أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: الضحية

  1. #1
    الصورة الرمزية سعيدة لاشكر قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jul 2007
    المشاركات : 106
    المواضيع : 43
    الردود : 106
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي الضحية

    الضحية


    وصلت الحافلة التي تنقلها هي ومتيلاتها إلى السجن, حيت ستمضي خمس سنوات من حياتها وراء قضبانه.
    خرجت واحدة تلو الأخرى مكونين صفا مستقيما, طبعا تحت إشراف الحارسات الشديدات البنية وتحت أشعة الشمس الحارقة, وصلن أخيرا للبوابة الضخمة, رفعت رأسها لتملأ عينيها بالمناظر قبل أن تودعها لخمس سنوات, لكنها لم ترى سوى مساحة هائلة تملأها الأحراش والنباتات اليابسة التي أحرقتها شدة الحرارة, عادت بعينيها إلى البوابة تسمع قرقعة المزالج والأقفال مازالت لا تصدق أن كل هذا يحدث, مازالت تأمل أن تستفيق من هذا الكابوس, ما زالت تأمل أن يأتي شخص ما ليبعدها عن كل هذا وينسيها المرارة التي عاشتها والعذاب الذي ينتظرها خلف هذه البوابة.
    فتحت البوابة وبدأت السجينات تدخلن تحت دفعات الحارسات التي تظاهي اللكمات, تلقت بدورها دفعة على كتفها اهتز لها جل جسدها نظرت بسرعة للتي دفعتها متأهبة للدفاع عن نفسها لكن نظرة منها أخرصتها وجعلتها تعود للصف منكمشة على نفسها ممسكة بكتفها لعل الألم يبرد شيئا ما, تقدمت للأمام وعيناها تطوفان بالمكان للتعرف على تفاصيله لكن سرعان ما اجتاحت أنفها رائحة نتنة وكلما تقدمت أكثر كلما زادت حدة النتانة.
    غريبة هي هذه الحياة التي قادتها لهذا المصير الذي لم تحسب له في حياتها أبدا حسابا, من كان يتصور أن ندى الفتاة الجامعية الجميلة, التي أخيرا بعد جهد مضني حصلت على وظيفة محترمة كمحاسبة في شركة والتي كان كل همها أن تبقى مرفوعة الرأس وترفع معها رأس عائلتها ترمى هذه الرمية البائسة في هذه الزنزانة الكئيبة.
    ’ السجن’ كلمة لم تكن ضمن قاموس تفكيرها كانت تسمعها في الأفلام في الأخبار لكنها أبدا لم تفكر أن تكون في حياتها أو بالأحرى أن تخطف خمس سنوات من عمرها وأي سنوات أحلى سنوات.

    مرت أيام قليلة عرفت فيه زنزانتها و تعرفت على رفيقاتها فيها ثلات نساء أخريات كلهن ولجن عالم الجريمة.
    في الأيام الأولى لم تكن تتحدت أو تأكل أو تنام كان كل همها أن تستوعب الفكرة, فكرة أنها حبست بين أربعة جدران, فكرة أنها لن ترى أسرتها, فكرة أنها فعلا دخلت السجن ولا مناص لها منه, فكرة أن العدالة بكل جبروتها وبكل عظمتها خدلتها فحبستها, حبست المظلوم وتركت الظالم خارجا يسرح ويمرح ويبحت عن ضحايا جدد, فتيات جميلات يلف حول رقبتهن حبل السجن فيخيرهن إما يتبعنه ليغوص بهن في أعماق الخطيئة وإما يلفق لهن قضية اختلاس محكمة ليكن عبرة للأخريات, لكنها مازالت لا تستوعب كيف لأغلب زملائها في العمل كيف لهم أن يشهدوا ضدها في التحقيق؟ كيف لهم أن يلقو أصابع الإتهام عليها وهم أدرى الناس أنها يستحيل أن تناقض خلقها أن تعرض شرف مستقبلها للخطر؟ حاولت أن تبرر تصرفهم ربما هددهم بالطرد, ربما أصابهم الهلع من فكرة الطرد أمام ارتفاع نسبة البطالة وقلة فرص الشغل والغلاء, فامتتلوا له مجبرين لكنها تعود فتقول هل متل هذه الأسباب تبيح لهم كل شيء؟ تم تضع نفسها مكانهم, هل تستطيع هي أن تفعل بهم هذا؟ هل تستطيع أن تشهد شهادة زور وتبيعهم بهذا الثمن البخس؟ هل تستطيع أن تكون في صف الظالم على المظلوم؟ فتجد أنه من المستحيل أن تفعل, من المستحيل أن تسمح لها نفسها البريئة, الشريفة, العفيفة, أن تنزل لهذا المستوى المتدني وتضع يدها في يد رئيسها الشيطان, نعم لابد أنه شيطان ليخطط وينفد والمهم أنه دائما ينجو بفعلته.
    وبعد كل هذا ها هي الآن مع المجرمات لم تنفعها براءتها وشرفها وطيبوبة قلبها هاهي الآن لم يشفع لها لا حبها لكل الناس, لا جدها المضني في الدراسة و في العمل ولا حتى دكاءها وسرعة بديهتها كل هذا لم يحل دون دخولها السجن, فكرت لماذا ومع اتصافها بكل هذه الأوصاف الحميدة تهان بهذه الطريقة؟ ربما لو اتصفت بعكس هذه الأوصاف ما آلت أمورها إلى هذه الحالة, ربما لو كانت متل زملائها الأنانيين الخبثاء, نعم فبالرغم من كل شي هم مازالو خارج قضبان السجن محتفظين بوظيفتهم براتبهم بحياتهم.
    فبكت كما لم تبك يوما انهمرت دموعها غزيرة سالت ساخنة على خديها ملأت وجهها وانسابت على الوسادة رهيب هو الإحساس بالظلم, قاس هو الإحساس بالظلم , وعميق هو هذا الجرح في قلبها الذي ما فتىء الإحساس بالظلم ينخر فيه وينغرز في أعماقه لا يخفف عنه لا كثرة الدموع ولا حتى كثرة الوقت.
    عانت في السجن من رداءة الأكل ومن عدم نظافة الأفرشة واختبرت الويلات من تواصلها مع السجينات, اكتشفت حقيقتهن وسوء حظهن في الحياة, الذي أحيانا يفوق سوء حظها وعانت أيضا من الجفاء وسوء المعاملة وأهم شيء أصبح لديها وقت أكثر من كافي لتفكر وتتمادى في التفكير بكل ما يحيط بها.

    مرت خمس سنوات وهاهي مجددا أمام البوابة, تسمع قرقعة المزالج والأقفال وتنتظر الخروج للعالم, مرت هذه الفترة طويلة عليها, قاسية, مروعة, وأحيانا لا تجد الكلمات لتصفها وهاهي الآن مرت لكنها لم تمر مرور الكرام, بل امتصت سنوات من زهرة شبابها سنوات اهدرت بلا طائل.
    وقفت متشبتة بحقيبتها ونظرت نظرة ازدراء للوراء تم تابعت طريقها بخطوات مصرة, لا شك أنها ليست بالمرة تلك الفتاة المسكينة المظلومة التي دخلت السجن مذلولة مقهورة, بالتأكيد لن تكون كذالك, فالألم الذي عانته والظلم والبكاء والإحتقار والذل والمهانة قادرين على تحويل طيبوبة قلبها إلى عداء, وحبها للناس إلى كره, وحنانها لقسوة وشفقتها على الضعفاء لجفاء وأن يكون كل همها الإنتقام, الإنتقام من كل شخص والدوس على كل شخص للوصول لغايتها علها تطفيء هذه النار الملتهبة في قلبها وعلها تتأر لبقايا تلك الإنسانة السادجة التي جعلتها طيبوبتها تغرق في بحر المآسي.
    أخيرا خرجت, مشت خطوات والريح تلفح وجهها وتمتد لشعرها, فتلوح بخصلاته للوراء , تقدمت أكثر مستشعرة لذة الحرية واتسعة بسمة كبيرة على شفتيها, بسمة استهزاء وسخرية في ثواني تحولت لضحكة عالية, هستيرية ونطقت من بين ضحكتها: ’ها أنا آتية إليكم فانتظروني يا أشباه البشر, انتظروني يا وحوش, أقسم أني سأنال منكم ولو عنى هذا أني سأصير واحدة منكم.’

    وربما اكتشفت أو ستكتشف بعد فوات الأوان أنها ليست إلا ضحية فالقسوة لم تكن طبيعتها لكن السجن علمها إياها وهكذا نحن الخطيئة لا تولد معنا لكن المجتمع يدفعنا إليها.

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    العزيزة سعيدة..
    الضحية قصة ذات نسق متراص...وتناسق في الاداء..والسرد جاء متكاملا..برز فيه حالة الوصف.. واعتمد الساردة عليه في نقل الحالة التي مرت بها الضحية منذ الوهلة الاولى الى نهاية المطاف..... بأسلوب شيق محكم.. عباراتها جاءت متراصة.. وذات ايقاع نفسي جيد..حيث شعرت بأن العاطفة غلبت على الكثر من مراحل الحدث القصصي..ولقد ابدعت الساردة هنا بأخذ تلابيب الزمن والمكان..بحيث نقلتنا من الحدث الزمني والمكاني الكبير..الى الصغير..ومن ثم اعادتنا الى البدء..والفكرة حاولت ان تضع بين ايدينا حقيقة هي ربما لاتخفى على احد..كون ان الكثير من من يسجن ليس الا ضحية الاجتماع والحياة او اخرين متسلطين..ووو..فعلا قرأت قصة فيها المزج بين اللغة الراقية والأسلوب المتين وجمال العبارة ...وقد جاءت نهاية القصة متوقعة بعض الشيء من سياق الحدث الاساسي فيها.

