ثانيا : الرواية
- 1 -
(ا ) قراءة "هادئة" فى رواية
"الحرير المخملي" لأميمة عز الدين
بقلم / احمد رشاد حسانين
( 2 ) رواية " عندما تتحطم الأساطير "
بين إشكاليات الشكل وطموح المضمون
بقلم / احمد رشاد حسانين
- 2 -
" زمن نجوى وهدان ، واسمه المستحيل "
بقلم د / رمضان الحضري






قراءة "هادئة" فى رواية
"الحرير المخملي" لأميمة عز الدين
بقلم / احمد رشاد حسانين
-------------------------------
"الحرير المخملي" ذلك هو عنوان رواية الكاتبة أميمه عز الدين التى أصدرتها عن دار الحضارة للنشر فى طبعتها الأولى فى ديسمبر من عام 2007 م .
وفيها تحكى "رٌقية" راوية الأحداث عن مأساتها و مآس لنساء أخر من قريباتها وذلك من خلال علاقاتها بأسرتها الكبيرة التى كان يضمها بيت العائلة الكبير فى قرية من قرى إحدى محافظات دلتا مصر.
وتتلخص مأساة "رقية" فى رفض تطلعها للخروج والعمل بعد التخرج من الجامعة وخوضها تجربة زواج فاشلة من "مدحت" أودت بها إلى العزلة منقطعة للبكاء والصلاة عازفة عن الدنيا زاهدة فيها ولم يخرجها من عزلتها إلا عمتها "زينة" وتدخلات أخيها فارس وزوجته الأمريكية "إيمى" مما ساعدها على الخروج من هذه الشرنقة واستقبال نسائم الحرية مع حياة أخرى جديدة تدرس فيها "الأدب المقارن" بالجامعة الأمريكية فى القاهرة.
أما مآسى قريباتها الأخريات فهي تبدأ من جدتها لأبيها "عطيات" وتمتد إلى الحفيدة الراوية "رقية" مرورا بأم الراوية وعمتيها "زينة" و "مهرة".
وقد نسج السرد خيوط المآسي حول هؤلاء النسوة داخل بيت العائلة الكبير الواقع وسط الحقول والمزارع ، وكما هو الغالب فى "البيوت الكبيرة" فقد كانت عادة تجمع أكثر من جيلين من الأبناء والأحفاد
وتتخذ الرواية من القرية فضاء مكانياً جوهرياً لأحداث روايتها بكل ما تعنيه المنتجات الثقافية لهذا الفضاء ، فى حين يبدو الفضاء الزمانى رمادياً غير محدد الملامح اللهم إلا القليل النادر من الإشارات لبعض فصول السنة وهى على قلتها تأتى فى سياق تذكري حالم.
وربما أثرت الرواية صياغة سردها بضمير الحكى المتكلم الغالب علية نزعة البوح والاعتراف ليتيح لها ذلك عدة أمور.
1-الرغبة فى الإفصاح عن تواجدها وحضورها تعويضاً عن التهميش والإزاحة |أى نوع من "الحضور" النصي مضاد "للغياب" الواقعي.
2- أن هذه التقنية هيأت بطبيعتها مجالاً واسعاً للبوح والانطلاق خارج كل القيود لتعرية الأنساق الثقافية والتقاليد المجتمعية والأسرية من خلال تعرية النماذج الأبوية والذكورية فى الأسرة وبالتالي جاءت هذه النماذج فى صورة شائهة بعد أن وقع عليها قدر كبير من التحامل والقسوة والتهكم السردي باعتبارهم "جلادين" فى مقابل "الضحايا" المجلودين من نساء الأسرة.
3- إن البوح يستدعى فتح الذاكرة والتوغل فيها ربطاً للصور والمواقف والمشاهد ، وتفعيلاً للاسترجاع التقابلي للحظات البراءة والبهجة فى مواجهة قسوة الحاضر المحاصر بوقائع الرفض والقسوة التى واكبت حياتها فى البيت الكبير بعد التخرج ، أو فى تجربة الزواج الفاشلة التى تركت فيها جرحا غائراً وندوبا كانت عصية على الطمس والزوال.
والحقيقة أن الراوية "رقية" اعترفت بجزء من مسئوليتها عما وقع بها تمثل فى الخضوع وفقد القدرة على الرفض والمقاومة.
وقد نجحت الكاتبة فى استثمار تقنية البوح والحكى الاعترافى استثماراً فاعلاً لإزخام نصها الروائي وإثرائه فنياً ، سواء برسم لوحات فنية عميقة لدواخل الشخوص ، أو التعبير بخيال ايحائى منطلق عن رأيها فى الأمور وتوصيفها الشخصي لكل أفراد الأسرة والتى كانت تضم من الرجال :
- الجد : " عبد الرحيم فاضل التهامي" وكان تجسيدا للسلطة الأبوية المهيمنة الممتدة ، فهو الحاضر دائما سواء فى حياته أو بعد مماته، وهو رمز للفحولة أيضا فقد كان مزواجاً يعشق النساء ولكن (فى الحلال) ضم ثلاث منهن معاً فى البيت الكبير (عطيات وحسيبة وحبشية) وتزوج بالرابعة فى الإسكندرية وأنجب منها ابنه رءوف ، ترك الجد لأولاده (محمود و زينة ، ومهرة ورءوف) ثروة طائلة من أموال وأراض وعقارات.
