أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: ليلة اختناق سيزيف

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Nov 2007
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 77
    المواضيع : 17
    الردود : 77
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي ليلة اختناق سيزيف

    ليلـــــــة اختناق سيزيف
    حمدا لله على سلامتكم.. هيا يمموا شطر تلك الغابة.. لا تبرحوها حتى يأتينكم مني نذير.. شغلوا هواتفكم المحمولة.. خذوا حذركم.. الوضع في غاية السوء.. استنفار حاد في صفوف رجال الأمن.. استعينوا بما يكفيكم من البلاستيك لإقامة حواجز تقي من لفح البرد... رعب مكين استبد بكيان ياسين.. طيلة الرحلة السندبادية البغيضة.. غاز المحرك على وشك النفاذ.. هيئوا المجاديف.. موج ثائر يكيل للمطية صفعا عنيفا.. لم تمهلها المياه الغاضبة.. انتفضت الطيور المروَعة.. تعالى العويل واحتد النحيب.. ومساعد القائد مفتولة عضلاته، يصرخ ملء عقيرته.. اسكتوا أيها الغربان المشئومة.. وكالجرافة امتدت يده بلا رحمة... ما أصلبها من أياد فولاذية جرفت إلى بطن اليمِ أرواحا مروعة.. زفتها عرائس للقروش تفض بكارتها! عاد إلى مكانه وكأن شيئا لم يقع.. واصل صياحه في من لاحت على سماهم رباطة الجأش.. هيا.. أسرعوا.. أفرغوا المركب قبل أن يبتلعكم الحوت.. وكاد فؤاد ياسين ينخلع من رعب.. ما يزال مصرا معتصما.. يعظ على حبل النجاة بالنواجذ.. أهي الرغبة الملحة في الخلود والتشبث الأعمى بتلابيب الوجود؟ أم هو الوعد الخالد خاف عليه الانهيار والوأد؟! ومهما يكن فقد شمر عن ساعديه.. لا يبالي البرد والبلل.. يفرغ المياه الطائشة بما أوتي من عزم، وكأنما يتبارى في سباق ضد الساعة.. حقا شفع له ما هو فيه من كدح في مفاوز الرهبة والرعب.. ضد صولة الموت المكشر وزمن الغصب.. وإلا فعل به المساعد ما فعل بغلامين ملآ الدنيا عويلا.. للتخفيف من وطأة الحمل الثقيل كان لابد من إفراغ بعض من الحمولة.... كادت تلحق بهما امرأة لولا أن شفع لها وضعها كحبلى.. ورغم ذلك لم تسلم من ركلة كادت تجهضها.. ما زال ياسين يسعى في حركات آلية يقضم مكرها ما عاين عن كثب من قرابين آدمية تقدم لسلاطين البحر.. يتجرع الألم مشفقا من حال الوعد الخالد.. وهو يحتسي سكرة اللحظة الفاصلة بين الحياة والعدم، تذكر مالكته.. عروسة حقول الفول.. في ذلك اليوم الربيعي الرائق.. في حضن القرية المهزولة العجفاء.. انتشى من سرور وهو يزف لها النبأ.. كانت مكبة على الفول تجنيه ويجني بجانبها مسرا في انفعال.. لاحت بوادر الفرج.. عنت تباشير الفجر الذهبي.. قري عينا وهللي يا مالكة روحي.. جميع الأمور رتبت.. سوف تنطلق الرحلة مساء هذه الليلة من أدغال جبال الريف.. سوف تصبحين نجمة نجوم القرية.. سلطانا تنحني له الرقاب.. إذا كان محفورا على الجبين أن نكد في أرضنا كفاية بطوننا ولم نبلغ الأرب، فحري بنا أن نبيع عرقنا في أسواق الجملة.. في ما وراء البحار.. ليس لياسين من مخرج غير التطلع إلى تلك العوالم النائية... هنالك يستجدي بعرقه ودمه مهر مالكته.. ذلك النفس العليل والجسد البض الأسيل.. وكيف لراعي غنم، حفار الشمندر ونتاف الفول أن يستأثر بقلب تواق إلى الخفقان... خارج أشواك القرية.. النعيم كل النعيم في أن تذوب الذات في عالم المدن والحواضر.. تلك فلسفة مالكة و شريعتها في ملكوت دنياها.. وفجأة أرعد الرعد.. وأبرق البرق.. وأفلت الومضة، وأظلم البحر.. عادت سطوة الموج وهوج الرياح تتقاذف المطية القاصرة المحتضرة.. أما هو فخارت قواه من فرط ما استنزف من الطاقة في إفراغها.. وبعد لأي خبا لهيب الأنواء.. توارى نفسا