أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: ماء الغدير - قصة - نزار ب. الزين

  1. #1
    الصورة الرمزية نزار ب. الزين أديب
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    الدولة : Anaheim,California,USA
    العمر : 92
    المشاركات : 1,930
    المواضيع : 270
    الردود : 1930
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي ماء الغدير - قصة - نزار ب. الزين


    ماء الغدير
    قصة
    نزار ب. الزين *

    الغديرهو اسم القرية يقطنها فرع من عشيرة الصوّان مُنحت لهم أرضها من قبل حكومة الانتداب ضمن برنامج لتوطين البدو الرحل ، و بنيت بيوتها فوق خرائب بلدة رومانية أو بيزنطية أو ربما من العصر الحجري ، أصابها زلزال أو ربما انفجار بركان ، فدمرها و هجّر من بقي حيا من سكانها إن بقي أحياء ! ذلك أن البلدة بجدرانها وأسقفها و أبوابها و نوافذها قُدت جميعاً من الحجر الأسود ، مما جعل الكارثة يومئذ - على ما يبدو - مأسوية .
    المحظوظ من المستوطنين الجدد من كان نصيبه فيها غرفة أو اثنتين سليمتين فانه سيرمم بقية المنزل ليعود كما تركه أصحابه ، أما الآخرون فقد استخدموا أحجار الخرائب لبناء بيوتهم كيفما اتفق . و كذلك فإن الدرب الرئيسي و الدروب الفرعية ملأتها الأحجار السوداء من كل القياسات فجعلت من المستحيل أن تمر فوقها أية مركبة ،أما الدرب الوحيد الصالح فهو الذي يربط بين مخفر الدرك بالطريق العام و هو شارع عريض و لكنه ترابي .
    و تحيط بالقرية أراضٍ استزرعوها رغم صعوبة استصلاحها ، و لكن النبعتان الغربية و الشرقية ، كانتا تشجعان السكان الجدد على الإستمرار ، رغم صعوبة المناخ و تدني الحرارة إلى ما دون الصفر معظم أيا الخريف و الشتاء .
    عندما تهطل الأمطار تفيض النبعتان بالماء و تظهر ينابيع أخرى هنا و هناك ، فتغرق ما زرعه السكان و قد تخربه ، أما في الصيف فتكاد النبعتان - و خاصة الشرقية منهما تجفان - مما جعل الزراعة الصيفية مستحيلة !
    دوما ، كان السكان يشكون من اضطراب مصدرهم المائي ، فيفيض عندما لايكون له حاجة و ينضب عند الحاجة ، إلا أن إمتلاكهم لبعض الماشية ، كان يمنحهم بعض التعويض .
    كان الأستاذ مروان ، يستمع متأثرا إلى مشكلتهم ، و يناقشهم أحيانا حول إمكانية حفر بئر قد يكون ماؤه غزيرا ، كما فعل أهل قرية الختمية التي لا تبعد أكثر من بضعة كيلومترات ، و لكنهم كانوا يرفضون الفكرة بحجة أن الأرض صخرية و أن أدواتهم البدائية لن تمكنهم من ذلك ، و عندما اقترح عليهم استقدام آلة حفر هزوا رؤوسهم آسفين ، لأن إمكانياتهم المادية لا تسمح لهم بذلك !
    *****
    و ذات يوم
    و بينما كان الأستاذ مروان في العاصمة في زيارة الأهل
    قابل أحد أقاربه و هو مهندس بناء
    سأله " أين يُدرِّس" ، فأجابه " في قرية الغدير "
    تبسم قريبه هذا ، ثم سأله :
    - أتدري أنني كنت المهندس الذي أشرف على بناء مدرسة الغدير ؟
    دهش مروان لهذه المصادفة و لكنه فوجئ أكثر عندما أضاف :
    - إصغ يا مروان إلى القصة العجيبة التي حدثت لي هناك !
    فبينما كنا نحفر لبناء أساسات المدرسة ، سمعنا هديرا غامضا ، حفرنا أكثر ، ففوجئنا بمجرى ماء قوي ، جرف أداة الحفر التي كان يستخدمها أحد العمال ...
    و لكن في اليوم التالي و بعد أن استدعينا قائد المخفر ليشاهد معنا ما شاهدناه ، كانت الصدمة ، أن ذلك المجرى قد غار و اختفى !
    أجابه مروان متحمسا :
    - هذا معناه أن المنطقة تعوم فوق بحر من المياه .
    - محتمل ، لأن المنطقة تقع على أحد سفوح جبل الشيخ ، و الثلج كما تعلم يغطي قمم الجبل صيفا شتاء ، مما يشكل مصدرا مائيا لا ينضب .
    *****
