المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد الرشيدي
الشاعر الفذ يحيى السماوي حرسه الله
تحية عاطرة وسلاما جميلا
ما إن قرأت قصيدتك حتى حضرتني كلمة لأستاذ لي : " إن البيان عن البيان صعب ".
وها أنا أمام وافرة الحسن مرة أخرى في موقف آخر ، فماذا أقول ؟ أألوذ بالصمت وأتأملها دون أن أنبس ببنت شفة ، أم أن الأجدر بي أن أتسلل هاربا ؟ لا والله لن أفعل ، بل سأستدرجها لأبثها الشكوى بلوعة ، والحزن بألم ، ولابد من شكوى لذي مروءة يواسيك أو يسليك أو يتوجع ، إيهٍ ما لي أراكِ متملمة ضجرة كما رأيتك من قبل :
رُوَيْدَك ِ ... لا الملامُ ... ولا العِتابُ
يُعادُ بِهِ ـ إذا سُــكِب َ ـ الـشـَّــرابُ
فـليسَ بـِِمُزْهِـر ٍ صَـخـرا ً نـمــيـرٌ
ولـيسَ بـِِمُعْـشِـــبٍ رَمْـلا ً سَــرابُ
عَقَدْتُ على اليَبابِ طِماحَ صَحْـني
فـَجـادَ عـَليَّ بـالـسّــغَــبِ الـيَـبـابُ
وجَـيـّشْــتُ الأماني دون خـَطـْو ٍ
فـشـاخ َ الدَّرْبُ واكـْـتَهَـلَ الإيابُ
ولـمّـا شـَـكَّ بيْ جَـسَـدي وكادت ْ
تـُعَـيِّـرُني اللــذائِـذ ُ والـرِّغـابُ
والله إن هذا ليقود إلى ما بعده :
عَـزَمْتُ على المجونِِ وَرَغَّبَتني
بهِ أنثى ... ودانِـيَـة ٌ رِطـابُ
ما أسرع أوبتَك بعدما عزمتَ ، وما أراك عازما ما هو إلا خاطر ألم ، فطرد طردا :
صَرَخـْتُ بها : ألا يا نفسُ تـبّـا ً
أتالي العُمر ِ فاحـِشة ٌ وعـاب ًُ؟(1)
ألم تخبر هذا الدواء من قبل ، فكان ماذا ؟
حَرَثتُ بأضلعي بستانَ طـيْش ٍ
تَماهى فيه لي ْنـَفـَرٌ صَحاب ُ
فلمْ تنبُتْ سوى أشجار ِ وهْم ٍ
دَوالـيهــا مُـخادِعَـة ٌ كِـذابُ
أفقتُ على قصور الحلم ِأقوتْ
فمملكتي النَدامَة ُ والخـَرابُ(3)
آه من هذه الصور التي ترتسم فيها صورة النفس ، لقد أكثرتَ على نفسك ، والله كأني أراك تسلك طريقين في آن واحد أحدهما شرقا والآخر غربا .
رُوَيْدَك ما لزهرائي استحمّتْ
بنهر ظنونها وأنا الصّوابُ ؟
أحسب أن في هذا البيت خبيئة لا يعرف كنهها إلا أنت أيها الشاعر .
فإنَّ المرءَ راع ٍ ... والأماني
ظِباءٌ ... والمقاديــرَ الذئابُ
والله إن هذا البيت لخير ألف مرة من قصائد أبتلينا بها في زماننا الأعجمي هذا .
*****
أيها الشاعر الكبير كدت والله أن أجمل القول وأقول : ولي عودة ، وكان يغريني بهذا كلمة ـ لا يقولها إلا أنت ـ لك في تباريح العاشق البدوي ـ قلتها للأخ عدنان .
والله إني لأعق الشعر بقراءتي المبعثرة هذه ، وها أنا أكر أيضا :
فـليسَ بـِِمُزْهِـر ٍ صَـخـرا ً نـمــيـرٌ
ولـيسَ بـِِمُعْـشِـــبٍ رَمْـلا ً سَــرابُ
حكمة رفيعة زادها رفعة التنكير الدال على العموم .
وأوْتار ٍ إذا عُزِفـَتْ تـناسّــتْ
رَزانـتـَها الأصابِعُ والـرِّقـاب
انتقاء الأصابع والرقاب يتقاصر دونه الشعراء ، ولله در الإمام عبد القاهر إذ يقول : " وأنت حين لا يهمك التفصيل كمن يأخذ الشيء جزافا وجرفا ".
أفقتُ على قصور الحلم ِأقوتْ
فمملكتي النَدامَة ُ والخـَرابُ(3)
ما أعذب جرس الصدر وكأنه خرير ماء ، ( أفقت ) تشعر بانجلاء الوهم ، والتعبير عن الأحلام والآمال بـ
( قصور ) فيه من الحصافة ما فيه لأنه ينبئ بأنها أحلام طويلة عريضة تبددت وتلاشت في لحظات ( أقوت )
وانظر العطف بالفاء ما أبدعه وأصدقه هو هذا ولا يكون بغيره ، فقد استحالت القصور التي بنى الشاعر لبناتها مملكة شيدتها الندامة والخراب ، ولست بغافل عن الإضافة التي تدمي القلب فتند منه زفرات ممدة كالتي تراها في مد ( الندااامة ) و ( الخرااااب ) .
أيها الشاعر الكبير رويدك ورفقا بنا وبنفسك ، فوالله إنك لتسكب في نفوسا الكلمات قطرات مضمخة شعورا وفكرا وخيالا ...