما هو مفهوم ومتفق عليه .. ومن ثم , الفطرة التي تحولت من خلال المفاهيم المكتسبة إلى غرائز , ولنا أن نسأل مثلا كيف أصبح اليهودي يهودياً أو المسلم مسلماً .. أو يحمل قناعات على ماهي عليه .. لنا أن نقول أن هنا تتحول المفاهيم بالضرورة والوقت والاستمرارية والتعبئة إلى غرائز ثابتة .. تحرك الإنسان فيما بعد .. ومن ثم عندما طرح القرآن في سياق آياته مفهوم الشيطان .. كان متأسسا فعله على أساس قناعاته بأن أساس خلقه من النار أفضل ممن خلق من الطين أو التراب .. ومن هنا كان اعتماد الشيطان في تحديه لله تعالى على اساس قناعة هي مؤسسة في ضميره هذا لو جاز لنا ان نستخدم مفهوم الضمير الشيطاني .. كما ان هذا لم يمنع أن يكون الشيطان مؤمنا بالله واليوم الآخر .. مما يقف معه الإنسان بين موقفين الإنتماء لله وطاعته وبين الانتماء للشيطان .. من هنا .. كان وجود الشيطان ليس فقط في الغواية .. إنما في تعديل المفاهيم التي تترسخ او يتم تفعيلها على مسار العمر او السنوات .. من هنا وما تسخير الشيطان على الانبياء أو للأنبياء لقهرهم بقدر ما هو كشف عن عورات النفس ليكون النبي ميقنا التحولات الإنسانية ويكشف له هذا من ناحية أخرى عن لغة خطابية يمكنه توجيهها للبشر مثله ..

و لأن تحول المفهوم السماوي الى لغة إنسانية تحتاج معاينة وألم واجتراح كما يحدث مع بعض الصوفيين او المعاينين تجاربهم الروحية على بساطتها او تركيبها .. ومن ثم ليس الغاية من الشيطان مثلا في توظيفه في حياة النبي / الانبياء والرسل والمؤمنين إلا لحكمة وهذه الحكمة تتجلى لهم ولنا بقدر ما يتم من خلاله تحويل المفاهيم التي أصبحت غرائز, و ليس تحويلها بمعنى تحويل ولكن انتفائها والعودة إلى الفطرة السليمة التي فطر الله عليها البشر .. ومن هنا لنا أن نبحث عن مفاهيم الأعماق وهي درجة من الوعي التي تتطلب الفهم والإدراك السليم .. والكشف عن مفاهيم الأعماق لهو ضرورة دينية أو إيمانية .. للعودة إلى الفطرة التي يمكن من خلالها الفرد المؤمن أن يستوعب إشارات الله وآياته .. فليس هناك قلب يستوعب او يمكنه تلقي هذه الآيات وهو غافل عنه .. ومن ثم كانت خاتمة قول الله تعالى للنبي محمد ( ص ) ما معناه أنه اوصله إلى الفطرة التي يمكنه من خلالها أن يوجه البشر إليها بتفعيل ممكنات الإيمان على درجاته وكل حسب اجتهاده وقدرته وصدق مساعيه وإلحاحه في طلبه لله ..