ثالثا : - القصة القصيرة

- 1 -

قراءة فى ثلاث مجموعات قصصية
لـ حسين على محمد ، زين متولى ، مرعى مدكور
بقلم عبدالله مهدى







(1)

واقعية الأمر الواقع فى مجموعة " الدار بوضع اليد "*
للقاص الدكتور / حسين على محمد
دراسة بقلم / عبد الله مهدى
نلحظ للوهلة الأولى أن " الدار بوضع اليد " للقاص / حسين على محمد ، لوحة فنية لفنان تشكل خطوطه سمات المدرسة الواقعية ...
فقد رسم القاص بريشته اللفظية قصصاً ، تماثل ما فعله الرسام الواقعى فى لوحاته حيث اجتهد فى تجنب أى اتجاه للاختيار أو الانتقاد فى تصويره للحياة ، معطيا لنا منظر الشخصية كما تراها العين ، إلا أنه من الناحية الفعلية ، ولأن الفن كله يتضمن نوعا من الاختيار والانتقاد ..
فقد شكل القاص بريشته اللفظية المظهر الدقيق للأشياء ؛ ويتجلى ذلك من خلال رصد أهم الملامح التى تكون فى مجملها الرؤية الفنية عند القاص فى مجموعته " الدار بوضع اليد " ... ومنها !
(1) الشخصيات التى تهادن الواقع ولا تجرأ على مواجهته ..
(2) استخدام القاص تقنيات لغوية عديدة أبرزها ( المونولوج الداخلى / توظيف شخصيات تراثية ) ..
أولا : الشخصيات التى تهادن الواقع ولا تجرأ على مواجهته: ـ
القاص فى أغلب قصص مجموعته يجعل من أبطاله شخصيات يحكم الواقع المؤلم حصاره لها ، فتظهر تلك الشخصيات الخضوع للأمر الواقع .... ومستسلمة له .
. ففى قصة " الدار بوضع اليد " يحاصر بطل القصة ( الأستاذ حسنى ) بواقعه الأليم ( شقيقاته واللاتى يردن السيطرة على البيت / مرض طفلته بالشلل الذى لا أمل فى علاجه / معاناته الوظيفية حيث يعمل بمدرسة بمدينة الزقازيق ويقطن مدينة ديرب نجم بالإضافة لعدم مقدرته على تحسين دخله بإعطاء دروس خصوصية .. ) .. هذا الواقع الأليم لم يستطع ( الأستاذ حسنى ) مواجهته بل استسلم للأمر الواقع وباع جذوره ( الذى بناه مع والده طوبة طوبة ) ...
.. وفى قصة ( ما أجملها ) نرى ( عدلى منصور ) يخلع من جذوره / قريته مهادناً الواقع الذى رسمته له زوجته ( آمال ) / العاطر ، كرهَا لأخته ( أم العز والتى تود أن ينجب أخيها وريث يحمل أسم العائلة ..
وعندما يعود إلى جذوره / قريته بعد موت زوجته ويسترجع ( وردة تلك الفتاة التى كان يود الزواج منها قبل آمال .. ويدفعه الأمل لمحاولة إحياء الماضى والبدء من جديد إلا أن الواقع يأبى التغيير ويصاب ( عدلى منصور ) بغثيان أينما يرى ألـ ( وردة ) وقد ذبلت ولم يعد هناك أدنى أمل فى توردها من جديد
... أحكم الواقع الأليم – فى قصة ( نوال تقرأ الحقول ) – طوقه حول ( نوال ) فزوجها لا يأتيها إلا يوم أو يومين كل شهر من صنعاء ، هذان اليومان لا يكفيان لرعاية خصوبتها ، فالحقول تحتاج رعاية يومية حتى تنتج / تنجب ..
ولعل قصة ( ظمأ ) تدور فى فلك هذا الواقع المر الذى أكره الزوج اليمنى الذهاب إلى السعودية للعمل فى إحدى مطاعمها ولا يأتى إلا كل عامين .. هذا الواقع المر يخنق زوجة اليمنى بالوحدة والجوع العاطفى والجنسى .. إلا أنها لا تقوى ولا تجرأ على مواجهة هذا الواقع المؤلم بل تهادنه وتستسلم لجبروته
ثانيا : استخدام القاص تقنيات لغوية عديدة أبرزها ( المونولوج الداخلى / توظيف شخصيات تراثية )
المونولوج الداخلى :
- يلجأ القاص لتقنية ( المونولوج الداخلى لتعرية أبطال قصصه ، والكشف فى خلجاتهم النفسية ، فنام ( المونولوج الداخلى ) بما يشبه المعالج النفسى الذى يدفع مريضه للإفصاح عما يدور بداخله ..
