الحياة التي كانت هنا أضعتِها، مخالفةً لكلّ النهايات.. أردتِ وضعَ حدٍّ لأيام كرهْتِها,اختتمتِ حقبةً من عمرك بخاتمة غير سعيدة... ورحلتِ عنهم كلُّهم برحلة بعيدة.. وتودّين لو ترحلين حتى عن تلك التي أوصلتْكِ إلى حياة ما عمركِ رَغِبْتِها، لكنك ما كنتِ تملكين وقتَها بديلاً لها...
هذا على الأقلّ ما حاولتْ "أنتِ" الأخرى إقناعَكِ به... لَهَوْتِ متحرّرة من كل القيود.. متحدّيةً كل علوم الفلسفة والمنطق.. وكنتِ تدركين خطورة كل خطوةٍ وتتقدّمين.. كنتِ تحسبين حساب كل السلبيّات واختياركِ يزداد تمسّكاً بكل ما يوحي إليكِ أنّك نفسكِ تدمّرين...
أيتها العالمة الغريبة.. اتركي برجَكِ العاجي وتاجك المرصّع بالماس وتنازلي وخاطبي البشر بلغة البشر...
ما أصعب أن يعيش نبيٌّ محاطاً بالكفّار.. ما أصعب أن تبحثي بين الملايين عن واحد أو شِبه واحد.. في الأرض، في السماء، بين الغيوم الماطرة... ما أصعب أن نكون، ونُتَّهَمُ بالجنون.. ما أصعب أن تحملي البذرة ولا تجدين التربة الصالحة...
اخرجي من هذا العالم الحقيقي... الذي يسكنكِ واسكني في عالم الوهم الجماهيري الذائع الصيت...
حذارِ، تبدّلتِ لأنك مللتِ السطحية.. حذار، فإنك بأعماق الكلمات لن تنالي مأربكِ، وربما تبتعدين أكثر... ملعونة الفلسفة التي تطلب دائماً المزيد...
مهما نصِل تقول لنا هازئة: تعبت؟ مللت؟ لم تعد تستوعب أيها العقل؟ ما عدت تستطيع اللحاق بعظمتي الفلسفية؟...
اتركي الفلسفة واخرجي إلى بستان البساطة.. إلى رياض الحقيقة، بِحُلْوِها وأساها.. اركعي واسجدي للقدرة التي وهبَتْكِ ما حرَمَت معظمَ الناس منه... لا تستعمليه سلاحاً ضد الآخرين.. وأهمّ من ذلك، حذار أن يقتلكِ علمُكِ أو يسجنكِ في قمقمٍ لا خروج منه.
وتذكّري قول الشاعر يخاطب من ادّعى بالعلم فلسفةً، بأنه عرف أشياءً وغابت عنه أشياءُ.. فارأفي بحالكِ وكُفّي عن رياضة ذهنيّةٍ قد ترمي إلى التهلكة, و قد تؤخر وتؤخر، ولا تنادي أحداً.. فلا حياة لمن تنادي... ارحمي نفسكِ من نفسِكِ...
سأكون رحيماً هذه المرة فقط.. لكن ستأتيكِ الأنباء تباعاً.. وستجدين نفسكِ عاريةً... ترتجفين من برد تجريدك من كل ما يُثقل كاهلكِ.. ولا تجرئين على الاعتراف بلونه القاتم... سيدتي، حتماً لنا موعد قادم...