- الأب : "محمود" والد الراوية "رقية" وأخوها "فارس" ، كان موظفا كبيراً تمنى أن تكون حياته من صنعه هو لا من صياغة أبيه وإملاءاته ولكنه عجز حتى فى خيار زواجه وتسمية ابنته التى سماها الجد "رقية" فى حين أراد الأب تسميتها باسم الفتاة التى أحبها فى شبابه "مريم" ، فشل محمود أن يكون شاعراً ، بحث عن التحقق والشهرة فى السياسة رغم عدم تعاطيه لها لكنة باء بالفشل أيضا ، تولى إدارة شؤون الأسرة وعاش " ظلاً باهتاً" لأبيه " عبد الرحيم التهامي"
- مدحت : ابن الحاج " الهوارى عويس" صاحب الثراء والنفوذ الواسع تزوجته "رقية" تحت عوامل من ضغوط الأسرة و عجزها عن الرفض والفعل المضاد ، لفظته منذ البداية ، فقد" كانت ملامحه غليظة مثل طباعه ، يتجشأ إثناء الطعام ويزدرده فى حيوانية ، يسيل المرق على جوانب فمه ، ولا يعشق ضوء القمر ، ولا يحب مثلى أمل دنقل ...."
هكذا وصفته الراوية ، ضف إلى ذلك معاناته العجز الجنسي.
وقد فسرت الراوية رقية ذلك ، برجولة " ضالة ضاعت بين حنايا سطوة أمه – عقدة أوديب – ومرض قديم حل به جعله مثل الجدي الخصى فى مزرعة جدي"
ويكاد يتثنى السرد من هذه النماذج (القامعة المقموعة) من الأسرة ، نموذجين هما العم "رءوف" والعمة "زينة" .
أما رءوف فقد تربى وعاش فى الفيلا التى بناها الجد لأمه الراقصة "دينا" (هام بها الجد عشقاً وذاب شغفاً) لذا فقد كفل لها قدرا من الخصوصية والتميز بكتمان سر زواجه بها طيلة ثلاثين عاماً ، تخرج العم رءوف من كلية الفنون الجميلة وعاش فناناً يغشى المنتديات الثقافية والفنية ، التحق بالأسرة فى البيت الكبير بعد وفاة الجد ، كان محل إعجاب وتقدير كل من أخته غير الشقيقة "زينة" وابنة أخيه "رقية" عاد مرة أخرى إلى الإسكندرية.
العمة زينة: ابنة الجد من زوجته "حسيبة" ورثت عن أمها نزعتها الشهرزادية وتطلعها للحياة ، كانت المثل الأعلى والنموذج الأروع للراوية "رقية" فقد أرادت أن تكون مثلها فتاة قوية واثقة استطاعت بذكائها أن تفلت من قبضة الجد وإسار البيت الكبير ، حققت نفسها وشخصيتها فى عملها المتميز بالصحافة لدرجة أثارت موجدة من زملائها من الرجال ، إلا أن هذا التميز وطبيعة هذا النموذج المطلوب المرغوب كان سببا كافياً فى نظر الراوية لأن يعرض عنها الرجال "خوفاً وجبناً" وتساوت فى ذلك مع العمة "زينة" والعمة " مهرة" فى مصير واحد انتهى بكليتهما إلى حياة يغلفها إحساس عميق بالمرارة والوحدة والحرمان من دفء الزوج والأسرة بعد أن فارقهما "قطار الزواج إلى محطته البعيدة، الموغلة فى أحراش العنوسة المظلمة" .
وقد يكون مصير العمة "مهرة" مبررا فى مجتمع مازال يعانى بقية من نزعة عنصرية "وثنية جاهلة" على حد تعبير الراوية ، فقد ورثت مهرة عن أمها حبشيه – هكذا أسمتها الراوية لتأكيد دلالة الاسم – ورثت بشرتها السمراء وملامحها النوبية ما جعل الرجال يعزفون عنها ، إلا أن مبررات العمة "زينة" فهي فى حاجة إلى النقاش فى ضوء معطيات واقعنا المعيشي.
وإمعانا فى التوجه "الأنثوى" للسرد ، تعمق الراوية من مأساة عمتها "مهرة" فحتى الرجل الوحيد "إسماعيل جعفر" السوداني الأصل المنتمى لآل الميرغني- الذى أحبها وعشقها وأوشك على الزواج منها – قاده السرد إلى الموت بعد أن وقع صريعا تحت قصف إحدى الغارات الجوية وهو يؤدى دوره "الإنسانى" فى الحروب الاتصالية الشرسة التى تدور رحاها فى بلاده.وبالتالي كانت هذه الصاعقة ضربة مميتة للعمة "مهرة" أصابتها بالذهول والجنون ما جعلها تدفن حلمها ومعه حريرها المخملي فى حفرة مظلمة أهيل عليها تراب القسوة والوأد والحرمان ، ذلك الحرير المخملي الذى مابرحت عليه عاكفة ، تنسج خيوطه الرقيقة موشاة بدموعها وأنوثتها المحرومة ثم ما لبثت أن أضافت إليه خيوطاً من طيف حلمها الوحيد العذب ، ولكنه المصير "الروائي" للسرد الذى تبنى موقفاً ما ومضى فيه إلى غايته.
