أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 15

الموضوع: الضحك عند أقدام الميت

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2007
    المشاركات : 590
    المواضيع : 50
    الردود : 590
    المعدل اليومي : 0.10

    افتراضي الضحك عند أقدام الميت

    الضحك عند أقدام الميت

    نظر إلي بعين واحدة يوشيها خليط عجيب من الحنان والصرامة ، كان يتكئ على عاتقي في انتظار خيزرانته المحلاة بزخارف السنين ، عندما غمغم :
    - إلى أين تأخذني ؟
    - يا أيها الوالد ...
    - دعك من تزويق الكلام ولبوس الشيطان وأفصح .
    - يا أبي ... اشتقت إليك ، وهدّني البعادُ ، وأكلتْ لظى الغربة لحمي ، ونخر سوس الشوق عظمي ، فدعنا نذهب على غير نهج ، نسير كما اتفق ، فقط أريد أن أكون معك ، وأسمع لعنك وشتمك واحتجاجك على كل شيء ..
    لاحظت ارتعاشة شاربه وخفقان جفنيه ، لقد كاد يبكي ، فأشفقت عليه وخفت أن أنفجر بين يديه .. فمددتُ له مفاتيح السيارة قائلا : " ستقود أنت " فردّ وقد فهم أني أريد إنقاذه من تلك الحالة التي يستحي فيها الرجل من عواطفه :
    - أو تظن أني لا أقدر عليها ؟؟
    "انتبه . أريدك ألاّ تخذل هذين الشاربين . كن رجلا . واصبر على الأذى حتى يملّك . واحذر إذلال الرجال ، وغضب الحليم .. خذ ،، أقم بها أود حياتك حتى يستقيم أمامك الطريق . اصنع زمنك ولا تجعله يصنعك .. "
    ولم يكف عن القول حتى أني أذكر أني لم أعد أسمعه , كأنه كان يعمد إلى الكلام يغطي به عواطف بدأت ترج الضلوع تريد الإفلات والصراخ ..
    وصلنا دون أن نشعر بالطريق إلى عاصمة الإقليم ، وكان الجو لا يخلو من ذلك البرد الذي يحسه الشيوخ ويضحك منه الشباب ، فأخذت بيده ، تماما كما كان يأخذ بيدي في طفولتي ليشتري لي فطائر العم سالم ،" قد مات وشبع موتا " هكذا كان يقول لي عن كل من أسأل عنه .
    وقف عند باب أحد المجمعات وتسمر في مكانه يأبى الدخول :
    - أبتي ! تعالى ! سأشتري لك غداء ، تعالى أرد لك نتفا من فضائلك ...
    وبعد رجاء كاد يلفه البكاء دخل وما إن أبصر الناس على كلّ شكل ولون حتى فغر فاه ، وأنا أكتم ضحكي وأبتسم له : وفجأة توقف ممسكا بيدي وضاغطا عليها حتى كادت تدمع عيناي :
    - فقط أريد أن أعرف هذا الكائن الذي يمشي أمامنا ، هناك قرب ذلك الضوء الأزرق ، هناك ! هناك ! عند ذلك الكدس من اللحم ،، أريد أن أعرف هل هو امرأة أم رجل ،، أدفع ما بقي من عمري وأعرف ذلك فقط ..
    - وما يهمك في ذلك ؟
    - ألا ترى أن الدنيا أجدبت ولم نر المطر منذ أيام جدك رحمه الله .. كيف سيرفق الله بنا والناس ، بل الشياطين ، على هذه الحال ؟ ( ثم وهو يهمس إلي وكأن الناس تتصنت عليه ) : ما رأيك ؟ تعال نقترح عليه أو عليها أن يذهب معنا إلى طبيب شرعي . لا أحد سيثبت جنسه سواه .
    وغرقتُ في الضحك ... وأفقت فوجدتني جاثما عند قدميه ، وهو مسجى أمامي وتلك الابتسامة الساخرة لا تفارق شفتيه العريضتين ..فمسحت خجل دمعتي و ضحكتي بها : رحمك الله يا أبي ..
    ما كنتُ أدري بأنّ الشِّعر يغرقـــني = من قمّة الرّأس حتّى أخمص القـدم

