قصيدة : بدعة الذل


عاصف باده الرّبى و دخان أين منك الشّقيق و الأقحوان
أين منك الرّبيع ينفح بالعطر و أين السّلاف و الندمان
بورك الفرد حين يدمي فؤاد عبقريّ أو حين تدمي بنان
محيت أشهر الرّبيع فلا أيّار من دهرنا و لا نيسان
لا شقيق النّعمان في غوطة الشام و لا عطره و لا النعمان
يعرف الفجر أنّ دمعي أصفى من نداه و يعرف الريحان
هبّ ندى الفجر كالدموع صفاء أين منه البلوى و أين الحنان
يعرف الطّيب أنّ دمعي أذكى منه عطرا و تعرف الأردان..
تعرف الراح أنّ دمعي سلاف و جفوني كؤوسها و الدّنان
أنا أبكي للّيل أوحشه البدر و للقلب هدّه الحرمان
أنا أبكي للهمّ يأوي إلى القلب فيقسو على الغريب المكان
أنا أبكي لكلّ طاغ فما يستر إلاّ الضراعة الطغيان
أنا أبكي للعين لا تدرك الحسن و للحسن فاته الإحسان
أنا أرثي للمترفين فما يبدع إلاّ الشّقاء و الأحزان
و أنا المترف الأنيق و لكن ترفي صاغ فنّه الرحمن
أنا أبكي لكلّ قيد فأبكي لقريضي تغلّه الأوزان
أدمعي في السّماء أنجمها الزّهر و في البحر درّه و الجمان
أيّها الكافرون هذي دموعي من رسالات وحيها الإيمان
أيّها المذنبون هذا فؤادي من معاني جراحه الغفران
من همومي ما ينعم العقل في دنيا أساه و يهنأ الوجدان
من همومي ما لا يفيق على البعث و منها المدلّه السهران
من همومي ما يغمر الكون بالعطر و منها مزاهر و قيان
و همومي معطّرات عليها من شبابي الطّموح و الريعان
كالغواني ، لكلّ عذراء لون من جمال و نفحة و افتتان
لم أضق بالهموم فلبا و هل ضاق بشتّى عطوره البستان
و الهموم الحسان تفعل في الأنفس ما تفعل الغواني الحسان
و أنا الوالد الرّحيم و أبنائي هموم الحياة و الأشجان
إنّ حلمي حلم النّجوم و ما زوّق في الحلم نورها الوسنان
و أعير الحزين سحر بياني فيعزّيه لو يعار البيان
عقّني الأقربون من غمرة الخطب و عقّ اللّدات و الإخوان
سوف يملي التاريخ عنّي ما يملي فتخزى بظلمي الأوطان
ينصف العبقريّ دهر فسيّان و في أصفياؤه أم خانوا
نعمة الشعر نعمة الشمس لا يعذر فيها الجحود و النكران
و أسرّ الشكوى حياء و كبرا ربّ شكوى إسرارها إعلان
كيف أغضي على الهوان لجبّار و عندي الشباب و العنفوان
ما لسلطانهم على الحرّ حكم كلّ نفس إباؤها سلطان
فلكي ثابت و لا خير في الأفلاك يملي نظامها الدوران
لا مني اللاّئمون في الصّمت و الصّمت على القبر لوعة لا هوان
كيف تشدو بلابل الدّوح للفجر و في الدّوح عاصف مرنان
أخرستني الشّام تحفر للقبر عليها الطيوب و الأكفان
يا لها ميتة و من صور الموت همود الإباء و الإذعان
إنّه الموت لا اختلاف عليه فعزاء بالشام يا مروان
لم يميّز محبّبا من بغيض في الدّجى لا تميّز الألوان
بدعة الذلّ حين لا يذكر الانـ ـسان في الشام أنّه إنسان
بدعة الذلّ أن يصاغ من الـ ـفرد إله مهيمن ديّان
أيّها الحاكمون ما ضاعت الحجّة منكم و لا انطوى البرهان
حقّ هذي النفوس أن ترفع الأصنام فيها و تعبد الأوثان
يالها دولة تعاقب فيها كالجناة العقول و الأذهان
أين حرّيتي فلم يبق حرّا من جهير النّداء إلاّ الأذان
سبّة الدّهر أن يحاسب فكر في هواه و أن يغلّ لسان
ألضحى و الشجاع حلفا كفاح ما احتمى بالظّلام إلاّ جبان
حرنوا و الشعوب في موكب السّبق و من شيمة الهجين الحران