- ( أزمات / مطبات / جروح ) نفسية ، أوضحها القاص باستخدامه لتلك التقنية ..
على نحو .. قصتى ( نوال تقرأ الحقول / و ظمأ ) حيث الحرمان العاطفى والجنسى وضياع الدفئ الأسرى قد وضح ذلك فى القصتين من خلال تقنية (المونولوج الداخلى )،ففى قصة (ظمأ ) تفصح البطلة عن معاناتها من خلال هذا الحوار الداخلى .. فمأساة الزوجة المسافر زوجها فى الخارج ولا يرجع إلا كل عامين ، يفضح مونولوجها الداخلى وحدتها واشتياقها / جوعها العاطفى والجنسى / حاجتها لدفئ أسرى ..
( مرة أخرى .. أعوذ بالله من وسوسة الشيطان .. ماذا كنت أقول ؟! .. أشتاق للزوج الذى تركنى منذ عامين وذهب ليعمل فى مطعم بالرياض !
أيها الزوج البعيد .. لأنت رجل سيئ الطالع !، لم تنعم بدفئ العلاقة الزوجية كما ينبغى ؛ وأنا كذلك !
لم ننعم أنا وأنت بعش الزوجية السعيد ، ولم يشبع أحدنا من الآخر ..
جميل يشتاق إليك .. ويسأل دائماً .
أين أبى ؟
لماذا ابتعد عنا ؟..
كان يمكنك أن تعمل فى مطعم فى الأحد أو فى زمار ...
هل ستعود ؟
واثقة من عودتك .. فمتى ستجيء إذن ؟ ) ( صـ72،73 من المجموعة )
توظيف شخصيات تراثية :
قام القاص باستدعاء بعض الشخصيات التراثية لتوظيفها بما يخدم رؤيته فى قصصه المختلفة ،
( رابعة العدوية / وصلاح عبد الصبور / والحلاج ) هذه الشخصيات فى قصته ( أزمة مخرج ) ووظفت كما عرف عنها فى التراث ، فرابعة العدوية / المتصوفة ، وصلاح عبد الصبور / الشاعر ومسرحيته الشهير عن ( مأساة الحلاج )
. وفى قصة ( رباب ) وظف القاص شخصيته ( عبلة – رباب ) ، وشخصيته ( عنترة / عبد الستار ) إلا أن رباب ، وعبد الستار ) لم يقاوما الواقع المر ويحاولا تغيره كما فعل عنترة وعبلة ، بل استسلم للواقع الذى أحكم حصاره لهما فاستسلمت ( رباب ) لعجلات سيارة مجنونة وأحب ( عبد الستار) العيش فى غيبوبة كاملة ...
. وقد اتضح توظيف القاص العكسى لشخصية المتنبى / الشاعر التراثى الكبير فى قصته
( عندما زارنى المتنبى ) وقد اتفق المتنبى التراثى / مع المتنبى اسما فى الادعاء فالمتنبى التراثى أدعى النبوة ، والمتنبى اسما أدعى الشعر المتنبى اسما يدعى أنه شاعر كالمتنبى التراثى رغم عدم علمه بالعروض وانكسار كلماته الواضح ..
إلا أنه يصر على ادعائه بأنه شاعر ويسمع القاص رغم أنفه كلماته المكسورة رغم استنكار القاص لها واستنكار كل من يسمعها ..
( هل أسمعك إحدى قصائدى الأخيرة التى كتبتها عن غزو لبنان ؟
فاعتذرت لأن هذا موعد أخذ إبنى من ( دار الحضانة ) .
فقال :
ـ لا بأس .. أسمعك آخر ما جادت به مشاعرى ، وأنت فى طريقك للحضانة وبدأ يلقى " قصيدته "! بصوت عال ، ونحن نمشى ، والناس ينظرون إلينا .. مستنكرين ! ) ( صـ 79 من المجموعة )
ملاحظة أخيرة
( الشاعر / الكاتب المسرحى / القاص / الناقد ) كلها تلازم صاحب : أحلام البنت الحلوة / مجنون أحلام / الدار بوضع اليد ، فقد ألقى الدكتور حسين على محمد بحجره الإبداعي فى أشكال فنية كثيرة آخرها كانت القصة القصيرة ، والذى أثبت بمجموعاته الثلاث فيها أنه يضارع أفذاذ هذا الفن الجميل

• الدار بوضع اليد ــ مجموعة قصصية ــ د. حسين على محمد ــ صدرت عن هبة النيل العربية للنشر والتوزيع بالتعاون مع سلسلة أصوات معاصرة ( السنة السادسة ـ العدد الخامس ـ ينار 2007 م
(2 )
تجربة قصصية فى مجموعة " عيون تائهة "
( زين متولى )
القارئ للوحات زين متولى القصصية ، يستكشف مدى ارتباط القاص بواقعه الاجتماعي ، وأرى بأننا لا نكون قد جاوزنا الحقيقة لو أجزمنا بأن الكاتب قد أوضح من خلال إبداعاته القصصية ، إيمانه بضرورة كون الإبداع نتاجاً للظروف المحيطة بمبدعه ، فقد التقط القاص لوحاته من نغمات وإيقاعات قضاياه الاجتماعية إلا أن شخصيته الفردية كقاص ساهمت فى تشكيل هذه القضايا ..
