حوار ٌ مع أبى
***
مالى أراك َ و قد مُلئت َ جراحا
و جلستَ تلعن ُ فى المساءِ صباحا
ورسمتَ وجهًا للبسيطة ِ، ناشرًا
حبلَ الهموم ِ ، مقزِّزًا ، نوَّاحا
أهو المشيب ُ أم الهزائم ُ فى الهوى
أم جئت َ دربًا ، خائبًا ، فضَّاحا ؟!
قد كنتَ خيرَ مؤجج ٍ لمشاعر ٍ
تطأ ُ الذرى ، و تبثنا أفراحا
من بدَّل الحسن الذى هِمنا به
فغدا الوجود ُ حدائقا و براحا ؟!
فتنهد الحزنُ الذى يغتاله ُ
و انسابَ دمع ٌ، يغرق ُ الملاحا
و انسال سيل ٌ حارق ٌ من كبته ِ
و رمى الفؤاد َ تساؤلا ً و رماحا
أنتم جعلتم من حياتى مأتمًا
و دفنتمو أملا ً لنا و ضَّاحا
و هدمتمو الطهر الذى يجتاحكم
عند الفخار ِ ، عرائسًا و مِلاحا
كم مُخلص ٍ فى مصرَ نام بمحبس ٍ
و تركتمو القواد َ و السَّفاحا ؟!
هلا َّ رأيتَ على البسيطة ِ كائنا ً
فقأ العيون َ لكى يزينَ نِكاحا ؟!
و رمى الجبينَ بجندل ٍ كيما يطيرَ
الحسن ُ منه ُ، مغردًا ، مِمْرَاحا
حتى تجىءَ مُعاتبًا و مُباغتاً
صمت َ الوقور ِ و ناشرًا أتراحا
أين الزمان ُ و أين َ أوج ُ حضارة ٍ
حملت مشاعلَ نورها ، و كفاحا
يا وارثينَ المجد َ قد ضعتم 00 لِما
و فقدتمو الضوء الذى قد لاحا؟!
حيفا و يافا و الخليل ُ و قدسُنا
بمآذن ٍ تهب ُ الوجود َ فلاحا
بايعتمو نسلَ العبيد ِ لقهرهم
أولم يكونوا فى الفضاءِ رياحا ؟!
شكرا لفرعون َ العظيم ِ لدحرهم
" جاسان " تعلنُ فى الدنا أفراحا
باركتمو هذا السِّفاح َ و قلتمو
ليس الجنين ُ - كما يُظنُّ- سِفاحا
بالله دعنى، قمْ لحالك ِ يا فتى
هلا َّ رفعتم للجهاد ِ سلاحا ؟!
فأدرت ُ دفة َ مركبى بمهارة ٍ
و الخزى ُ يرسم جبهتى أتراحا
وسألت ُعن ذكرى شباب ٍ كانه ُ
و سألت ُ عن وَله ٍ يقدُّ جَناحا
فتباسمَ الوجه ُ الجليل ُ بفطنة ٍ
وأجاب َ:عفوًا، قد طلبتَ، سماحا
أنا شاهد ُ التاريخ ِ، مشتهر ٌ أنا
قد كنتُ ربًّا للنما 00 منَّاحا
"هاميسُ" كانت قرة ً لنواظرى
فى كل حين ٍ تملأ ُ الأقداحا
و الوقتُ سعد ٌ و الربيع ُ منمق ٌ
و الكون ُ يُسكرُ جيئة ً و رواحا
حتى بلغتُ إلى الرجولة ِ موضعًا
و رأيت خيرًا، أن أكون متاحا
فنشرت ُ خيرىَ للخلائق خضرة ً
و جَعلت ُ سُمرة بشرتى أقماحا
ووهبت ُ شعرى للحسان ِ قلائدًا
ووهبتهن العطرَ و التفاحا
و فتحتُ صدرى للجميع مراكبًا
و منحت ُ نابغة ِ العقول ِ وشاحا
و مشيت ُ أنشد راحتى فى بسمة ٍ
عجمًا تكون ُ 00 و مثلكم أقحاحا
كم بائس ٍ قد جاءَ ظِلىَ آملا ً
ألقى الحمولَ بشاطئى، و ارتاحا
كم عاشقين ِ تنهدا و استبشرا
و الحلمُ يُطلق ُ طيره ُ صدَّاحا
و الآن فارقبْ كيف تصفعُ جبهتى
و يهان ُ قلب ٌ يعشق ُ الأفراحا
فوجدت رأسى عند رأس ِ معاتبى
و دنوت ُ أمسح ُ جبهة ً ، فأباحا
قبلت ُ وجنته ُ الحزينة ُ راجيًا
أن يمنح العُذرَ الضعيف َ نجاحا
و تركته ُ لما بدا صفح ٌ به ِ
و الحسنُ أشرق َ باديا إصباحا
***