هنا لبّ المسألة يا دكتور عمر ، الشعر بين الغنائية والدراما وبين الذاتية والموضوعية
تعيدنا بغانيتيك إلى مفهوم الشعر المسرحي وكأنك تبتعث خطوات " أحمد شوقي " في " مجنون ليلى " و " الست هدى " وغيرهما .
بقي الحوار يدور حول فكرة أساسها فيم تحب النساء الرجل في خارجه أم داخله ؟ وفيم يهيم الرجل بالمرأة في جمال الجسد أم جمال الروح والفكر . ولن أناقش الفكرة بما أنك اخترت الروح والفكرة في المرأة ...
لكن دعنا ننظر في البناء الفني لهذا الحوار :
1 - لو حاولنا أن نستنبط من هذا الحوار شخوصا فهي أنتم الثلاثة : امرأتان ورجل بينهما هذه تجذب الجسد وتلك تريد الفكر والروح ، وفي منتهى الحوار كأني بالرجل يختار الثانية ويعرض عن الأولى .
2 - الصراع الدرامي المنشود في النص المسرحي كان داخل شخص الرجل ولو أنه لم يرق إلى مستوى الصراع المحتدم الصريح إذ بمجرد أن ظهرت الثانية استمالته وأعرض عن الأولى ، هنا كنت أتمنى لو أن الصراع ظهر بوضوح أكثر إذ فهمناه فقط من خلال الوصف الشغوف في بدء الحوار للمرأة الأولى . إذن مازال الصراع الذي يقوم عليه البناء المسرحي في هذا الباب صراعا غنائيا ذاتيا أكثر منه صراعا دراميا موضوعيا / مسرحيا .
3 - جعلت الرجل بينهما وكأنك بذلك حرمت القارئ من أن يختار إذ اخترت للرجل الثانية ، والمسرح / الدراما إن حلت العقدة فيه بسهولة حرمت القارئ أن يعيش " الحدث " بتفاعل ، هنا أعتقد أنه كان يجب إثارة الصراع ودفعه إلى أوجه داخل نفس الرجل حتى يحتار ولو قليلا بين الخيارين ، ثم لك أن تحل عقدة حيرته تلميحا ومتى تشاء ..
3 - الحدث : قوام المسرح الحدث ، والحدث في هذه الحوارية هو الاختلاف حتى التقابل بين المرأتين في نظرة كل منهما إلى الذكر . سؤال فكري عن ماهية الذكورة وعن ماهية الأنوثة فيم يكمنان ؟ سؤال جاد لا محالة ولكنه فنيا بقي في إطار التنظير بعيدا عن ملامسة الحدث في بعديه الزمان والمكان وفي تطوره ونموه أو سكونه ، أقصد أن الحدث لم يرق إلى مستوى الحدث الممسرح بقدر ما تم التركيب بين نصوص ثلاثة : نص المرأة الأولى ونص المرأة الثانية ونص الرجل ، هنا لعب الشاعر على المحاورة بين النصوص / الأفكار لا بين الشخوص / الحدث أو الفعل .
نص شعري متقن شعرا كأروع ما يكون الإتقان كعادة شاعرنا الفذ وقف على مشارف المسرح الشعري أو الشعر الموضوعي الذي يندر في أدبنا العربي ، قابل بسهولة لأن يتحول إلى مسرحية شعرية تنزع ثوب الحوارية البسيطة إلى عمل مسرحي درامي بأتم معنى المصطلح لو يتفضل شاعرنا الفاضل بدفعه إلى ذلك الحد . عندها سندشن معه نصا مسرحيا شعريا متكامل الشروط والأجزاء خصوصا وله هذه القدرة الرهيبة على الصياغة الشعرية ذات المستوى الثابت في جميع ما ينظم . وهذا ما كان ينقص بعض الاجتهادات في المسرح الشعري ، وشاعرنا لو طور هذا العمل كما وكيفا سيجعله فتحا مبينا في الشعر الموضوعي .
قلت ما قلت لأني أخاطب دكتورا أعرف أن سعة اطلاعه لا تفوق كثيرا سعة صدره لتقبل حماسي لنص طريف البناء محكم الشعر قابل للتحول إلى نص شعري مسرحي بسهولة تامة بين يدي شاعر ينساب الشعر بين يديه طيعا لينا ...
دمت بخير وبورك فيما تشرع من شوارع جديدة مستحدثة في عالم شعرنا الفسيح .
أريد فقط في الختام أن أسألك سؤال أدب وشعر لا سؤال شرطة وتحقيق ، هل اخترت حقا الثانية ؟ وبهذه السهولة واليسر؟ ههههههههه لا أستطيع أن أكون معك جادا دون دعابة !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!