ومن خلال غوصنا فى مجموعته ( عيون تائهة ) رصدنا أهم ملمحين من ملامح تجربته القصصية .
تحول الواقع إلى الغد
استخدامه لتقنية " المونتاج السينمائى " على أساس التقاطع
أولاً : تحول الواقع إلى الغد ..
لقد أخذ الواقع أشكالاً كثيرة فى تحوله ( مكاني – ثوري – مأساوي – قمى .... )
التحول المكاني ..
وقد انجلى هذا التحول من خلال قصة ( عيون تائهة ) ، فبعد أن كان المكان / القرية ترتدى ملابساً أنيقة ، تفوح منها روائح عطرة .. قبل سفر البطل / الراوى ( دارت الساقية .. اندفع الماء بغزارة ... ارتطم بالحوض المبنى أمام العلبة ... أحدثت أصواتاً كأنها شلال .
انكشحت الظلمة ، تسللت خيوط الشمس إلى البيوت المنخفضة فى القرية .
هبط أبو قردانٍٍ من على بعض الأشجار ..... التهم بعض الحشرات .. ضفدع صغير .. التقمه أبو قردان سريعاً .. انتشر بسرعة ليملأ المكان . زهور نباتات الخيار تنبعث منها رائحة زكية .. ثمار الخيار تمتد على جانبى الخط مبللة بالندى .. قطفت واحدة وأكلتها .. سكر سبحان من حلاها . ) " صـ 4،3 من المجموعة
بعد عودة الراوى / البطل من رحلة عمل بإحدى الدول ، اشمئز من التحول البغيض الذى حدث للمكان ، القرية ( الساقية اختفت .. اجتثت .. دخلت ضمن المساحة المزروعة .. ماء الترعة أصبح له شكل آخر غريب .. الأسماك تطفو على سطح الماء نافقة برائحة نتنة .. أبو قردان اختفى .. الثمار انتفخت ، وأصبحت ذات لون باهت وطعم لاذع ) " صـ 4 من المجموعة "
هذا التحول للغد يدق ناقوس الخطر ، عما أصاب القرية من تغير للأسوأ ..
التحول الثورى :
جاء هذا التحول من بطل القصة / الحصان ، فى قصة ( يوميات حصان )
فقد تحولت حياة البطل أى / الحصان إلى الألم والمعاناة بفعل الأيام التى أوقعته فى شباك ( أبى حلاوة ) العربجى بعد أن كان فرساً جامحاً يتأرجح فى كرتة العمدة وأكل أشهى الأعلاف ...
وملازمته لمهرته فى حظيرة العمدة وحديثيهما طول الليل عن يوم جميل قضاياه عبر النهر ..
بعد كل هذا النعيم توقعه الأيام فى شباك ( أبى حلاوة العربجى ( فتتبدل أحواله ( غدرت به الأيام ) وألقته فى زمام أبى حلاوة .. صاحب الكرباج اللاسع والصوت الغليظ .. أبو حلاوة لاتدوم معه عشرة لفرس أكثر من عدة شهور وكثيراً ما يتعامل معه بعنف وتنتهى حياته على يده ويكون مصيره فى جرف النهر أو لكلاب القرى والكفور ) " صـ5 من المجموعة "
لم يستسلم البطل / الفرس لهذا التحول بل سار عليه فأفلت رباطه من الجزع وانطلق بحثاً عن الحرية ( أفلت رباطه من الجزع بشدة .. صهل بصوت خرق سكون الليل .. كأنه يقول الرحمة يا خلق .. طار .. شعر بطعم الحرية لأول مرة .. ناداه لم يجبه .. وصل سور الحظيرة الواطى ... صهل .. خرجت له مهرته .) " صـ 7 من المجموعة "
(ج) التحول المأساوي ..
