أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: قراءة في قصيدة فاصلة من فواصل مؤخّرة الرّيح/دارين طاطور

  1. #1
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jul 2007
    المشاركات : 121
    المواضيع : 31
    الردود : 121
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي قراءة في قصيدة فاصلة من فواصل مؤخّرة الرّيح/دارين طاطور

    https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=24472

    قراءة في قصيدة فاصلة من فواصل مؤخّرة الرّيح
    للشاعر - رياض الشرايطي



    قبل الشروع في قراءة قصيدة الشاعر والكاتب التونسي رياض الشرايطي فاصلة من فواصل مؤخّرة الرّيح، لا بدَّ من لفتة خاطفة إلى العلاقة بين العنوان والنص الأدبي، حيث أن الشاعر استطاع وضع ست فواصل منفردة، كل واحدة تتحدث عن واقع مليء بالرمزية ليصوِّر لنا الحياة الاجتماعية ومدى صدق هذا التصوير، وكأنه يعرض علينا محاكاة للحياة الاجتماعية والسياسية بشكل خاص يست فواصل بمراحل ومشاهد مختلفة تظهر الشعر الملتزم.

    تبدأ الفاصلة الأولى بالإبتكار الحقيقي بتأمل لحياة الإنسان العربي في هذه الأيام فيقول في قصيدته:


    أرى الكفّ يفتح أبوابه لعناق مرافئ جرّدت من كل أعضاء الريح،
    أرى سحابة تسبح في غياهب عيون عاقرة يتوسدها ميّت و عضل دخان،
    أرى أفواه مفتوحة للذباب،
    أرى أبواب معلّقة على خدودها ذاكرة طرّاقها
    و تفاصيل السواد،
    أرى جسدي يتفتّت على جغرافية السّبات،



    هل هو توارد خواطر..؟ أم هي الأحداث المتشابهة..؟! فكيف لكفٍ أن يعانق مرفئ وريح..؟! جاءت الفاصلة الأولى لترسم مشهداً حياً عن الوهم والخيال، ويصف الحال والوضع الذي باتت عليه الأمة العربية من سبات وخمول مع كل الأحداث القائمة.. حيث أنها ليست سوى "تفاصيل سواد" كما وصفها الشاعر..
    تمثل جميع الأوصاف في هذه الفاصلة رصداً هاماً في الشعر الحديث والقديم، ليصل إلى معنى آخر ذا نبض بالإبداع والإبتكار.
    لو وقفنا عند هذا الشطر الذي قال به "أرى الكفّ يفتح أبوابه لعناق مرافئ جرّدت من كل أعضاء الريح"، كان لإستعماله كلمة الريح دقة كبيرة، ولم يقل الرياح لأنه لو قالها في هذا الموضع لفقد الوصف معناه، لأن الرياح معنىً مختلفاً عن الريح، لأن الرياح تهب بلطفٍ وهدوء وتنعش الروح والنفس، أما الريح فمعناها الهواء العاصف الذي إذا هب نثر وراءه الغبار وأشعل فوضى في المكان وهذا مراد الشاعر للدلالة على المعنى العنيف ويوضحه للمتلقي.
    وهذا ما أبرزه الشاعر في الفاصلة الثانية باستعماله كلمة الرياح في شطره "مهزوم كشراع لم يفقه معنى الرّياح"، وهذا اإيحاء المعبر فيب البيتين دليل قاطع على بلاغة الشاعر وقدرته في التلاعب بالألفاظ والتصوير والترميز، وتصريفها في الوجه الذي أراده لدعم فكرته بصورة جديدة أو مجددة تكشف عن قدرته ومستواه الشعري في ما يتطلبه الشعر الحديث الحر، والقصيدة النثرية.




    "مهزوم كشراع لم يفقه معنى الرّياح،
    ......................................
    طير يفقد بوصلة الاتجاه،
    ......................................
    نساء بالجبّانة يجهزن منذ الصباح عزاء قتيل المساء،
    ......................................
    مقتول يمشي في الشّارع يحمل كفن قاتليه،
    .......................................
    طقس اليوم جميل لإجتثاث المنازل"



    إن الشكل التقليدي للقصيدة برتابته وخطابيته أصبح عائقاً في درب التعبير الحر في التجربة الشعرية، مع اختلاف المرحلة والانتقال من العصر القديم نحو الحديث، والتي تستلزم من الشاعر أن يبتكر أسلوباً مغايراً وتجربة تستبيح أكبر قدر ممكن من الحرية التعبيرية. وهذا ما أتقنه الشاعر في فاصلته الثانية من فواصل مؤخرة الريح.
    نقف عند الفاصلة الثالثة لتتوضح الصورة الرمزية بين لهيب النار وبرد الجليد، لنصل إلى العلاقة بين النجوم المذكورة ونجوم السماء.. إن وجدت؟!
    إن الأدب الملتزم والشعر الهادف ينقل الحقيقة التاريخية والاجتماعية دون تزييف أومزايدة، وكما قيل إن العظمة التاريخية تتساوى مع العظمة الفنية، والعمل الفني يزود القارئ بالوثائق لأنها آثار تاريخية، أي أنه باختصار جوهر للتاريخ والحياة السياسية وموجزها.
    إن النجوم التي استعملها رموزاً لعدة أمور في فاصلته الثالثة تجعلنا نقف عندها وقفة تأمل ونقارنها مع الوقائع السياسية والاجتماعية في حياتنا اليومية.. فيقول...




