شهادة الرجل بشهادة امرأتين .. أم كتابة الدين بحضور رجل وامرأتين ..
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمىفاكتبوه ... ... واستشهدوا شهيدينمن رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتانممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكرإحداهما الأخرى ... ) صدق الله العظيم . البقرة \ 282 .
دارت تساؤلات عـديدة حول النتائج المترتبة على التفسير والتطبيق القائمين لهذه الآية .. وما إذا كان ذلك ينتقص من مكانة وكرامة المـرأة كإنسان عاقل ، مقارنة بالرجل .. وما إذا كان ذلك يضع علامات استفهام حول أهلية المـرأة لبعض الواجبات والحقوق العامة ؛ بالإضافة إلى ضعف الحُجّـة الذي يفرضه هذا المبدأ على المسلم – عند محاورته لغير المسلم وعند دعوته للإسلام .. في مسألة كيان الإنسان وحقوقه وواجباته في الإسلام .
وكان قد تم عرض هذه المسألة للنقاش ولإعادة النظر فيها في منتدى إسلامي من قبل أحد المهتمين بشأن الدعوة ، وذلك في معرض ردوده على باحثة ألمانية تـُدعى ( ميرغت س ) ، تـُجري أبحاثاً عن حقوق الإنسان في مختلف الأديان . وقد وقع الاختيار على صديقنا بحكم إقامته في ألمانيا وإجادته للغتهم واهتماماته الإسلامية ..
ونحن نعلم أن الفهم السائد والتطبيق المعتمد بناءاً على هذه الآية يقومان على أن شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين ..!
ولكن إلقاء نظرة واقعية عفوية محايدة - دون تأثيرات اجتماعية ثقافية أو تاريخية محددة – على نص الآية الكريمة سيطرح بعض التساؤلات الجديرة بالوقوف عندها ..
فلو تساءلنا عن دور المستشهدين المدعوين لحضور كتابة الدين .! ما المطلوب منهم في أمـر الشهادة - ساعة كتابة الـدَين ..! أليس الأمـر الذي دُعـوا لحضـوره هو اتفاق لم يتم بعـد ، وبالتالي فهم ليس لديهم ما يقولون بخصوص الشهادة .. وكل ما سيفعلونه هـو حضـور كتابة الدين ..! .. فأين هو الأمـر المرتبط بالشهادة - والذي يمكن أن تضل عنه إحداهما - فتـُذكـرها الأخرى ..! وهل يكون التذكير لمن ضل - إلا بأمـر معلوم ومُـتفـق عليه سلفاً ..!
ومن هـذا المنطلق .. فإنني أرى .. أن الآية بمجملها تدعو بوضوح كبير إلى التأكد من سلامة وصحة ودقة - كتابة الدين ، ولا تتحدث عن الشهادة - عند حدوث الخلاف أو الخصام مستقبلاً - الأمـر الذي من شأنه لو حدث أن تؤثر شهادة هذا الطرف أو ذاك - سلباً أو إيجاباً - على مجريات القضية - كي يُـقال أن شهادة الرجل بشهادة امرأتين .
فالأدق هنا أن حضور الرجل ودوره في النقاش وضبط الكتابة - يعادل حضور امرأتين - باعتبار أن المجتمعين رجالٌ .
وحسب الآية الكريمة فإن الكتابة هيالشاهد الحقيقي .. الذي يتم التعويل والاعتماد عليه - نظـراً لعدم قابليته للتغيير أو التبديل أو النسيان أو الضلال ، ونظراً لإمكانية استحضاره في أي مكان وزمان، ولعدم القدرة على تكذيبه - بعكس الشهود . وتؤكد هذا المعنى - الآية التي تليها ( البقرة - 283 ) - حيث أن الشهود لم يُـغنوا عن الكتابة ، فعندما غاب الكاتب - أُستبدل برهـان مقبوضة ،ولم يأت ذكر الشهود من حيث الضلالة أو العدد ،ولا من حيث أنهم رجال أو نساء ..
حيث يقول تعالى :
(وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضةفإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق اللهربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبهوالله بما تعملون عليم) البقرة \ 283
وأما قوله سبحانه وتعالى ..(.. فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ..) .
فمن الواضح أن القرآن الكريم إنما يصف لنا الكيفية التي سيكون أو التي يجب أن يكون – عليها الحال عند إحضار المستشهدين ، وقت كتابة الدين ، وليس وقت الحاجة لهم مُستقبلاً - حيث لا ضمان لحياتهم أو لحضورهم حينذاك .
