أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الروح والتربية الروحية في الفلسفات الغربية المعاصرة

  1. #1
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Jun 2007
    المشاركات : 10
    المواضيع : 2
    الردود : 10
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي الروح والتربية الروحية في الفلسفات الغربية المعاصرة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الروح......احتارت فيها العقول، وتباينت في طبيعتها استنباطات الفلاسفة، وتوقف عن تحديد جوهرها الدينُ؛ فماهيتها لا تدركها الحواس ولا يصل إليها العقل؛ هذا العقل المجبول على الإدراك في حدود الزمان والمكان، والمعد لإدراك المحسوس أو الفيزيائي أو المادي فقط، أما الروح فليست كذلك، إنها لامادية، وغير فيزيائية، إنها في مقابل الجسد بغرائزه الحيوانية، وفي مقابل الطبيعة بما فيها ضرورة، وفي مقابل المادي بما فيه من امتداد، وتتعارض مع ما هو محسوس بما فيه من تركيب وكثرة، غير مركبة، ولذا لا تتحلل؛ ومن ثم لا تفنى.
    ورغم كل هذه التمييزات التي تميز بين الروح والمادة، فإننا لم نعرف طبيعتها بعد مثلما نعرف طبيعة المادة، فكل التمييزات السابقة هي تمييزات سلب.حتى الدين نفسه لم يحدد طبيعتها؛ فهي أمر الله ومن الله؛ وهل استطاع أحد من قبل أن يعرف ما الله:}ليس كمثله شيء|؟ بل هل استطاع أحد أن يقدم برهانًا حاسمًا يحدد طبيعتها وماهيتها، برهانًا في قوة براهين القضايا الفيزيائية والرياضية؟
    يقف تاريخ الفكر الإنساني شاهدًا على ذلك، وتقف مجادلات العلماء والفلاسفة حتى الآن مؤشرًا على الصدق النهائي للقضية القرآنية }قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً|؛ فالعلم الإنساني علم مقصور على عالم الظواهر كما قال الفيلسوف الألماني كنت، أما عالم الشيء في ذاته: عالم ما بعد الطبيعة الذي تنتمي إليه الروح، فخارج كلية عن حدود الإدراك والعلم الإنساني؛ لأن ماهية الروح خارج حدود التجربة الإنسانية، ولا يمكن للعقل أن يستدل من الأشياء الطبيعية مثل الجسم على ماهية الروح المتميزة تمام التميز عن عالم الطبيعة الفيزيائية؛ لأن الروح لا تمثل هنا موضوعًا لتجربة ممكنة في عالم الظواهر. فمبدأ السببية - الذي تقوم عليه العلوم - لا يصدق إلا في عالم الظواهر الذي يعد الحقل الوحيد للتجارب، وليس له استعمال خارج هذا الحقل، كما أنه ليس له دلالة أو معنى خارجه.
    حيرة الفلاسفة
    لذا اختلف الفلاسفة حولها في كل العصور: إثباتًا ونفيًا، وتعددت مواقف المثبتين حول مفهومها وماهيتها؛ فتارة هي النفس مبدأ الحركة وسرها عند طاليس، وتارة هي العقل ولها طبيعة مادية خالصة كما تصورها ديمقريطس. وتارة هي جوهر بسيط خالد متميز كلية عن الجسم عند سقراط وأفلاطون. بينما تصورها أرسطو على أنها النفس مبدأ الحياة بوصفها كمالًا أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة، وهي ما به نحيا ونحس وننتقل في المكان ونعقل أولاً. واعتبر أرسطو النفس الناطقة أو العقل عنصرًا إلهيًا وخصه بالخلود، لكن نصوصه غير واضحة هل هذا الخلود شخصي أم أن هذا الجزء الإلهي يُعاد امتصاصه إلى مصدره الأصلي وفي العصور الحديثة اعتبرها ديكارت الجوهر المفكر المتميز عن البدن الجوهر المادي، وهي بسيطة لا تنقسم، ومن ثم لا تفنى بعد الموت، بينما الجوهر المادي قابل للانقسام. وتتفاعل النفس(=الروح) مع الجسم في الغدة الصنوبرية؛ ومع هذا فلم يفسر ديكارت كيف تعمل الغدة الصنوبرية بحيث تحول حركات الجسم إلى تمثلات عقلية، وكيف تتحول حركات الغدة نفسها إلى إدراكات في النفس، وكيف أن أفكار النفس وقرارات الإرادة العقلية الخالصة تؤثر في الغدة الصنوبرية، وكيف تحولها الغدة إلى حركات وأفعال في الجسم؟ ورفض هوبز Hobbes (1588-1679) الروح كلية واعتبرها مفهومًا لا معقولاً ومتناقضًا، وقال في المقابل بجوهر مادي فقط، وعدَّ العالم كله ماديًا، أما الفكر فليس إلا حركة لجوهر مادي هو المخ. ويتصور سبينوزا الإنسان على أنه تعين للجوهر، والجوهر له ماهيتان: الفكر والامتداد، والإنسان كتعين لهذا الجوهر له ماهيتان:الفكر والامتداد. أي له جانبان، أو بالتعبير الدارج «عملة واحدة لها وجهان»، ورأى أن العقل البشري لا يمكن فناؤه بصورة مطلقة، لكنه مترنح فيما يتعلق بالخلود الفردي. أما مذهب المناسبة عند مالبرانش Malebranche (1638-1715) فقد أكد الاختلاف الجذري بين النفس والجسم، فالنفس والجسم جوهران منفصلان؛ ولا يوجد بينهما تفاعلات