القصة القصيرة المعاصرة فى القرن الجديد
- 1 -
إبراهيم عطية فى رحلة التعبير عن الذات
فى العقود الأربعة الأخيرة ، والقصة القصرة فى صراع مستمر ، صراع بين الذات والموضوع ، بين التجديد الفنى ، والوقوف عند حدود الشكل المتعارف عليه ، هذا الصراع أثمر ثماره ، مواكباً التيارات الوافدة تارة ، ومعالجاً للقضايا والموضوعات تارة أخرى ، ومن خلال ذلك ، ظهرت أقلام متعددة ، وموضوعات مختلفة ، منها ماهو متعلق بالنسان وتحرره ، ومنها ماهو متعلق بالكاتب ذاته ، ومنها ما هو شامل للأمرين معاً الإنسان فى أحلامه ، والكاتب فى طموحاته الفنية والموضوعية ، وبرزت على أثر ذلك مذاهب واتجاهات متباينة ، كانت واضحة فى فن القصة القصيرة خاصة ، وظل الإبداع القصصى يدور فى هذا الفلك المتحاور والمتقلب دونما بحث أو تقديم . أو وقوف على عناصر بنائية تختص بها قصتنا المصرية ، فكان هؤلاء يمثلون تيار التجديد ، وهؤلاء يمثلون تيار المحافظين ، وهؤلاء يمثلون تيار الوسط ، لا يبرحون أماكنهم ، خشية الخروج بإبداعهم ، من محيط الفن تماماً إلى شيء آخر ، وكان من نتيجة ذلك أن تشابه الموضوع القصصى فى أغلبه ، وأصبح مكرراً ، فى المدينة والريف في الشارع وفى المصنع وفى العمل ، ومع كل ذلك فقد انفلت من بين هؤلاء وهؤلاء ، من استطاع أن يقدم أعمالاً تتمثل فيها الشخصية الإنسانية المحلية ،وتتضح فيها القضية والبيئة ، القريبة والبعيدة ، وبرزت مجموعات قصصية تحمل وجهات نظر متعددة تعبر عن الأجيال المتعاقبة ، وتحمل أمانيهم وأحلامهم ، ومشاكلهم بدقة وعناية ، وقفز الشكل الفني إلى آفاق أرحب وأوسع من خلال الاهتمام بمكونات الفرد فى حياته سواء أكان فردا هامشياً، أم فرداً ذا بال ، ويمثل هؤلاء الجيل الجديد فى القصة القصيرة في مطلع القرن الحالي ، من هنا يلاحظ أن صوت إبراهيم عطية يتشابه كثيراً مع الصنف الأخير فى كثير من الأمور ،
أولها:ـ
أنك تجد جملة كبرة من الدلالات الشعبة تسيطر على أعماله ، هذه الدلالات لم تقف عند حد النموذج- الشخصية – بل امتدت إلى المركبات الحقيقية للواقع الإنسانى المصرى – فى المدينة ، وفى القرية ، وفى الشارع – فى الأحلام والتطلعات ، فى التقلبات النفسية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والفكرية ، وكان من حتمية هذه التركيبة المجتمعية ، أنك تجد اللوحة المكانية والزمانية ، لها حدودها المعلومة والمرسومة ، والتى لها الأثر المباشر فى النسيج الفنى ، أضف إلى ذلك اللغة الوعائية ، ذات المستويات ، ذات المستويات المتعددة والمتقلبة فنياً إيجابياً وسلبياً فقد احتوت على المثل الشعبى والموال والأغنية ، والدلالة والوظيفة ، والذات الأسلوبية ، وكانت التعددية الوعائية إمعاناً فى النماذج الموضوعية والشخصية ، المستمدة من التجارب الحقيقية ، وذلك من خلال مراجعة أعمال الكاتب الثلاثة – طعم الوجع – 1998م . الهيئة العامة لقصور الثقافة – إبداعات نصف شهرية ، ومجموعة صيد المطر – الهيئة العامة للكتاب – إشراقات أدبية 2007 ، ومجموعة حوريات الضوء – سلسلة خيول أدبية – تصدرها محافظة الشرقية مع مديرية الثقافة 2006 ،
ثانياً:ـ
يلاحظ أنه على مستوى الموضوع ، انطلق مصور الإحساس بالرقة والأم والدهشة ، والغربة ، فكان قريباً جداً من أشخاصه ، وما ينتابهم من معاناة ، وتطورت هذه الرؤية إلى التعبير المتحرر من العنف ، أو الوقوف أمام معوقات الإنسان ، ومن ثم المراقبة والملاحظة ، الدقيقة لبواعث وأسباب هذه المعوقات ، المضلة أحياناً ، والتى لا دخل لأبطاله فيها ، فهم نتاج وأثر لسياسات اجتماعية متقلبة ، لا تتوقف عن الدورات ، وليست بمعزل عن تموجات الحياة العامة ، تطوراً وتخلفاً ، أو جموداً وأعتقد أن هذه الرؤية التعبيرية التشريحية التى تركن إلى البواعث والأسباب ، دون تدخل هى ميزة القصة الحقيقية ، وهى الفكرة الأساسية ، التى يجب أن يعتنقها الأديب المبدع ، حتى يكون القارئ شريكاً أصيلاً له ، عند التلقى ، وعند التباين أو الاتفاق ،