وعلى هذا الأساس – فإن ضرورة حضور امرأتين – يكون من منطلق - تربوي أدبي أخلاقي اجتماعي إنساني – بالأساس .. ولا يتعلق بأمـر الشهـادة في حد ذاتها من حيث نسيانها أو تذكّـرها مستقبـلاً .. وإني لأجـد السبب واضحاً في استدعاء امـرأتين - حيث أن وجود امرأة واحدة في مجالس الرجال - هـو أمر ليس مستساغاً عموماً .. وليس مقبولاً أدبياً واجتماعياً ، فمهما يكن ما تمتلكه المرأة من عقل ورزانة وخبرة فإن وجودها منفردة بين رجال سيمسها من قريب أو بعيد ، وسيوجد عندها بالضرورة شيء من الريبة والارتباك فيما تقول وفيما تفعل .. مما يؤدي بها غالباً إلى أن تضل - بمعنى أن تفعل ما يُعاب عليها دون أن تنتبه له .. وفي هذه الحال توجّـب وجود امـرأة أخـرى لتثبيتها وتذكيرهـا - فليس من اللائق أن يُـذكّـر رجلٌ امرأة أخطأت في طريقة جلوسها أو ستر عورتها مثلاً - في مجلس رجالي .. بينما يُرفع الحرج عن التي تضل عندما تذكّـرها أخرى من جنسها .
ولا ننسى أن موضوع الكفاءة في أمـر الشهادة قد حسمه بقوله : سبحانه وتعالى ( ممن ترضون من الشهداء )
ولذلك – فإني أرى أن أمـر التـثـنية لا يتصل بالشهادة ، حيث أن القرآن هنا لا يتحدث عن زمن الإدلاء بالشهادة مستقبلاً .. الأمر الذي قد يغيب عنه الرجل الواحد والرجلان والمرأتان لأي سبب كان .. وإلا لكان القرآن قد أوضح لنا ماذا يتوجّب علينا فعله في بقية الأوضاع .. كغياب إحدى المرأتين أو كلتيهما - أو غياب الرجل وإحدى المرأتين - أو غيابهم جميعاً ، أو في حال جنون الرجل ، أو ...
وأرى أنه من الغريب لغوياً وأدبياً - أن يكون الفهم والتفسير لهذه الجزئية من الآية -( ... أن تضل إحداهما فتذكّـر إحداهما الأخرى .. ) -
هـو بمعنى أن تنسى إحداهما الشهادة أو تضل في شيء منها - فتذكّـرها الأخرى – عندما تـُطلبـان للإدلاء بالشهادة ..
فهذا المعنى ليس موجوداً على الإطلاق عند قراءة هذه الآية .. بل على العكس تماماً .. فلو لم تتضمن الآية هذا التبرير لوجود المرأتين ( أن تضل إحداهما ) .. ربما كانت شهادة الرجل بشهادة امرأتين – أوضح وأدق وأصح .
ولكن ورود هذا التبرير لوجود المرأتين - في الآية الكريمة - عند كتابة الدين ، وعدم تطرق الآية لزمن الشهادة المستقبلي ، وعدم وجود ما يكفل حضور المرأتين مستقبلاً ، وتأكيد الآية على ضرورة حضورهما معاً .. فذلك دل بشكل واضح .. على أن معنى ( أن تضل إحداهما ....) – لا علاقة له بصلب الشهادة ، وأن الحديث عن زمن الكتابة لا زمن الشهادة .
وأما النسيان فلا علاقة له بالأمر هنا ، فهو أمر يرتبط بعامل الزمن وينسحب على الرجل كما المرأة .!
وإذا كان الأمـر عددياً حسابياً – فهل يصح أن نستشهد أربعاً من النساء – إذا لم نجـد رجلين ..! الأمـر الذي لم يرد في الآية الكريمة ، بل أن ما ورد هو ضرورة وجود الرجل .
ولذلك قلت إني أجـد غموضاً .. في الفهم المتداول - الذي مفاده أن دعوة امرأتين للشهادة هو بسبب أن شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين أو أن يكون معنى - تضل إحـداهمـا – هو بمعنى أن تنسى أو تضل في أمـرٍ يتعلق بالشهادة – فتذكّـرها امـرأة مثلها قد تضل هي الأخرى .
و إني لأجـد النص أوضح من ذلك بكثير - من حيث أنه يتحدث فقط عن زمن كتابة الدين ، الأمـر الذي لن تـُدلي فيه المرأة ولا الرجل بشهادة ، وإنما حضورهم هو من أجل ضمان سلامة الكتابة . ولذلك فإن ضرورة حضور امرأتين ، واحتمال أن تضل إحـداهما هو أمـر يرتبط بأوضاع وأحـداث تلك اللحظة ، وليس بالشهادة ذاتهـا .
فهل من دليل يُثبت أن شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين ..!
هذا والله تعالى أعلم .. والله ولي التوفيق ..