من اليأس، ودب شعاع الأمل في النفوس.. زاد الوضع اطمئنانا أن صاح القائد في القطيع.. تنفسوا الصعداء أيها البغال المنهكة.. ليس بيننا وبين الغابة سوى دقائق معدودات.. ورقص ياسين طربا ونشوة على الرغم مما هو فيه من ارتباك ومحنة.. وعنت مالكة في الأفق البعيد تترقب أخبار طائرها الرحال.. انبرى يناغي طيفها بين اليأس والرجاء.. هوني عليك مالكتي.. ها قد بلغت بر الأمان.. أرقب العمران وتداعب روحي نسائم الجنان.. سوف تهدأ العاصفة.. وتنسحب عين الرقيب.. وأغزو الديار فارسا لا يخيب.. سوف أعود إليك سلطانا مظفرا.. سوف أوشح صدرك بمهر أغنمه من ساحة المعارك الشائكة.. لا يفصلني عن تلك الرياض المضاءة سوى أن يعلن الليل انسحابه.. دغل لا يطاق يلفنا يا مالكة.. يكاد يجهز علينا برهبة ظلامه ولسعة برده.. حفيف الأفاعي تتربص عند جذوع الشجر.. والقردة على الأفنان تقذفنا بتمار البلوط،، ثم تكشر ساخرة منا .. أما الخنازير المعربدة فحدث ولا حرج.. من أين لأجفاننا أن تنعم بلذيذ النوم يا مالكة؟! لا هم ولا شجون.. كل أمر في سبيلك يهون.. وحيى السراب واستدار ساغب البطن مقرور البدن.. كاد فؤاده ينخلع من وطأة ما هو فيه من جحيم مزعج مميت.. أحنى رأسه وانسل في عشه البلاستيكي يترقب انبلاج الفجر.. أطبق براحتيه على أذنيه اتقاء صياح لم يشك في طبيعته.. كان قدر باهية الفارة من نيران أرضها أن تكوى بنار مرافق لها غليظ.. بات الليلة كلها يزدردها ازدرادا.. وبسط الفجر أرديته الفضية على السهول والجبال.. وقف ياسين يغالب الأرق.. ينظر إلى تلك المباني المشرفة على المخيم الإجباري في قلب الغاب.. مالكتي وضمادة جراحي وأشجاني.. قريبا قريبا سنختم آخر الأشواط.. سنطير كالنحل إلى سماء الروض.. استيقني حبي.. سأملأ بطني بالرحيق وأعود إلى الخلية ملك يمينك.. أفرغ فيها عصارة جوارحي..
    سمع حفيف أقدام من خلفه.. أدار وجهه من فضول.. كان ثمة عجوز لا تباشر عملها إلا في عز الفجر كهذه اللحظة.. تسرق الحطب وتشحنه على بغلتها.. تقدم نحوها سائلا، مومئا ببنانه إلى ذلك العمران الذي لازالت الأضواء تغمر أزقته وشوارعه:
    ــ ألا تزال حالة الاستنفار قائمة هناك سيدتي؟ ألم ينسحب حراس الأمن بعد؟ لقد سئمنا المكوث في هذا الغاب الموحش.. برد وجوع.. قرود وخنازير.. جفوة النوم.. جهنم لا تستحمل يا خالتي..
    ـ ومن أرغمك على اللجوء إلى هذا المكان.. آه، تلك الحرفة اللعينة.. التهريب.. من أراد العسل فلا بد أن يصبر لقرص النحل..
    ـ اتقي الله فينا سيدتي.. ليس من شيمتي أن أغمس يدي في هذه الحرفة اللعينة.. لو وجدت العسل في موطني لما هرولت أبحت عنه في هذه الديار الغريبة.. أنا طائر رحال.. لا أستطيب غير الرزق الحلال..
    ـ من أين انطلقت في رحلتك يا هذا؟
    ـ من جبال الريف..
    ظنت الحطابة بعقل الفتى الظنون.. خالته مخبولا آثر حياة الغاب والأحراش، وانطلق يضرب الأخماس في الأسداس..وخاطبته مستغربة:
    ـ عن أية بلاد غريبة تتحدث... وأي استنفار تعني؟
    ورد في حال من الدهشة:
    ـ إسبانيا! ألست في أرض غريبة يا امرأة؟
    وعادت الحطابة تطمئنه وتحاول رد الاعتبار لوعيه الكسير:
    ـ شمل الله عقلك برداء العافية يا بني.. واعلم أنك حي ترزق في غابات جبال الريف.. أجل حبيبي.. إننا على مشارف عمران تطوان أيها الطائر الولهان..
    جحظت عينا ياسين وحملق في محدثته.. فغر فمه وشرع يلهث متدليا لسانه كالكلب.. ربما أدرك بأن الراحلة المشئومة دارت دورتها الأفعوانية وحطت من حيت انطلقت.. أرسل آهات متقطعة.. جبال الرررر؟!
    م.القصصية (فرسان الجحيم)
    قصبة تادلة في 8- 2 - 2006
    محمد غلمي