    لم ينم مروان تلك الليلة و هو يفكر بالخبر السعيد الذي سينقله لسكان قرية الغدير ، فقد يقضي على فقرهم و يرحمهم من ابتزاز أبو عادل المرابي ، و أبو شاكر البقال اللذان ما فتئا يستنزفانهم ،
    *****
    منذ لحظة وصوله إلى القرية و قبل أن يستريح ، توجه إلى مضافة المختار ، الذي استدعى وجهاء القرية بدوره ( إلى مؤتمر قمة !. )
    كانوا بين مصدق و مكذب ..
    و لكن الأستاذ مروان أوضح لهم أهمية الأمر ، و أن من أخبره مهندس معروف ، و لا بد أن أحدهم أو بعضهم تذكره .
    و بعد مداولات ، تخللها الكثير من المشاجرات و المهاترات ...
    استمرت حتى ساعة متأخرة من الليل ، ثم استغرقت اليوم التالي بطوله ...
    صدر قرار غير ملزم ...
    أن يكلفوا شبان القرية بالبدء بحفر بئر بجوار المدرسة ....
    *****
    بدؤوا الحفر متحمسين و هم يهزجون ....
    فترت حماستهم بعد ساعة أو تزيد قليلا .....
    كُسرت مِجرفة محمد العبد الله ، فانسحب غاضبا !
    ثم بدؤوا ينسحبون الواحد تلو الآخر !!!
    حاول الأستاذ مروان ثنيهم عن ذلك...
    قال أحدهم : " إننا كمن ينطح رأسه بالصخر "
    قال آخر: " أتعبتنا يا أستاذ مروان بلا طائل ..."
    آخرون رفضوا حتى الإصغاء إليه ، أداروا ظهورهم له ، ثم غادروا و هم يغمغمون ..
    وقف مروان على حافة الحفرة الجافة التي لا يزيد عمقها عن المتر الواحد ، و قد غمره شعور بالخيبة و الإحباط ..
    و في الأيام التالية ، ظل مروان يسمع التعليقات اللاذعة و التلميحات الساخرة أينما سار أو زار فيتجاهلها...
    و ظل يقرئ السلام فيردون سلامه بجفاء أو لا يردون ...
    *****
    أما في المدرسة ، فقد حاول ابن المختار إحراجه ، فسأله و قد رسم على شفتيه ابتسامة خبيثة :
    - يقولون في القرية أن ماء الغدير إبتلعته أفعى ألفيَّة ، يا استاذ !!!...
    و قبل أن يتم كلامه دوت ضحكات التلاميذ .
    تمكن الأستاذ مروان بصعوبة من ابتلاع غضبه ، ثم بادرهم قائلا بأعلى صوته :
    " درس اليوم سيكون عن ماء الغدير ، و عن المياه الجوفية بشكل عام"
    و بعد أن شرح لهم كيف تتسرب المياه بين الصخور لمسافات شاسعة ، فتشكل مجارٍ خفية و على أعماق مختلفة ، منها ما ينبثق تلقائيا كنبعي الغدير الشرقي و الغربي ، أو ما يُجر صناعيا عن طريق حفر الآبار ، كما حصل في قرية الختمية ؛ ثم أضاف مؤكدا بصوت الواثق من كل كلمة يتفوه بها :
    " الإنسان الجاد المخلص لبلده لا يستسلم أبدا ، كما فعل شبان الغدير منذ يومين .. و ما فشلوا فيه كان نتيجة خمولهم و يأسهم السريع ، و ليس نتيجة معلومات خاطئة أو مزحة ثقيلة كما يشيعون ! "
    ثم أضاف :
    " ما فشلوا فيه قد تنجحون فيه أنتم عندما تكبرون ، فقط إذا تحليتم بالجد و وحدة الراي و الصبر و المثابرة . "
    *****
    ثم استعرت حرب تشرين
    الطاغوث الذي استنسخوه على ضفاف التايمز ، من جينات عمرها أكثر من ألفي عام ، التقطوها من أحافير التاريخ ..
    أصبح عملاقا ..
    فبدأ قفزته الكبرى الثانية ....
    فاستولي من ضمن ما استولى ، على الغدير و ما جاورها...
    ثم طالت أذرعه الأخطبوطية قمة جبل الشيخ ..
    ثم أمده عمه جورج بآلة سبر تعمل بالموجات الزلزالية .
    و أمده صديقه العم سام بآلتي حفر لم يروا مثلهما إلا ايام تمديد خط التابلاين .
    و أمده صديقه الحميم بعد عداوه الهِر هانز بأنابيب فولاذية قطر واحدها مترا أو يزيد .
    و أمده حبيبه مسيو روجيه بعدة مضخات قادرة على شفط بحر .
    و صحا أهل الغدير ذات يوم ليفاجؤوا بنضوب النبع الشرقي !
    و لكنهم فجعوا بعد عدة أيام بنضوب النبع الغربي !!!
    و إذ جازف أحدهم فاقترب من السور الشائك المقام قرب المدرسة و النبع الغربي..
    سمع هدير الماء يطغي على صخب المضخات !

