أيام الزمن الجميل ، ذهبت مع أناس رحلوا فأبت قلوبنا إلا أن ترحل معهم ، كنا وكانوا ، وكانت أيام جميلة ، لم نجد العزاء في البعد عنهم ، ولا أحد يعوض غيابهم ، وكلما اقترب هذا الليل تأتي ذكراهم تتراقص مع نسمات هواءه ، وتداعب خلجات قلوبنا ، فتشعر وكأنك تعيش في عالم آخر ، هنا كانوا ومن هنا ذهبوا، تركوا خلفهم ما لا ينسى من ذكريات جميلة ، وأيام تحدثنا عن زمن الرجولة ، زمن الوفاء ، زمن الصدق ، والحب الحقيقي .
تذكرت ذات مساء ما قاله لبيد بن ربيعة رحمه الله :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم * * * وبقيت في خلف كجلد الأجرب
ثمَّ تذكرت ما قالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن لبيد فقالت : رحم الله لبيد كيف لو عاش إلى زماننا هذا ؟ ثمَّ تذكرت ماقاله التابعي الجليل سعيد بن المسيب عن هذا البيت إذ قال : رحم الله عائشة فكيف لو عاشت إلى زماننا هذا ؟ ثم قال غيري وقال آخرون ، رحم الله الجميع فكيف لو عاشوا إلى زماننا هذا ، وفيه ما فيه من نكد الدنيا على الحر ، ومن ضياع للبلاد والعباد ، ومن تفريط في المقدسات ، وقتل ودمار ، وتشريد ، وبُعدٍ عن الأحباب،قال أبي هريرة رضي الله عنه : ذهب الناس وبقي النسناس فقيل له: وما النسناس؟ قال: قوم يتشبهون بالناس وليسوا بناس.
وتمضي بنا الأيام ، لتجد نفسك وقد ابتعدت قسرًا عن عالمٍ أحببته ، عن عالم أصبح جزءً من عالمنا الجميل الذي ذهب مع من نحبهم ، عن واحةٍ أحببنا كل من فيها ، فلا تلبثُ أن تعود إليه كلما سنحت لكَ الظروف ، تعود وكلك شوق لأهل لم ترهم وأحبة تركوا بصمة في قلبك ، فلا تستطيع نسيانهم ، وتعود وتعود ولا تملك إلا أن تعود لبيتٍ الحلم الجميل ، لبيت تكتب فيه عن من أحببت ، وعن كل ما يخطر ببالك ، فتضع فيه ذاكرتك وتنسج فيه خيوط الأمل لتتابع مشوار حياتك ، في واحة تذكرك بزمانٍ جميل مضى ، زمان مضى و يا ليته يعود ، وفي العودة لهذه الواحة المباركة تخفيف عن وقع المصيبة التي نعيشها في هذا الزمن ، الذي ينطبق حاله مع قول لبيد بن ربيعة :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم * * * وبقيت في خلف كجلد الأجرب
كل عام وانتم بخير يا أهل الواحة الكرام.
مبارك عليكم الشهر الفضيل