( تساقـط زمـن..)
يتشرّدُ الغيمُ المحـيطُ بأُفقنا ..
تتبعثرُ الذكرى الغريبةُ في محاجرنا ..
وتنفصلُ الفصـولُ.
صار الزمانُ مشـرّداً كالغيمِ
رحّالاً ..
كأرصفةِ الموانىءِ .. والمنـافي .
لا النهايةُ فيه مُطفأةٌ..ولا ضوءُ البدايةِ
لا الطريقُ تمُـدُّ أرجـلَها لِـنعبرَهـا !
ولا أيدي الهـواءِ تُصافحُ الأيدي التي
عبرَتْ سديمَ الوقتِ ..
والتَـحَـفَـتْ سرابا .
لا الوقتُ يمنحنا البقاءَ ..
وليس يبغتـُنا الرحيلُ .
كانت عقاربُ ساعةِ الماضي
تحاولُ أنْ تُسابقَ عُمـرَها الفَـرَضيَّ ..
تـدخلَ آلةَ الزمـنِ السعـيدِ ..
لعلَّ صـورتَـها القديمةَ ..
تستحـيـلُ كصورةِ الآلـيِّ !!
جِـلدٌ من حديـدٍ غارقٍ في الرمـلِ
أو في الوحلِ ..
فـوق دمٍ مِـن الفـولاذِ .. تنصهرُ الدماءُ به
وتنفطرُ القـلوبُ .
زمــنـــــانِ
بينهما توقّف .. تائهاً ..
كالطفل في صـخَـبِ الزِحـامِ
زمـنٌ تبـخّر في سماءِ الغيبِ أُحجيةً
وأُغنـيةً تدُقُّ طـبولَـها الفـوضى
علـى وتـرِ الغمـامِ .
كانَ الزمانُ .. علـى سـذاجـتهِ ..
يعُـدُّ حـصى الشـواطيءِ ..
يبتني قصراً من الأوهـامِ .. يهدمُـهُ ..
يُـعفِّـرُ وجهـهُ الفضـيَّ في رمـلِ الشواطـيءِ ..
لا تكِتلُّ نوارسُ المعنى ..
تحُـلُّ علـى شـواطئـهِ ..
تُـطوِّقـهُ الكـواكـبُ .. والنجـومُ.
ويـلُـوحُ في مِـرآته زمنٌ خُـرافيُّ التموُّجِ ..
يبتني قبراً .. ليَـسكُـنهُ ..
لِـيُـسكِنهُ الأُلـى مرُّوا عـلى عجـلٍ
علـى الزمـنِ ـ المـقابرِ ـ
حين تـدخـلُ في سـراديبِ السماءِ الأمنيـاتُ
ويستحيلُ القمحُ مِشـنقةً
وتنتحـرُ الحقـولُ !!
خرجَ الزمـانُ مُجرّداً مِن ثوبه الأزلـيِّ ..
عـــــــــاريْ ..
حتى من الألوانِ .. والأوقاتِ .. و(الروتينِ) ..
حتـى من طبيعته التي انطبَعَتْ
على الدهرِ الجِـدارِ .
عـارٍ هو الزمنُ الذي يترصّدُ اللاشيءَ
يخرُجُ صـوبَ غـابتهِ الطـريدةِ
في فضـاءِ اللهِ ..
حينَ تصُـدُّ كفُّ الشمسِ عن تأريخها
زبـــدَ الغُـبـــارِ .
لا شيءَ يُقـنِعُ بالتـقـنُّعِ مـرّةً ..!
كُلُّ العناصرِ في مـدارِ الله ..
تلبسُ كلّ يومٍ صـورةً أُولى ..
وتخـلعُ كلّ يـومٍ صـورةً أُخـرى ..
يُـطاردُ ظبيةً ليـثٌ ..
تُطـاردُ ظبيةٌ ليـثاً !!
فــقــطْ ..
تـتـغيّرُ الأدوارُ ..
إذ تتغيّـرُ الصـورُ العـتيـقةُ في البـراري .
مـاذا سيلبسُ عـاريُ الأزمـانِ
في حـفـلِ اقتـسامِ الضـوءِ ؟
أو حفلِ التـعارفِ بين ليـلٍ مُشـرقٍ كالصـحـوِ !
صُـبحٍ كـالغـدائـرِ لا تبِـينُ له العـيونُ ؟!
يُـقـعي الزمـانُ العُـريُ بين الحيـرتـينِ ..
رُجـوعُهُ كُـفرٌ ..
ويُعـجِزُهُ الـوُصـولُ .
يتوكّـأُ الزمنُ العجـوزُ عليَّ
أحمِـلُه إذا ضاقتْ أزقّـتُهُ ..
أطوفُ به .. عـليـهِ !
أقـولُ : هذا الصاعدُ العُـلويُّ أنتَ
وأنتَ هـذا النـازلُ السُـفليُّ ..
أنت حقيبةُ السفرِ التي نَـسِـيَـتْ بضائعَها !
وأنت الشوكُ يقـتعِـدُ الطريقَ..
وأنتَ حقـلُ الياسـمينِ
وأنتَ طُـبشُـورُ الجمالِ
وأنتَ مِمحـاةُ الجمـالِ!!
وأنت ما ستراهُ عينُكَ في الطريقِ
ولـــن تــراهُ !
حـدِّق بِقلبِكَ أيـها الزمـنُ العجـوزُ ..
فـهل رأيتَكَ في طـريقكَ ..؟
هـل تعثّـرتِ الدروبُ إلـيكَ ..؟
هل آن الأوانُ لنـختلي يوماً ..
تُـسِـرُّ إليَّ فيه بسرِّكَ الأسمـى ؟
وهـل سأظلُّ أحملُ همَّـكَ الأعمـى ؟
متى تصِـلُ الحروفُ إلـى قصيدتها ..
وتبتسمُ السُــدوفُ ؟ .
يتوقّفُ الزمنُ العجـوزُ ..
يقولُ : دعني هاهنا .. فـرداً ..
طـريقُك في مهبِّ الضوءِ قاتـمةٌ ..
فـدَعْ عنكَ التشـاغُلَ بي .
أنا الــزمنُ الـمؤقّـتُ ..
والــمـؤبّــدُ .. والرحـيــلُ !!.
يتساقطُ الزمــنُ الخـريفُ علـى يديْ .. ورَقاً
تكسَّـرَ أصفراً كالوهــمِ ..
أجـمـعُـهُ .. وتجمـعُهُ الريـاحُ.
وحــدي عـلى الكُـرسيِّ
أجلِسُ في خـريفِ حديقتي زمـناً ..
وأُشـرقُ مِـن جهاتي السِـتِّ مُضطرِباً ..
يُحاصِـرني الأُفــولُ .
وسُــدىً ..
أُحـاولُ أنْ أُجـمِّعَ ما تشرَّدَ
مِن غـيومِ سمـاءنا ..
وأُوحِّــدَ الذكرى بكُــلِّ محاجـر المـاضي ..
لِــتـتـحِــدّ الفُـصـولُ 0