    ---------------
    **ألفية : معمِّرة ألف سنة
    ---------------

    * نزار بهاء الدين الزين
    سوري مغترب
    عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
    عضو الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب ArabWata
    الموقع : www.FreeArabi.com
    البريد : nizar_zain@yahoo.com

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    الاستاذ الكبير نزار الزين........

    ماء الغدير / شد انتباهي ان المقدمة هي نفس مقدمة النص الاول الذي انزل تحت عنوان قرية الغدير / هذا ما جعلني اعود للنص ذاك ومن ثم اجد ان المقدمة بالفعل متشابهة / لكن المضمون من حيث الحدث القصصي اختلف / لكنها لم تختلف من كونها مستمدة من الواقع / ولم تختلف من حيث البناء السردي / والوصف في نقل بيانات الوضع الى المتلقي / باسلوب متقن / وبناء محكم / ورؤية شمولية اجمالية / وفق معطيات تتعلق بالواقع العياني مباشرة دون اللجوء الى تقنيات ابراز الخيال /او استفزاز ملكة الخيال لدى المتلقي / مع ان المتلقي يجد نفسه متخيلا بلاشك في هذه القصة لكن ليس بالخيال البعيد عن الواقع / انما الخيال المتعلق بالواقع نفسه/ ورصد الحالة والمشهد الاشبه بالمشهد الدرامي / هنا حيث تتوالى الاحداث بصورها المختلفة وبمنطقها المختلف لكنها كلها تنصب في مصب واحد / وهذا المصب هو جوهر القصة / وجوهر العملية الابداعية في النص .

    دمت بالف خير
    محبتي لك
    جوتيار

  3. #3
    الصورة الرمزية نزار ب. الزين أديب
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    الدولة : Anaheim,California,USA
    العمر : 92
    المشاركات : 1,930
    المواضيع : 270
    الردود : 1930
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    كالعادة قدمت أخي جوتيار تحليلا دقيقا للقصة
    مبنى و معنى ،
    غصت عميقا فأجدت و أبدعت
    رائع ما تقدمه من قراءات سواء لنصوصي أو نصوص الزملاء الكتاب
    دام عطاؤك
    نزار

  4. #4
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    لئن غيّبك الثرى، فلن يغيب حرفك النسيان
    رحمك الله رحمة تليق به ورحمته قبل استحقاقك وبعده
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

المواضيع المتشابهه

  1. الغدير - رواية قصيرة - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 03-07-2009, 02:46 AM
  2. [ . . ا لْ حُ بُّ الوَحِــــيدْ ] . .
    بواسطة محمود قحطان في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 05-05-2008, 02:07 AM
  3. الطب البديل في قرية الغدير - أقصوصة - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 05-11-2007, 01:16 AM
  4. حفل زفاف في قرية الغدير - قصة - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 31-10-2007, 05:27 AM
  5. **(( أ .. ح .. بُّ .. كِ شهداً حلاوتُهُ بفمي ))**
    بواسطة عبدالخالق الزهراني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 19-08-2007, 11:01 AM