طفلة تلعب مع بنات جيلها طفولة بريئة ، ظهرت عليها أنوثة مبكرة ، لم تخرجها من كونها طفلة .. تلعب .. تقفز بالحبل عدة قفزات ، فتفك ضفائرها ..
فليلتقطها أحد المسلوبين بفعل المخدرات ، ويغتصبها فى انشغال من مجتمع ينفس عن نفسه بمباراة كرة ..
تتحول الطفلة إلى أم لطفلة ( مكثت طويلاً .. إنتفخت بطنها صدم الأهل ( ولو لو ) فكرو فى التخلص منها هاجمتهم ثورات غاضبة .. استعاذوا بالله .
جاءها المخاض .. واء ... واء
احتضنتها كأنها عروستها .. ونزلت الحارة لتلعب بها .. وبعد لحظات انعزلت فى ركن أخرجت نهديها ضمتها .. هوه .. نامى .. ياننة نامى .. بكت وأبكت من حولها . ) " صـ9 من المجموعة "
(د) التحول القيمى :
فى قصة ( ليلة الدخلة ) ينجلى فيها حالة التحول القيمى من الحرص على الشرف والطهر وإعلان ذلك للجميع كما حدث بعد أن تبين لأهل الكفر طهر وشرف بنت حيدر
(بعد لحظات أطلقت نعيمة الحفافة زغرودة هذت أرجاء الكفر وتمسك بيدها قطعة قماش منقوش عليها بقطرات الدم أشكال غريبة وأحجام مختلفة تلوح بيدها وهى تقول : ألف مبروك يا حيدر بنتك رفعت راسك وسط أهلك .. بعدها ظل حيدر يرقص وسط الشارع حتى وصل إلى داره .) "صـ10 من المجموعة "
على النقيض نرى أباً ديّوساً يذهب إلى الطبيب ليعالج عدم طهر ابنته وعدم تربيته لها واهتمامه بها
( صوت الرجل يعلو شيئاً فشيئا ويقول .. البنت فرحها أول الشهر ، وعايز كل شيئ يرجع طبيعى كما كان يادكتور إن شاء الله هايرجع زى الأول وأحسن كمان ..) "صـ 12 من المجموعة "
ثانيا: استخدامه لتقنية " المونتاج السينمائي " على أساس التقاطع .
المونتاج فى السينما : هو هذه التقنية التى تعيد ترتيب اللقطات وتركيبها بحيث تصبح لها دلالة ، وعملية المونتاج فى السينما لا تتم وفقاً للتسلسل الطبيعى للحدث وإنما وفقاً للأثر الذى يريد المخرج أن يحدثه فى المتفرج ..
أما القاص حينما يستثمر هذه التقنية ، فيقوم بترتيب مجموعة من اللقطات القصصية بحيث تعطى هذه اللقطات من خلال هذا الترتيب معناً خاصاً ، لم تكن لتعطيه قيماً لو رتبت بطريقة مختلفة ..
وقد وظف القاص / زين متولى هذا التكتيك على أساس التقاطع بمعنى تركيب لقطة معينة مع لفظة أخرى مقاطعه معها ويتضح ذلك فى قصة " طفلة أم لطفلة " حيث تقاطعت لقطات لعب الطفلة مع ضوضاء رواد المقهى ( لعبت .. تسابقت قفزت ضحكت بصوت مسموع ... تداخلت أصوات مرتفعة " الضمنة " مع أصوات رواد المقهى هيه .. جون .. المباراة لم تنته بعد ... ) "صـ 8 من المجموعة "
وقد تقاطع مشهد / لقطة الاغتصاب مع لقطة انشغال الكل مع مباراة كرة القدم ، مما أشعرنا كقراء للقصة بمدى وقاحة الواقع وتفاهة المجتمع ، الذى انشغل بتوافه الأمور عن أطفاله ..
( استعد لمهاجمة فريسته .. اعترض طريقها جذبها من ساعدها .. صرخت ، كتم أنفاسها ، طرحها على عبوات شكاير الأسمنت الفارغة ، انتزع ملابسها .
صرخت .. بكت ، لا يعنيه .. اختلط صوتها بأصوات رواد المقهى والشقق .. جون جون .. لهث ككلب صافرة الحكم تعلن عن انتهاء المباراة .. تركها ومضى .. لملمت بقاياها ) " صـ 9 من المجموعة


طزاجة القرية المصرية فى مجموعة " مربط الفرس "
القاص الدكتور مرعى مدكور
تخدعنا للوهلة الأولى مجموعة " مربط الفرس " للقاص الدكتور / مرعى مدكور
يتجنبها أى اتجاه للاختيار والانتقاد فى تصويرها للحياة فى سراديب القرية المصرية ، فقد منحتنا شخصيات وأحداثاً كما تراها العين ..
