الإخوة الأحباء
أنقل لكم هذا الحوار الذي أجري معي من قبل مراسلة الجزيرة توك فاطمة عبد الرحمن ، والذي جاء في ختام الفصل الثالث من قصة البحث عن الجفرا الحقيقية في التراث الفلسطيني
وسأضع لكم الفصلين الأولين لا حقا
http://www.aljazeeratalk.net/portal/...t/view/1248/1/
رحلة البحث عن جفرا – الفصل الثالث والأخير
07/08/2007
الجزيرة توك تكشف حقيقة أهم شخصيات التراث الفلسطيني لأول مرة – مقابلة مع الشاعر إياد حياتله
فاطمة عبدالرحمن – الجزيرة توك – خاص
مضت 84 سنة ولحظات، وجفرا تنظر حولها بعيون ناعسة ثم تبتسم...وأعلن الخبر ! لم يعرف برحيلها سوى قلة من أهل القرية الذين فرقتهم الغربة..تناقلوا الخبر بهدوء. وصوت يتحسر : رحمها الله ! كانت تحافظ على أناقتها وتمشي بالـ"كعب العالي" حتى آخر أيامها ! وصغير يسأل : أبي! ومن هي الجفرا ؟! وموظف الأونورا يضيف اسما جديدا لقائمة اللاجئين الأموات. وعامل يكتب على لوح من الرخام : الفاتحة. بسم الله الرحمن الرحيم. وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا.تستريح المرحومة الحاجة رفيقة نايف حماده.أم كامل الجفرة. مواليد كويكات فلسطين 1923. توفيت في 10-1-2007.الموافق 20 ذو الحجة 1427...
عند قبرك ذرفت دموع الصمت
كنت أتسائل طوال هذه الرحلة الفريدة، لو كانت الجفرا وعاشقها يهوديان، فهل كانت لتبقى هذه القصة طي الكتمان حتى نفجع بخبر وفاة جميع أبطال هذه القصة ؟! يا ترى كم من الأفلام كانت ستخرج في هوليوود ، وكم أغنية ورواية وقصيدة كانت ستتغنى بها...
الجفرا الآن ترقد في مقبرة برج البراجنة في بيروت، ماتت في غربة الأرواح بعيدة عن نكهة الوطن...والمخيم الذي عاشت فيه سنين من عمرها اكتظ باللاجئين وتزداد أوضاعهم سوءا يوما بعد يوم. أما قريتها الصغيرة "كويكات"، فقد أقيمت على أنقاذها مستعمرة "بيت عميق" ليهود بريطانيا وأوروبا !
يا ترى كم شخصية ماتت قبل أن ينتبه إلى وجودها أحد ؟ وهل ستبقى "الصدفة" وحدها التي تقرر تدوين ما تبقى من التراث فلسطيني؟! هل ستموت أغاني الجفرا كما ماتت هي ؟ ربما كانت هذه القصة ببعدها الإنساني وغيرها الكثير فرصتنا للخروج من حالة "التعميم" و"الترقيم" التي باتت تلاحق آلام هذا الشعب وشهدائه !
أما أنتِ يا جفرا ...فتقبلي عذري وأسفي على ما اقترفته حروفي من تقصير...ورود أنثرها فوق ثراكِ، ووعد باللقاء في جنان السماوات...
جفرا وحروف القصيدة
كان للجزيرة توك مقابلة مع الشاعر إياد حياتله للتعرف على جوانب أخرى عن هذه الشخصية والأغاني والأشعار التي تغنت بها، وتساؤل عن دور الشعراء والمثقفين في حفظ هذا الموروث الشعبي الفلسطيني.
ولد الشاعر إياد حياتله ( أبو عاطف) عام 1960 في مخيّم العائدين في حمص ، لأسرة تشرّدت من قرية الشجرة قضاء طبريا ، وانتقل مع عائلته إلى مخيّم اليرموك بدمشق عام 1966 ، حيث عاش هناك حتّى العام 2000 ، وبعدها هاجر مع زوجته وأولاده إلى إسكتلندا مؤقتا بانتظار العودة إلى فلسطين...