متبادلة. ويكمن تفسير العلاقة بينهما في أنه عندما تأتي فكرة للنفس فتريد تحريك الجسم لأداء فعل معين، يقوم الله بخلق هذه الحركة أو خلق هذا الفعل الموازي للفكرة النفسية. وقال لوك بوجود الروح المتناهي Finite Spirit، ويؤكد أن الجوهر الروحي مجهول الماهية وأنه مجرد حامل لعمليات التعقل والاستدلال والمشاعر المختلفة. ويرى ليبنتز أن الأرواح هي المونادات التي يتكون منها العالم، وفي المرتبة الأعلى تأتي المونادات الخاصة بالإنسان، وهي الأرواح أو العقول، التي تملك المعرفة العقلية القبلية، ويتسم إدراكها بالوعي الذاتي، والذاكرة، لكنها تتسم كذلك بوجود إدراكات لا واعية عندها. كما تتميز النفس العاقلة بالقدرة على التأمل، وتتمتع بالمقدرة على معرفة العالم. أما باركلي فقد أنكر وجود المادة، وقال بجوهر روحي فقط. ثم جاء هيوم فأنكر جوهرية المادة والنفس، وقال إن ملاحظة الطبيعة تدل على فناء الفرد.
    واستمرت آراء الفلاسفة تتنازع دون حسم بعد هيوم، وحاول روسو إنقاذ الإيمان، كما حاول كنت ومن بعده هيجل(1770-1831) كل على طريقته. لكن كانت الغلبة في القرن 19 للإنكار، لاسيما مع ظهور: الوضعية، والتطورية، والمادية الماركسية، وفلسفة القوة. ثم تأرجحت مواقف الفلاسفة حول مفهوم الروح، مع نهاية القرن 19 وعلى امتداد القرن 20، حسب منهج ومنظور المذهب الذي يطل من خلاله الفيلسوف على العالم وما وراءه: البراجماتية، وفلسفة الحياة، والتحليلية، والفينومينولوجية، والواقعية الجديدة، والوجودية، والوضعية المنطقية، والبنيوية، والتفكيكية، أو فلسفات ما بعد الحداثة بشكل عام... إلخ. ورغم الاختلافات بين هذه التيارات، فإن المفهوم الأغلب للروح في اللغة الفلسفية المعاصرة عند المثبتين هو «الروح هي الحقيقة المفكرة عمومًا، هي فاعلة للتمثل بقوانينه وفاعليته الذاتية، بوصفه مقابلاً لموضوع التمثل.. وهو يتضمن عدة دلالات:
    - الروح في مقابل المادة...
    - الروح في مقابل الطبيعة...
    - الروح في مقابل الجسد...»
    - بين وضعية وأخرى: الغلبة للإنكار
    وإذا بدأنا بداية مبكرة بالتيارات الوضعية التي اتخذت أشكالاً متعددة في الفكر الغربي، نجد أن البداية كانت مع الوضعية الاجتماعية عند أوجست كونت Auguste Comte(1798-1857) الذي رفض مفهوم الروح كما تبلور في تاريخ الدين أو تاريخ الفلسفة؛ وأكد على انحصار العلم في دراسة الظواهر العينية، ورفض ما بعد الطبيعة، وأنكر وجود الروح الفردي، واعتبر أن الإيمان بالروح أو الأرواح من بقايا الدين الذي يمثل المرحلة الأولى التي مرت بها البشرية في تطورها، عندما كانت في طفولتها، وأن هذه المرحلة أعقبتها مرحلتان: المرحلة الميتافيزيقية، ثم المرحلة الوضعية. وذلك حسب قانون المراحل الثلاث الذي قال به كونت، ومفاده أن البشرية مرت في فهم وتفسير الطبيعة بمراحل ثلاث، أولها: المرحلة اللاهوتية التي يفسر فيها الإنسان الطبيعة عن طريق تعليل حوادثها بتدخل إرادات تشبه الإرادة الإنسانية، لكنها من حيث القوة والمدى أكبر من إرادته، وهي إرادات الأرواح أو الآلهة. وقد حدث في هذه المرحلة نفسها تطور داخلي؛ حيث كان دين الإنسانية الأول هو الفتشية Fetishism، وتمثلت في عبادة الفتش Fetish وهو شيء له قوة سحرية أو جنية أو روح فوق طبيعية، مثل حيوان ما، أو جبل ما. وكان يعتقد أن كل الأحداث وراءها أرواح خيرة أو أرواح شريرة، فالأرواح منبثة في الطبيعة، ومحركة لها. ثم عبدت الإنسانية النجوم والكواكب، وقالت بتعدد الآلهة، واستخدمت هذه الآلهة في تعليل الأحداث والظواهر. وهذه الآلهة شبيهة بالأرواح، لكن عددها أقل، وقدراتها أكبر. ثم تطورت الإنسانية وسعت نحو تفسير أحادي للكون ولظواهره، وهنا وصلت إلى التوحيد، حيث ضمت الآلهة في إله واحد له صفات وقدرات كل الآلهة. أما المرحلة الميتافيزيقية فيفسر فيها الإنسان الطبيعة بردها إلى القوى الميتافيزيقية المجردة كعلل للظواهر. في حين تعتمد المرحلة الوضعية على وصف الظواهر والأحداث وصفًا استقرائيًا، وبيان علاقاتها المباشرة، ومعرفة القوانين الطبيعية الثابتة، دون تفسيرها أو ردها إلى علل دينية أو ميتافيزيقية. وكلما تقدمت الإنسانية تخلصت تدريجيًا من الفكر الديني. ودعا كونت إلى دين وضعي a positive religion يضع فيه عبادة الإنسانية humanity محل عبادة الله، حيث تكون الإنسانية هي موضوع العبادة object of worship(7)، وحيث يعيش الإنسان من أجل الآخرين لا من أجل إله شخصي! ودعا كونت إلى دراسة الأخلاق بمنهج علمي اجتماعي وضعي، ونبذ الدراسة اللاهوتية والميتافيزيقة للأخلاق، واعتبر الأخلاق نسبية متغيرة، ودعا إلى أخلاق وتربية أخلاقية تحقق مصلحة النوع الإنساني علميًا. ومن ثم لا مجال للتربية الروحية في فلسفته.