ومن نواتج هذا الموقف السردي ، أن "فارس" شقيق الراوية كان يدرس الطب ويعيش فى القاهرة "كأحد أمراء الخليج" سرعان ما كثف السرد وتيرة حضوره فى الصفحات الأخيرة من الرواية ، رغم المرور علية مروراً إشاريا سريعا فى متن النص ، رأيناه يحضر بقوة جالباً معه زوجته الأمريكية "ايمى" إلى البيت الكبير وسرعان أيضا ما تنتهي زيجته بالفشل وتعود زوجته إلى بلادها بعد أن تلفظه وتهينه رغم محاولات التودد والتوسل إليها ، والسبب أنها كشفت خداعة لها فهو يريد الزواج منها ليحصل على "الجنسية الأمريكية" فى حين أن الهدايا التى قدمها إرضاء لها كانت كفيلة بإدخاله بلاد العم سام غازيا وليس لمجرد الحصول على الجنسية ، هذا فضلا عن ثراء عائلته الواسع.
نحن إذن بإزاء سرد "أنثوى" ولا أقول "نسوى" وهو سرد أنثوى بامتياز ، فالمنتج السردي موضوعه الأساسى الأنثى ، ومنتج السرد كاتبة ، ورواية النص "رقية" ، قدمت لنا فيه مصائر مأساوية لنساء أسرتها مقابل وضعيات حادة ومشوهة لرجال نفس الأسرة ، فى حين تشير الوقائع إلى أن كل الشخصيات سواء أكانت رجالاً أم نساء ، إنما هى (قامعة مقموعة) فى أن واحد وبدرجة من الدرجات.
ومن هنا نفترض أن طبيعة السرد ذات البوح الاعترافى المتدفق فى هدوء على السطح كانت تبطن بين طبقاته العميقة وفى بعض إشاراته وتلميحاته مشاعر من الغضب والاستهجان ، متوجهة بالأساس لنقد وتعرية أنساق ثقافية واجتماعية أنتجت تلك الشخصيات والمصائر وهى أنساق عانى منها الجميع رجالاً ونساءً .. أقول هذا رغم اعترافنا جميعاً بحدوث خلخلة وتغير لكثير من هذه الأنساق والمفاهيم بفعل سنة التطور ونوعية أدواته ذات التأثير الواسع والتى تؤدى وظائفها وخاصة وسائل الاتصال الحديثة بفاعلية وسرعة حين تقوم بحرث بقاع مافهيمية كثيرة وتقليبها حتى فى أشد المجتمعات تخلفاً ورجعية.
نقول هذا ، ونفترضه رغم ملاحظتنا حول طبيعة التوجه وصياغة بعض مصائر الشخصيات صياغة فيها شيء من المبالغة والتكلف وذلك لمجرد حشد أكبر كم من السلبيات فى "ثيمة روائية" يسيل لها لعاب كثير من المتربصين من ذوى القلوب المريضة من تجار سوق كبيرة مفتوحة ورائجة تتحكم فى عالمنا اليوم اسمها سوق "صراع الحضارات وصدام الثقافات"
ونتجاوز هذه النقطة إلى نقطة أهم وهى كيف قال النص أطروحاته ، وهنا تبرز عدة ظواهر فنية تميز السرد وأبرزها :
- تلك الشعرية التى ارتقت بالأسلوب وحلقت به إلى مستوى عال من الأدبية يعكس احتراما للغة من جهة، ومقدرة صياغية وإيحائية من جهة أخرى.
- يشي السرد بكاتبة موهوبة تملك أدواتها الفنية.
- يثبت السرد قدرة على توظيف تلك الأدوات واستثمارها لصنع عالم روائي يطمح للدقة والإحكام الفنى.
فقد وفقت الكاتبة فى اختيار بؤرة الرؤية وموقف الحكى ورمادية الزمن وفضاء المكان ، كما أظهرت براعة فى تطوير الشخصية من خلال المواقف والأحداث وإن ركز تطويرها على دواخل الشخصيات فقط دون ملامحها الخارجية عدا العمة "مهرة" ، كما أن الحوارات القليلة المتخللة للسرد خدمت الموقف والشخصية ولم تقف عليها طويلا حتى لا يعطل ذلك طبيعة البوح التدفقية للسرد.
-اعتمدت الكاتبة تقنيات وأدوات سردية أخرى كالحلم والاسترجاع وتوظيف الرمز المكثف بالدلالة وهو ما برز فى استخدامها العضوي للحرير المخملي الذى كانت تنسجه العمة "مهرة" والذى تردد حضوره فى المتن الروائي أكثر من مرة فضلا عن كونه دالاً للنص ذاته.