الجزيرة توك : بداية شاعرنا الكريم لو تحدثنا عن بداياتك في عالم الشعر والشعر الشعبي خصوصا ؟
بدأت قصّتي مع الأدب والشعر مبّكرا ، حيث فتحت عيوني على أبٍ شاعر ( المرحوم عاطف كامل حياتله ، أبو أيمن ) وجدٍّ شاعرٍ وراوية للشعر أيضا ( المرحوم كامل هويّن حياتله ، أبو هويّن ) ممّا أتاح لي فرصة الإستماع إلى الأشعار والزجليّات في مضافة جدّي ، التي كانت أشبه بالصالون الأدبي حيث كان يجتمع فيه الشّعار والزجّالون والمهتمون من أهالي المخيّم ، لتبادل مواويل الوطن ، واستذكار لياليه الفائتات ، واستشراف صباحاته القادمات
هناك أنصتُ بقلبي قبل آذاني لأبي سعيد الحطّيني ، والحاج فرحان سلاّم ، ويوسف الحسّون ، وشاعر العتابا السّوري أبو محمّد الحسواني ، والشاعر والمغنّي الشجراوي أبو عرب.
بدأت كتابة الشعر الفصيح منذ زمن بعيد ، ونشرت بعضه في المجلاّت ، وشاركت في أمسيات شعريّة كثيرة ، أمّا عن الشعر الشعبي والزجل ، فقد كنت أدندن به وبدأت تدوينه فقط قبل سنتين ، ومن خلال شبكة فلسطين للحوار أولاّ ، وبعض المنتديات الأخرى ، وكتبت في معظم أنواعه ، من العتابا ، إلى المعنّى ، إلى زريف الطول والدلعونا ، والقصيد ، وصولا إلى الجفرا
الجزيرة توك : ما الذي يميز الزجل في بلاد الشام وخصوصا فلسطين؟
يكتسب الزّجل الفلسطيني مميّزات عديدة بسبب موقع فلسطين المركزي بين الأقطار العربيّة ، وأيضا بسبب طبيعتها الجغرافيّة وما تمتاز به من تحوّلات مناخيّة وتضاريس متعدّدة ، وتنوّع ظاهر في تركيبتها الديموغرافيّة ، ممّا جعل اللهجة المحكيّة في فلسطين غنيّة بالمفردات والتراكيب ، متبوّءةً المكان الأقرب من بين جميع اللهجات الأخرى إلى اللغة العربية الفصحى
وينقسم الزجل الفلسطيني إلى عدّة أنواع ، أهمّها :
1 - القصيد .. وعادة ما يكون على وزن البحر الوافر بالشعر العربي أي مفاعلتن مفاعلتن فعولن ، أو على البحر الكامل ، متفاعلن متفاعلن متفاعلن ، ويستخدم في مقدّمة وختام المعارك الزجليّة
2 – المعنّى .. وهو على وزن بحر الرجز بالشعر العربي ، أي مستفعلن مستفعلن مستفعلن ، ويستخدم بشكل أساسي في الحوارات الزجلية في مواضيع الغزل والتحدي وخلافه
3 – القرادي .. وهو من أسهل الاوزان وتأتي أوزانه من البحر المزدوج التي تتألف دعامتيه من 14 حركه ، 7 في الشطر الأول و7 في الشطر الثاني وله أنواع عديدة منها العادي والمهمل والمخمّس المردود والمقلوب وغيرهم
4 – الشروقي .. وغالبا ما يكون على وزن البحر البسيط ، مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن ، ويقوم الشاعر أو الجوقة بترديد آخر كل بيتين بنغمة طويلة
5 – العتابا .. وغالبا ما تنظم على البحر الوافر ، وتتألف من أربعة شطرات ، يشترك الصدران والعجز فيهم بنفس الكلمة ولكن بمعانٍ مختلفة ، مما يشكل جناسا تاما ، وينتهي العجز الاخير بحرف الباء المفتوح ما قبله
6 – الميجنا .. وتنظم على بحر الرجز مثل المعنّى وتتكون كما العتابا من اربعة شطرات .. تشترك الثلاث الاولى في نفس جناس تام) والشطرة الاخيرة تنتهي بحرفي النون والالف ( كما كلمة ميجنا مثلا.. او احبابنا ))الكلمة
وهناك الكثير غير هذه الأنواع التي لا مجال لذكرها هنا وأيضا هناك أغاني الدبكات مثل : الدلعونا وزريف الطول والجفرا حيث أعد بعمل بحث موسّع عنهم قريبا إن شاء الله
الجزيرة توك : ما المواضيع التي تغنى بها الزجالون ؟ وكيف تطورت هذه المواضيع ؟