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    الحامدي..
    عمل ادبي مميز سواء من حيث البناء المحكم ، أوعلى أو العمق الدلالي ..من حيث المعنى والمغزى.. والذي من خلالهما يتوسم تشكيل المعنى المستهدف بالتصوير في ذهن القارئ ..العنوان كان هنا اولى المداخل لتشكيل هذا المفهوم..ومن جاءت الفكرة لتتعمق ..وهو ما أعبر عنه ببلوغ السارد درجة من الاقتدار على التحكم في التخيل ..من زاوية الانشغال الذهني بالحدث الاساسي..وكاني بالقاص هنا اعتمد في بعض فترات سير الحدث القصصي لغة تكاد تكون اقرب الى لغة الخطابة ..لكن ذلك لم يمنع من ان ينجح في الإبلاغ بالصورة الفنية المكثفة ..من خلال التحكم الواعي في مكونات الأسلوب..والنص يغرقنا بلاشك في متاهات اللاوعي..واستحضار الزمنية والمكانية في قالب درامي مميز بحيث نعيش المكان ومنه نسترجع الزمن.. ومتغيراته.. وهذا ما يسعف المتلقي في اعادة النظر في المكونات السردية هنا والتي وظفها الكاتب.. في محاولة منه لربط المفاهيم القديمة والرؤى القديمة بالحديثة.. قبل التوصل إلى إيحاءات ودلالات تلك الصورة في كليتها ..وجاءت الخاتمة تزيد من اليقين في كون الحدث سار منذ وهلته الاولى داخل اطار اللاوعي.
    النص لمحة ذكية من الكاتب من اجل ايصال الفكرة الاساس الى المتلقي واستغلال العنوان قد تم على اكمل وجه.

    دمت بخير
    محبتي لك
    جوتيار

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2007
    المشاركات : 590
    المواضيع : 50
    الردود : 590
    المعدل اليومي : 0.10

    افتراضي

    فعلا أخي جوتيار أراك حقا تقرأ بعقل نسيجه الوعي المتيقظ والإدراك العميق ،، وما ذكرته هو فعلا ما قمت بتجريبه فنيا في هذا النص ..
    1 - لأول مرة أجرب أن يكون العنوان فكرة ويأتي النص لشرحها كما التوضيح بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال ..
    2 - عادة ما نخضع المكان للزمن حتى في ثقافتنا اليومية الجمعية وقد حاولت أن أخضع الزمان للمكان فتطور الأحداث بحكم تغير المكان لا تطور الزمان ... هل نجحت المحاولة ؟؟ ذلك متروك للقراء الكرام .
    لعلك أخي تلاحظ معي أن الأقصوصة عمل سريع لذلك فإن النمطية تقتلها ،، كما أن التجديد في الأقصوصة والحركية فيها لا يأتيان في نظري عن طريق تغيير الموضوع بل عن طريق التشكيل اللغوي ، أي فن القص .
    هي محاولات والواحة مجال رحب لذاك .
    دمت بخير فيلسوفنا الرائع

  4. #4
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2007
    العمر : 50
    المشاركات : 1,177
    المواضيع : 55
    الردود : 1177
    المعدل اليومي : 0.19

    افتراضي

    أخي محمد

    البساطة والعفوية والسلاسة التي سقت بها النص تنم عن رسوخ الذكريات في ذهنك بأدق تفاصيلها ،

    وأحسب أن استحضار التفاصيل مدعاة لمزيد من الألم والتحسر على لحظاتها التي طواها الزمن طيا ،

    وأبقت عليها الذاكرة لكي يعود إليها الخيال كلما أثاره إليها موقف ، أو أنها - أعني التفاصيل العالقة في

    الذاكرة - هي الآخرى تتسلل إلى القلب والوعي ، فتقول له : إياك أن تنساني ...

    أخي محمد هل أنا متوهم إن حمت حول العنوان ( الضحك عند أقدام الميت ) فقلت :

    ما أغلظ قلوبنا - بني آدم - نواري أعز الناس وأقربهم الثرى ، ثم بعد غد نقيم حفلة زفاف .

    *****

    كان النص مليئا بالعبارات الرفيعة جدا ، منها هذه العبارة المشرقة المحرقة :

    " يا أبي ... اشتقت إليك ، وهدّني البعادُ ، وأكلتْ لظى الغربة لحمي ، ونخر سوس الشوق عظمي " .