وأخيرا ، فهل إذا جاز لنا أن نؤول عنوان النص فهل نقول:
"هذه رواية عن الحرير المخملى " أم نقول على لسان المؤلفة : هذه روايتى عن الحرير المخملى " ؟











رواية " عندما تتحطم الأساطير "
بين إشكاليات الشكل وطموح المضمون
بقلم / احمد رشاد حسانين
أصدر الكاتب "عطية عبد الخالق" أخر أعماله وهى رواية "عندما تتحطم الأساطير" ، عام 2007 موهى من الروايات الطويلة إذ تقع فى أكثر من مائتي صفحة من القطع المتوسط
موضوع الرواية يتناول صراعاً مزدوجا حول السلطة / الحب ، دار رحاه بين معسكرين يقفان على طرفي نقيض ، معسكر يمثل الخير يضم شخصيات (عبدون ، الأمير زياد ، الأميرة إهناسيا و بعض أتباعهم) .
ومعسكر فى الجانب الأخر يمثل الشر ترمز إليه شخصيات : (الملك قيدار ، الوزير إياس ، القائد بغدادي وإتباعهم من حراس وجنود) .
وتدور الأحداث فى مملكة ما ، تقترب ملامحها كثيراً من ملامح البيئة الأوروبية ، وهى تبدأ بتمهيد لجو أسطورى يكشف عن مشهد للمك قيدار وهو يهرول فى أسمال بالية ، يحمل صندوقاً قديماً ، وإذا به يسمع أصوات مخيفة لأشباح تطارده ، يحاول الفرار منها فلا يجد سبيلا للنجاة سوى الصراخ ، وفى خضم ذلك يأتي صوت من وسط سحب مظلمة قائلاً :
"هكذا قضت محكمة التاريخ أن ترحل ... ، يهرول ناحية الشاطئ حاملاً صندوقه القديم فى ذهول ليستقل قارباً ما يلبث أن يتهشم على أثر هياج شديد لحيتان البحر الغاضبة .
إنه حلم يعانى كابوسيته الملك قيدار الذى استولى على حكم المملكة وعرشها بعد أن قتل الملك الشرعي العادل وطمس معالم جريمته بقتل كل من يعرف الحقيقة أو له صله مباشرة بها .
وبنفس المشهد ينتهي الملك بالفعل بعد صراع مثير بين المعسكرين سالفى الذكر ، خاضا فيه سلسلة من الأحداث والمشاهد والمواقف المفعمة بالتشويق والحركة وروح المغامرة .
وتكشف الأحداث فى اتجاهها نحو الحبكة والتعقيد عن طبيعة " بوليسية" ، كثيرا ما أسفرت عن مفاجآت وردود أفعال مدهشة وغير متوقعة ، إلا أن القارئ يستقبل هذه الأحداث والمفاجآت ، وهو على يقين أن معسكر الخير سينتصر فى النهاية ، وهذا ما يجعله غير مبال بمصير أبطاله ، وكل ما يشغله ، أن يستمتع بالإثارة ويعيش مع روح المغامرة ، ويستدعى - ذلك الجو وتلك الروح – أن تدور الأحداث فى أجواء أسطورية مدفوعة بنبوءات العرافين تارة ، والدسائس والمؤامرات التى تحاك فى القصور الملكية تارة أخرى ، كما تستدعى تثبيت حركة التدفق السردي وإعمال الوصفية الدقيقة حين يقف السارد على المواقف الحرجة والمنازلات والاشتباكات الفردية والجماعية بين المعسكرين المتصارعين تلك المنازلات التى تتأرجح كافة الحسم فيها بين الطرفين بطريقة مشوقة وسريعة كتلك المشاهد التى نراها ونستمتع بها فى أفلام (الأكشن) الخيالية ، خاصة الأفلام الغربية ، ومن أمثلة هذه المشاهد هذا المشهد الذى ننقله من صفحة 99 من الرواية ، على النحو التالي :
" .. وفجأة فزعت إهناسيا عندما رأت تمثالاً معدنياً لعبدون يسد باب السرداب فصرخت ، وحينما نظر إليه إياس تعجب كثيراً ووقف مندهشا مذهول قائلاً ماهذا .. ؟
وإذا بصوت يخرج من التمثال قائلاً :
لابد أنها مداعبة لطيفة يا إياس . فبدا الذهول على إياس وإهناسيا، قال الصوت :
جئت لأمنحك الجائزة الملكية يا سيدى الوزير .
فقال : من أنت .. ؟
قال صديقك القديم ، ثم خرج عبدون من التمثال فقالت إهناسيا فى دهشة : عبدون ... أيكون هذا معقول .. لم تمت إذن أيها المعلم؟
رد عبدون قائلاً :
المحال يرسل سهامه دائماً فى الوقت المناسب . سلم لى العباءة يا إياس .