    وللوضعية أشكال أخرى متعددة، من أهمها الوضعية العلمية عند إرنست رينان (1823-1892) الفيلسوف الفرنسي الذي يؤمن بخلود الروح الكلي التي تضم الأرواح كلها دون فرق بين روح وأخرى. وينكر وجود الروح الفردي، لأنه لا وجود لحقيقة لا تنبثق من مختبر أو من خزانة كتب؛ فكل ما نعرفه إنما نعرفه عن طريق دراسة الطبيعة والتاريخ. ونظرًا لأن العلم لا يستطيع إثبات خلود النفس الفردية، فإن رينان لا يؤمن بالخلود الفردي، وإن كان يؤمن بتطور العالم تطورًا يتيح للروح الكلي أن يظهر فى النهاية باعتباره الهدف والعلة الغائية للعالم. ومع ذلك يرى أن أهم عقيدتين من عقائد الدين، أعني وجود الله والنفس، فرضان نافعان؛ وعلينا أن نسلك كما لو أن الله والنفس موجودان.
    ولا معنى للحديث عن التربية الروحية في المذاهب الوضعية؛ فهي بطبيعتها غير روحانية، لكن في حالة رينان نلاحظ أنه رغم انتباذه للعقائد الكاثوليكية، فقد ظل محتفظاً بحساسيته المسيحية الموروثة؛ حيث يرى أن اكتشاف أصول المسيحية هي المهمة التي ينبغي أن ينتدب نفسه لها لأن المسيحية هي نموذج الديانة الروحية التي تعطي الفرصة للإنسان لكي يرقى فوق الابتذال والسوقية. ويؤكد في «ذكريات الطفولة والشباب» أن كل ما لديه إنسانيًا وأخلاقيًا يرجع للقديس «سيلبيس».
    - من المادية إلى التطورية: الروح تركيبة مادية متطورة
    شغلت التيارات المادية مساحة كبرى من الفلسفات الغربية المعاصرة، وهي ترجع الظواهر الكونية إلى أصل واحد هو المادة Matter، وتعتبرها أساس الوجود من حياة وحركة، بل منبع المعارف والوعي والعقل. ومن ثم تنكر وجود الروح، وتعتبر النفس تركيبة مادية متطورة، ولا تعترف بأن العقل له طبيعة مستقلة عن الجسم، بل تعتبره درجة عليا من درجات المادة. وللمادية تيارات متعددة أهمها المادية الذرية القديمة عند ليوقيبوس وديمقريطس، والمادية الفرنسية في القرن الثامن عشر، عند لاميتري(1709-1751م) الذي أكد في كتابه «الإنسان الآلي» على مادية الإنسان وأنه مجرد آلة بدون روح. وهو ما أكده هولباخ (1723-1789م) الذي أنكر في كتابه «نظام الطبيعة» الروح والآخرة، وقال إن عدم وجود حياة أخرى يحرر الإنسان من سلطة القساوسة والكنيسة. أما أقوى أشكال المادية فهي المادية الجدلية التي قال بها ماركس (1818-1883) وهي «تنفي أن يكون للأشياء جوهر أخير، سرمدي ومتجانس. وهي ترى أساس العالم وماهيته في المادة المتحركة والمتطورة أبدًا: مجموعة لامتناهية من أشياء العالم الموضوعي وظواهره المتغيرة دومًا، والتي لا نهاية لها عمقًا» . ومن ثم فالمادة المتحركة والمتطورة دومًا هي الجوهر.
    وفي هذا السياق المنكر لوجود الروح ولكن على أساس مختلف، يظهر ماخ (1838-1916)، حيث أنكر في كتابه «تحليل الإحساسات» الروح وغيرها من العناصر الميتافيزيقية والدينية كمصدر للمعرفة، واعتبر الإحساسات هي المصدر الوحيد للمعرفة، وزعم: «أن الألوان والأصوات والضغوط والأمكنة، والأزمنة (وهي ما نسميه في العادة الإحساسات)هي العناصر الحقيقية للعالم». أما أفناريوس(1843-1896)، فهو شريك لماخ في النزعة النقدية التجريبية، ويؤكد في كتابه «نقد التجربة المحضة» أن التجربة المحضة هي مصدر المعرفة الوحيد، وأن الموضوعات الميتافيزيقية أو الدينية أو المثالية زائفة، مثل مسألة الروح.
    وفي المذاهب المادية والنزعات النقدية التجريبية التي لا تعترف أصلاً بوجود الروح، نجد معاداة للتربية الروحية، وقد ظهر هذا جليًا في الاتحاد السوفييتي قبل انحلاله وفي دول أوروبا الشرقية؛ حيث تم محاصرة الدين حصارًا شديدًا.
    وفي القرن 19 ظهرت نظرية التطور عند دارون(1809-1882) الذي نظر إلى الإنسان نظرة «آلية» و«مادية»، واعتبر أن الفرق بين الحيوان والإنسان ليس فرقًا كيفيًا بل فرقًا كميًا في الدرجة فحسب. وفسر النفس والعقل تفسيرًا حسيًا، واعتبر أن الروح أو العقل ليس لهما حقيقة مستقلة، بل هما مجرد أدوات بيولوجية للمحافظة على البقاء. ومع هذا فقد اعتبر دارون نفسه «لا أدريًا» وليس ملحدًا. وفي الأخلاق رأى أن قانون البقاء للأصلح في مجال البيولوجيا، يصلح لتفسير أخلاق العصور الهمجية، لكنه لا يصلح لتفسير أخلاق عصور الحضارة والمدنية؛ لأنها تساعد الضعيف والمريض والمحتاج. ومن هنا فإنه اعتبر الأخلاق الإنسانية غير خاضعة لقانون