أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: لـــيـــلــــــى

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Aug 2003
    المشاركات : 39
    المواضيع : 22
    الردود : 39
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي لــــــيــــــلــــــــــ ى

    استوقفني فجأة في الشارع ، حدق إلي بعينين باردتين ، وقال ببرودة أكثر : أعرف بما تفكر ! لكني تابعت طريقي دون اهتمام ، لم أشأ أن أرفع رأسي لأستمع إليه ، وكانت خطاي تجرني ، أضاف الرجل وأن تركني أخطو خطوات بعيدة عنه : الانتحار .
    كانت كلمة الانتحار توشك أن تفتت طبلتي ، كان ظهري في اتجاهه ، وذقني ما زال متدل على صدري ، قدماي قد توقفتا ، لكن ذهني ما زال يعمل ، لا أحد يعلم ما أنوي عمله ، هذا اليوم لم يكن يوماً عادياً ، منذ أن استملت الرسالة الملعونة صباحاً ، أيقنت أن حياتي قد انتهت ، حياتي كانت معلقة بهذه الرسالة ناولني ساعي البريد الرسالة وهو غير مصدق ، مسكين ! لا يعلم أن الرسالة الأولى التي استملتها منه تعني الموت ، وضعتها على الرف دون أن أفتحها ، جلست في ركن الغرفة ، ركبتاي على صدري لويت ذراعي حولهما بقوة آملة درء ضربات قلبي المتأججة ، أطلقت لعيناي حرية النظر إلى الرف حيث بدأت الرسالة تهتز رويداً رويداً من تيارات هواء المروحة ، لم أعرف كم من الساعات مضت وأنا في هذه الحالة، محشور في زاوية الغرفة ، خائف من رسالة لم أقرأها بعد .

    واصلت طريقي ، اعتقدت أني أحلم ، وأن كلمة الانتحار من نسيج خيالي لكن نفس الصوت ردد : أنتظر !.

    استدرت نحوه ، رفعت أهدابي إلى أعلى حتى أراه ، قال وخطواته ثقيلة ككلماته : هيه ! "العالم لا يتسع لنا" !! .

    رفعت رأسي قليلاً عن صدري ، العالم لا يتسع لنا ، استهوت انتباهي ، اقترب جفف عرقه بمنديله ، لكنه لم يستطع أن يمسح رائحته ، ابتسم نصف ابتسامة ، والنصف الأخر لعق ركن شفتيه بلسانه ، وقال : أعرف ! .

    سحبت شفتاي إلى الداخل ، كنت متوتراً ، قلقاً ، أربكني شكله ، أخافتني كلماتـه ، سألت : ماذا ؟! عادت الابتسامة الباهتة وصوته البارد : تود الانتحار .

    صرخت لكن الصرخة خفيفة ، مرتبكة : أنت مجنون ، مازلت متعلقا بهذه الحياة .

    أوقفني الرجل قائلاً قبل أن أستدير: أنا ذاهب معك .

    -إلى أين ؟!

    -للانتحار .

    هوت الرسالة إلى سريري وكأنه العالم كله هوى على رأسي ، أطفأت المروحة ، أغلقت نافذة غرفتي لا منع الريح من التطفل ، أمسكت ظرف الرسالة من زاويتها ، استمر قلبي في لكم صدري بكل قواه كلما أمعنت النظر إليها وأسمي وعنواني مكتوب بخط رديء مشوش ، رميت الرسالة على السرير ، وجلست لأبكي .

    سرنا معاً كصديقين ، الليل في الثلث الأخير ، الظلام في رداء أسود ، الطريق مقفر سوى من بعض الأحجار الملساء ، رائحة البحر طغت على رائحته الكريهة ، صوت القواقع من تحتنا تتكسر ، الهدير يصطدم في الصخور ليبلع البحر صداه ،يكسر الرجل الصمت الإنساني يسألني عن سبب الانتحار .

    استعملت الوسادة كمنشفة لأمسح بها دموعي ، تركت رأسي يهوي إلى الخلف ، تسمرت عيناي إلى السقف .