غنَّى الفلسطينيون الزّجل منذ القدم ، وتميّزوا في طرق وأساليب إنشاده ، ولطالما نظر النّاس إلى الزجّال بعين التقدير والإعجاب ، لأنّه كان يمثّل دور النّاطق الرسمي بإسم العشيرة أو القريّة وذلك لمقدرته المدهشة على الارتجال ، ولهذا أُطلق عليه إسم " البَدَّاع "، كونه حاضر البديهة ، مبدعا بالإرتجال ، ولم يترك الزجل الفلسطيني مناسبةً إلاّ وتغنّى بها ، فقد أنشد الزجّالون في الأفراح والأتراح ، وكتبوا للينابيع والحقول والبيّارات والبيادر ، وكروم الدوالي والصبر والزيتون ، والطيّور والمراعي والقطعان ، وقد كان للغزل النصيب الأكبر من قصائد الزجّالين والشعراء الشعبيين ، أيضا كانت زجليّات الحماسة والتحدّي والفخر والهجاء تأخذ حيّزا كبيرا عند التقاء الزجّالين في المباريات أو الأعراس ، وكذلك كانت مواضيع أغاني الدبكات في معظمها غزليّة ، تتحدث عن وله الشاعر بفتاة ما ، ووصفه مطارداته لها أو لقاءه بها على العين أو في البيادر ، ولم يقتصر قول الزجل على الرّجال فقط ، فقد شاركت المرأة الفلسطينة بذلك وغنّت وأبدعت ، وخصوصا في " المهاهاة " والزغاريد ( الزلاغيط ) ، وقالت العتابا والميجنا والتهاليل ، والكثيرات تخصّصن في الندب على الأموات .
وقد بدأت مواضيع وأغراض الزجل الفلسطيني تشهد تحوّلا جذريّا فيما تتطرق إليه ، مع بدء الإنتداب البريطاني على فلسطين ، حيث أخذ الزجّالون على عاتقهم تحفيز الناس على الثورة من خلال قصائدهم الداعية إلى رفض الإحتلال ، أو المتغنية بالشهداء وبطولاتهم ، أو المؤرخة للمعارك التي كانت تقع بين الثوّار والإنكليز ، وهناك الكثير من الشعراء الذين انضمّوا إلى ثورة القسّام وخاضوا المعارك ومنهم من استشهد فيها أيضا ، وكمثال على ذالك نورد قصيدة ( من سجن عكّا طلعت جنازة ) للشاعر نوح إبراهيم
ومع تلاحق الأحداث ، وصولا إلى النكبة والتشرّد ، فالنكسة ، فإجتياح لبنان ، فالإنتفاضتين ، حتّى يومنا الحالي ، فقد تابع الشعراء والزجالون الفلسطينيون مهمّتهم ، ولم يألوا جهدا في تأليب الجماهير وتحريضها على الثورة ، والتأريخ للأحداث والتغنّي بالشهداء ، وكان لتشكيل الفرق الغنائيّة الأثر الكبير في إبقاء الشعر الشعبي والأغاني والأناشيد متلازمة مع مسيرة النضال الفلسطيني ، والشواهد على ذلك كثيرة ، لا مجال لحصرها هنا
الجزيرة توك : لطالما كانت شخصية الجفرا غامضة مع أن الكثير من الشعراء والزجالون تغنوا بها في قصائدهم وأغانيهم. ما الذي عرف عنها وعن "راعي الجفرا" ؟
لم أعد أذكر متى سمعت بالجفرا للمرّة الأولى ، ولكن لا يغيب عن ذهني أنّ هذا الإسم جذبني ، ودعاني للبحث عماّ خلفه ، لأكتشف وأنا ما زلت فتى ، أنّه يعود لمعشوقة تغنّى بها حبيبها يوما ما قبل النكبة ، وسمعت حينها أقوالا متضاربة حول كونها ما زالت حيّة وتعيش في أحد مخيّمات بيروت ، كان هذا في بداية السبعينات في مخيّم اليرموك ، والأدهى أنّني عرفت خبرها اليقين قبل شهورٍ هنا في أسكوتلندا ، حيث شدّ انتباهي حديثٌ جانبي بين عجوزين فلسطينيين عن وفاة الجفرا
- أنو جفرا بتقصدي يا حجّة ؟؟
- أنو جفرا ، أي هو كم جفرا في بالدنيا ، فش غيرها ، جفرتنا ، بنت بلدنا الكويكات ، التي توفّيت من حوالي الشّهر
- بتعرفيها ؟؟
- قال بعرفها قال ، أنا اللّي بعرفها ، وما بنسى يوم هربت من جوزها وتخبّت عند دار عمّي
إذن ، هي وحدها الصدفة التي نبشت الموضوع من جديد ، كما أنّها هي التي قادت الشاعر عز الدين المناصرة إلى مقابلة أبو علي الجفرا قبل عقودٍ من الزمن.