التطور، لكن لا مجال عنده للتربية الروحية، ورفض الأساس الديني للأخلاق الحديثة. وسار على نهجه معظم فلاسفة التطور وأكثر الوضعيين والاشتراكيين الألمان، و«هؤلاء قد مكنتهم جرأتهم من رفض الدين المسيحي وإنكار مبادئه، ولكنها خانتهم حين أرادوا - مسايرة لمنطقهم - أن يطبقوا قانون البقاء للأصلح على مجال الأخلاق، فواصلوا إيمانهم بالقيم الخلقية القديمة التي تكبر شأن الدعة والغيرية والمشاركة الوجدانية ونحوها من الفضائل... وجاء نيتشه فطالب في جرأة بتطبيق نتائج التنازع على البقاء على مجال الأخلاق». وانتقد التربية الروحية التي دعت إليها المسيحية واعتبرها قائمة على أخلاق العبيد، أخلاق العجز والحقد الدفين، ومن ثم لُقب بعدو المسيح. ودعا إلى أخلاق السادة القائمة على إرادة القوة، ومحو الضعف والضعفاء والقضاء على أخلاقهم أخلاق العبيد. واعتبر أن مقياس القيم هو إرادة القوة وليس اللذة أو المنفعة، وكان هذا امتدادًا لرأيه المنكر لوجود الروح الفردي وخلوده، لكنه من جهة أخرى قال بنظرية «العود الأبدي» التي تقول بالعودة من جديد، ثم الفناء والعودة إلى ما لا نهاية في هذا العالم لا في عالم آخر.
    - من البراجماتية إلى البرجسونية: عودة الروح
    في هذا الجو من الإنكار ظهرت تيارات أعادت الاعتبار إلى الروح من زاوية أو أخرى؛ فهذا جيمس الفيلسوف البراجماتي، يؤسس موقفه من قضايا الإيمان على «إرادة الاعتقاد»؛ فالإنسان هو الذي يقرر الاعتقاد، وتكمن مسوغات هذا الاعتقاد في النتائج العملية المفيدة التي تترتب عليه، وليس في منشئه أو أصله(15). ومن حق الإنسان أن يؤمن بعقيدة ما رغم عدم وجود أدلة عقلية عليها، ومن ضمنها الروح، إن استطاع أن يؤسس هذا الإيمان على الإرادة والرغبة. أما جيمس نفسه فيقبل الإيمان بالأرواح، بل يؤمن بإمكانية تحضيرها؛ حيث يجعلنا ذلك «نتصل بوجدانات أرواح غير منظورة ويوفر لنا من أسباب المساعدة ما يوفره المذهب الصوفي».
    في حين نظرت الشخصانية إلى الروح من زاوية أخرى، واعتبرت الطبيعة هي المجموع الكلي للأرواح الشخصية الفردية التي يعلوها الله. ومن أهم رواد الشخصانية رنوفييه (1815 – 1903) الذي يرى أن «الشخص» هو المبدأ الروحي الرئيسي والجوهري في العالم. وقد اتخذت الشخصانية شكلاً روحيًا آخر في إنجلترا عند ج. غروت (1865) الذي اعتبر الذات الإنسانية أساسًا للمعرفة والقيم، والإنسان في حقيقته روح وليس مادة. ويأتي إمانويل مونييه (1905 – 1950) على رأس التيار الشخصاني الفرنسي، وأنشأ مجلة «الروح» في أكتوبر 1932، ودعا فيها إلى مناهضة الحضارة الأوروبية التي تقوم على المادية المفرطة، ولذا تعاني من أزمة روحية.
    وثمة مجال للحديث عن التربية الروحية الشخصانية؛ فالمهمة الرئيسية ليست تغيير العالم، وإنما تغيير الفرد، أي دعم كماله الأخلاقي الذاتي الروحي. ولذا تدعو إلى التربية التي تقوم على تعليم المبادئ الأخلاقية الروحية، والتي تكرس للسلام العالمي، والتعايش السلمي، وتطالب بالديمقراطية، وتنبذ فكرة الحرب لأسباب دينية أو تجارية أو غيرها. ويرفض رنوفييه التربية التي تعتبر المنفعة غاية للسلوك، ويرى أن شعور الضمير بالرضا أو التأنيب هو الجزاء الأوفى على الفعل. ويؤسس التربية الروحية على العقل والحرية؛ فالعقل هو الذي يحدد مبادئ الفعل، و«الحرية هي الماهية الأخيرة والجوهر الأصفى للشخصية الإنسانية(17)». ودعا إمانويل مونييه إلى قيام التربية على ثورة روحية تعيد الوحدة بين الروح والمادة في الشخصية، وتتأسس على نزعة إنسانية تنظر إلى الشخص باعتباره كائنًا يعيش فى إطار اجتماعي كوني، وليس الشخص المنعزل فى فرديته وأنانيته؛ فالشخص الذى يتطلع إليه مونييه هو المتفتح على الأشخاص الآخرين فى المجتمع والكون ويتمتع بروح متسامحة إزاء كل الأديان، وهذا هو دور التربية الروحية. ولذا رفض الماركسية، والمادية بكل أشكالها.
    أما التوماوية الجديدة، فهي من أكبر التيارات الروحية في الفلسفات الغربية المعاصرة، وأشهر أعلامها أدلر وماسكول وجاك ماريتان واتين جلسون. وهي فلسفة مسيحية تؤمن بالروح وخلوده، وقدمت نظرية أخلاقية في التربية الروحية ترفض الإخضاع العنيف للعواطف تحت قيادة القوانين الأخلاقية بوسيلة قوة الإرادة، بل تسعى للوصول بالإنسان إلى الكمال عن طريق التربية الذاتية وتنظيم الجهاز النفسي للإنسان وتهذيبه، بحيث يمكن للإنسان ليس فقط أن يفعل ويسلك على نحو خير، بل وكذلك أن يسلك سلوكًا طيبًا على نحو ميسر منطلق، عن طريق تهذيب الإرادة وتنظيمها تحت توجيه العدل بمعناه الأوسع والأعم، مع تنظيم وتهذيب الانفعالات.
