كعادته عندما تحل الإجازة الصيفية فانه يشد الرحال نحو مزرعة جده التي تبعد عن المدينة بنحو200كم غارقة في الأرياف ذات أشجار كثيفة اتخذها الجد مسكناً بعدما انخرط في سلك المتقاعدين فهجر المدينة وصخبها وراح يبحث عن الهدوء والراحة في تلك المزرعة التي لم تلق العناية الكافية فالجد منذ أن اشتراها لا يتعدى اهتمامه سوى بسكنه الذي يقع في وسط هذه المزرعة , تراه يخرج عند الباب ويصرخ في طلب العامل الذي استأجره لكي يقوم على خدمته .
ــ أنت أيها العامل الكسول أين أنت ؟ هيا بسرعة تعال ونظف المكان .
بعدها يعود الى الصالة يجلس علي كرسيه الهزاز ممسكا بكتاب يقرأ في صمت وسكون .
أدلفت فجاءه وبدون شعورا منه , فسدد بصره إلي وهو يقول أيها الولد الشقي !
ها قد أتيت فرحت اقبله مع رأسه وهو يقول : ابتعد عني إنني أشعر بصداع
ــ كف عن ذلك التصنع !
ـــ لا ياجدي إنني أحبك كثيراً , صدقني .
لقد جئت على عجل لكي لا تشعر بالوحدة .
ــ إنني مرتاح منك ومن شقاوتك التي لا تنتهي . ما هي أخبار دراستك في الجامعة ؟
ــ كما عهد تني طالب مجد ومثابر , أرجو ذلك .
ــ اذهب وخذ قسطاً من الراحة , إنني في شوق إلى محورتك ومناقشتك
أنت في إجازة ومعك متسعً من الوقت
ــ حسناً يا جدي في الغد سوف يكون اللقاء فأنا لدي الكثير لكي أناقشك فيه .
ــ صباح الخير يا جدي العزيز
ــ هل نمت جيدا؟
ــ نعم يا جدي رغم أصوات بعض الحيوانات والحشرات المزعجة
ــ لعلها أفضل من أبواق السيارات في المدينة .
راح الجد يقلب الجريدة , وهو يتابع حركاته فلاحظ أن الضعف والهزال
قد تمكن منه .
ــ فقال له يا جدي لعلك منذ وقت طويل لم تذق شيء من الطعام
ـــ لم يعد لي شهيةً نحو الأكل
ـــ لعل شعورك بالوحدة هو السبب , لماذا يا جدي لا تعود الى المدينة
وتبحث عن زملائك في العمل الذين أصبحوا مثلك متقاعدين .
ــ تعال وانظر في هذه الجريدة لقد توفي أحدهم الذي كان من أعز زملائي في العمل
ـــ حقا يا جدي هذه صورته في صفحة الوفيات .
أطرق جدي بوجهة ونظر إلى الأرض وقد بدأت عليه علامات الحزن
ساد الصمت والسكون المكان , فخرجت الى الخارج , وقررت أن أعود إلى المدينة ومع
بزوغ الصباح حملت حقائبي وأخذت القي النظرة الاخيرة على صالة المنزل
فوقع بصري على الجريدة التي كان يقرا فيها جدي وكانت على صفحة الوفيات
وقد كتبت عبارة بقلم جدي بجانب صورة زميله المتوفى سوف أكون بجوارك بعد مدة .
خرجت مسرعاً و تلك العبارة يتردد صدها في داخلي
رن الهاتف وجاء الصوت من زميلي في الجامعة هل مازلت نائما ,
ــ لدي خبر سيء بالنسبة لك افتح الجريدة
سوف تجد صورة جدك في صفحة الوفيات .