ولا شك أن المفاجأة كانت لإهناسيا أكثر من رائعة وكانت لإياس لطمة شديدة لم يكن يتوقعها قال :
خدعتماني ، إذن أيها الحمقى .. لكن لابد أن ترجع إلى قبرك . واستل خنجرا وسدده تجاه عبدون ، أفلته ، ثم تبعه بآخر فاختبأ عبدون وراء التمثال وأفلته . فتناول إياس أحد السيوف المعلقة بإحدى حوائط السرداب ، وكانت المواجهة بين حلم عبدون المسجون وحلم العرش لاياس"
أنها رواية (الحدث) الخيالية التى تتوجه إلى شريحة من القراء ، تميل أذواقهم إليها ، ويشغفون بها ، منفقين معها وقتاً ممتعاً يجمع بين الرومانسية والمغامرة .
وقد سبق أن صنف د. عبد المحسن طه بدر ، هذه الروايات تحت تيار ساد مسيرة الرواية فى الأدب العربى ، أطلق عليه تيار روايات (التسلية والترفيه) ، وذلك فى كتابه المرجعى ،"تطور الرواية العربية الحديثة" ، الصادر عن دار المعارف بالقاهرة فى أكثر من طبعه ، وهو تيار كان له أسبابه وسياقه التاريخي والاجتماعي الذى أفرزه ، وقد سجل الدكتور عبد المحسن طه بدر فى كتابه المذكور عدة خصائص وسمات فنية لهذا النوع من الروايات يتفق مع بعض ما أشرنا إليه من خصائص ومنها أيضا :
_ تعليق الكاتب أحياناً على الأحداث .
- الشخصية المسطحة المتسمة بالنمطية والثبات .
- الميل إلى الخطابية والنزعة التقريرية أحيانا.
- الاهتمام البالغ بالحدث وطبيعة العقدة.
والجدير بالذكر أن الرواية العربية ما لبثت بعد انحسار هذا التيار ، أن اتجهت إلى البيئة المصرية والعربية الخالصة ، بأسماء أعلام وأماكن عربية خالصة ، متبنية مواقف ورؤى جمالية مختلفة إزاء الواقع الفردى أو الجمعى تحت ما يسمى تيار الرواية الفنية .
إلا أن كل ذلك لم يمنع الكاتب أن يطرح على لسان شخصياته ، ومن خلال أفعالها قيماً وأفكارا، تكفل للقارئ تحقيق المتعتين (العاطفية والفكرية) معاً ، لكن عبر خلال توجه مثالى للشخصيات ، ولا شك أن الكاتب قد أشار فيما أجراه على لسان الشخصيات (الخيرة) ، ومن خلال مواقفها – إلى قيم وحقوق إنسانية نبيلة متمثلة فى ، التنوير والحرية والعدالة والتحلى بالجرأة والشجاعة وروح الفروسية إزاء قوى البغى والظلم والجهالة التى مافتئت ترهق شعوبها معنوياً وماديا (الشخصيات الشريرة) – بإفقار هذه الشعوب وزرع الخوف فيها ، تكريساً لبقائها وضماناً لاستمرار مصالحها.
إلا أن هذه القيم وتلك المعاني المثالية التى ذكرنا بعضها على لسان الشخصيات الخيرة ، تطرح على لسان الشخصيات بصورة مطلقة غير محددة ، هذا فضلا عن أن بعضاً منها قد يكون مطلباً ضرورياً ملحاً وعاجلاً ، وبعضها الآخر قد يكون نوعاً من الترف فى ظل تردى الأوضاع ... والأوضاع وفق الرواية لم تكن قد وصلت إلى هذا الحد من السوء فى مملكة الملك "قيدار" !
وبالرغم من هذه الملاحظات إلا أننا نعترف أن هذا اللون من الروايات مازال له جمهوره ، وإن اتجه الكثير من هذا الجمهور فى وقتنا الحالي ، إلى قضاء وقت فراغه فى مشاهدة أفلام ومسلسلات تعرضها قنوات متخصصة استعاضة عن القراءة في هذه الروايات .
وإذا كان الكاتب يطمح إلى إنجاز عمل روائى يضعه أمام مسئولية فنية وأدبية واجتماعية بالغة الأهمية كما يذهب الأستاذ الدكتور صابر عبد الدايم فى مقدمته للرواية ، فإن هذا الطموح يتطلب منه " أن يتقن فن المبارزة فى هذه الساحة الفنية التى تحتاج منه إلى الثقافة الواعية المتشبعة وإلى التعرف على الجديد فى فن الإبداع الروائي والقصصي ، وإلى حتمية ارتياد المجالس والتجمعات الأدبية لاكتشاف التطور الجديدة فى عالم الإبداع الروائي والفني" .
ونرفع أيدينا مع الدكتور صابر عبد الدايم نحيي الأديب الشرقاوي عطية عبد الخالق منتظرين عمله الروائي القادم واثقين أنه سوف يحظى منا جميعا بالحفاوة والاهتمام.



" زمن نجوى وهدان ، واسمه المستحيل "
بقلم د / رمضان الحضري
تحاول الدراسة استجلاء التقنية السردية فى رواية " زمن نجوى وهدان " للقاص مجدى جعفر ، وكذا رواية " واسمه المستحيل " للقاص محمود الديدامونى .