    وذهب برجسون(1859-1941) إلى بقاء الروح بعد الموت، وحاول التعبير عن الاحتياجات الروحية للإنسان من خلال نظريته في الأخلاق المنفتحة والديانة الديناميكية وجوهرها التصوف، وكلاهما تقوم على الحب والشعور بالحرية والدفعة الحيوية. ويفرق بين عالم المادة وعالم الروح، ويرى أن دائرة العلم هي دائرة المادة، ودائرة الكم، والامتداد والمكان. ومنهجها هو التحليل والتصنيف. وأداتها هي العقل. بينما دائرة الفلسفة هي دائرة الروح، دائرة الكيف والتوتر، والزمان والديمومة ومنهجها هو التعاطف الروحي وأداتها هي «الحدس» الذي يقوم الإنسان عن طريقه بضرب من ضروب الفحص الروحي للواقع يستطيع معه أن يحس بنبضاته. ومن هنا يستحيل تفسير الحياة والروح بالرجوع إلى أداة ميكانيكية مادية.
    - من الحس المشترك إلى مبدأ التحقق: الروح تتوارى
    وتستمر مواقف الفلسفات الغربية في التنوع، وتأخذ شكلاً جديدًا عند الفلسفة التحليلية التي بدأت مع جورج إدوارد مور (1873-1958م) الذي اعتبر الروح من القضايا الخلافية، حيث جعل التمييز بين الصواب والخطأ قائمًا على مبدأ الحس المشترك Common Sense الذي يجعل الناس يجمعون على أمر من الأمور التي يمكن إدراكها للناس جميعًا بفطرتهم وبداهيتهم، مثل: (إن الأشياء توجد في المكان والزمان - إن عدد الأشياء المادية كبير جدًا). أما القضايا التي ليست محل إجماع للحس المشترك فهي مثل: (وجود الله - خلود الروح - طبيعة الكون باعتباره كلاً). والمحك في تقرير صحة القضايا هو ما يقره الحس المشترك، وأي قضية ليس لها مستند من الحس المشترك فهي بلا معنى. ومع هذا فإن مور لا يستبعد وجود الله أو الروح، بل فقط يقصد أن الحس المشترك لا يستبعد ذلك ولا يؤكده؛ فهي ليست محل إجماع من الحس المشترك. وقد نقد مور فلسفة الأخلاق التقليدية في كتابه «مبادئ الأخلاق»؛ وذهب إلى أن الخير والشر مفهومان غير قابلين للتحديد. ومن ثم لم يقدم مذهبًا أخلاقيًا، أو منهجًا للتربية.
    أما برتراند رسل (1872-1970م) فقد أنكر وجود الروح وخلودها، وحاول تقديم بديل لنظرية ثنائية المادة والروح، وحل العقل عنده محل الروح، لكنه لم ينظر إليه ككيان وجوهر ذي طبيعة خاصة، ففي نظرية الواحدية المحايدة، رفض اعتبار العقل والمادة شيئين، وقال إنهما مجموعة أحداث؛ لأن مشكلة علاقة العقل والمادة تنشأ من خطأ اعتبارهما «شيئين» بدلاً من اعتبارهما مجموعات أحداث، فالمادة أحداث محكومة بعلاقات العلية الطبيعية، بينما العقل أحداث محكومة بعلاقات علية نفسية، «وإذن فلا يصح وصف حادثة ما بأنها عقلية أو بأنها مادية لصفة في كيانها، بل توصف بهذا أو ذاك حسب سياقها العلي...». ورفض رسل التربية الروحية، والأخلاق النظرية، ودعا إلى نظام للتربية قائم على المعرفة العلمية تحت قيادة الحب الوجداني ونبذ الخوف والتربية على الشجاعة من أجل تحقيق المثل الأعلى للحياة الطيبة للوصول إلى السعادة.
    ونفى الوضعيون المناطقة الروح من زاوية أخرى؛ فهم لا يؤمنون إلا بما هو وضعي حسي ويمكن التحقق منه بواسطة مبدأ التحقق Principle of Verification، أما ما لا يمكن التحقق منه فهو أمر بلا معنى meaninglessومجرد لغو Non-Sense. ولذا يعتبرون مفهومًا مثل مفهوم «الروح» بلا معنى، لأنهم لا يستطيعون أن يستدلوا عليه حسيًا ولا يستطيعون مشاهدته أو لمسه! ولكن من وجهة نظرنا أن هذا مفهوم يتم الاستدلال على ماصدقه بالعقل، فضلاً عن الاستدلال عليه بشكل تجريبي غير مباشر عن طريق الآثار الحسية له، والعلم نفسه يقوم على مفاهيم لا يمكن التحقق منها حسيًا، مثل مفهوم اللامتناهي في الرياضيات. إن الوضعية المنطقية تظهر: «عداء قويًا للدين والفلسفة التقليدية خاصة الميتافيزيقا». ومع ذلك لا تقدم بديلاً عنهما، وتعجز عن الوصول إلى الواقع، وتعجز عن تفسير قضايا جوهرية من قبيل: أصل العالم، ووجود الله، وحرية الإرادة، وحقيقة الوجود الإنساني. وهذا ما يقدمه الدين.
