قد تكون العلاقة بين "النحو" و"المعاني" واضحة وقريبة ومعروفة بوصف "المعاني" وظائف "النحو" وعملياته. ولنا أن نتساءل هل توجد علاقة بين "النحو" و"البيان" أحد علوم البلاغة؟
وللإجابة نتساءل: ما البيان؟ ويجيب العلماء بأن البيان هو ذلك "الفن الذي يهتم بإيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة". ويستمر بنا التساؤل؛ إلى ماذا يؤدي بنا ذلك التعريف؟ والجواب أنه يؤدي بنا إلى السؤال التالي الذي يقول: وما الطرق المتباينة في إيراد المعنى الواحد؟ والجواب أنها جمل ذات أنماط تركيبية مختلفة، وكل نمط يعطي وينتج مدلولا يختلف عن الآخر في هوامشه الدلالية التي تتفرع على المعنى الأساس. ومن هنا يبرز النحو الذي ينظم تلك المعاني في هذه الجمل المختلفة الأنواع والأنماط.
كبف ذلك؟
إذا أردنا الجواب يممنا صوب التشبيه أول فنون " البيان"، والذي يُعرف بـأنه " إلحاق أمر بأمر في صفةٍ بأداةٍ لغرض" . فإذا أردنا تحليل هذا التعريف "نحوًا" سنجد أن هذين الأمرين يرتبطان داخل "النحو" بعلاقات ستتضح من خلال تطبيقنا الجزئي المقتصر على "التشبيه المفرد" الذي ينقسم بمعيار الوجه والأداة ذكرا وحذفا إلى:
بند1: الوجه والأداة .. مذكوران.
إن التشبيه ينقسم بمعيار الوجه إلى " التشبيه المفصل " و " التشبيه المجمل"، ويسمى " مرسلا " إذا كانت الأداة مذكورة. فإذا كان " وجه الشبه" مذكورا في صررة التمييز النحوي أو في صورة المجرور بحرف الجر " في " كان التشبيه "مفصلا مرسلا" ؛ مثل [ ( المؤمن كالقمر صفاء ) ، و( حجتك كالشمس في الوضوح ) ]. أما إذا ذكر "وجه الشبه" غير معرب تمييزا أو غيرمجرورا بـ" في" فإنه يكون "مجملا مرسلا"؛ مثل [ ( المؤمن كالقمر باعتبار الصفاء) ، و( حجتك كالشمس من حيث الوضوح )]. ونرى أن تعريف التشبيه المفصل تعريفا نحويا ، وهو ظاهر في حالة الجر بـ" في"، ويظهر أيضا في النصب التمييزي إذا قدرنا التشبيه في علاقة نحوية أخرى كالآتي [ صفاء المؤمن كصفاء القمر].
بند2: الوجه والأداة .. محذوفان.
إذا حُذف الوجه والأداة كان التشبيه بليغا وتتعدد صوره ذات العلاقات النحوية المختلفة ؛ مثل [ ( القائد أسد ) ، و ( قاتل البطل قتال الأسود ) ، و ( نور العلم كاشف ثغرات الجهل ) ، و ( وقفتُ صخرة في وجه الباطل) ]. في هذه التشابيه نجد المشبه والمشبه به – الركنين الموجودين- يرتبطان بعلاقات نحوية متعددة تتصل بأبواب نحوية كثيرة هي علاقة [ ( الإسناد بين المبتدأ والخبر ) ، و ( العامل ومعموله حيث الفعل و المفعول المطلق ، ويكون التقدير " قتال البطل مثل قتال الأسود " ) ، و ( الإضافة بين النور والعلم ويكون التقدير " العلم نور كاشف ثغرات الجهل " ) ، و ( العامل ومعموله حيث الفعل و الحال، ويكون التقدير " وقوفي وثباتي في وجه الباطل وقوف وثبات صخرة " ) ].
بند 3: الوجه محذوف والأداة مذكورة
يكون التشبيه في هذه الحالة "مجملا مرسلا" ؛ مثل [ الفتاة الملتزمة كالشمس ] و النحو ظاهر هنا حيث العلاقة الإسنادية و حيث الكاف الجارة التي تمثل حرف معنى في النحو .
بند 4: الوجه مذكور والأداة محذوفة :
يكون التشبيه هنا "مفصلا مؤكدا"؛ مثل [ الفتاة الملتزمة شمس إشعاعا للخير ] و النحو ظاهر هنا أيضا.
وهكذا نرى أن العلاقات النحوية معان بلاغية تتضح أكثر لو تتبعنا بقية أنواع التشبيه وبقية فنون البيان.