ثالثاً:ـ
القصة القصيرة عند إبراهيم عطية ، هى واقع الحياة الجديدة ، المتغيرة بتغير المعتقدات السائدة ، وهى الحركة الدرامية الشعبية البسيطة المتوجهة ، التى لا تفسير لأحداثها أحياناً ، نظراً لتغلغل معتقداتها فى الضمير الإنساني ، وهى أحياناً تشكيل جمالى أساسه اللغة المعبرة عن الأنماط الشعبية ، ويستند هذا التشكيل إلى البراءة والحسرة والدهشة والسذاجة ، هذا المفهوم العام فى مجمله إحالة مباشرة إلى واقع حياتى ، يكاد يكون معروف للجميع ، لكنه يحيلنا بطبيعته إلى جملة انكسارات عديدة، على المستوى السياسى والاجتماعى والاقتصادى ، ويوقفنا على حقيقة هامة ، وهى السلبية المفرطة التى تحاصر الجميع ، حتى أصبحت لا فكاك منها ، وتلك نظرة تشاؤمية لا تخلو من أثر الواقعية الغربية ، لكنه سرعان ما نفض قلمه ، وعاد إلى بيئته ومحليته المصرية ، الشرقاوية الخالصة ، فبدا هناك شيء من أمل يحلق فى سماء أبطاله ، خاصة عندما دمج العام فى الخاص ، وبدا الهم الاقتصادى أساساً لجميع الهموم - التى أصابت الجميع بالسلبية والانعزالية والألم والغربة .
التشكيل البنائى :ـ 1- الموضوع
عدت أفكار وتشكيلات أساسية قامت عليها القصة القصيرة عند ابراهيم عطية ، الأولى : الأفكار الموضوعية الذاتية المرهفة التى تعبر عن صاحبها فى كثير من جوانبها ، والهم الاجتماعي الناتج عن التخلف الاقتصادي ، الثانية : التشكيل الفنى الذى يقوم عليه فن القص ، وهو تشكيل خاص عند الكاتب ، فقد قام على الصورة العامة للشخصية . ثم الصورة الأدبية ، ثم المكان الواضح المحدد المعالم والاتجاهات ، ثم الألوان الضوئية ، التى تشكل أبعاد رمزية للفرد والمجتمع – وآخيراً اللغة الوعائية – التى توجت العمل الفنى .
أولاً : الفكرة الذاتية المرهفة . 1- طعم الوجع
وأعنى بها مفردات الموضوع القصصي عند الكاتب ، وهى مفردات ذاتية قائمة على أحلام اليقظة والسذاجة ، والمعاناة المصاحبة لأطوار حياته المختلفة ، والتى خرج من دائرتها الضيقة إلى الدائرة الأوسع ، فأدرك كثيراً من قيم العصر وروحه ، وقد تجلى ذلك فى قصص مجموعة طعم الوجع – الوجع – لمس الروح – تراتيل السفر وفى هذه القصص تتحور الفكرة عند حدود خاصة بفترة معينة ، لم يكتمل فيها النضج الفنى عند الكاتب ، فأصيبت القصص رغم شفافتها بالترهل مع قلة شخوصها ، والانتقال فى حدود مكانية نفسية إلى أخرى دون الاستفادة الفنية ، وذلك لأنه اعتمد على سيرته الذاتية فى الأغلب الأعم . اقرأ معى نموذج من الوصف الذاتى فى قصة الوجع " المسافة باقية بيننا بامتداد النظرات المستترة جبال الصمت " وصوت الحمام يبعث برسالة الشوق .. يطير من فوق قبة الجامعة إلى الأبراج هناك ، خلف دوار العمدة ، يسلم على الأحبة ، وأبى الواقف على الطريق يركب الظل الذى يدنو على مر النظر . ينتظر ، وكبش الفداء الثمين يشتاق لساعة النذر فى ليلة الله وربابة المداحين الفقراء تتغنى ببطولات الفارس الذى سيجيء صـ12
ونموذج آخر من نفس المجموعة من قصة لمس الأرواح – فى حوار مع زميلة له – على فكرة أنت بتؤمن بتلاقى الأرواح – هزتنى الكلمة وطارت الروح معه العصافير طيفها إلى العمارات العالية بحث عن عش يضمها ، اصطدمت بالفراغ وخلو اليد ، بعد سنوات الدراسة أفقت على حيويته – إيه يا درش سرحت ولا إيه ؟ - ياه يا أخى تصور الدنيا من غير امرأة – أعتقد أنها مكنتشى هيكون لها طعم صـ18
ونموذج ثالث من قصة تراتيل السفر بعنوان خروج من نفس المجموعة – يقول مجيب على من سأله الحاجة – يا رب يخليك لله ..