    بوركت يا النار التي قطع لسانها وتكلّمت بالجليد،
    سأرويك بأسماء حريق تاه بين عناوين البريق..
    ..................................................
    ما اسم البرق حين يضرب في الأرض.. : ...صاعقة.....
    ...النجوم منذ زيّنت كتف قاتلي صرت أكرهها...
    ...النجوم منذ زيّنت جدران نزل هزيمتنا صرت أكرهها...
    ...النجوم منذ زيّنت أعلام مغتصبي صرت أكرهها...
    أفتح زاوية مقفرة في آخر نشرة الأخبار،،، أتصفّحها ،،:
    ....جامعة لكلّ العرب.......بدون عرب.....
    ........زعيم إلى الممات................................
    عورتي تتصدّر كلّ الصحف...............................
    تقوم القيامة حين ينتهي التراب من كلّ الأقحوان........


    "النجوم منذ زيّنت كتف قاتلي صرت أكرهها" النجوم هنا هي تلك الموضوعة على البدلة العسكرية للضباط علامة للتميز والترقي، "النجوم منذ زيّنت أعلام مغتصبي صرت أكرهها" يرمز هنا لعلم الكيان الصهيوني في فلسطين والراية الأمريكية، وكما في كل الصور الباقية لترميز النجوم في الوضع القائم.
    ثم ينتقل ببراعة لوصف حال الوطن العربي المقسم، وجلسات القمم المتوالية والتي لا تقدم ولا تأخر في واقع الأمة العربية متأوهاً.. متلوِّعاً من طريقة الحكم وسياسة الملوك التي تنتهجها الدول العربية.. "زعيم إلى الممات".

    يلاحظ في القصيدة حضور الهم الفلسطيني عند الشرايطي، فنراه يتطرق للشهيد، ورائحته ومكانته في الفاصلة الرابعة.. فيقول واصفاً إياه....




    "سيّدة الماء تنهض الليلة من أبراج الديجور،
    تلفّ قامة الخرير بما مسكت أطرافها من مسك البارود،
    ترمي على وجنة الشهيد شهد الثكلى،
    تزفّه زنادا لحريق الطّريق،،
    ناولني آخر أحلامك حتّى أعرف مذاق البلاد..
    لوح النعش أزهر حين شمّ القتيل،،،
    ناولني حطب موتك حتّى أعرف مذاق الأعراس..
    من سقط حذو حلمي وناولني حقيقتي، غيرك،
    من جال بغرف الرأس و زرع قرنفلة الأمان، غيرك،
    من جعل قامتي ترقص على وقع ورق القتال، غيرك،
    من علّمني الضّحك..."


    في هذا المقطع الشعري المليء بالاستعارات والتشابيه يتفجر الشسعر الصافي تماماً كتفجر النبع الهادئ الذي يروي أربع فواصل بعفوية وبساطة ظاهرة، ورومانسية الرموز التي امتلأت بالغموض عبر تساؤلات استنكارية مبهمة لذاك الشهيد الذي كان أروعه في هذا الوصف: "لوح النعش أزهر حين شمّ القتيل". والفن في انتقاء التعابير المليئة بالمشاعر والأحاسيس حين قال: " ناولني حطب موتك حتّى أعرف مذاق الأعراس".. هنا استعمل الشاعر نوعاً من التصوّف الجمالي الذي تحقق بمجهوده الفكري.. بعد أن تمثل في الواقع وحوله في نفسه لتجرج بهذه الصورة الفنية المؤلمة.
    إن نجاح الشاعر الشرايطي بنظري في هذه القصيدة كشاعر متجدد، وقع في الفاصلة الخامسة والأخيرة، حين استغل طرق الإداء الرمزي في التعبير عن ذاته ومشاعره وأحاسيسه الخاصة تجاه الواقع معبراً:




    "نار بغير هشيم تزفّ نوق وجعي لذات الّلهيب،
    وتصافح هجيرا بازغا من لحم التّراب العنيد،
    ناولني قمر الليلة حتّى أجفّف بجفافه جوف جمر الهزيمة
    قلبي الطّوب يشرب من دالية انفلات ضجيج الموتى،
    يهيأ عينا تتلبّد بين جفنيها ذاكرة عصافير صحن الدّار،
    فتمطر صباحات تؤمّها أرصفة مشرعة للرّحيل،"


    إن هذا الواقع الذي يصفه الشاعر في هذه المحطة شبيه حتى لو تغيرت المنافي، لذلك نراه ينعي الروح الإنسانية إلى حد اليأس بكلمات عطشى مذاب بها طعم الملح، منتقلاً إلى وصف مشاهد الغربة قائلاً:




    "لا وطن لك الآن، لا نسمة تجيء إلى حضنك من وراء الغربة،
    لا هواء، لا حلم طالع في مساماتك إلى حدّ الثّمالة،
    وحدك قبالة وحدك تجهش بالغياب،
    يهرب المنفى من تحت جلدك فتبقى شاخصا للظلام،
    تبقى مجوّفا يحتلّك البوم،
    لا رمل لك الآن سوى غبار عالق بأظافر الفراغ،
    لا شيء أمامك، لا شيء وراءك،
    لا شيء تحتك، لا شيء فوقك،
    سوى ذاكرة مخرومة الأطراف تتربّع فيها أحلامك المهشّمة...."



