.. جدتي ، '' جورج كلوني'' .. و '' دار العلم للملايين '' ..

'' .. رايسنا زين !! '' ..
عبارة كانت ترددها جدتي ـ رحمها الله ـ كلما التقت عينـاها بعينـي رئيس الجمهورية !!
كانت تقولها في كثير من الذي يسمونه بلوثة '' الوله المتأخر '' ..
وفكر الطفل الصغير الذي كنته أن (الجدة) تعيش حالة حب متفردة .. أو ما يسمى بالحب الافتراضي !! .. حب صنعته الشاشة وأضواء الصور . أو ما عرف في قصص السينما بالحب المستحيل !! غير أن الجدة دحضت مزاعمي ، وظلت تردد عبارتها الشهيرة كلما التقت عيناها بعيون كل الرؤساء الذين تداولوا على (اليتيمة) ، عفوا ، تعاقبت صورهم على شاشة الجمهورية ..
قضت جدتي ، وفي عينيها صورة الرئيس (شمس) وكل الملوك والرؤساء ، ورؤوس العشائر كواكب ! ..
وأيقنت أن الجدة كانت تحركها نوازع الوطنية .. ليس إلا ! ..
.. '' أتمنى أن يكون الرئيس المتخب في وسامة الممثل العالمي ـ جورج كلوني ـ '' !! ..
جدتي لم تقل مثل هذا الكلام ، ولم يخطر ببالها أن تقارن بين وسامة (زين) الرئيس وبين أي وسيم في الدنيا . رغم أنها عاصرت (ألآن دولن) و (شان كونري) و (عمر الشريف) والممثل اللبناني( أكرم الأحمر) .. وكثيرا من وسيمي الشاشة ... لم تقل !! فالأمر لا يحتاج إلى مقارنة ... ثابت من ثوابت الوطنية !!
لم تقله جدتي .. وقالته إحدى اللبنانيات (دكتورة علم النفس) حين سألت عن رأيها في الأزمة اللبنانية ، والاستحقاق الرئاسي ، و شغور الرئاسة ، وما ترتب عنها من اهتزاز وتضعضع وعن الحرب الأهلية التي تلقي بظلالها على هذا البلد الجريح !
هنا فقط تصدق النكتة التي قيلت أثناء حصار بيروت الشهير '' .. لاحتلال لبنان يكفي إرسال فرقة الجيش الاسرائيلي الموسيقية ! '' فعندما تختزل ـ الدكتورة ـ أزمة لبنان في وجه صبوح ! أو ـ ربما ـ قد مليح ، يتجلى لنا وجه لبنان الذي .. لم نعرف !! ..
عرفت لبنان صغيرا ،، عرفته بعد أن كنت أعتقد أن العالم .. كل العالم هو بلدتي .. بلدتي بمدرستها ، ومستوصفها ، وسوقها ، وأزقة اللعب والطيش .. وفقط . فكرة ظلت راسخة في ذهني حد الإيمان ، حتى وقع بين يدي كتاب (خارج المقررات المدرسية) طبعا . كتب أسفل غلافه بخط أنيق (دار العلم للملايين ـ لبنان ـ ) ..
وكنت واحدا من هؤلاء الملايين !! .
فعبرت مع الملايين دهاليز التاريخ والأساطير والفلسفة والحكايات و .. وقلت في نفسي : بلد يهدينا مثل هذا ، لا يمكن إلا أن يكون جميلا !! .
وظل لبنان في ذهني (رغم حرائقه) طائر فنيق ينهض من رماده ما ظلت دواليب المطابع تدور .. وتدور ...
ماذا عن لبنان اليوم ؟ ماذا عن لبنان المصايف والجبل والبحر ؟ ماذا عن لبنان (المطابع) ؟ ماذا عن لبنان (الدلعونا) و (الميجانا) ؟ .. ماذا عن سنونوات الكنائس وحمائم المساجد و (بيارات) البرتقال .
ماذا .. ولبنان اليوم حقل رماية ؟ ! ، مدينة للإنتاج لا تختلف كثيرا عن بلاتوهات ـ جورج كلوني ـ وملاهي (لاس فيغاس) .. فكيف الحال إذا فكر كل اللبنانين كما فكرت الدكتورة (؟) رغم أن المنتجين السينمائيين والسياسيين تخلوا منذ عقود عن فكرة الممثل الوسيم .. والرئيس الوسيم !!
مخزون عاطفي :
'' في كل حرب يستنجد العرب بمخزون عاطفي لمواجهة العدو الدائم ، يستجيرون بالبلاغة التي هي صنيعهم وصنعتهم لوصف الخراب العظيم ...
في كل حرب تزدهر اللغة و الصراخ .. و الألم .. ''
هذا ما أعلنته (أجراس) الأديب والكاتب الصحفي ـ سليم بوفنداسة ـ ذات (ثلاثاء) بعيد قصف (لبنان) ....
ولأنني من (زريعة) هؤلاء . فأنا لن أشذ عنهم ، رغم أنكم لن تجدوا فيما كتبت شيئا من اليلاغة ، ولا حروفا سمينة ـ على رأي محمود درويش ـ ولا حمية (عمرو بن كلثوم) ولا صراخ (مظفر النواب) ولا حسرة (القباني) .. فكل الحواس تعطلت . ولم يبق إلا خيالات حالمة لـ (طفل) يستمد الحياة من هذا المخزون العاطفي ليكتب خربشاته .. فالواقع أبلغ من كل خيال .. ومن كل بلاغة !!
أقول هذا لأن لبنان يستحق منا أكثر من حسرة .. ومن اللبنانيين أهم من (رجل وسيم) !!
.. عندما ''سألوني الناس''
.. لم يبق في البال من لبنان الجميل إلا ما أهدتنا إياه (دار العلم للملايين) وما صدحت به السيدة فيروز .

خدعونا .. إذ صدقنا .. أن شرعة السلطان هي شرعة القرآن