ولما كانت الفنون جميعها تتضمن نوعاً من الاختيار والانتقاد، فقد عرى القاص شخصيات وأحداث وهزات اجتماعية تنجلى جميعها من خلال لرصد أهم الملامح التى تشكل فى مجملها الرؤية الفنية عند القاص فى مجموعته " مربط الفرس " .. ومنها :ـ (1) الشخصيات التى تخدعنا بهامشيتها على نحو : الأبله فى " مربط الفرس " ، و"الأستاذ" ، والنص فى " تحقيق " ..
(2)السرد من خلال عين الكاميرا والذى يتضح أمامنا فى جميع قصص المجموعة وتوظيف القاص له ليفضح نفسية أبطاله .
استخدام القاص المعادل الموضوعى على نحو : قصة " الشلاقمة " القرة / الوطن / الأمة ..
ائتلاف لغة المجموعة مع الوعى الشعبى بمعتقداته وذلك فى كل قصص المجموعة
أولاً : الشخصيات التى تخدعنا بهامشيتها :ـ
. القاص مغرم بهذه الشخصيات التى تعيش بيننا ولا نعرها اهتماما لأننا نرى هامشيتها ولكن الحقيقة غير ذلك ففى قصة " بهلول " فى مجموعته القصصية السابقة " الليالى الطويلة " تطالعنا شخصية " بهلول " الأبله ، والذى استغله شباب النجعين الشرقى والغربى المستنيرون للسخرية من مرشحى الانتخابات شيخى النجعين ..
أما الأبله فى قصة " مربط الفرس " ( ريالته تسيل على جانبى فمه ) صـ17 ، ورغم أن الفتالة "أم فايز " والذى يعمل معها دائماً ما تضربه الا أنه لا يندد ولا يحتج ( طالبة منه أن يسكت ، وهو لا يصرخ ، ولا يستغيث ، ولا يرد الضربات المنهالة عليه ، ولا يحاول أن يخلص نفسه ) صـ16 ، فهو " على باب الله " ص25
رغم هذه البلاهة البينة الا أن غريزته الجنسية متأججة ( ويجد هو نفسه دون إرادة قد توقف عن لف اليد ، ويحلق فى النهر الذى يشق فتحة الصدر من أسفل وما أن تحس صاحبة الدور وهى منحنية ببصته ولهيب عينيه التى تندب فيها رصاصة ) صـ16لا تتوقف عن البحلقة رغم مافعلته ( أم فايز ) فيه ، إلا حينما تلملم صاحبة العجين نفسها ( وبحلقته المستمرة تسيران غيظها ، ويجعلانها تزيد من قرصها وخمشها وضربها ولا تهدأ إلا بعد أن تكون صاحبة العجين قد لمت نفسها ) صـ17
هذه الشخصية البلهاء الفتوة متنفساً لكل المحرومات والنسوة( تفشخن حنوكهن ويبلعن الريق وهن يتفرجن خشبه الجامد وتقاسيمه ؛ بعد أن غاب الرجال فى بلاد الغربة واقتصرت طلائهم على المواسم ) صـ 10
وتشكشك إحدى الجميلات والتى عانت وتعانى الجوع العاطفى والجفاف الجنسى ـ فكرة ارتوائها الجنسى من هذا البهيمى الأبله ( وتشكشكها الفكرة التى راودتها وأججت عاطفتها الغوّارة ، يلح عليها الجسد الجائع ، والمتشقق من قلة الرى ، فتمنى نفسها بما افتقدته منذ غاب رجلها ؛ مثل أغلب شباب القرية ؛ منذ سنين ليطل أياماً كل حول ..) ص 18
وتهيئه للمعاشرة وتجامعه .. تعلم " أم فايز" بذلك من خلال تصرفات الأبله ( فتلسن عليها بالكلام من جانب فمها : عاشرك ياقحبة !!! فيحمر وجهها خجلاً وتنظر إلى الأرض ) صـ22
وتكون نهاية " الأبله " فى " مربط الفرس " كنهاية الأبله " بهلول " فى " الليالى الطويلة " والكل ممن لهم مصلحة فى ذلك المرشحين والحكومة فى بهلول ، والأبله الآخر تكشف لنا أم فايز عن سبب قتله حينما ترفع ذيل جلبابه وهو معلق لتفضح عن عضوه مبتور من آخره ( وقفت أمامه فرفعت رأسها لأعلى ، ومدت يدها جهة الجسد المعلق رافعة لأعلى ذيل جلبابه المطرطش بالدم ؛ ليكتشف الجميع أن عضوه مبتور من آخره ..) صـ26
.. وفى قصة " الأستاذ " يخدعنا الأستاذ بهامشيته فهو وحيد لا يشارك فى شيء ( يقتلك صمتاً ، وهدوءاً ، ورقة ، ووحدة ، وانسحاباً من التوترات فائقة الحد ، والراغبات ، والأمنيات ، والصراعات بأشكالها وألوانها ) صـ26 ، إلا أنه كان يخرج من قمقمه فى حالتين : الأولى :ـ حينما يسمع الزعيم / جمال عبد الناصر قائلاً " أيها الأخوة المواطنون " – رغم أنه فرق عن أهله فى سيناء بفعل عدوان (67) حيث كان فى وقت الحرب بعيداً عنهم فى بعثة تعليمية – لأنه يرى النجاة لوطنه وأمته فى تنفيذ حلمه القومى الوحدوى التقدمى ..