    لا بدَّ للكلمة في الشعر أن تعلو على ذاتها، وأن تشير أكثرمما يود الشاعر أن يوصله ويقوله المستمع. ولعل هذه الفاصلة تضع الموقف أمام العيون فتكرار لا الناهية - النافية خمس مرات جاءت لتأكيد فكرة حلم عودة الفلسطيني لأرضه، فيختم القول بهذه العبارة:




    " لا شيء أمامك، لا شيء وراءك،
    لا شيء تحتك، لا شيء فوقك،
    سوى ذاكرة مخرومة الأطراف تتربّع فيها أحلامك المهشّمة...."



    والتي من خلالها يضع الواحد منا على هامش الجواب القاطع بأن ذاك الأمل (عودة كل منفي ومهجر عن أرضه) بات حلماً، ويقول عن هذا الحالم (الفلسطيني) الملاحق في كل بقاع الأرض أن ليس له أي خيار آخر سوى العودة رغم أن هذا الحلم بات مهشماً.

    تبدو تراكيب الشاعر رياض الشرايطي في هذه القصيدة للوهلة الأولى، أنها غير متجانسة ولا ترابط بين الفاصلة والتي تليها، إلا أن الحقيقة تظهر عكسية فيما لو تعمقنا في المجاز والرموز بها، فنراه يفتح مع الفواصل المتتابعة علاقات لا حدود لها مما يجعل قارءها ينفعل ويبحث عن الدلالات بها والعلاقة بينها وبين العنوان ولم يأت اختياره للعنوان من فراغ، كما قال المفكر الكندي ليس هناك "أيس من ليس".




    دارين طاطور
    الرينة - فلسطين المحتلة أراضي الـ 48
    05-04-2008

  2. #2
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي

    أشيد بالقراءة المتأنية للناقدة دارين طاطور -والتي أقرأ لها للمرة الأولى, وأقول أنها نجحت إلى حد كبير في الكشف عن المضامين العميقة التي توارت خلف الرمزية المسهبة في القصيدة النثربة المتألقة للشاعر الكبير رياض الشرايطي. لقد استطاعت الناقدة الغوص في بحر القصيدة الثائر الذي أفاض علينا بجماله بقدر سوداويته المؤلمة التي برغم ما آلمتنا أمتعتنا وفي نفس الوقت أبكتنا على حال أمة, كان الشاعر موفقًا جدًا في التعبير عن سوداوية حالها وهزيمتها المفجعة.

    دمتما مبدعين في حفظ الله
    الناس أمواتٌ نيامٌ.. إذا ماتوا انتبهوا !!!

  3. #3
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jul 2007
    المشاركات : 121
    المواضيع : 31
    الردود : 121
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. نجلاء طمان مشاهدة المشاركة
    أشيد بالقراءة المتأنية للناقدة دارين طاطور -والتي أقرأ لها للمرة الأولى, وأقول أنها نجحت إلى حد كبير في الكشف عن المضامين العميقة التي توارت خلف الرمزية المسهبة في القصيدة النثربة المتألقة للشاعر الكبير رياض الشرايطي. لقد استطاعت الناقدة الغوص في بحر القصيدة الثائر الذي أفاض علينا بجماله بقدر سوداويته المؤلمة التي برغم ما آلمتنا أمتعتنا وفي نفس الوقت أبكتنا على حال أمة, كان الشاعر موفقًا جدًا في التعبير عن سوداوية حالها وهزيمتها المفجعة.
    دمتما مبدعين في حفظ الله

    ولك كل الود والورد
    والمحبة و التقدير

المواضيع المتشابهه

  1. فاصلة منقوطة
    بواسطة محمد مشعل الكَريشي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 10-11-2015, 11:12 AM
  2. فاصِلَةُ الرُّوح
    بواسطة عادل خضر في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 10-04-2013, 04:45 PM
  3. مَنْظُورُ فَوَاصِلٌ فِي الْقُرْءَانُ الْكَرِيْمُ
    بواسطة عصام الكردي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 31-08-2012, 11:28 PM
  4. دارين طاطور أهلا وسهلا ومرحبا
    بواسطة زهراء المقدسية في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 02-08-2010, 06:43 PM
  5. فاصلة من فواصل مؤخّرة الرّيح
    بواسطة رياض الشرايطي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 27-09-2007, 02:32 PM