يقول المناصرة في كتابه الجفرا والمحاورات ( قراءة في الشعر اللهجي بفلسطين الشمالية ) الصّادر في عمان 1993
تعود علاقتي بالاغنية الشعبية ( جفرا ويا هالربع ) الى سنوات الطفولة في قريتي في فلسطين حيث كنت اسمع هذا النوع من الأغاني في الخمسينات خلال الأعراس القروية او حفلات السّمر، وظلت هذه الأغنية ترنّ في أذني الى أن كتبت قصيدتي ( جفرا ) من نوع الشعر الحديث الفصيح عام 1975 وغنّاها ( مارسيل خليفة ) و( خالد الهبر ) ممّا ساعد على انتشارها كثيرا ، حتى أطلق إسم ( جفرا ) على عدد من المحلاّت والمؤسّسات في بعض الدول العربية ، كما أطلقه بعض الفلسطينيين على بناتهم .
وفي العام ( 1977 ) كنت في قرية ( قانا ) في مدينة صور حين سمعت ان المؤلف الأصلي للأغنية الشعبية ( الجفرا ) ما زال على قيد الحياة وأنه يعيش في مخيّم الرشيدية قرب صور ولكن تعذّر اللقاء به يومها ، حتى تحقّق أواخر شباط عام 1982 في مخيم عين الحلوة..
يومها قال لي أبو علي بلهجته الجليلية : ( أنا اوّل واحد ألفّ كتاباً عن الجفرا ، ولما طلّعت الجفرا كان عمري ( 25 ) سنة ، تسألني كيف وأنا أقول لك : أننّي بينما كنت غارقاً في منامي في ليلة من الليّالي رأيت فتاة جميلة يحملها شابان مرّا بها من أمامي فخلب جمالها الفتّان نظري وألهب عاطفتي التي أجبرتني على أن اكلّمها، وقبل أن أتكلّم بكلمة فتحت عيني فلم أجدها ، وتبدّل فرحي حزنا وكدراً على تلك الفتاة الجميلة وعلى ذلك نظمت شعراً ، وصرت أغنّي وأنا نايم غناني ما بعرفها، بعدين أقوم أكتبها – كنت مخلّص صف ثاني بس - وانشهرِتْ بفلسطين لمّن طبعت ( الجفرا ) في كتاب من 8 صفحات ، وأوّل مرة طبعت 4 آلاف كتاب ، وبعدين طبعت في عكّا 1500 كتاب ، ويا سيدي ملاَّ إنت ما دام إنك مصّر تعرف شعر المناسبة اللّي كتبت فيها الجفرا طيّب رح أقول لك : كنت أحب واحدة جفرا وكانت البيوت جنب بعضها البعض ، وكانت جفرا على الحيط ( السطح ) ، أخذت أنا محرمة فيها بقلاوة وكنافة ، وطلعت عندها عَ الحيط ، كانوا الألمان يعملوا غارات على الفينري بين عكّا وحيفا ، وأنا عند الجفرا على الحيط ضربت الطيارات.. مسكتني الجفرا من ملابسي وقالت لي: إذا شافك حدا أنا بصيح حرامي حرامي ).