والحالة الثانية التى يخرج فيها من قمقمه : عندما يجلس بجوار الأمل / محمد الذى رأى فيه مبدعاً قى تشكيل آلات النقل مما دفعه إلى أن يكتب خطاباً لشركة وطنية " شركة النصر لصناعة السيارات " للاستعانة بموهبته فى إعداد التصميمات ... وتنجلى للجميع مشاركته حينما يفتح " المقعدة " بعد موته حيث وجدوا ( عقود مشاركه متعددة ! زراعة ، خمس بقرات ، عدد كبير من الأرانب حينما يقصده أهل العشم ، وعندما يجيء أحدهما بالمكسب يتركه لهم ... ) صـ36 ،37
... وفى قصة " المكتشف " حيث طبيعة المجتمع القروى الذى يرفع من قيمة المشاركة يكتشف بطل القصة الهامش نفسه بمشاركته فى البداية جاره أحزانه حينما مات ابن ابنه المولود ابن ليلته الغائب والده عن البلاد حيث يقول جد الطفل الميت (أبوه لو عرف الخبر يموت فى الغربة )صـ59
وبعد أن اكتشف بطل القصة قيمة المشاركة بين الناس بعد جنازة المولود (من يومها ، لم يرتفع صوت ميكروفون جامع قريتنا معلناً حالة وفاة حتى ينفض يده الاثنين مما بهما ويعدل قبة جلبابه الواسع ، ويهم مسرعاً ..) صـ64
فبعد أن كان بطل القصة هامشياً ( " ونسى " لأمه تظلل عليها وتدارى فيها : تغسل وتنشر وتخبز لخلق الله ، ) صـ62
وحينما شارك أهل قريته أحزانهم أضحى بؤرة لعيونهم ( المرة الأولى التى تطلع إليه فيها العيون وتتركز عليه وتفسح له الطريق ، ويصبح بؤرة اهتمام أمة لا اله الا الله .. صحح للموت رهبة ) صـ62
... وفى قصة " تحقيق " حيث تطالعنا شخصية لو قدر لواحد منَّا مقابلتها لن يعيرها اهتماماً هذه الشخصية التى تخدعنا بها مشيتها ( النص ) مساعد المراكبى ( أوقف المراكبى معديته ، وربطها فى سلسلة على شاطئ بحر يوسف ؛ وجاء فى ظله مساعده " النص " النحيل ، كما عود قصب ، والذى لا يزد طوله عن عدة أشبار .. ) صـ68
هذه الشخصية تدوخ الدنيا كللها فى حكاية قاتل صراف الأوقاف وتلجأ الحكومة لحيلة تجمع بها أهل القرية لمعرفة من توجد به مواصفات القاتل ، فتعلن بأنها ستوزع بنفسها أقمشة وبطاطين وخيام وتتجمع أهل القرة جميعهم ( حتى من طلعوا لتقليب أرزاقهم ؛ وصلتهم مراسيل بشارة لما ستوزعه الحكومة .. ) صـ68
وتنجح الحكومة بأساليبها العلمية فى كشف قاتل الصراف / النص : ( وكيف أن صورة وجه " النص " ويده وزراعه التى طولها شبر كانت آخر ما التقطه العينان المفتوحتان على آخريهما .. وكيف تقدم الطب الشرعى فى بلادنا حتى كبر الصورة آلاف المرات ؛ صـ73
..... وفى قصة : " ومتى تجئ البشارة ؟!! حيث تقف الظروف الاقتصادية والعائلية والبيئية بين الراوى / بطل القصة / الهامشى / الذى لا يملك فعل شيء وبين محبوبته ، فبعد انبهار والده بجمالها ( وطرقت باب دارهم ، تجلت حبيبتى فى طلتها مثل قمر ، أسارير وجهها كللها متهللة ، ودخلت مسرعة والفرحة تنط من عينيها معلنة قدومنا .. وقتها همس أبى وهو يرمينى بنظرة مفرحة :
طالع لجدك " حريف نسوان ..!!" صـ81
لكن الوالد حينما يكشف حقيقة النسب يعتبره من البداية بوضع العقدة فى المنشار بقوله : ( وعليكم مثل ما علينا .. ) والى الآن ينتظر الراوى / المحبى البشارة من عند المحبوبة .. متى تجيء البشارة ؟!!
