سلام الله عليكم..
الغالية وفاء.. لأن خاطرتك هذه لها من الأبعاد الفكرية والإنسانية ما لا يمكن أن يحصر في كتاب حتى، فاعذري هذا الرد الشبه الطويل..
------------------------
ما الذي نعرفه على من هم مثلنا في الخلق؟ وما الذي يعرفونه هم عنا ؟ فوراء المظاهر الغير كافية للحكم على أي إنسانا منا، هناك عالم خاص وخفي عن الأنظار.. وقد تكون لدينا كما لدى غيرنا أفكار ومشاعر واعتقادات غير معروفة حتى لمن هم أقرب منا.. فيبقى فقط مجرد التكهن بأن مظهر القوة والثقة في النفس والحرص على إظهار الجانب الإيجابي فقط وأحيانا الكذب أيضا في سبيل ذلك قد يخفي وراءه ضعفا أو حزنا أو أيا من المشاعر الإنسانية الإيجابية أو السلبية..
وكلما تعمقت العلاقات الإنسانية وترابطت فيما بينها، نجد أنفسنا غير مكتفين بما يمكن أن نكتف به من التاجر مثلا، والذي لا ننتظر منه غير بضاعة ذات جودة وثمن مناسب، وكذا زبون لا نطلب منه غير احترام أجل الدفع، أو رجل دولة لا ننتظر منه غير كفاءة عالية في تحمل المسئولية وعدم التخاذل.. لكننا نجد أنفسنا أمام واقعية فرض التعبير عن كل المشاعر الإنسانية بالنسبة لمن هم أقرب منا كالأبوين والإخوة أو الزوج أو الأبناء أو الأصدقاء.. فهؤلاء لا يمكن أن نكتف منهم بما يجود علينا مظهرهم الخارجي فقط..
ومن بين فئات المجتمع، هناك فئة المثقفون الرسميون ممن عرفوا في الأوساط الإعلامية أو غير الرسميون من يكتبون حيث وجد السبيل الآمن لذلك.. هذه الفئة ولأهميتها الكبيرة - وهناك من اعتبرها عمود المجتمع – فهي أشد الأفراد مطالبة بإظهار ما تعبره أقلامها من مشاعر إنسانية أو دراية بما لا يوجد في أذهان من لم تعطى لهم فرصة التعلم أو التفتح على باقي الآفاق الدنيوية.. وهنا نجد مكمن الضعف النفسي عند بعض الناس المثقفين، والذين لضرورة إظهار ما يقرأ عنهم في كتاباتهم قد يلجئون أحيانا إلى التمويه وحتى التلاعب بالألفاظ.. المهم كل ما من شأنه الحفاظ على تلك الصورة الكاملة التي يعطونها لأنفسهم من خلال كتابات قد تكون أيضا بعيدة كل البعد عما يجول حقيقة في أذهانهم.. ليبق – من بعد الله سبحانه - أقرب الناس المعاشرين لهم من عندهم صورة واضحة عن نفسيتهم قبل كتاباتهم..
بهذا تبق المعاشرة القريبة فقط بالنسبة لنا نحن كبشر لا يملكون صلاحيات معرفة ما يجول في أذهان الناس على اختلاف مستوياتهم التي تمكن من معرفة نفسيتهم من خلال تصرفاتهم الظرفية التي تظهر غالبا بأمر الله ما قد يكن ليس في الحسبان.. أما بالنسبة لمن تربطنا بهم علاقات إنسانية سليمة وتبعد بيننا وبينهم آلاف الأميال، فتبقى أقدار الأيام فقط الكفيلة بأمر الله بتأكيد أو نفي ما يمكن أن نسمع أو نقرأ عنهم من إيجابيات..
ولأن الحكمة تقول : "لا تمدح إنسانا بحسن خلقه حتى تعاشره، ولا بالحلم حتى تغضبه، ولا بالعقل حتى تجربه"، فاختلاف الناس شيء ساري المفعول إلى يوم يجمعهم الله يوم لا ظل إلا ظله، وهم اليوم وعلى اختلاف مستوياتهم تجمع فيما بينهم الأقوال والأفعال الظاهرة، ليبق أمر معرفة أهدافها وكذا باطنها بين يدي من يعلم الجهر وما يخفى...
فطوبى لمن صارحوا أنفسهم بعيوبها أولا قبل إيجابياتها في دنياهم اليوم منا، وألف طوبى لمن عاملوا الناس بعد ذلك على نفسيتهم غير مرقعين لها ولا مظهرين لما ليس فيها، بهذا فقط سيجنبونها الخذلان على الأقل مع من حصل وعرفوا عنهم عكس ما يحرصون على إظهاره غير عابئين بأنه سيأتي اليوم الذي يجدون نواصيهم أمام الحق ولا سلاح لهم غير الصدق إن وجد بين طيات أنفس لا يعلم مستقرها غير خالقها..
وفاء.. لك أديبتنا الغالية كل المودة في الله..
ودعاء خير إلى الله في ظهر الغيب على المعاملة الحسنة التي أجدها منك وفي كل الظروف..