تصفحت وجهه ، كاتمًا غيظى وتركته . آه لو تعرف ، لقد سرقنى ابن الحرم ولم يبق على شيء . شفت بعينى هاتين اللتين سيأكلهما الدود ، فى يده مطواة . قرن غزال ، ورأيت حافظة نقودى ، أصابني الخرس ، الركاب جميعاً رأوه . ولم يفعلوا شيئاً ، خافوا وسكتوا ، اخترقت الزحام بسرعة ودلفت إلى مبنى محطة القطار .. مردداً تراتيل السفر وأغنية عبد الوهاب يا وبور قول لى – رايح على فين .. صـ30،31 والملاحظ أن نماذج هذه المجموعة ، غلبت عليها النزعة التقليدية المفرطة ، من حيث سرد المواقف الشخصية والقيم النفسية والروحية التى تمثل فترة الشباب – أو البداية –
2- مجموعة صيد المطر :
يتطور المفهوم العام للفكرة ، ويصبح الكاتب أحد الأركان العامة ، للتأثيرات السياسية والاقتصادية ، فيتفاعل مع الواقع وينصهر فى الهم النفسى للأشخاص ، وتتلخص فى النزعة المرهفة ، وتبرر ملامح المسئولية الفنية واضحة المعالم ، فتحدد الشكل البنائى والدلالى للقصة ، من خلال الفهم الحقيقى للوسائل الفنية والجمالية لهذا الفن وتبدوا ، النزعة الذاتية ذات أهداف لإنسانية عامة . متعلقة بالتاريخ العريق لعادات وتقاليد أهل الريف ، والمقارنة الدائمة بين ساكن المنازل الحديثة فى المدينة والقرية وما بينهما من تناقض ، عمد الكاتب إلى كشفه وتوضيحه – من ذلك قصص خمسة أمتار – طلل النحاس – سيرة ما جرى – صيد المطر – التكعيبة ماء وطين – التى ينحوا فيها الكاتب منحى فلسفى قائم على التصوف الوجودى الحياتى ، حسب مفهومه لقوله تعالى " وجعلنا من الماء كل شيء حى " وإليك هذا النموذج الوصفى من هذه القصة يقول إبراهيم عطية – لما أمطرت السماء أسرعت الخطوات المتلكئة وهرول الباعة الجائلون لجمع بضاعتهم المفروشة على الرصيف ، فزع السائرون ولاذ من لاذ بجانب أسوار العمارات القائمة من أثر طبقات الغبار المتراكم على وجهات لافتات الإعلانات وحواف النوافذ ، حتى تهدأ قطرات الرزاز .الا أن الزفات اشتدت مكونة بركة وحل على الأسفلت ، ذعر الناس متخفين فى ملابسهم المبللة . خاف الرجل الواقف أسفل البلكونة على ولده الذى يحمل فوق ظهره حقيبة مدرسية ، ضمه لصدره ودعى ناظراً للسماوات .... يا رب ارفع غضبك عنا واسترها يا كريم ووقعت عينا . على الفتاة السائرة على جانب الطريق تتمخطر فى فستان شبه عارية تلاحقها العيون الجاحظة .. صـ42،41
ونموذج آخر من قصة أنكرتنى بيوت القرية صـ49 وآخر من قصة الحياة مرة أخرى بدأت نقط المطر تعلم على الأسفلت صـ129
3- حوريات الضوء
يكتمل النضج الفنى عند الكاتب وتتضح المعالم التشكيلية للفكرة إيضاحاً إيقاعياً ، على مستوى البناء الدلالى والفنى ، وتصبح الفكرة الأساسية هى الهم الداخلى والخارجى محلياً وعالمياً ، وتتحول النظرة التصوفية الوجودية – إلى الفكرة الوجودية القريبة القائمة على الشخص ذاته – فى تطلعه ونموه – فتتحول الأحلام إلى حقيقة والحقيقة إلى فراغ ، والفراغ إن مكابدة للحياة – كل ذلك من خلال مشاكل الشباب والعجز عن تحقيق الرغبات ، وفقدان الثقة وغياب الأمان ، وقد استلهم الكاتب العديد من الأحداث السياسية الحالية والماضية فاستلهم من التاريخ القديم بطريق الرمز بعضاً من صور الظلم وكذب الحاكم – كذلك اقترب الكاتب فى بعض قصصه فى المنحى التعليمى الطفولى التربوى ، فقدم درساً وطنياً فى شكله القريب ، إنسانياً أخلاقياً فى مفهومه البعيد وذلك من خلال قصته " تحية العلم " وتتحدد شخصية الكاتب بوضوح فى هذه المجموعة . من ذلك قصة قفزة ثقة – التى عبر فيها عن نفسه وعن جيله وأمته – من خلال الصراع السياسى الغربى الشرقى يقول بعد أن قدم نفسه وحالته المتصارعة من جراء اجتياح أمريكا للعراق بعد فقدان فلسطين وراودتنى الأفكار متلاحقة .. ولا أدرى كيف أطوع نفسى صـ72 وتتركز هذه النزعة المأساوية المتشائمة فى قصته العوض على الله صـ77