    وينبثق موقفهم من الأخلاق والتربية من موقفهم الفلسفي العام، ومن هنا يرفضون التربية الروحية والأخلاق ذات الطابع الميتافيزيقي أو الديني؛ لأنها خالية من المعنى؛ إذ لا يمكن التحقق منها لخلو قضاياها من المضمون التجريبي. وحاولوا إقامة الأخلاق على المنفعة أو تحقيق سعادة الإنسان. ولذا «فقد ذهب كل من كارناب وآير مثلاً إلى أن ما يؤخذ عادة على أنها قضايا أخلاقية، ليست في حقيقتها قضايا على الإطلاق. فالقول إن «السرقة خطأ أو شر» مثلاً، يرى الوضعيون الجدد أنها لا تشكل قضية تجريبية عن السرقة، كما أنها لا تربط السرقة بنوع من المجال الترنسندنتالي أو المتعالي. فالقول إن «السرقة خطأ أو شر»، إما أنه يكون معبرًا عن مشاعرنا تجاه السرقة، أي مشاعرنا بعدم الموافقة، أو - بدلاً من ذلك -(وآراء الوضعيين تختلف في هذا الصدد)، هو محاولة لرد الآخرين عن السرقة، وهو في الحالتين لا ينقل إلينا خبرًا جديدًا». ولذا لا يعتبرون الخير والشر مفهومين، بل مجرد شبه مفهومين؛ إذ إنهما ليسا من الصفات الملموسة في الظواهر، ولا يمكن إدراكهما إدراكًا حسيًا. وينتهي آير وكارناب إلى النزعة الانفعالية التي ترى أن الأحكام الأخلاقية تعبير عن الانفعال، ولا تقدم وصفًا للواقع، وهي تعسفية غير قابلة للبرهان.
    - من الوجودية إلى الصورية والعدمية: نهاية الوعي الأوربي
    تباينت مواقف الوجودية Existentialism من الروح؛ حيث انقسم الفلاسفة الوجوديون إلى نوعين: الوجوديين المسيحيين (كيركجور، جابرييل مارسيل، كارل ياسبرز)، والوجوديين الملحدين (هيدجر، وسارتر،كامي). ومن ثم فبعضهم يؤمن بالروح وبضرب من الخلود. فهذا كيركجور يتصور الإنسان على أنه مركب من الزماني والأزلي، ويرى أن الوجود الإنساني الأصيل هو الذات المنفردة الماثلة أمام الله. أما بردياييف فينكر الخلود الميتافيزيقي أو الطبيعي ولكنه يؤمن بإمكان الوصول إلى ضرب من الوجود البشري يتمكن من «الانتصار على الموت». غير أن الموقف الأقرب إلى النموذج الوجودي هو ذلك الذي يرى في الموت حدًا نهائيًا؛ ومن هنا ذهبوا إلى أن الوجود البشري يجاوز ذاته في اتجاهه إلى العدم؛ فليس ثمة إله، والإنسان يولد دون مبرر ومتروك لا يعتني به أحد، ولا يجد لا في نفسه ولا خارجها شيئًا يتمسك به ويتعلق بأهدابه. ولذا يضع لنفسه معاييره الخاصة ويحدد قيمه وما سوف يصبح عليه. فالملحدون منهم ينكرون الروح الخالد، ويرون الموت هو الذي يشكل قبل أي شيء آخر التناهي البشري، ولكنهم مع ذلك يبحثون عن ضرب من الحياة الأزلية وسط الزمانية وذلك في سعيهم إلى تجاوز التعاقب الزائل للوجود البشري.
    ويرى كيركجور أهمية تربية الروح وتهذيبها؛ لأن الإنسان لو ركزَّ على الجسد وحده فإنه يعيش في المستوى الحيواني الخالص وهذه هي المرحلة الحسية، وفيها لا يصل إلى الذات الإنسانية الأصيلة. أما إذا عمل على تحقيق الواجبات والمبادئ الأخلاقية التي تميّزه كإنسان، فإنه يكون في المرحلة الأخلاقية. لكن لا المرحلة الحسية ولا المرحلة الأخلاقية قادرة على تحقيق ذات الإنسان الأصيلة التي تحقق التوازن والانسجام؛ لأن الذات البشرية الحقة هي الذات المطمئنة - الذات المتدينة التي تعترف بأن هناك اختلافًا مطلقًا بين الله والعالم، وتحاول عبور هذه الهوة عندما تعترف بالاعتماد الأنطولوجي للذات عن طريق الإيمان بأن الله هو الخالق، وأن الإنسان هو المخلوق، وها هنا يمكن «تعليق الأخلاق» في سبيل غاية أعلى، وهي خطوة يقوم بها «فارس الإيمان» على نحو ما فعل نبي الله إبراهيم عندما همَّ بذبح وحيده تلبية للأمر الإلهي.
    أما سارتر فرفض التربية الروحية وأخلاق الدين عمومًا، ودعا للأخلاق الحية، وقال إن الإنسان مسؤول عن أفعاله، «فإذا كان الوجود يسبق حقيقة الجوهر فالإنسان مسؤول عما هو كائن»، وأنه لا وجود لأية أخلاق شاملة، ولا وجود لمعيار مثالي ذهبي يمكن أن يخضع له الفعل الخلقي، ويقول ماذا ينبغي أن نفعل أو لا نفعل؛ والله غير موجود عند سارتر، و«إذا كان الله غير موجود، فإننا لا نجد أمامنا قيمًا تسير تصرفاتنا وتجعلها شرعية». ومن ثم فالإنسان مضطر أن يخلق قانونه لنفسه بنفسه؛ وهو الذي يختار أخلاقه، ولا نستطيع أن نقرر قبليًا ماذا ينبغي عليه أن يفعل! والتربية هي أن ندع الفرد يتجاوز وضعه الحالي ويتجاوزه على نحو يجعله إنسانًا فريدًا. ولهذا - من وجهة نظرنا - لا يمكن قيام أخلاق وجودية، ومن ثم لا يمكن قيام منهج للتربية الروحية.