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    المبدع غالمي..
    ليلة اختناق سيزيف / نص سردي دائري ، حاول من خلال العنوان اختلاق رمزية ، غدت واقعا ، فاجبر النص على ان يتحكم فيه حضور واع للذات من خلال همومها الجماعية ، رغم أن الرؤية في النهاية قد تبدو أقل إقناعا بالمقارنة مع قوة الحبكة والصياغة الفنية ،لكن يبقى النص يستحق التوقف النقدي لما يحمله من مؤشرات المغايرة فنيا وربما موضوعيا ايضا .
    دم بخير
    محبتي لك
    جوتيار

  3. #3
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Nov 2007
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 77
    المواضيع : 17
    الردود : 77
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جوتيار تمر مشاهدة المشاركة
    المبدع غالمي..
    ليلة اختناق سيزيف / نص سردي دائري ، حاول من خلال العنوان اختلاق رمزية ، غدت واقعا ، فاجبر النص على ان يتحكم فيه حضور واع للذات من خلال همومها الجماعية ، رغم أن الرؤية في النهاية قد تبدو أقل إقناعا بالمقارنة مع قوة الحبكة والصياغة الفنية ،لكن يبقى النص يستحق التوقف النقدي لما يحمله من مؤشرات المغايرة فنيا وربما موضوعيا ايضا .
    دم بخير
    محبتي لك
    جوتيار
    الكريم جوتيار.. حين تنتهي مهمة الكاتب ويستوي النص الإبداعي قائما على رجليه يصبح في ملكية غيره، الذي يتولاه راصدا خفاياه ومستجليا غوامضه، ومن ثم يمسي منفتحا على واجهات عدة وتأويلات شتى، والنص حقا تتحكم فيه اللعبة الفنية بمجازها ورموزها وانزياحاتها وجميعها تساهم في ضبط الرؤية والقبض على الرؤيا.. وعلى الأخ الكريم أن يتأمل مليا ويتدبر أوج المأساة وتداعياتها الناجمة عن ركوب قوارب الموت للوصول إلى الضفة الحلم في إطار ما يعرف بالهجرة السرية.. (ياسين نموذجا)
    والسؤال المطروح هو كالتالي: هل ياسين حقق المبتغى وحط في الضفة الأخرى أم....؟
    أعتقد أن منطوق الصورة الأدبية وحده الكفيل بالإجابة..
    مع صادق التحيات

  4. #4
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    كان ردي استفزازا لماهية الهجرة هذه ، واردتك ان تغوص بنا في متاهاتها ، وتغرقنا بالمزيد من التفاصيل عنها ، لكن وكأنك اكتفيت باستفزاز المتلقي وحده دون تخوض انت في ماهيتها ، لاشك في ان الامر يتسحق التوقف عنده ، لأن هذه الهجرة اصبحت من ماهيات الوجود الانسان الشرقي ، ولقد برهنت الظروف ان اغلب الهجرات تلك قد خلقت كوراث سواء على المستوى الفردي ام الجماعي.

    دم بخير
    محبتي لك
    جوتيار

  5. #5
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Nov 2007
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 77
    المواضيع : 17
    الردود : 77
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    عزيزي.. تلك الهجرة لا تخلو من متاهات جعلت منها حقا رحلة سيزيفية بكل المقاييس..
    وحتى نكون عمليين نعود إلى المسرود ونحاول رصد هول الضياع و قمة المعاناة.. ( وإن كانت هذه المهمة موكولة للنقد) ولا ريب تطالعنا جملة من أحداث تعتبر روافد للتيمة الأم، من قبيل: هيجان البحر وظلمته ورهبته ـ فظاظة ربان القارب ومساعدوه واستهتارهم بالأمانة البشرية (التخلص من الزبناء بإلقائهم في البحر تحت غطاء التخفيف من حمولة القارب) ـ قضاء الليل في غاب موحش تحت رحمة البرد والسباع.. وأفظع المتاهات حين يجد المهاجر نفسه ضائعا في غابة من غابات وطنه!! من دون أن يدري ـ وقد يدري بعد فوات الأوان ـ بأنه عالق في مصيدة احتيال بائن ونصب مفضوح... وللنقد واسع النظر
    تحياتي

المواضيع المتشابهه

  1. اختناق !
    بواسطة خليل حلاوجي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 50
    آخر مشاركة: 21-06-2020, 09:08 AM
  2. اختناق ..!
    بواسطة علياء التميمي في المنتدى القِصَّةُ القَصِيرَةُ جِدًّا
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 04-11-2015, 09:43 AM
  3. ليلة من ألف ليلة و ليلة
    بواسطة المختار محمد الدرعي في المنتدى الأَدَبُ السَّاخِرُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-09-2015, 08:46 PM
  4. اختناق حذاء
    بواسطة عبدالإله الأنصاري في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 13-06-2008, 07:54 AM
  5. سراب سيزيف
    بواسطة عبدالرحيم الحمصي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 05-06-2006, 09:37 PM