1- الصورة العامة للشخصية
فى قصص إبراهيم عطية تستطيع أن تحدد ملامح عامة للشخصية الهامشية ، وتستطيع أن تدرك مواصفات شعبية للبيئة التى أفرزت هذه الشخصية ، وتستطيع أيضاً أن تقف على أسباب ونوعية التهميش ، لكنك لا تستطيع أن تفصل بين ذات الكاتب وملامح أشخاصه ، فكل منهم يمثل زاوية خاصة من زواياه – فى طموحه وإخفاقه وتطوره – وتحوله ، إذن هناك شخصية فنية وذات متعددة الوجوه والزوايا ، هذا التصرف جعل الكاتب حريصاً على موقفه من القضية العامة وإحلالها مباشرة داخل القضية الخاصة مما خرج بالشخصية الفنية إلى ما هو أبعد من ذلك فأحالها إلى صورة ضوئية ، خلفيتها تتشكل من الأحداث والسياسات الشائكة وكانت الأحداث الاقتصادية فى قمة هذه السياسات ، تمثل المجموعات الثلاث هذه الرؤية – إلا أنها تأخذ شكلاً أوضح فى " حوريات الضوء " بداية من الصحفى فى " دفء المشاعر " والملاكم المتصارع مع نفسه وذاته أولاً فى " حوريات الضوء " إلى شاعر الربابة والذات الراوية ورواد المقهى عند انتظار مكابدة الحياة العاطلة فى قصته " كل شيء على مايرام " و " أبو عايشة " و " أبو صفارة " – إلى نهاية هذه المجموعة .. ويمكن تحديد سمات موضوعية عامة لهذه الطائفة من الشخصيات ، أولها التحدى والصمود – عدم مغادرة الحالة الأصيلة التى جب أن يكون عليها الفرد الصحيح ، ثانيها : الصورة الكارثية التى تبدوا عليها – وأدى تعظيم الكارثة عند هؤلاء إلى الاستفادة الفنية داخل الحبكة القصصية ، وأدى الرمز وظيفته الايجابية دون عوائق مصطنعة من هنا فإن الاكتمال الفنى للصورة الشخصية تتحقق من خلال الخلفية الاجتماعية والموضوعية ، ومن خلال الهالات الضوئية التى استعان بها الكاتب ببراعة عند فض الاشتباك الفنى وعند نقاط الالتقاء بين القارئ والذات الكاتبة ، كل ذلك جعل الصورة الشخصية القصصية تتحول إلى صورة أدبية دقيقة مكونة من خيوط مادية تجسيدية ؛ وأخرى نفسية ملونة بالضوء الشمسى تارة ، والأحمر والأصفر المرموز له تارة أخرى .
2: الصورة الأدبية وتداخل الحدث
أشرت سابقا إلى أن الشخصية عند إبراهيم عطية ، صورة عامة تحولت بفعل العناصر البنائية المساعدة إلى صورة أدبية مادية ومعنوية ، هذه الصورة تشكلت منذ البداية من حوريات الضوء ، والتى فرضت ظللها فى كل مناحى العمل بالإيحاء والرمز وبالحضور المباشر معاً وقد ساعد على ذلك وجود الكلمات القريبة والمتداولة ، وشيوع الوصف ، والخيال المشترك ، هذا التصرف بطبيعته أوجد نوعاً من التجانس النفسى الخفى ، والذى بدا فى صورة صراع متشابك غير محدد ، فى ظل سيطرة الحدث الحقيقى ، الغير مبالغ فيه والذى تكفل بعبأ فنى كبير جذب نحوه العناصر البنائية الأخرى ، فانطلقت من كنفه لتعبر عن مشاكل اجتماعية إنسانية ، مما أدى إلى تشكيل تصويرى متداخل مع الدلالات الحديثة ذات الأبعاد المتعددة ، وقصة " حوريات الضوء " أقرب إلى ذلك التأويل يقول إبراهيم عطية " قاومت مرتكزاً على ذراعى ، طوحنى هتاف الجمهور ، ريشة فى الهواء ورفرف القلب مع حوريات الضوء الذى أغرق الصالة ، التففن حولى وهدهدانى ، أنعشنى يقظة العزيمة شاورن لى بابتسامة .... صـ19 ويقول فى موقع آخر قدر لى أن أنافسه على تاريخه وسنوات الشهرة والأضواء التى قضاها وحدها متمتعاً بحوريات الضوء .... صـ21
ويقول " ومن حولى حوريات الضوء يتهافتن على لا بد أن أثبت للجميع أننى قادر على التحدى ... صـ22
ويقول " ازدادت أضواء الصالة وأمطرت الكشافات سيلاً فى النور" صـ23 هذه الأحداث النفسية الرمزية أدت إلى تشكيل مفردات إنسانية خرجت بالمباراة الرياضية إلى صورة حقيقية نضالية ترمز إلى قهر النفس أولاً .