وبعد إلحاح من الشاعر لمعرفة هويّتها ، وهل هي امرأة حقيقية ؟؟ يجيب أبو علي ( بنت كنت احبّها ) ، وعندما يسأله وهل هي من قرية كويكات ؟ يقول : (يمكن ، يجوز إنها من البلد ، انا بعرف إنّها إجتني بنت حلوة في الحلم وبس ) ، ثمّ يضيف : ( طيّب يا اخونا الشاعر اقول لك : أنا أوّل من ألّف الجفرا وبعدين وصلت للأردن وسوريا ولبنان ، طيّب بتعرف إنّو في بيت ليف قضاء بنت جبيل في لبنان كان في عيلتين ، عيلة مع الجفرا وعيلة ضد الجفرا.. وكان يصيربينهم إطلاق نار ، وكانوا يعزموني عالأفراح.. وكلّهم يقولوا : بدنا أبو الجفرا وكمان غنّيت في ترشيحا ودير القاسي ومجد الكروم والكابري وعكا وسحماتا.. حتى وصل صيتي لجبل نابلس وجبل الخليل ).
وهنا يؤكد المناصرة أنّ مبدع الجفرا الشاعر الشعبي أحمد عزيز أبدع ذلك الاثر الفني الغنائي إثر قصّة حب فزواج فطلاق لإبنة عمّه التي أطلق عليها رمز إسم جفرا .
والجدير بالذكر أنّ أغاني الجفرا طُبعت مرّة أخرى تحت عنوان ( شرح ديوان الجفرا ) في مدينة عكّا عام 1999 ، كما أنّ الشاعر سعود الأسدي قام بنشر نصوصها الأصلية على حلقات في صحيفة الإتّحاد الحيفاوية عام 1987 .
الجزيرة توك : كيف تحولت اغاني الجفرا من مواضيع الغزل إلى أغاني وطنية تمجد الثوار والفدائيين؟
تعتبر أغنية الجفرا من أغاني الدبكات ، التي تتميّز بالجاذبية اللحنية والجمل القصيرة ، وتكرار اللازمة التي تشدّ المستمع وتثير الحماسة في الدبّيكة ، ويعيد العروضيّون لحنها إلى البحر المتوازي ، البسيط في الأصل ، المبني على شطر واحدٍ مقسومٍ إلى شطرين ، وعليه تؤدّى أغاني " يمّا مويل الهوى " و" هيهات يا بو الزّلف " ، وتفعيلاته هي : مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن ، ويُلحّن موسيقيا على مقام البيات .
ولقد تطوّرت هذه الأغنية كمثيلاتها من الأغاني الشعبية الفلسطينيّة وشهدت تحوّلا كبيرا في مواضيعها لأسباب عديدة ، أهمّها على الإطلاق التوازي مع تطوّر القضيّة الفلسطينيّة وتوالي ثوراتها قبل النكبة وبعدها ، ولم تعد الجفرا مجرّد إمراة جميلة ، بل أصبحت تمثل الأرض والبندقيّة والمقاومة والأمل بالتحرير والعودة ، فتحوّلت الأغنية من جفرا ويا هالرّبع إلى :
ثورة ويا هالرّبع شعب وفدائيّه
ماشيين حتّى النصّر على الصهيونيّه
وربّما كانت أغنية فرقة العاشقين هي الشّاهد الأبرز في هذا المجال ، ومنها
جفرا ويا هالرّبع ربع المراتينِ
شلاّل ينبع نبع دمّ الفلسطيني
لمّا يغيب القمر تضوي شراييني
وتزخّ زخّ المطر عَ دروب الحريّة
ومنها أيضا ما قاله الشّاعر أبو عرب :
جفرا ويا ها الرّبع وتقول استنّوني
ما بنسى قطاف الشّجر و قطاف زيتوني
ما بنسى منسف هلي وخبزات طابوني
مهباج دقّ قهَوَه و سهرات ليليّه
وأيضا ما غنّته فرقة الروابي في شريط عهد ووفاء من كلمات الشّاعرة مريم العمّوري:
جفرا وهيه يالرّبع ويا مين يناديني
فِدائي واسمي القسّام ودمّي فلسطيني