يعثر الدّهر و الشعوب و تشقى بالمناكير أمّة و زمان
قبروا في المهود ما سلّ سيف في رداهم و لا تعرّى سنان
لم تنلهم يد المنيّة ظلما و لدوا قبل أن يحين الأوان
سائلوا زحمة العواصف لمّا رجّت الأرض أين كنّا و كانوا
و سلوا ظلمة السّجون فلن ينبئ عنهم سجن و لا سجّان
كتب المجد ما اشتهت غرز المجد و نحن الكتاب و العنوان
نحن تاريخ هذه الأمّة الفخم و نحن المكان و السكّان
شرف الشوط بالمجلّي من الخيل و يخزي بغيره الميدان
من غوالي دموعنا الخمر و العطر و نعمى دمائنا الأرجوان
قد سقينا من قلبنا الموت حتى نبت الضرب في الرّبى و الطّعان
تخجل الخيل بالذليل إذا صالت و يشقى سرج و يشكو عنان
يتلوى على الحبال فنونا أوزير في الدّست أم بهلوان ؟
أنسوا منه بالنّعومة و اللّين و لا بدع إنّه أفعوان
ليس خلف البرود إلاّ هباء فاحكم النّاس أيّها الطيلسان
ما على الحكم و هو مرعى و ماء أن تعود الخماص و هي بطان
يظلم القلب لا مروءة فيه فهو كالقبر موحش حرّان
كيف تسمو القلوب لولا المروءات و تغفو على المنى الأجفان
حسبوا ضحكة الشعوب ارتياحا و اللّظى حين يضحك البركان
لا يهين الشعوب إلاّ رضاها رضى النّاس بالهوان فهانوا
ما لشمّ الذرى تغضّ من الذلّ فأين النسور و العقبان
يا وزيرا يطلّ بعد وزير و العلى في ركابه و الزّمان
ربّ نعمى تضيع منّا إذا زرت و لا ضجّة و لا ديدبان
و إذا فتّ أعين النّاس دلاّ فلمن صاغ حسنك الرّحمن
أيّ بدع في المهرجانات يصنعن فحقّ المتوّج المهرجان ....
و لمن تحشد الجموع فهل زار ولايات ملكه الخاقان
لكم لا لقيصر أو لكسرى رصّع التّاج و ازدهى الإيوان
و كفى هذه الرّعيّة عزّا أنّها في رحابكم ضيفان
قلبي الواحة الطروب بصحراء جفتها الظلال و الغدران
تتراءى الأفياء يومئن للـ ـركب و تحنو على الونى الأفنان
و يعلّ الهجير ما شاء من قلبي فقلبي المعطّر الريّان
جنّتي نعمة السكينة و الدّنيا جحيم و الحرب حرب عوان
جنّتي الزهو و النّعيم ففي النـ ـفس وثوق بالله و اطمئنان
الغوالي أديمها و اللآلي و حصاها الياقوت و المرجان
و لاحيق تكاد تشتفّه العين و يروي بلمحه الظمآن
و تمنّ كما تشاء الخيالات و طوع الأمنيّة الإمكان
هذه جنّتي فلا تخدع الركب فراديس زوّرت و جنان
إنّ للشرّ جنّة يغمز الإغراء فيها و يضحك الشّيطان
جنّة الشرّ لا تخادعك ريّاها ففي كلّ أيكة ثعبان
لا يغرّنك سحرها و رؤاها جنّتي وحدها الرضى و الأمان
يا أبا طارق تحيّة شعب زلزلته الخطوب و الحدثان
زحف البحر بالجبال من الموج دراكا و جرجر الطوفان
لطف الله بالسّفينة لم يسلم شراع و لا نجا سكّان
تخبط اللّيل و العواصف و الرّكب حيارى دليلهم حيران
حولها اليمّ كالجبال و أطيا ف الرّدى و البروق و اللّمعان
و ظلام غمر رهيب فما تبصر إلاّ الظنون و الآذان....
و عزيف للجنّ تنقله الريح و أدّى الأمانة الترجمان
و انطوى تحتها الجحيم فللأمواج من حرّ ناره فوران
سخرت بالسّفينة اللّجة الخضراء و اختار قبره الربّان
و اطمأنت إلى القنوط فما تلمح حتّى بالخاطر الشطآن

تعريف بالشاعر .. محمد سليمان الأحمد/شاعر سوري/وأما بدوي الجبل فهو الاسم الأدبي المستعار الذي اشتهر به، يقول:
قد نبا مضجعي لورقاء غنت سحرا فوق فرعها المياد
انت مثلي حزينة القلب لكن بعد الفرق بين باك وشاد