المكان :
يعد المكان من قيم العمل القصصي ولأساسية ، التى تشكل وجدان الكاتب ، والتي ينطلق منها البطل ويدور فى محورها – والمكان عند إبراهيم عطية حظى باهتمام بالغ ، فهو عنده مكان الطفولة والنشأة ، وهو عنده مكان العمل ، وهو عنده المدينة – والقرية – والشارع وترجع الأهمية المكانية عند الكاتب إلى شيئين أساسيين الأول : الدراسة النفسية لمركبات المكان الثاني : العناية القصوى بالعناصر المكانية الصغرى وقد تحدد ذلك كله أو معظمه فى شوارع مدينة الزقازيق – وأشهر ميادينها ، وتعتبر مدينة ابراهيم عطية . صورة شخصية مناهضة لذاته ولأبطاله يقول فى قصته دفء المشاعر " الفراغ الذى يحتوينى ، سرنا معاً نبكى بيوت العاشقين ، وعمارات الأسمنت العالية تناطح السحاب , المدينة هى المدينة ، تتساقط من أجفان نوافذها قطرات الوجع الساكن فينا , شوارع مخنوقة بالدخان ,وأسراب الضوضاء تخترق السمع , وساعة الميدان تحسرنا على الزمن الذى يمضى , يبعثر سنوات العمر فى معنى بلا حياة حوريات الضوء صـ9 ويقول سجين الفرغ للشارع ، عند عبورى للجانب الآخر من الطريق ، استوقفتنى فتاة ظهرت فجأة ، لم أعرها اهتماماً حاولت أن أولى بعيداً عنها ، ظنَّا منِّى أنها تسألنى بعض النقود ، كما هو معتاد من بعض الفتيات الائى يتسولن فى الميدان ، صـ13
ويقول فى قصة كل شئ على مايرام " مشينا نجر الخطى فى الشارع الخالى من الناس الا من الشبورة التى أخفت معالمه " وطفلان متكومان تحت نفق المحطة المظلم . ما إن خرجنا من الوحشة المفزعة ، حتى بدت شوارع الزقازيق باردة ، تقاسمنا الصمت ... صـ32
فى المقاطع السابقة حلَّت المدينة الذاتية عند الكاتب وبدت ملامحها المتآكلة ، وتلك حالة من حالات الكاتب لا يبرحها إلا فى القليل
4-الألوان الضوئية
من الوسائل التي لجأ إليها الكاتب في قصصه الضوء بألوانه الطبيعية والأصطناعية,واستطاع من خلال توظيفه للرمز المستمد من تلك الوسيلة أن يعمق فكرته ,ويخلع علي قارئه جمله من الأحاسيس المتفاوتة ,هذه الأحاسيس زادت من جماليات الصورة القصصية والشخصية والمكانية, وجعلت النواحي التعبيرية للحدث ومفرداته أرضا خصبه وبيئة متشابكة, تحوي وتعكس ما اغتلق فهمه وتأويله,مما يؤكد أن البيئة القصصية تستطيع أن تستوعب المحسوس والمعنوي وتحيله إلي رموز وأفكار قصصية,تساعد كثيرا في فهم مركبات الحدث والزمان والمكان . ولعل أقرب العناصر إلي هذه الخاصية – هو عنصر الزمان فالألوان الطبيعية تشير إلي الليل والنهار وما بينهما من أمور حياتية وأخلاقية وإنسانيه –والألوان الصناعية–تشير إلي حاله زمنيه ترمز ‘إلي التخفي ومن ثم الإنهيار الإنساني خاصة في زمن المدينة .أنظر في ذلك قصص حوريات الضوء – كل شيء علي ما يرام –الشارع-زهرة السماء- سيدة المدينة
5-اللغة الوعائية :(الوعاء اللغوي القصصي)
اللغة الوعائية ليست مصطلحا جديدا,أو حفاوة بالكاتب, أو ادعاء فارغا ,لكنها ظاهرة لغوية أسلوبيه شائعة في قصص إبراهيم عطية, تستدعي الإشارة إليها والتنبيه علي أهميتها ,وهي اللغة القصصية التي تستوعب أنماطا أسلوبيه متعددة ومتباينة تحيل الواقع اللغوي إلي خصوصية اجتماعيه واضحة ,وتفسر الظواهر اللسانية الشعبية, تفسيرا يتفق وطبيعة الشخصية, والموضوع والقضية ,مما يوحي بأن لكل مجتمع لسانه الخاص به , ولوازمه الكلامية التي هي صفة من صفاته الوراثية, وتلك هي الواقعية المحلية في قمتها اللغوية والأسلوبية ,والتي جعلت من القصة القصيرة وعاء صوتيا تتويجيا لمجتمع كاملا مع هذا العمق اللغوي التعددي , وقد وقع الكاتب في أخطاء أسلوبيه توظيفية نظرا لهذه التركيبة الصوتية المتداخلة
من هذه الظواهر
1-الأسلوب الذاتي 2-الأسلوب العامي ص59، 61، 65 ،72 ، 100
3-الموال ص31، 50 ، 67 ،66 4 –الأغنية ص35,36,32
5-المثل الشعبي ص 44,45,47 6- الحكم
فى مجموعة حوريات الضوء .



- 2 -
أحمد عبده وتشريح النفس
أولاً الموضوع القصصى !
