حين أذهب إلى بحيرتي ...
وما أكاد أدخلها حتى ...
أمسي في عالم آخر ...!
عالم كله طهر طهور الماء ...
طهور في نفسه مطهر لغيره ...
لا تكاد أطرافي تتمالك نفسها ...
وترمي عيني نفسها على المكان ...
مابين شجر بألوان متشابك الأغصان ...
وطير يغرد في صوت يسري في الجنان ...
وقمم لجبال عالية تحيط بالمكان ...
فيكون ثمة رقي بروحي فوقها ...
وتأمل لتسبيح شجر ...
وتغريد طير فصيح ...
وهو اهتزاز الوجدان مع الرب ...
فيكون العيش معه لأوقات ...
ويغرد الجنان كما غرد الطير ...
يا خالق الشجر ...
يا منزل المطر ...
يا عالم الخبر ...
يا نازلا في السحر ...
يا هاديا لمن غبر ...
يا من أبصر وستر ...
يا من علم وغفر ...
يا رحيما يا كريما يا مجيبا لدمع انهمر ...
كن بي ودودا يا حبيب ...
كن لي معينا يا قريب ...
كن معي هاديا يا مجيب ...
كن لحالي ساترا يا وهاب ...
كن لدمعي قابلا يا تواب ...
كن لروحي مطهرا يا ملاذ ..
ثم هي المعاني السائلة تنطلق ..
فتكون بردا وسلاما على محياي ..
تزيد من لهيب في قلبي ..
وتشعل يقينا في روحي ..
وتحمي نار الحب في صدري ..
كأن ذاك الطائر يمرح فيه ..
كأن نسمات السحر تداعب حناياه ..
كأن قطرات المطر ترويه ..
أهيم مع حالي ومقالي وسؤالي ..
في هيئة لا يراني فيها إلا الرب الكريم ..
وبعض من مخلوقاته التي لا تعرف سوى التسبيح ..!
فيكون الولع في المعاني ..
ويكون للجبل مباني ..
وتمر الذكرى والآلام ..
وتعرض المواقف والآمال ..
فيوقفني صوت طائر يغرد على طريقته ..
ينقر الخشب في العلو ..!
وقفت .
نظرت إليه .. سارع بالنظر إلي ..
وعاد ينقر الخشب إذ هو في قمة الشجر ..!
وقف قلبي وجمد دمعي ..
فما ثمة غير قرع مستمر ، في علو !
واستمر طائري ينقر حتى تركته ..
وأدركت المعنى وفهمت الرسالة ..
وتذكرت حال محب مثلي باح بخبره ..
فرددت بوحه ومني مزيد ...
إلهي ....
إن كان قلّ زادي في المسير إليك ..
فلقد حسن ظنّي بالتوكّل عليك..
وإن كان جرمي قد أخافني من عقوبتك ..
فإن رجائي قد أشعرني بالأمن من نقمتك ..
وإن كان ذنبي قد عرضني لعقابك ..
فقد آذنني حسن ثقتي بثوابك ..
وإن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك ..
فقد نبهتني المعرفة بكرمك وآلائك ..
وإن أوحش ما بيني وبينك فرطُ العصيان والطغيان ..
فقد آنسني بشرى الغفران والرضوان..
رب ....
أسألك بسبحات وجهك وبأنوار قدسك ..
وابتهل إليك بعواطف رحمتك ولطائف برك ..
أن تحقق ظني بما أؤمله من جزيل إكرامك وجميل إنعامك ..
في القربى منك والزلفى لديك والتمتع بالنظر إليك ..
وها أنا متعرّض لنفحات روحك وعطفك ..
ومنتجع غيث جودك ولطفك ..
فارّ من سخطك إلى رضاك .. هارب منك إليك ..
راج أحسن ما لديك ..
معوّل على مواهبك ..
مفتقرٌ إلى رعايتك ..
إلهي ....
ما بدأت به من فضلك فتمّمه ..
وما وهبت لي من كرمك فلا تسلبه ..
وما سترته عليّ بحلمك فلا تهتكه ..
وما علمته من قبيح فعلي فاغفره ..
إلهي استشفعت بك إليك ..
واستجرت بك منك ..
أتيتك طامعاً في إحسانك ..
راغباً في امتنانك ..
مستسقياً وابل طولك ..
مستمطراً غمام فضلك ..
طالباً مرضاتك قاصداً جنابك ..
وارداً شريعة رفدك ملتمساً سنيّ الخيرات من عندك ..
وافداً إلى حضرة جمالك ..
مريداً وجهك طارقاً بابك ..
مستكيناً لعظمتك وجلالك ..
فافعل بي ما أنت أهله من المغفرة والرحمة ..
ولا تفعل بي ما أنا أهله من العذاب والنقمة برحمتك يا أرحم الراحمين ..
رب ....
رب ....
إني مغلوب فأنتصر ....
رب ...
إني مؤمل فاستجب ....
رب ...
إني طامع فاعن ....
رب ...
إني هائم فوفق ....
رب ....
رب ...
فاجمعني بمن أحب ...
رب ...
فسدد الدرب ...
رب ...
ففرج الكرب ...
رب ...
فسهل الصعب ...
وما أن انتهيت من بوحي ...
حتى عاد طائري لمزيد نقر ...
يقول لي : هو ذا الخبر ...
فرددت ....
يا خالق الشجر ...
يا منزل المطر ...
يا عالم الخبر ...
يا نازلا في السحر ...
يا هاديا لمن غبر ...
يا من أبصر وستر ...
يا من علم وغفر ...
يا رحيما يا كريما يا مجيبا لدمع انهمر ...
كن بي ودودا يا حبيب ...
كن لي معينا يا قريب ...
كن معي هاديا يا مجيب ...
كن لحالي ساترا يا وهاب ...
كن لدمعي قابلا يا تواب ...
كن لروحي مطهرا يا ملاذ ..
إنني عبدٌ لربي !