    دمت بخير
    محبتي لك
    جوتيار

  3. #3
    الصورة الرمزية سعيدة لاشكر قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jul 2007
    المشاركات : 106
    المواضيع : 43
    الردود : 106
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    عزيزي جويتار
    تقييمك شامل
    ومقنع جدا
    ممتنة لك عزيزي على كلماتك التي لا تعرف البخل
    تحياتي

  4. #4
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jun 2007
    العمر : 39
    المشاركات : 155
    المواضيع : 4
    الردود : 155
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي


    الأديبة سعيد لاشكر

    قصتك - الضحية -
    اعتمدت اسلوب القص المباشر والسردية ...
    يعين على ذلك نفس قصي متمكن ...
    كما اعتمدت القصة ...
    تجزئة اللوحات ... للامساك بالابعاد الزمانية والمكانية ...
    عالجت مشكلة مجتمعية وأخلاقية ... خلقتها التناقضات الاقتصادية والأخلاقية المعاصرة ...
    وقد أغرقت القصة أحيانا في السرد فضاع التكثيف المحبب في القص .
    القصة موفقة وذكية الاداء .
    تحايا قلبية

    نوف

  5. #5
    الصورة الرمزية محمد سامي البوهي عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+ الكويت
    العمر : 46
    المشاركات : 1,087
    المواضيع : 110
    الردود : 1087
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    الأستاذة الأديبة / سعيدة لا شكر

    مرحباً بحرفك الوارف ...

    قرأتك هنا تمتلكين قدرة غير عادية على تحريك السرد ، باستطراد متراص ، متماسك ، قدرة إبداعية عالية ...
    وإنك كانت الحياة السردية ، والإطنابات طغت على العمل ، وهذا ما يتعارض مع عامود القص القصير (التكثيف) ، لكني حقاً استمتعت بالقراءة ، لكن عندما تعرض القصة على غير المختصين ، أو تصتدم بعوام المجتمع من القراء ، لن تتملكهم القدرة على تحمل هذا الدسم السردي
    ...

    هكذا كانت النهاية :

    (وربما اكتشفت أو ستكتشف بعد فوات الأوان أنها ليست إلا ضحية فالقسوة لم تكن طبيعتها لكن السجن علمها إياها وهكذا نحن الخطيئة لا تولد معنا لكن المجتمع يدفعنا إليها.)

    وهي من النهايات التي تسمى نهايات ذوات الذيل ، لكنها للأسف من العيوب التي تأخذ على كاتب القصة ، لأنها نهاية مزدوجة تأتي تفسر النهاية الأصلية ، وإذا فسرت النهاية الأصلية فقدت ايحاءاتها ، وانغلق مفهومها ...

    الأديبة سعيدة لا شكر

    أشيد بقدرتك ، وتمكنك ...

    تحيتي

  6. #6
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    سرد فيه تشويق وفكرة فيها صرخة ضمير إنساني يتناول صورة من وجع
    صوت الراوي كان مرتفعا فغلبت المباشرة على النص وفي هذا ما يضعفه
    والعنوان جاء كاشفا منذ البداية

    دمت بخير

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  7. #7
    الصورة الرمزية خلود محمد جمعة أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2013
    المشاركات : 7,724
    المواضيع : 79
    الردود : 7724
    المعدل اليومي : 2.00

    افتراضي

    قصة من ارض الواقع بأسلوب مباشر فيه بعض التكرار
    طرح لقضية انسانية بأبعادها السلبية والايجابية
    الشرح في نهاية القصة لم يعطي للقارئ مساحة للتفكير
    بورك اليراع
    دمت بخير
    مودتي وتقديري

  8. #8
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,112
    المواضيع : 317
    الردود : 21112
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    قصة واقعية درامية محزنة ـ ماتعة بسردها الشائق
    وأسلوبها الأدبي الرشيق، ومعانيها الراقية
    أحي فيك هذا الألق الأدبي، وهذه الرؤية العميقة
    والتصاعد الدرامي المحكم
    وإن كانت النهاية لم ترق لي .
    سلمت يداك ـ ودمت بكل خير.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  9. #9
    الصورة الرمزية تسنيم الفراصي أديبة
    تاريخ التسجيل : Nov 2018
    العمر : 23
    المشاركات : 102
    المواضيع : 12
    الردود : 102
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    الحياة تفعل ما هو أكثر من ذلك ! .

    حقاً راقني التسلسل هنا و السرد المُتقَن،
    رائع و كفى.

المواضيع المتشابهه

  1. الضحية - ق ق ج
    بواسطة خلود داود أحمد في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 12-04-2013, 12:43 AM
  2. الضحية
    بواسطة حسيبة.وهران في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 29-06-2009, 09:36 PM