أحمد محمد عبده كاتب قصصى دؤوب أرهق نفسه كثيراً , عندما اختار فى مجموعته كلاب الصين , منطقة دقيقة فى النفس البشرية قلّما يقترب منها كتاب القصة فى وقتنا الحالى , ولأنه دؤوب فقد أصر على عدم مغادرتها , رغم المخاطر الشديدة والمصاعب الفنية والموضوعية ، التى تعترضه أحياناً , فالتركيبة المعقدة للنفس الإنسانية عند تشريحها ، والصراعات المادية والأخلاقية عند بنى الإنسان . والتراكمات النفسية ، من جرّاء تلاقى هذه التركيبة وتلاطمها ، هى موضوع مجموعة " كلاب الصين " التى استوحاها الكاتب من شكل اللعبة الصينية التى يزين بها الناس سياراتهم ومقاعدهم الخاصة ، وهذه اللعبة تأخذ أشكالاً عديدة ، ونماذج مختلفة ، أشهرها النموذج الزنبركى أو الزئبقى ، وقسم الكاتب مجموعته إلى نسيجين كل نسيج مصدر بكلمة تبدوا فى معناها الغريب ، بعيدة الصلة عن فن القصة القصيرة والإبداع بشكل عام ، فالنسيج الأول الذى يضم ثمانى قصص هى ( كلاب الصين – امتداد – العقدة ، فى الهامش ، سابع المستحيل ، قطعة من الدنيا – الوجع – الاتجاه نحو النهار - ) مصدر بمصطلح كيميائى . والنسيج الثانى الذى يضم قصص الملعون – الخليفة – صراع – شبق – يوم الزيارة – وغيرها مصدر بكلمة فيزياء ، وهذان المصطلحان ( كيمياء – فيزياء ) عند تجريدهما من مدلولهما العلمى والمعملى يلاحظ الصلة المباشرة لهما بمجال الإبداع عامة والقصة خاصة فالكيمياء تعنى عند القدماء استخلاص الحكمة أو تحويل المعادن الرديئة إلى نفيسة أو العكس , وعند المحدثين هو علم يبحث فيه عن خواص العناصر المادية والقوانين التى تخضع لها فى الظروف المختلفة وذلك عند اتحادها أو انفصالها . والفيزياء ! هو العلم الذى يبحث فى طبيعة الأشياء أو العلم الذى يبحث فى تفسير الظواهر الطبيعية .
ويلاحظ أن التركيب والتحليل والتفسير قواسم مشتركة بين العلم والفن ، فالكاتب قام بعملية التركيب لهذه الأنساق داخل الإطار النفسى . وكان التحليل والتفسير منصباً أو مركزاً على الفعل ورد الفعل ، ومن ثم استقطاب النفس الإنسانية فى أدق أعماقها ، وهى عملية أقرب إلى التطهير الباطنى ، أو البحث عن الأسباب والدوافع الكامنة ، التى لا يستطيع تحليلها وتفسيرها الشخصى نفسه ، ولأن هذه التصرفات ضيقة ومحدودة ، أو هى بعيدة عن إدراكنا ، وقليلاً ما يلتفت إليها محلل أو مفسر ، فكانت ذات أثر مباشر على الكاتب ومجموعته ، فأول ما يكتشف القارئ من مكونات الكاتب أنه محدود ، بحدود عامة ، وحدود خاصة ، الحدود العامة هى البيئة ومدلولاتها ومواقفها وأنماطها المختلفة . إذن فنحن أمام بيئة مركبة تركيب خاص ، وحالة واحدة خاصة ، من حالات العنف الإنساني ، وعلى هذا يمكن تفسير العناصر البنائية للفن فى مجموعة كلاب الصين على هذا النحو أو من هذا المنطلق ، وهذا بطبيعته يحيل المجموعة بأكملها إلى الطابع الوجدانى العاطفى – القريب من التحليل النفسى ، الباحث عن السبب وعقدة الذنب . والعتاب المنطقى الذى تمور به دائماً منطقة اللاوعى . من هنا فإن القصة القصيرة عند أحمد عبده ليست قصة الحوادث ، أو قصة البناء العام ، الذى يعمد إلى الأركان التقليدية ، ويحيلها إلى واقع فنى ملائم . تسانده التجارب العامة ، التى تواجهنا كل يوم ، وإنما يمكن القول بأن القصة القصيرة ، هى الصورة أو المشهد النفسى المحدود بحدود النفس الغير مطمئنة ، فالحركة الدرامية داخلية من منظور إنسانى ، تعكس الملابسات الاجتماعية برمتها ، وتلك دائرة مغلقة تحاصر البطل والقارئ معاً ، وتجعلهما أسيرين لتلك التجارب ، التى جعلته غالباً ما يستعين بالحوار الداخلى والمحادثات النفسية الدقيقة ، ولا يلجأ إلى الحوار الخارجى المعروف إلا قليلاً جداً ولم تأت الصورة القصصية والمشهد النفسى كاملين ، فهناك دائماً جزئية خاصة يركن إليها الكاتب ، ويعكف عليها فى إصرار رغم معاناته ، والمدهش أن قصص المجموعة كلها متشابهة فى هذا الجانب ، مما يجعلها مترابطة ومتماسكة بينها وحدة فنية وموضوعية بعيدة الأثر مما يؤكد على أن العملية الإبداعية عند الكاتب ليست مصطنعة أو ملفقة ، بقدر ما هى حرفة وموهبة عانى صاحبه كثيراً ، فى تحويل هذه الصور والمشاهد إلى واقع قصصى ، له خصوصيته المحلية والبيئية المحددة المعالم والأبعاد .