الواضح أنها لن تأتى ....
ثانياً : السرد من خلال عين الكاميرا السينمائية :ـ
.. بعين الكاميرا السينمائية يلتقط القاص صوراً لفظية فى كل قصص المجموعة على نحو : قصته ( مربط الفرس ) حيث تلتقط عين الفتالة " أم فايز " / عين الكاميرا صورة تقطر بؤساً ومعاناة ومواساة لهؤلاء الأطفال الذين يلهون حولها ( وتروح عيناها إلى المؤخرات العارية لهؤلاء الصغار ، تختلط فيها بقايا الخراء بالذباب المتجمع عليه فى كتل رمادية كأنها طرد نحل عسل على جريدة نخل ، فى سرعة تسد فتحتى أنفها ، وتمصمص شفتيها عندما تدقدق فى وجوههم وتجدهم شحلة واحدة .. ) صـ12،11
وهاهو القاص يصور بكاميراته اللفظية أداء الفتاة " أم فايز " / الفنانة التشكيلية ورشاقتها فى التقاط خيوط الشعرية / ريشتها ، ونثرها / تحريكها على الفرش / اللوحة لتخرج لنا أشكالاً فنية دون أن تدرى ودون إحساس بجمال ما أبدعت .. ( وهى ترجع بجسدها للخلف مع كل قطفة ونثرة ، لتستقر هذه الخيوط فى أشكال مجمعة على الفرش : عصافير / وجمال / وركائب / وعرائس / وأحصنة / وأشكال لا معنى لها ..) صـ14
ولعل أروع الصور التى نقلتها لنا كاميرا القاص اللفظية لحظة المعاشرة بين ذى العذوبة الذابلة ـ نتيجة عطشها الجنسى الرهيب لسفر زوجها للخارج – وبين الأبله صاحب البنيان الفتى ( وحدتها تخرقها فتبلع ريقها بصوت مسموع أيضاَ ، تنسحب للداخل وتغير ملابسها ، وتبقى على سنجة عشرة ، وبدافع قوة هائلة فى جسدها تسيطر عليه اتزم الباب وتعود إليه لتشده من يده ، تمسح فمه ويديه من السمن المعكوك عليها وتشب على مشطى قدميها وهى تقف أمامه ملتصقة بجسده كأنها تقيس طولها بطوله وعيناها تتمشى عليه فى شراهة ، تجد نفسها تتصرف كأنها الرجل وهو الزوجة تدارى خجلها وهى تتشبث بذراعيه ، وعندما تشعر بسخونة تخرق بدنها تسحب جلابيتها لأعلى وترفع ذيل جلابيته فى الوقت نفسه ، ويقشعر جسدها فتنظر عليه بهجوم من خمش وضرب على الصدر اللاهث ويقعان على الأرض ولا تدرى بنفسها غلا وهى تنفض مثل عصفور بين فكى أسد ، ...) صــ
... وفى قصة ( الأستاذ ) يرسم القاص بكاميراته اللفظية صورة لخرجة / جنازة الأستاذ / الولى فيقول : ( خرجته كانت خرجة ملوكية : طبل ، وزمر ، وزغاريد ، وخشبته تقف أمام كل بيت ، ويقابلها الناس بالدعاء ، والرحمة ، والعيون تسح بالدموع ، وبكائيات حزينة تنفعل من امرأة إلى أخرى ) صـ
.... فى قصة ( تحقيق ) يطرق القاص كاميراته اللفظية لتنقل لنا الحالة النفسية القلقة الغاضبة للضابط الذى يخاف على مستقبله الوظيفى إن لم يكتشف الجريمة ( والباشا ؛ صاحب الكتفين المرصعتين بالنجوم والطيور ؛ ينتقل من صف إلى صف ثالث .. ورابع .. وخامس .. ويعود ؛ وموجة غضب تقسوا وجهه وزفيره يحرق بلد بحالها ؛ إلى منتصف الدائرة ، كأن النجوم والطيور تكاد تسقط من فوق كتفيه .. ) صـ70
ثالثاً :ـ / القرية الوطن / الأمة العربية الإسلامية .