    ونظرًا لما انتهت إليه الوجودية من فشل، بحث الوعي الأوروبي عن طريق جديد، لكنه سقط في حالة من الصورية مع البنيوية «التي انتهت إلى بنية فارغة من أي مضمون، وعادت إلى الصورية، إلى الوجود في الأذهان وليس إلى الوجود في الأعيان». وبعد أن سقط الوعي الأوروبي في الصورية كان سقوطه الثاني في العدمية والتفكيك المروع مع جاك دريدا Derrida ورفاقه في مرحلة ما بعد الحداثة التي تنكرت لكل مرجع، وألغت كل مركز، ونفت كل جوهر، وأنكرت الروح. والتفكيكية هي لب ما بعد الحداثة Postmodernism(). ولا يمكن الحديث عن مفهوم الروح في هذه المدرسة؛ فهي مدرسة تقويض ونقد وتفكيك وزعزعة للفكر الغربي والإنساني الذي يقوم على مفهوم «المركز الثابت للفكر» مثل الحقيقة أو الواقع أو الزمن أو فكرة العلاقة أو السببية. فالتفكيكيون عدميون يرفضون ثبات أي «معنى» فكل شيء مشتت ممزق مفكك ليس له معنى وليس له مركز. وما بعد الحداثة هي نوع من التمرد مارسته المدرسة التفكيكية على منجزات الحداثة، نتيجة الأزمة التي وقعت فيها، وأوقعت فيها الإنسان المعاصر مثل الحروب العالمية، والاستعمار، وتدمير البيئة واستنزاف مواردها، وظهور الحركات المتطرفة، والتناقضات، وزيف «العلامات»، والخداع الإعلامي، إلخ. وجاءت ما بعد الحداثة لترفض المذاهب الفكرية التي تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة واليقين والمعنى الأوحد. وفي الوقت الذي رفضت فيه ما بعد الحداثة كل هذا، فإنها لم تقدم بديلاً مذهبيًا يمكن الركون إليه، بل قدمت عدم اليقين، ودعت إلى الفردية المطلقة والنسبية المفرطة، وقلب نظام القيم والأخلاق والتربية، وفقدان الثقة في العقلانية وكل دين أو مذهب يدور على معنى أو مركز أو محور ثابت مثل الروح أو الضمير أو الله.
    لكن هذه العدمية والعبثية التي جاءت بها التفكيكية لم تحل دون ظهور تيارات جديدة في الدرس الأخلاقي والتربية، لكنها لم تكن أبدًا تربية روحية، بل تربية تسعى لمعايير ذهبية تحكم السلوك الإنساني بعد سقوط كل المعايير على أيدي التفكيكيين، لعل أحدثها تيار الأخلاق التطبيقية Ethics Applied الذي قام بتطبيق الأخلاق على المشاكل العملية؛ وابتعد كلية عن التربية الروحية، فالتربية عنده هي تربية رجل الأعمال، أي التربية التي تسعى لإقامة الأخلاق الاقتصادية؛ حيث ظهر اهتمام بالأخلاق المهنية، وأخلاق الأعمال التجارية Business(33).
    - خاتمة:
    إن الروح مبدأ حياة الجسد وحقيقة الفكر، وهي التي تعطي للإنسان شعورًا بوحدة الذات أو الأنا، رغم كل التغيرات التي تطرأ على الجسد.. إنها ضرورة أخلاقية تسلم بها الفلسفة النقدية كمصادرة، وهي قضية إيمانية يسلم بها المؤمن كوحي إلهي. ومع ذلك لا يمكن معرفة طبيعتها، إنها معلومة من الدين بالضرورة، لكن كيفها مجهول، ولذا توقف فيها السلف الصالح كما توقف الفيلسوف النقدي كنت؛ فكل محاولات العقل التأملية بخصوص طبيعة الروح، إنما هي محاولات عقيمة تمامًا، ولا طائل من ورائها بحسب طبيعتها الداخلية، لأن الروح خارج نطاق التجربة. «إن جميع استدلالاتنا التي تريد أن تذهب بنا إلى خارج منطقة التجربة الممكنة إنما هي استدلالات مخادعة بغير أساس.
    وقد عجزت الفلسفات الغربية المادية والوضعية والحسية والوجودية بمختلف تياراتها عن تقديم بديل للدين، ونظرت للإنسان نظرة ضيقة الأفق، ولم تستطع تبيُّـن الحاجات الروحية في الإنسان، ولم تقدم أي حل للمسائل الفلسفية الكبرى التي تشغل الإنسان. وقد أنكر الملحدون وجود الروح لأنهم لا يستطيعون أن يستدلوا عليه حسيًا ولا يستطيعون مشاهدته أو لمسه! ونسوا أن الوجود الإنساني لا يمكن رده كلية إلى المادة، وأن عدم رؤية شيء لا يستلزم بالضرورة عدم وجوده. وعندما يتوقف العقل عن قبول البرهان يظل الرهان في صالح الإيمان بالروح:
    قال المنجم والطبيب كلاهما
    لا تحشر الأجساد قلت إليكما
    إن صح قولكما فلست بخاسر
    أو صح قولي فالخسار عليكما
    وقد تشعبت معظم الفلسفات الغربية المعاصرة بعيدًا عن التربية الروحية، باستثناء حالات قليلة، مثل كيركجور وبرجسون والتوماوية الجديدة. وهنا تظهر ضرورة العودة إلى الدين الخالص لإعادة التوازن بين المادة والروح، عبر تربية روحية جسدية تتعامل مع الإنسان ككل كذات أصيلة، وكائن منفرد لا نظير له Unique، وليس كجسد فقط، فهنا تضيع الذات وسط الماديات. وليس كروح فقط على الطريقة الرهبانية المسيحية التي تهمل الجسد. فلابد أن تعمل التربية على تحقيق التوازن بين الروح والجسد في توليفة منسجمة؛ وهذه هي التربية الإسلامية التي تعترف بمتطلبات الجسد، مع تهذيبها، وترتقي بالروح في مدارج السالكين دون ترك الجسد، بل الروح هنا ترتقي به معها؛ لأن الإنسان روح وجسد معًا، في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة.نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    الصورة الرمزية بابيه أمال أديبة
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    الدولة : هناك.. حيث الفكر يستنشق معاني الحروف !!
    المشاركات : 3,047
    المواضيع : 308
    الردود : 3047
    المعدل اليومي : 0.46

    افتراضي


    وقد عجزت الفلسفات الغربية المادية والوضعية والحسية والوجودية بمختلف تياراتها عن تقديم بديل للدين، ونظرت للإنسان نظرة ضيقة الأفق، ولم تستطع تبيُّـن الحاجات الروحية في الإنسان، ولم تقدم أي حل للمسائل الفلسفية الكبرى التي تشغل الإنسان.

    ما أجمل تقديم النظريات والفلسفات الغربية في الأمور الحيوية والمقارنة بينها وبين ما جاء في الكتاب والسنة بدليل وبرهان ساطع بنور حقيقة ربانية ليس لها وجه ثان.. ليبقى دين الإسلام المصدرالموثوق والوحيد لحقائق مكتشفة وأخرى في علم الغيب إلى ما شاء الله..

    سيد محمد إقبال شكرا لما استفدته هنا من أفكار ومعلومات..

    سنبقي أنفسا يا عز ترنو***** وترقب خيط فجرك في انبثاق
    فلـم نفقـد دعـاء بعد فينا***** يــخــبــرنا بـأن الخيــر باقــي

  3. #3
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    موضوع دسم :

    ومتون ثرية :

    سأثبت الموضوع ريثما أعود بملخص كنت قد وضعته وأنا أبحث ( العقلنة الإسلامية )

    \

    بالغ تقديري ومرحبا ً بك أخي اقبال ورحمة الله على اقبالنا الشاعر وعسى أن تحذو حذو ذلك الجهبذ
    الإنسان : موقف

  4. #4
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    بوركت اقبال موضوع بالفعل غني
    يقول المفكر و الشاعر محمد اقبال :
    أن التصوف نتيجة لازمة لحركة القوى العقلانية والأخلاقية التي توقظ الروح من هجوعها
    إلى المبدأ الأسمى للحياة.

    /

    تحياتي
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

  5. #5
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Jun 2007
    المشاركات : 10
    المواضيع : 2
    الردود : 10
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي

    السلام عليكم
    أشكر كل اخوانى الفاضل وأعتذر عن عدم التفاعل والانقطاع المستمرين وذلك لظروف العمل وظروفى الخاصة .
    وشكرا لكم

المواضيع المتشابهه

  1. ثقافة الروح وتربية الإرادة أو حكمة الروح في الفلسفات الشرقية المعاصرة
    بواسطة محمد اقبال في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 06-09-2007, 03:54 PM
  2. نحو اعادة التفكير في مفهوم الاسرة والتربية
    بواسطة عبدالله العبادي في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-05-2007, 02:17 PM
  3. أدب الأطفال والتربية الإبداعية
    بواسطة عطية العمري في المنتدى أَدَبُ الطِّفْلِ (لأطفالنا نحكي)
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 30-04-2006, 01:18 PM
  4. الحضارة الغربية يجب القضاء عليها للتخلص من شرورها
    بواسطة محمد سوالمة في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 13-04-2005, 02:44 PM
  5. حقائق وإحصائيات تفضح واقع المرأة الغربية....!!!
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-05-2004, 08:49 PM