ثانيا : العناصر البنائية .
1ـ الحدث :
الحدث بشكل عام فى المجموعة ، حدث انفعالى تأثرى ، يتشكل من خلال الصورة القصصية ، ومن خلال الوصف الذى ساد وسيطر على عناصر الغباء الأخرى ، مما جعل المجموعة عبارة عن لوحة تشكيلية ، من الصراع والعراك النفسى بينه وبين البشر ، أو هو الأثر النسانى العميق ، الناتج عن الهم والاضطراب ، الذى دائماً مايصاحب الشخصية . والحدث فى المجموعة شأنه شأن الصورة محدود غير مركب ، خالى من التعددية ، وليس مستقلاً ، تشعر به من بداية المشهد مشدود دائماً إلى الوراء ، رغم أنه حاضر وواقع تراه أمامك ، ولم يكن تصرف الكاتب حيال هذا العنصر نمطى أو تقليدى بل كان تصرفه واعيا متطوراً ، حينما بحث عن الأسباب واالدوافع المادية ، التى يخضع لها الإنسان وتجعله فى هذه المنطقة المرفوضة دائماً ، كذلك من دواعى التطور عند الكاتب ، عملية الاتحاد والانفصال التى لا تبدوا للقارئ سهولة – اتحاد العناصر الفنية وانفصالها عند المفاجئة أو الثبات ، على حالة معروفة منذ البداية . واقرأ معى هذا النموذج من قصة كلاب الصين يقول .. الميت يستغيث ويستنجد بذلك الحى يقرصه بلدغه ، يذبحه بسكاكين خلاياه التى تهتكت كى يتحرك ، بفعل شيئاً يخلعه يجره ، يجرجره ، بعيداً عن سحق الإطارات فهو وحده القادر على ذلك ، ألا يزال يتحرك .. يتلوى .. ؟ لكن سرعان ما ترتد إليه إشارات كهربائية مستنفرة مستفزة من الذى لا يزال حياً ، أن يحاول هو الآخر ، يعافى ، يساعد ، يتخلع يقلع المسامير ، يزيب الغراء ، لعله يتمكن من جره .. جرجرته الابتعاد به – لكن الميت لم يساعد ولن يتخلع دمه الذى فرش الأسفلت ، هو بكاء يندب حظه لماذا أنا الذى انسحقت صـ8
ويمتد هذا التعامل النفسى فى النسيج الأول على هذا النسق – مع تطور الأزمة ، حيث عبر فى قصة " فى الهامش " التى وقف الكاتب فى حواراتها الداخلية عن فقدان الثقة والإهمال والتدنى ، وإن كانت المقارنة الداخلية غير مقبولة كذلك فى قصة " سابع المستحيل " يعالج الكاتب الحرية والخروج من دائرة الحصار النفسى والحقيقى . وفى هذا النسيج كان الحدث متصل ببقية العناصر ، وعبر عن كيمياء النفس عند التصارع وعند الانفصال .
وفى النسيج الثانى لم يكن الحدث ببعيد عن هذه التركيبة ، وارتبط بالبحث عن تحليل وتفسير الظواهر النفسية عند بنى الإنسان ، ولم يكن الكاتب محدداً كما كان فى النسيج الأول ، وقد جاءت المرجعية الرمزية فى أغلبها دينة فلسفية من منظور نفسى لا يرقى إلى عمق التجارب الفلسفية الدنية باستثناء قصة " الملعون " وصور الكاتب فى قصة " الخليفة " معتمداً على الموروث الدينى الصحيح ، قصة الصراع الداخلى عند أم موسى عليه السلام فارضاً قضايا فلسفية متعددة منها التوكل والتواكل – والقضاء والقدر – وغيرها وهذه أمور لها صلة وثيقة بالنفس واستقرارها واطمئنانها – غير أن كاتبنا مازال أمامه المزيد من التجارب الحياتية والفنية ، ما يجعل له خصوصية تميزه ويختص بها فى هذا المجال . ومن القضايا والموضوعات المهمة التى تصدى لها – مشكلة الفقر والسجن , وضآلة المسئولية الشخصية . وتميزت هذه المعالجات بالرؤية الإنسانية الخالصة .