تجلت القرية / الوطن / الأمة العربية الإسلامية فى قصة ( الشلاقمة ) حيث انشغلت قرية الراوى / وطنه / أمته بالبحث عن الكنز / الوهم وتركوا مصادر سترهم وتميزهم وقوتهم ( والناس تفرغوا للحفر داخل بيوتهم ، ولا زرع ولا قلع ، والأيام تجرها أيام ..) صـ51
فقد انتشرت عدوى الكنز / الوهم كالكوليرا بين أهل قرية الراوى / وطنه ( عدوى " رقبة الناقة " أصبحت كوليرا انتقلت إلى كل بيت ) صـ51
استعمل ( الشلاقمة ) جيرانهم وانغماسهم فى الوهم / الكنز وبدأوا يستغلون ذلك لصالحهم وينوه الراوى عن ( الشلاقمة ) ويبين أنهم مثل " على الأحمر " الأشعل ( إنه " كوهين " يلعب بالبيضة والحجر – رغم أنه عدو الشمس – مثل أخواله الشلاقمة ) صـ45
فقرية الراوى معادل للوطن ، وشلقامة قرية ( الشلاقمة ) معادل للدول ذات الأطماع والذين يخططون دائماً لابتلاع خيرات الوطن ، كما ابتلع " الشلاقمة " قرية الراوى
( انتشر الشلاقمة فى قريتنا : باعة ، وحفارون ، ومغاربة . والناس يستخفون من هؤلاء " الغرابوة " الذين لا يستحون من بيع أيٍ شيء .... وقيراط فى ظهر قيراط ، وأصحاب البيوت – المشغولون برقاب النوق .... الحيازات الزراعية تنتقل إلى شلقامى وراء شلقامى .. حيازة فى ظهر حيازة – وكانت نهاية قرية الراوى منطقية لإصرار أهلها على التشبث بالوهم / الكنز .. انهارت بيوتهم من شدة الحفر داخلها وارتفعت الولولات والأصوات المفجوعة ..
( شق الجو صوت مفجوع ، وآهات ممرورة ، وولولة : بيت مرزوق الهلالى جاء عاليه أسفله ...
حيطان بيت الهلالى رجّت البيوت المجاورة فانهار بدورهما .. وبدأت سلسلة انهيارات وولولات مفجعة .. وغطت شبورة من التراب الكثيف سماء قريتنا )
على النقيض طوّر الشلاقمة / الأعداء نفسهم ففلحوا الأرض وحفروا الآبار حتى لا تكون زراعاتهم تحت رحمة ( المناوبة ) ( فى الوقت الذى كان الشلاقمة ينتشرون فى أرض الزمام وحيازتهم فى جيوبهم ويحفرون آباراً عميقة لرى الأرض .. ) صـ54
رابعاً ائتلاف لغة المجموعة مع الوعى الشعبى بمعتقداته :ـ
.سعى القاص فى هذه المجموعة إلى غربلة لغة الشعب وتقطيرها محاولاً تفصيحها وذلك من خلال تصويره المأخوذ عن وعى شعبى لا تصوير البلاغيين والمكتسب من كتبهم .. والأمثلة كثيرة تكتظ بها المجموعة .. ففى قصة ( مربط الفرس ) تقابلنا هذه العبارات ( داهية كبيرة ... لو شالها غيره قطع النفس وطب ساكتاً ... فما يكذب خبراً .... ولا نار جهنم الحمراء ..) ( يرفع الداهية السوداء )
ويطالعنا فى قصة ( الأستاذ) معتقد شعبي سائد حتى الآن .. فعندما مات ( الأستاذ ) ودخلوا ( مقعده ) يقلبون فى أوراقه وجدوا ( حزام من خيوط شبكة صيادين ، به قطع صغيرة من الرصاص مثل حبات الترمس ، لفته أمه حول وسطه منذ سنوات ؛ أيام اللمة ؛ يمنع السحر ولو كان مكتوباً على ظهر قرموط فى عرض المالح ..) صـ36
وفى قصة ( الشلاقمة ) نلحظ جنوح القاص ناحية معتقد فرعونى ارتبط بمقابرهم / كنوزهم وهو أن كل باب مقبرة / باب كنز لا يفتح إلا إذا فك رصده ( طلسمه )
يقال إنه موثق ببركات سيدنا الخضر والصلاح ) صـ48
( زاد الطلب على المغاربة ، وعلى الجبية " أبو جملين " على الأجرية ، وعلى البخور الجاوى وكافة متطلبات فك الرصد ..) صـ50
..