والسرد فى أبسط تعريفاته هو تدفق الأحداث بتتابع زمنى يحمل أيديوليجية تبرز وجهة نظر السارد .
بيد أن النظريات الأدبية المحلية والمستوردة وضعت النقد الأدبى فى طريق مسدود ، مما جعل النقد الأدبى العربى كلاَّ على غيره من الآداب الأجنبية التى أسبقت كثيراً منه ، وأنكرته بعد ذلك .
وتطور الأمر عند أصحاب المدرسة البنيوية الذين اعتبروا النص منفصلاً عن صاحبه وعن مجتمعه وله ذاتية خاصة به ، وقال بعض منهم بعد ذلك بموت المؤلف .
وخالف جيرار جنيت المنظرين السابقين للرواية فى كتابه " خطاب الحكى " وفرق بين زمن الخطاب وزمن القصة ، وبين الاستباقات والاسترجاعات باعتبارهما تقنية سردية يعتمدها المؤلف وغيَّر مصطلح الرؤية وزاوية الرؤية ، معتمداً مصطلحاً جديداً أسماه " التبئير . وأهمل الشكليون والبنيويون دور النص الاجتماعى ، ولذا وجد أصحاب المدرسة التوليدية / التكوينية ضالتهم فى ربط النص بالمجتمع باعتباره نسقاً اجتماعياً متداخل فى النسق الاجتماعى العام ، وبعبارة أخرى أن النص الروائى ينبع من المجتمع ويعود إليه مرة أخرى .
تلك النظريات النقدية تمثل مشهداً عاماً للرؤية النقدية للرواية فى العصر الحديث بالضافة إلى نظريات التواصل والقراءة والتلقى وغيرها مثل أصحاب اللسانية الذين اعتبروا الرواية نسق لسانى يرتبط باللغة شفاهية وقراءة .
وعند تطبيق هذه النظريات على الرواية العربية الجديدة فى مصر خاصة ، سوف تفقد سيطرتها التطبيقية ، حيث نجد الكاتب المصرى قد تحرر كثيراً من قيود التنظير ، وأصبح بإمكانه اختراع النص الروائى بفضاء وشخصيات وأحداث مقبولة فكرياً ، باعتبارها فناً أدبياً له وضوحه فى العقل ، من خلال واقع أدبى جديد ، دون أن يكون واقعاً مجتمعياً معاشاً وينطبق ذلك على هاتين الروايتين موضوع الدراسة ، فالفضاء الروائى فى رواية " زمن نجوى وهدان " للروائى مجدى جعفر تبدأ بالمقابر وتتطور بالشقة الفاخرة وتصل إلى "الفيلا " الا أن هذا التطور يحمل فى داخله انحدار للمثل ، واندحار داخل الشخصيات ، وهى نفس الفكرة تقريباً عند محمود الديدامونى فى رواية " واسمه المستحيل " .
فالمقابر دار الأموات ، هى المؤثر الأول فى الحياة الاجتماعية فى الروايتين ، مما يشى أن المجتمع المصرى يسيطر عليه الفكر الأخروى كثيراً ، وكذا الشخصيات المعذبة ، والمظلومة ، فالموت ، والعذاب والظلم ، كلها مضامن للحياة فى النصين .
وتثير الروايتين عدة أسئلة ، أولها : ماحاجة القارئ / المتلقى لهذا النوع من الحكى والقص ... والتساؤل بعبارة أخرى ، ما احتياجات القارئ العربى من النص الروائى ؟ .
والتساؤل الثانى ، هل هاذان النصان أو أحدهما يمكن أن يكون ديواناً للمرحلة الآتية فى مصر أو الوطن العربى ؟ .. وهذا السؤال بصيغته الاجتماعية هو . هل مصر والوطن العربى حياتهم إما فى القصور أو القبور؟ وهذه الصياغة اجتماعية إلى حد بعيد ، وإذا كان هذا هو الحال ؟ هل لازال دور الأديب كما رآه الواقعيون الملتزمون بطابع سياسى ـ أن يراقب عجلة المجتمع ، ويضع يده على مواضع الداء ، دون التدخل المباشر أو غير المباشر .
إن هذه التساؤلات وغيرها فى صور مختلفة تجعل جل اهتمامى فى قيمة الأدب والأديب فى المجتمع ، حيث أن دور الأديب أصبح يتقلص يوماً بعد يوم ، حتى فى المجتمعات الأدبية نفسها ، ويرجع هذا الضياع الأدبى الى التفوق السياسى والتكنولجى على الساحة الاجتماعية ، بجانب ضياع الرؤية المتنامية عند الأدباء فى مصر والوطن العربى ، حيث لم يعد الأدب هو الموجه للفكر والثقافة , والمطور للعلوم سواء كانت الاجتماعية أو المعملية .