من زولي هاب العدو مَ استرجى يلاقيـني
عهدا ي بلادي مَ تهوني وقلبي لِك هديّة
وما تزال الجفرا تلهم الشّعراء والزجّالين إلى يومنا هذا ، وتشهد منتديات الزجل الإنترنتية محاورات يوميّة بين محترفي وهواة الزجل في موضوع الجفرا
الجزيرة توك : هل استطاعت الأغنية الشعبية والتراث الفلسطيني بشكل عام المحافظة على مكانته خصوصا مع تشرد معظم الفلسطينيين إلى المنافي ؟
لم يشهد التاريخ – ماضيه وحاضره – شعب أجبر على التشرّد في المنافي القريبة والبعيدة كالشعب الفلسطيني ، فالمليون الذين توزّعوا على مخيّمات اللجوء والمدن العربيّة القريبة بعد النكبة ، أضحوا اليوم أكثر من ستّة ملايين لاجئ مبعثرين على جهات العالم الأربع ، حتّى أنّه تكاد لا تخلو مدينة على الكرة الأرضيّة من فلسطيني يعيش فيها ، وكما حمل اللاجئون الأول مفاتيح بيوتهم في أيديهم ، فقد حملوا تراثهم في قلوبهم ، وأورثوه للأجيال المتعاقبة شفاهة وكتابة ، وبما أنّ التراث الشعبي هو الحافظ الأمين لذاكرة الشعوب ، وصلة الوصل بين ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، فقد تمّ إيلاء الجهد الأكبر لحفظ هذا التراث بكلّ مقومّاته ، الزيّ الشعبي وطقوس وعادات الأفراح والأتراح والمناسبات الأخرى والأغنيّات المتوارثة ، وتبدو الفرصة الآن أكبر لمتابعة ذلك ، فمع ثورة الإتصالات والإنترنت ، أصبح من السهل توثيق كل تلك الأمور ، وتبادل معلوماتها من جهة لأخرى.
ويعدّ الزجل الشعبي عمودا أساسيا من أعمدة التراث التي يجب العمل على إبقائه حيّا ، والجاليات في الغرب تتشوّق دائما لسماعه ، والدليل هو توافد الكثيرين من المدن والبلدان المختلفة لحضور حفلات الفرق الإنشادية كالروابي والإعتصام ، وحفلات أبو عرب في بريطانيا وأوروبّا.
ولكن ، هذا كلّه لا يكفي ، فيجب أن تتضافر جهود الجميع ، الأسرة أوّلا ، بتشجيع أبنائها على التمسّك بتراثهم ، ومن ثمّ المؤسسات الثقافية التي يجب أن تعنى بالتوثيق من جهة ، والإحياء من جهة أخرى ، بتنظيم أيّام مفتوحة لذلك التراث ، تلتقي فيها الأجيال المختلفة لتنهل من المنبع الأم.
الجزيرة توك : سعدنا جدا بهذا اللقاء المفيد والممتع، شكرا جزيلا.
شكرا لكِ
مقطوعة عود "تراث فلسطيني" – لحن الجفرا. للعازف العراقي نصير شمة
أغنية "جفرا" لمارسيل خليفة
أغنية "جفرا" لفرقة العاشقين
أغنية "ثورة يا هالربع"
وصلة شعبية من ألبوم "عهد ووفاء" في رثاء الشيخ أحمد ياسين
أغنية "جفرا وياهالربع" للفنان الشعبي "شفيق كبها" (1)
أغنية "جفرا وياهالربع" للفنان الشعبي "شفيق كبها"
(2)
نهاية البداية
في سطوري الأخيرة.... وجب شكر الشاعر إياد حياتله الذي نبه لأهمية تدوين قصة الجفرا، وكانت تساؤلاته المتكررة عن حقيقة هذه الشخصية دافعا لبدء هذه الرحلة، كما وجب شكر الحاجة (هـ.ح) التي أسعدتني بسردها الممتع لأحداث هذه القصة، وشكر لجميع من ساهم ولو بحرف في كتابة هذا التحقيق...دمتم بخير، وتصبحون على وطن...حر!