الورقة الضائعة

حزينً أنا ..مُحبط ..مصدوم،جراء ماتفوه به هذا الرجل الغليظ الصوت المتهدج النبرات رغم قوته الجسدية والتي استفاد منها في معركته القاسية معي فقد كال لي من مكاييل التقبيح والتحقير مالم أره في حياتي ،انفطر قلبي وتهالكت جدران صبري وأدبي وتساقطت أمامي في حسرة ولايزال هو كما المايسترو -مُمسكاً بأيادي جيش من العازفين- عازفاً أسوأ لحن سمعته من سباب وشتيمة .
دموعي تنسال على خدي وتتوسل هدوئي ..تنفذ لقلبي وترطبه أو تحاول علها تخفف عني ولازلت أنا لاأشعر بها كأنها دمع عين أخرى غير عينيّ ،وجدتني أقوم دون إرادة مني أهيل تراب فوق أوراق كثيرة وأبعثر مكاناً آخر يظهر فيه النظام ..حتى تاه مني عقلي الذي أردته إخباري عما يفعله بي ولماذا يفعل هذا ..لكن يبدو عليه البحث عن شيءٍ ما ..لكن أي الأشياء يبحث عنها في هذه الكومة المبعثرة وتلك المنمقة ..يديّ كأيدي عازف البيانو في تحرك مستمر إلا أن يدي تعزف مالا أفهمه ولاأعرف منتهاه !
- وجدتها !
صرخت بأعلى صوتي جارياً في كل مكان حتى أنني شغلت كل فراغ في الغرفة قدراً من الزمن، لكأنني كنت الغرفة نفسها على فترات متقطعة ..الأمل يلوح هنا في حدود تلك الغرفة أقسم أنه لم يخرج أو يتسلل أو يهرب كعادتي به كلما احتجته وجدته،إلا أنني بمرور الوقت أصبحت كمن يبحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة لالمع في عينيها ولا مواء يجذبني من أذني .
جالت عيون أملي كل نواحي الغرفة ..أتهاوى فجأة على الأرض ساقطاً بلا صوت ..أجدني مبعثراً لاأقدر على جمع شتاتي ،بينما جسدي ملقى على الأرض ألمح في الزاوية البعيدة بين كتابين ورقة تعلن عن نفسها بطرف بسيط ..تتجمع إرادتي حقيقية هذه المرة أحس بها جامعة معها شتاتي ،صدمة جديدة تشطرني نصفين دون سقوط بل كتمثال أصابه الزمن في صلبه إلا أنه لايزال يقف منتظراً نظرة عابر دافئة أو حتى مزدرية ..ظللت فترة هكذا واقفاً جامداً ،أتذكر تلك الورقة المطوية أربع مرات في حرص شديد كأنها حاملة سر وجودي أو تطوي سراً إلهياً أخشى افتضاح أمره ،آآآآآآآآآآآآآآآآآه عليك ياورقتي أتذكرين وقتما كان يتملكني حزن أو يأس ..كل المطلوب مني فقط أن ألمحك حتى يتراقص الأمل ملوحاً لي ألا أحزن ..كم من مرات تراقص أملي بسببك ياورقتي العزيزة ،أصرخ في فراغ خيالي بهمهمات نفذت إلى جدار وعيّ ..أستفيق من نوم يقظتي ..أبكي على الورقة المفقودة صوتي يضعف يكاد يختفي ..يستكين ..الصمت يرقد في صميم أذني في اقامة لاأعلم مداها..يتهاوى كل شيء تراه عيني ..أفركها بشدة بأصابعي المنثنية؛ الألم يزيد ،لم أعد أرى .أتحسس الأشياء تختفي لمجرد لمسها ..أغيب عن الوعي ..وربما الوجود.
من ساعتها ولا أذكر أني خرجت من غرفتي..رغم توسلات من بالخارج ، منتظراً ظهور الورقة التي لم تظهر . يقيني يعلم أنها لن تظهر ..لكن شكوكي وظنوني تنتظر !
أحمد زكريا منطاوي

المبدع المنطاوي ....

الورقة الضائعة / نص سردي مستفز / لكونه يحمل الكثير من المداليل من عنوانه / وهذا بلاشك احدى ركائز القصة الجيدة / اما المضمون فقد جاء يؤكد هذه الاحتمالية الباعثة في العنوان / وكأن المتلقي بالرغم من رمزية النص اصبح يعيش حالة من التوهان الذاتي / لكون الورقة الضائعة هذه تؤكد لديه امورا واقعية كثيرا / ومع هذه الدوامة يبقى النص ضمن دائرة الحكي الذاتي و ينجح في الإبلاغ بالصورة الفنية المكثفة /
من خلال التحكم الواعي في مكونات الأسلوب / بل قد يجد القارئ في التخيل الحدثي ارتباطا بما يتداوله منطق الورقة الضائعة في الواقع/ على أساس رمزيتها المتصلة بما تحيل عليه في الواقع .

كن بخير
محبتي لك
جوتيار