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2007
    المشاركات : 590
    المواضيع : 50
    الردود : 590
    المعدل اليومي : 0.10

    افتراضي

    شكرا أخي أحمد على هذا التحليل المستفيظ العميق ،، فقط ما قلته في العنوان يذكرني بالمثل التونسي وأحسبه عند بقية العرب : كثر الهم يضحّك . هذا الذي تراه يضحك عند جثة والده في النص إنما مرد ضحكه هذه الغيبوبة في تذكر " نقشات " أبيه ... وتلك سنة الحياة لا تقف عند الموت إلا لحظة وإلا ما كانت حياة ...

  6. #6
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2007
    العمر : 50
    المشاركات : 1,177
    المواضيع : 55
    الردود : 1177
    المعدل اليومي : 0.19

    افتراضي

    أخي محمد صدقت والله فيما يتعلق بالعنوان نعم كثيرا ما أتذكر طرائف أبي - رحمه الله وأباك - وأضحك ،

    وأحينا أقهقه من الضحك حتى يتعجب أبنائي مني ... ، ولكن أحيانا يراودني إحساس قد يعقب ذلك الضحك ،

    وقد يأتي مستقلا ، بأننا يجب أن نبكي على فراقهم أيضا ، فظننت أن العنوان

    ( الضحك عند أقدام الميت ) عبر عنه ، وأن النص عبر عن استحضار تلك المواقف الطريفة الخالدة في الذاكرة .

    ولك مودتي دوما

  7. #7
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2007
    المشاركات : 590
    المواضيع : 50
    الردود : 590
    المعدل اليومي : 0.10

    افتراضي

    أخي أحمد أحيانا أفضل ألا أشرح ما أكتب وأترك للقارئ الكريم حرية الفهم والتأويل ...
    شكرا على محاورتك اللطيفة

  8. #8
    الصورة الرمزية زاهية شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    المشاركات : 10,345
    المواضيع : 575
    الردود : 10345
    المعدل اليومي : 1.42

    افتراضي


    والله سواء أكان ضحكًا أو بكاءً تحت أقدام الميت فالنص جميل جدًا وفيه مساحة واسعة لسياحة المتلقي الفكرية في ذكرياته مع من قضى نحبه من أهله وماذا كان شعوره وقت كان مسجى أمامه ..دمعت عيناي وأنا أقرأ هذا النص الجميل جدا ربما لأنه يمثل جزءً من حياة كل فرد منا ولكن قلَّ من ينتبه إلى هذه النقطة بالذات ..لك شكري وتقديري أخي المكرم محمد الحامدي .بانتظار الجميل دائما من نصوصك
    أختك
    بنت البحر
    حسبي اللهُ ونعم الوكيل

  9. #9
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2007
    المشاركات : 590
    المواضيع : 50
    الردود : 590
    المعدل اليومي : 0.10

    افتراضي

    شكرا بنت البحر على سمو ذوقك ورفعة ردك وقولك
    في البال ذكريات حفرها الألم فما تمّحي ... أذكر "غاندي " عندما كان في السجن يلتذ بمتابعة آلام " الروماتيزم " تلك هي الحياة .. حياتنا .. يسلينا بل يضحكنا الألم ..
    دمت بخير

  10. #10
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,099
    المواضيع : 317
    الردود : 21099
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    لحظة رائعة .. عبرت عنها بقوة .. وبجمال .. وعمق.
    سرقت فكرنا وإحساسنا من خلال تلك الذكريات التي
    أسترجعها الأبن, وسرد بديع أخذ بمجامع قلبي فدمعت
    عيناي عند أقدام الميت, وبكيت معه أبي.. فقد شدت
    حروفك إنتباهي وعزفت على أوتاره.
    تحياتي وتقديري.

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. احتراقات على أقدام بغداد
    بواسطة يوسف أحمد في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 25-10-2010, 02:11 PM
  2. تحت أقدام الصمت
    بواسطة فدوى يومة في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 04-07-2009, 09:49 PM
  3. حقيقة تحت أقدام الكبرياء ..!!!!
    بواسطة عبدالعزيز الجبره في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 16-05-2007, 09:48 PM
  4. قمـــة الجــزائر// اكرام الميت دفنه // !!!
    بواسطة محمد حافظ في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 26-03-2005, 04:22 PM
  5. فوائد الضحك
    بواسطة محمود سلامة الهايشة في المنتدى عُلُومٌ وَتِّقْنِيَةٌ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 20-03-2005, 08:28 PM