أخي العزيز \ راضي الضميري .. أهلاً وسهلاً دائماً، بتعليقاتك، ومحاوراتك، واختلافاتك معي .. التي باتت تروق لي ..
واعلم أخي الكريم، أنه لن يكون بيننا إلا كل خير - مهما اختلفنا في وجهات النظر - بإذن الله ..
وإنني بتُّ أعتقد بأنك أهلٌ للحوار، واختلاف الرأي الذي لا يُفسد للود قضية ..
فحواراتنا هي حوارات أتباع الدين الواحد والرسول الواحد والكتاب الواحد ..
وما هي إلا محاولات لاستيضاح الأمور، واستجلاء الغموض أو الاختلاط الذي يشوب بعض المفاهيم بين المسلمين .. وذلك من أجل تثبيت الإيمان في القلوب وتقوية حجة اللسان به ..
ملاحظاتي ..
أودُّ التذكير أولاً، بنقطة هي من الأهمية بمكان في صلب موضوعنا، وهي :
أن أمر الله للملائكة بالسجود لآدم، يختلف عن موضوع استخلافه في الأرض ! فهذا أمرٌ، وتلك مسألة !
فأمر السجود كان مقروناً بلحظة الخلق .. {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }الحجر29 ، ص 72 .
فأمر الله للملائكة بالسجود لآدم، كان لحظة خلقه وعند نفخ الروح فيه ..
حيث أعلن إبليس تحفظه، ورفض السجود؛ بينما لم يكن الأمر حينها مسألة مطروحة لإبداء الرأي بشأنها أو لأخذ العلم بها!
فقال له الله تعالى {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } الأعراف12 .
بمعنى لماذا لم تنفذ الأمر لحظة صدوره - بغض النظر عن رضاك عن الموضوع وفهمك لسببه - من عدمهما !
في حين امتثل الملائكة لأمر الله بالسجود لآدم، - ولم يُظهروا استغراباً أو تحفظاً، لأن الصيغة واللحظة كانتا في صورة أمر- واجب التنفيذ، ولم تكن صيغة أو لحظة طرحٍ لمسألة !
وإنما أظهروا تحفظهم على سلوك البشر -بأنهم لن يكونوا أهلاً للخلافة في الأرض، وذلك عندما فتح الله لهم المجال للتساؤل، وإبداء الملاحظات !
وأنا أفهم كل هذه الأمور على أنها دروس تمهيدية من الخالق لمخلوقاته حول مسئولياتهم وعلاقاتهم القادمة !
والملائكة- وبكل تأكيد- يعلمون بأنه لا يمكن مقارنة علمهم بعلم الله، فعلمهم جزئي مخلوق بقدر؛ وعلمه سبحانه وتعالى .. كلي شامل أبدي أزلي خالق محيط .. لا نظير له ..
ونحن نعلم، بأن الإيمان والامتثال لأوامر الله، هو مجاهدة ومقاومة للنفس، فهو لا يُحقق زوال التساؤل وانتفاء التحفظ على بعض نقاط الغموض فيما حول المؤمن .. وذلك بسبب طبيعة المخلوقات الفاقدة للكمال !
ولنا في نبي الله إبراهيم المثل الأعلى .. {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }البقرة260 .
فالمؤمن الفقير - مثلاً -، يعبد الله ويمتثل لأوامره، ويعلم بأن الله يرزق من يشاء بغير حساب ..
ولكن هذا المؤمن ليس راضياً عن وضع الفقر الذي هو فيه، ويبحث عن سببه، ويبذل الجهد لجمع المال .. فهل نقول له، بما أنك مؤمن، فإنه ينبغي عليك أن تكون سعيداً راضياً بفقرك ! وهل يستطيع أن يفعل، حتى لو قلنا له ذلك !
ثانياً
أختلف معك هنا في هذا الاستنتاج ؛ لماذا ؟ لأن تفسير الآية التي جاء فيها خبر خلق سيدنا آدم عليه السلام ...
لأن كلمة تحفظ فيما معناها أن الملائكة سجدت وهي متحفظة على خلق آدم ...
فأن نقول ذلك يعني أن الملائكة وبعد أن تساءلت سجدت وما زال التحفظ قائم عندها على خلق آدم ،
وَرَدَ في تعليقك - وعلى لساني- أكثر من مرة، مقولة( تحفّظ الملائكة على خلق آدم) .. وأنا، إذ أتوقع منك تحرّي الدقة، فإنني أستغرب منك ما قرأت لك !
حيث إنني لم أقل إطلاقاً بأن الملائكة تحفّظت على خلق آدم، لعلمي وإيماني بأنه لا يحق لهم ذلك ! ولا يُمكن لمخلوق أن يتحفّظ على مشيئة الخالق .. بدليل أنهم سجدوا دون نقاش..
وما قلته هو : تحفظت الملائكة على سلوك البشر !!!
وذلك لعلم الملائكة بأن البشر سيسفكون الدماء ويُفسدون في الأرض، .. وذلك عندما أخبرهم ربُّ العزة بأنه جاعلٌ البشرَ خليفة في الأرض !! ولا علاقة للأمر هنا بخلق آدم !
وسلوك البشر ذاك، لم ينفه رب العزة عنهم، ولم يؤنب أو يُعاقب الملائكة على ذكره واستنكاره !
ولكننا نفهم من السياق بأنه أقرهم عليه- فهو الذي أعلمهم به ! ثم قال لهم، هذا ما تعلمونه أنتم عن البشر، ولكني أعلم ما لا تعلمون !
وبكل تأكيد، لا تعلم الملائكة عن البشر أو سواهم من مخلوقات الله .. إلا بقدر ما يأذن لهم الله به !
وأما حول تفسير الآيات، وعلم الملائكة، فأنا لم أقل، بأن الملائكة كانوا يعلمون من تلقاء أنفسهم، بمعزل عن علم الله !
وها أنت ذا تقول (تحتمل)، أي ليس التفسير مؤكداً ، أي أنه افتراض ..
قد أجمع أهل العلم أنها تحتمل ؛ (أن الله سبحانه وتعالى قد أخبر الملائكة عمّا سيكون (بعلمه)من ذرية المخلوق من قتل وسفك دماء ،
وأما قولك، إن تعجب الملائكة قد زال .. فأنا لم أقل - سابقاً - بأنه ظل قائماً .!
ولكنني أقول الآن، إن سبب تعجب الملائكة واستغرابهم وتحفظهم على سلوك البشر- بما يعني أنهم غير جديرين بالخلافة- من وجهة نظر الملائكة- لعلمهم بسلوكهم ..
إن ذلك التحفظ والتعجب من قبل الملائكة، كان في محله - في حدود علمهم، ولم يكونوا مخطئين في ذلك ..
ولكن ما استجد في الأمر، هو أن الملائكة قد علموا بأن معرفتهم بالبشر محدودة، وبأن سفك الدماء والإفساد في الأرض ما هو إلا جزء من سلوك بعضِ البشر، وأنه ليس هو السبب في استخلافهم !
.. يطيب لي الحوار معك، فأهلاً بك ..