ومن وجهة نظر شخصية للغاية ، يبدو أن النص الروائى " زمن نجوى وهدان " للقاص مجدى جعفر أقرب النصوص للواقع الأدبى والاجتماعى ، والايهام بحدوثه ، واحتمالات وقوعه جعله أشد التصاقاً بالواقعين ، فالشخصيات الروائية مرئية ، ومرسومة باتقان شديد ، وهى تحيا حياة طبيعية ذات علاقات منفصلة / متصلة بالمجتمع ، فنجوى متصلة بالمجتمع المثقف ، والاتصال على مستويين ، مستوى فكرى ، وهو مستوى لايعول عليه السرد كثيراً ، ومستوى اجتماعى ، وهو خروج على القوانين والأعراف ، ومنفصلة عن طبقتها الاجتماعية بل هو هروب من هذه الطبقة ، إلا أن طقوسها جميعاً مرتبطة بها ، فالرذيلة والجنس يتعلقان بالمقابر ، ولم تعد المرأة كياناً نبيلاً ، بل أصبحت جسداً يحمل الرذائل ، فى صورة كاذبة من الفضائل . ( يحكى أن أمى كانت تأتى آخر الليل عندما تعود من العمل فى الغيطان أو فى دور الموسرين ، تجدنى قد دخلت مقبراً مفتوحاً لا، وغلبنى النعاس ونمت فيه ، وكان أبى كفيفاً ، حفظ فى طفولته بعض سور القرآن كانت كفيلة بأن يوكل إليه الرجل الثرى الذى بنى المسجد باقامة الصلاة على وقتها ، والصلاة على الميت والقراءة عليه نظير أجر وحراسة المقابر )
أما الواقع الآخر ( كانت قد منحت الخدم إجازة ، بعد أن أنهو أعمال النظافة بالفيلا ، وإعداد الطعام وأخذت حملماً ، وتأنقت وتعطرت وجلست تنتظره )
فالشخصية ترتبط بالأماكن بعلاقات الاتصال والانفصال ،. وكذا علاقتها بالناقد الكبير ، فهى تريد شهرة ، وهو يريد المال ، وتفشل العلاقة الجنسية بينهما ، ويتفقان على بقاء الوضع على ماهو عليه .
وقد يستخدم الحوار لابراز جوانب استبطان للشخصية ، وتأتى أهمية الحوارات فى النص الروائى ـ بشكل خاصة فلى رواية " نجوى وهدان " مرتبطة بفكر الشخصية ، مما يجعلها حوارات روائية ، وليست حوارات عرض ، بل هى حوارات إخبار ، على أساس أن العرض خاص بالحوار المسرحى .
( يزيح الستارة التى تفصل غرفة المكتب عن الغرفة الأخرى ، ويدعوها لتناول معه مشروباً .
هو واضعاً يده على بطنه :
: أنا مدين لك بهذا العشاء الفاخر والشهى ، امتلأت بطنى عن آخرها وكأنى لم آكل من قبل !
هى : بالهناء والشفاء
مخرجاً زجاجة خمرة من الثلاجة
هو : أتتناولين معى كأساً ؟
هى : لالا بأس . قليل منه يشفى ) .
فالحوار أقرب إلى الحوار السينمائى ، ولذا لا أرى ضرورة ، للكتابة مسرواية على هذا النص ، بل هو نص روائى ، أقرب إلى التصوير منه إلى العرض .
وتمثل الرواية وصفاً لواقع اجتماعى لفئة اجتماعية معينة ، وهذه الفئة تمثل التسلق ، والانتقال من طبقة إلى طبقة ، وأصبحت الشخصية . لا تصلح للقيام بعملها فى الطبقة السابقة ، أو الحالية .
حينما ننظر إلى حاجة القاريء فيمكن تحديدها من خلال الروايتين فى :-
أ ) الحاجة إلى الفهم : - ويقصد هنا بالفهم وضوح النص للقاريء ، بحيث يحدث فيه أثرا أو آثارا ، وهو يخالف الوضوح العقيم ، الذى يبنى جميعه على المسلمات دون الخوض فى تطوير الفكر واستحداث الرؤى ، بل يكون فهما مشعا ومتنوعا ويمكن استبداله بمقولة " إدراك النص " .
وينطبق ذلك على رواية " زمن نجوى وهدان " ولا ينطبق على رواية " واسمه المستحيل " ، حيث يعتمد السارد فى الرواية على أكثر من ضمير وهذا ليس عيبا ، بقدر ما هى تقنية رمزية ، حيث يوجد أكثر من سارد فى الرواية ، فالرمز يشكل غموضا كبيرا فى الرواية ، إلا أن هذا الغموض ليس مبررا ، فلا شك أن للكاتب الحق في أن يقول ما يريد ، بشرط أن يقنعانا بما يقول .
فالشخصية فى الرواية ليست لها ملامح جسدية ، بل كل الملامح نفسية .
والغريب أن الإفراط فى تصوير المكان وحركة الشخصيات وتداخل السرد والوصف وغلبة الوصف على السرد ، جعل الأحداث أكثر ثباتا وميلا إلى التوقف ، وكذا الخروج من استرجاع إلى استرجاع سابق يجعل الأحداث أكثر ضبابية ( لم تكن هذه هى المرة الوحيدة التى بدا فيها موقف الشيخ هكذا .. يبدو أنه لا يريد إلا طريق النور من البداية للنهاية .. هكذا تبددت ظلمة فكرى ..