    إذ كانت المروحة واقفة بأجنحتها ، تمنيت أن تسقط لتحطم عنقي ، أغمضت عينيي وتخيلتها تسقط ، عدت لأحدق بالرسالة الملعونة أمسكت البطانية بأطراف أصابعي وشدتها ، فمالت كلها نحوي ، فتسقط على حجري وكذلك الرسالة ، أمسكتها وضممتها إلى صدري وعدت لأبكي ، التقيت بها صدفة في منطقتها ، ساعدتني في إنهاء معاملتي ، لم تكن جذابة ، لكنها ، رقيقة ، طيبة ، تطورت علاقتنا ، واتصالاتنا ، عرفت الحب معها لأول مرة ، رفضتني عائلتها .. لأنها لابن عمها هكذا رسموا حياتها ، مستقبلها ، لكننا لم نقطع تواصلنا ، كان التلفون وسيلتنا ، ذات يوم قطعت ساعات طويلة لتصل إلي ، كانت شاحبة بائسة، خائفة ، اندلعت قائلة : يا إلهي ، حبيبي ضمني إليك .. بقوة .. بقوة ، إذ كانت يائسة تلك الليلة ، وانقطعت أخبارها عني لفترة ، لكنها عادت لتتصل بي ، كلمات متهدجة ، باكية ، أخبرتني أنها سوف تتزوج بأبن عمها ، لكنها تفضل الموت على ذلك ، لا تحبه،تمقته ، أنا أيضاً فكرت بالموت ، كنا نفهم بعضنا ، قالت لن تتزوجه ، ستقتل نفسها ببندقية والدها ، وسوف تبعث لي رسالة لتخبرني بقرارها في الانتحار .

    تمتم الرجل : آه ..

    خيل لي أنه كان يبتسم ، تابعنا خُطانا نحو المرتفع دون كلل ، بدأنا نشعر بالبرد ، والجو جميل ، رائع أن نموت في مثل هذا الوقت ، هكذا بدا الرجل يتكلم وعادت رائحته تعطر أنفي ، أشعل سيجارته لعلها كانت أخر سيجارة يدخنها .

    قال قصتك تشبه قصتي ، الحب هو هدف الانتحار يا للنساء يجبرنا على الانتحار من أجلهن وهن يتمتعن بالحياة ، أحببتها منذ أن كانت صغيرة ، كنت أراقبها وهي تكبر وتزداد فتنة ، الجميع بارك زواجنا ، استعدنا للزواج ، أقمنا حفلا كبيرا حتى ....، وصمت احترمت صمته.صبت البنزين على جدران المنزل وعلى اثاث والفراش, وتركت الرسالة مطوية في البطانية ، أشعلت الثقاب ، خرجت إلى الأبد مغلقاً الباب خلفي ، إذ فيما بعد صادفت الرجل ..

    كنا قد وصلنا إلى نهاية المرتفع سألته : ماذا حدث بعد ذلك ؟ ماتت ! لكنه سألني : خائف ؟!.

    نظرت إلى الأسفل ، هززت رأسي بالنفي : لا .. لست خائف ، وأضفت ساخراً : أنا ، أتشوق إلى الانتحار ، أمسك بقوة معصمي ، قال بصوت عذب لم أعهده : لا .. لم تمت .. قبل ساعات من الحفل ، أخبرتني بأنها لا تحبني ، وروت لي علاقتها مع آخر ، كنت أظن بأني أحلم ، أو أنها كانت تمزح .. والحفل في غاية البذخ ، لكنها لم تأتِ .. أيقنت آنذاك بأني لم أكن أحلم ، وأنها لم تمزح معي ..

    حركت رأسي أسفاً لأجله ، سألني أن كنت ما زلت أفكر في الانتحار ، أجبته بنعم ، وزادت قبضته بقوة على معصمي ، تراجعنا قليلاً إلى الوراء ، اندفعنا معاً إلى الأمام ، قفزنا إلى الأعلى ، ثم سقطنا إلى الهاوية .. الهاوية حيث ما زالت يده في معصمي سمعته يصرخ وصرخته تلحقنا قائلاً أتدري ! .. أنا من بعث إليك بالرسالة ، وهوت ضحكاته معنا إلى الأعماق ...
    مجلة جدارية
    www.jedaria.com

  2. #2
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    العمر : 60
    المشاركات : 349
    المواضيع : 7
    الردود : 349
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    ركبتاي على صدري لويت ذراعي حولهما بقوة آملة درء ضربات قلبي المتأججة .

    ، ابتسم نصف ابتسامة ، والنصف الأخر لعق ركن شفتيه بلسانه

    سحبت شفتاي إلى الداخل
    =====
    لعلي اقتنصت هذه الصور الرائعة والادبية بصياغتها وتعبيراتها .. ثم اخذتني روعة القصة وجمال الحبكة في نهاية .. ودهشتي من قوة الانتقال بين الرسالة والرجل .. بما يؤكد تمكنك من هذا الفن الجميل .. لك كل التحية والتقدير
    الانسان مبادئ

  3. #3
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.27

    افتراضي

    أسلوبك مميز بالفصاحة والقدرة على الوصف.

    لا زلت أجد في اسلوبك ميل شديد للغموض ....

    مهما يكن من أمر فإني أشكر لك هذه المشاركة وأخبرك بأننا نفتقدك.



    كل عام وأنت بخير

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي