مازلت أقاوم رغبتي في أن أعرف أخبارك , أتفقدك في كل المجالس , غادرت إلى حيث السعادة كما كنت تردد دائما ,ألا تحن إلى جذع شجرة لطالما تنسمت رحيقها وارتحت من أعباء الحياة تحت ظلها الوارف؟؟؟
ألأ تشتاق إلى جمال القرية ؟؟ زهورها وربيعها الباسم , طيورها المغردة بالوفاء تسأل عنك ,وعن وجه أحبته فأعطاها ظهره موليا غدرا وجفاء!! أتحسس لوحاتك الفنية المنقوشة على جذع الأشجار , شمس تطل من الأفق باسمة تحضن بأشعتها جبال وتلال ووديان القرية , مازال يتردد صدى صوتك وأنت تعلن قرارك النهائي لن أرحل سأبقى هنا أحرث الأرض وأستنشق عبير التربة الممزوج بالغيث الماطر, الرحمة المهداة من السماء تغسل أرواحنا من الأنانية والكبر والجشع, هنا في القرية تستعيد الإنسانية نقاءها وصفاءها فلماذا الهجرة؟؟؟
كانت كلمات فقط ,تكسرت على أول صخرة صادفتك , أذكر كم كنت معارضا حينما أخبرتك أنني ربما أهاجر إلى المدينة من أجل العمل ؟؟؟
أبديت أسفك وحزنك لأن المدينة غيرت طباعي أصبحت أنانية لاأفكر إلا بمصلحتي , لم تترك لي فرصة كي أخبرك ببعض مشاكلي المادية فالأرض عطشى من سنين الجفاف الطويلة لم يعد لنا أي مورد للرزق فكان الحل أن أبحث عن عمل ,تحدثت يومها طويلا عن التضحية من أجل الصالح العام وأننا أمة التكافل والتعاون وشجعتني على أن أبدأ في تعليم نساء القرية أول حروف الأبجدية , رسخت في ذهني أفكارا سامية نمت وترعرت حتى أضحى كل همي اسعاد الناس قدمت لي أجمل هدية وعند أول النتائج لثمرات الصبر والجد غادرت ,لم أصدق وأنا أسمع بالخبر رحل همام إلى الضفة ,الأخرى إلى إسبانيا انتابني شعور غامض وشردت طويلا في نقطة غير محددة ولا معروفة, شيءهلامي غطى بصيرتي وحرمني من رؤية الأشياء من حولي , فقط ابتسامتك وصوتك تضخما إلى حد مزعج , وجدتني أقلب جميع الأفكار في ذهني شاب طموح محب للحركة مثلك, تواجدك في القرية كان قيدا لطالما انجلى في تدمرك وسخطك على واقع مر , الكل كان يشتكي إلى الله حاله , جفاف وقسوة وقلة ذات اليد كل شيء دفعك للرحيل , فلتبقى في ذاكرتك حاجة أهلك وناسك لاتجعل الغربة تحول طيبتك إلى جفاء وأنانية , احفظ العهد وكن الإنسان القدوة كما علمتنا جميعا حب الآخرين ..
جف قلمي لم يعد قادرا على نقل كل هذا الكم الهائل من الأفكار وهي ترد تباعا , عندما أويت إلى فراشي جافاني النوم
هل ستتأقلم مع حياتك الجديدة؟؟
وابتسمت حينما تذكرتك كرهك الشديد للبرد ,هناك ستجمدُ أطرافك الثلوج المتراكمة والعلاقات الإنسانية الجامدة ,من سيبعث في قلبك الدفء بكلمة حانية ؟؟, سيزداد احتياجك للحب ,هربت من جفاف الأرض إلى جفاف القلوب فأيهما أقسى ؟؟..........
ترى قلمي الآن كيف يرتجف خوفا وفرقا من أفكار طافت بذهني صارخة في وجهي :
- قد لايعود إلى القرية , ليل الغربة متوهج بأضواء ملونة , بينما قريتك وطنك الصغير في ظلام دامس , شمعة الأمل تتهددها رياح عاصفة , وآهات العطشى تخترق صمت الليالي بالخوف من المجهول , تتراقص الأمال طربا على وعدك أن لا تنسى الأم والأرض والوطن ,أحلامك كانت كبيرة وسعت كل طموح العيون المشتاقة للحياة الكريمة , ستدافع عنهم لأنك تملك سلاح العلم والمعرفة , وسنشق معا طريقا نزرعه محبة ووفاء وعطاء للآخرين , لايوجد في قاموسك شيء اسمه المستحيل ,ولن يثني عزمك عقبات الطريق , احساس بأعماقي كان يكبر ويكبر متحديا غيابك باسطا في جنبات روحي سكينة عجيبة , مؤمنة بكل كياني وجد واثقة حتى النخاع أنك وإن طال بك الغياب ستعود يوما ما, لأنك تعودت على العطاء .............
ولأنك تعلم أن هنا قلوبا تحتاج إلى الدفء في ليالي الشتاء الطويلة , تلوذ بحمى المولى من أنين الشوق كلما بزغ فجر جديد بدونك , تسكب العبرات في نجواها الطويلة , ويبقى الدعاء سلاحا لها في أوقات الحنين , لعل ربي أن يعيدك ومعك العزيمة والإرادة على أن تتحول القرية الصغيرة إلى بستان فرح وسعادة وعطاء, كما كنت تحلم يوما ما ........