ورحت أتذكر ما حدث لفريد ، عندما تزوج من فتحية .. بارك زواجهما الشيخ رغم معارضة أهل فريد لذلك ..
يومها كان فريد قد داعب العشرين عاما ، تشع من وجهه النضارة ، ويسكن قلبه الشباب ، .. كان أميرا فى طلعته .. وديعا فى طلته ، أديبا فى حديثه .. وكانت فتحية أرملة .. مات عنها زوجها وهى فى أوج فتنتها وجمالها .. قالوا بأنها السبب فى موته
هذه السطور القليلة تبين مدى غوص السارد فى الماضى ، فكلما أراد أن يخرج من ماض دخل فى ماض سابق له ، مما جعل الحكي يغوص فى الماضي أكثر ، وهكذا تتوقف الأحداث ، لفترات طويلة فى القصة ليحل محلها الوصف ، أو الاسترجاع ،
والنقطة الثانية (ب) ـ العدل مع الأحداث والشخصيات ، ويقصد بالعدل هنا رسم الشخصية على ماهى عليه دون أن يلوى عنقها ، فيكون السارد سواء كان ساردا علمياً ، أو يصف من الخارج يحيا داخل الشخصية ليسمع تفكيرها ، ويصف داخلها دون التدخل المباشر منه . والنقطة الثالثة : ضرورة هذا القص للمجتمع ، حيث إن النظريات الأدبية فى مجملهل حاولت فصل الأدب عن دوره التوجيهى والتعليمى والتربوى ، وهو ما حدث فى الروايتين بدعوى أن دور الكاتب يتوقف على وصف الحال والمقال دون التدخل ولو بإشارات لفك الرموز النصية والاجتماعية ، رغم طواعية اللغة عند محمود الديدامونى فى روايته " واسمه المستحيل " إلا أنه يستخدمها الاستخدام الشاعرى المرتبط بسيناريو السينما الرومانسية ، وهو فى جميع الأحوال يحاول السيطرة على المتلقى من خلال وصف الإنفعالات فمثلاً ( الموكب المهيب ، المتشحات بالسواد خلف النعش يسرى فى وجوم ، أصدقاء الشيخ وأولاده يئن الطريق من دهس أقدامهم المتواصل والمتلاحم سرنا كذلك حتى وصلنا الى المسجد الذى يؤمنا فيه الشيخ : احتشد الناس داخله ، وأضعاف أضعافه ينتظرون خارخه مشهد لم أر مثله فى حياتى ، حتى عندما مات كبير قريتنا لم يكن مثل هذا الحشد ويومها ظل أبى يتفاخر بأن مشهده لم تشهده الناحية كلها وكأنه كان من بقية أهله . يبدوا أن الشيخة سعاد كانت طيبة كما تزعم زوجتى .. يتحرك النعش ونتحرك معه .. أتجنب النتوءات التى تملأ الشارع ناظراً الى موضع قدمى ..
يسرع المشيعون ، يهرولون ، يتوقف الموكب .. الحالة غير ثابته ، يصيح أحدهم : وحدوه .. )
فاللغة متماوجة ترتفع وتنخفض مع الأحداث والوصف وتحاول التأثير على عواطف المتلقى ، ويمكن وصفها ببعض المعقولية .
والسارد مشغول باستمرار بحدثين هامين هما الموت والزواج باعتبارهما متناقضين ، فالزواج بمن تحب عكس الموت ، وارادة المجتمع فى تفريق المتألفين إنما هى قوة تساعد الموت ضد الحياة ، والتفريق شر يساعد العقم ضد الإنجاب ويتضح فكر السارد طبقاً للرؤية الواقعية فى بعض المواقع من الرواية ، إلا أن الميل للصوت الرومانسى المرتفع يتغلب كذلك على اللغة . ( أيتها الأرواح الطيبة .. إن دورنا الأساسى هو طرد الأرواح الشريرة . فلا مكان لها بيننا .. كل ما تستطيع عمله هو ألا ينغص أحد علينا سكينتنا ولا يمارس علينا سلطه .. فكلنا سواء .. ألا نستطيع نسيان قانون الحياة ؟ فليس لأحد هنا سيادة على الأخر ، هنا الميزان من نوع أخر ، هنا العدل .. وفى أى مكان يرتجى غير ذلك لقيام العدل فيه ؟ )
وختاماً : فقد نسجت الروايتان واقعاً مخترعاً قابلاً للحدوث ، اللغة مقننة فيه " زمن نجوى وهدان " ، وفضفاضة تميل للشاعرية والرومانسية فى " واسمه المستحيل " .
الشخصيات تفر من مواقعها ، معترضة على مواقعها ، حتى وإن بدى أمام الناس واقعاً مشرقاً ، إلا أن الرغبة فى الإنفصال قائمة ، والشخصيات ناصعة فكرياً إلا أنها باهته جسدياً ، وهذا هام فى السرد والوصف الذى يعتمد السيناريو السينمائى تقنيه فى السرد .

رمضان الحضرى