2- الشخصية الذهنية ( الزئبقية )
الشخصية كعنصر فن أصيل فى القصة ، له سماته وخصائصه المميزة ، التى تفرق بينه وبين عناصر البناء الفنى الأخرى ، والتى يعول الكاتب عليها كثيراً فى رواه وأفكاره ، وخيالاته وطموحاته ، من خلال أوصافها ومعانيها وأسماءها ، الشخصية بهذا التركيب ، ليست موجودة فى " كلاب الصين " فتأثير الصورة والمشهد والتحليل النفسى – والانفصال الذهنى ، والاتحاد يبين ذات كاتبه وإبداعه ، جعل الشخصية حالة خاصة ، أو حالة فريدة ، فلا أسماء لها ولا أوصاف مادية ، ولا علامات أو دلالات توضح رموز هذه الشخصية ، وقد يظن القارئ أن طغيان الراوى – يميز المتكلم ، أعنى عن وجود الشخصية ، والحقيقة أن الشخصية بقيمها وفنيتها الدرامية المعروفة . موجودة داخل العمل ومتحققة ، فهى الإنسان عامة ، الإنسان فى حالات العنف والعجز والقهر والفقر والطمع والندم . الإنسان فى القرية والمدينة عندما تسلب منه حريته – عندما يكون عاجزاً صامتاً جزئيا ، عندما لا يتذكره أحد ، عندما يكون غير مرغوب فيه ، شأنه شأن الدمية أو اللعبة " الزنبركية " التى يعجب بها المتفرج لحظة ، ثم يهملها ولا يهتم بوجودها وتلك نظرة تشاؤمية من الكاتب تجعله قريب الشبه أو مقلداً الواقعية الغربية – التى لا ترى فى الواقع إلا الشاذ والغريب ولعل التصرف الفنى ، الذى لجأ إليه الكاتب ، خرج به من هذه الدائرة ، فالشخصية مرتبطة بالصورة ، والصورة بطبيعتها تخضع للتحليل النفسى ، والتحليل يخضع ويتعلق باتحاد الكاتب أو انفصاله لحظة الإبداع ، لقضيته التى يعالجها ، وهذه كللها عجلة مركبة تركيباً دقيقاً ، لا تخضع للتفكيك أو التشخيص ، فكما أن الصورة لا تخضع للرؤية الجانبية أو الفردية . أو الذاتية . كذلك شخصيات أحمد عبده فى مجموعة كلاب الصين ، يجب أن تراها رؤية كلية متكاملة الأبعاد من خلال التراكيب المكونة للصورة العامة – وبطل قصته فى الهامش وسابع المستحيل – وهى من قصة النسيج الأول الكيميائى يؤكدان ما ذهبت إليه – واعتبر أنهم أفضل قصص هذا النسيج – والقصة الأولى تصور إنساناً بسيطاً جاءه استدعاء من التجنيد ، وليست لديه القدرة على تخطى عقبات قسم الشرطة يقول الكاتب على لسان البطل " عندما تعبت أقدامى من اللف والدوران حول الصور ، جلست على الرصيف المقابل . أنتظر طلعت الصول شاهين " صـ24 هذا الهم والعجز يطرح العديد من التساؤلات – ولم يختلف هذا العجز عن القهر الملازم لشخصية السجين – الذى عكف على الكاتب تصويره فى الداخل فى صراعه وحريته المفقودة ولعل العملة التطهيرية ، فى هذه الشخصية ، خرجت بالكاتب ، من حدود الواقعية الضيقة إلى رحاب الفن الهادف .
فيقول " ياعالم لقد تغيرت ليست صحيفتى الآن هى التى تعلقونها على جدران أنفسكم ، وتلصقونها فى وجهى على كل الأبواب ، كلما مشيت .. السجين آهو ، وإذا جلست السجين آهو ؟ صـ28
ولم تختلف شخصيات النسيج الثانى الفيزيائية فنياً وان اختلفت موضوعياً ، حيث عكف الكاتب على تحليل العادات والتقاليد أحياناً ، وعلى تفسير الظواهر المتوارثة ، فى الإنسان بشكل عام . واعتمد على الصورة وتشخيصها ، واستخراج الشخصية من داخل المشهد التصويرى ، كذلك لم يخل هذا النسيج من عمليات الاغتسال النفسى لدى بعض الأشخاص كما فى شخصية يوم الزيارة .
3- المكان:
للمكان أهمية قصوى داخل العمل الفنى القصصي ، تنبع هذه الأهمية من العلاقة الوجدانية بين الشخصية والقضية والبيئة الاجتماعية، التى خرجت منها ، أو عاشت فيها ، او غادرت اليها ، وفي مجموعه كلاب الصين ، عدة أمكنة ومجتمعات استعارته وحقيقية ، داخليه وخارجية ، فهناك بيئة القرية والسجن ، والمدينة بشوارعها المخيفة ، وهناك كذلك الفضاء الخارجي الكبير ، الذي يضم الانسان عامه ، في معاناته وصراعاته ، وعند النظر لهذه الأماكن ، منفصلة ومستقلة بعضها عن بعض ، يلاحظ أن الكاتب قد عايش بيئاتها ، وراقب مكوناتها ، فجاء وصفه دقيقا لها ، رغم نه لم يعمد إلي تحديد أوصاف هذه الأماكن ، فإيثاره كان للصورة الإنسانية وتصرفاتها ، وانعكاس هذه التصرفات داخل المكان علي الشخصية ، ولعل الأمكنة الإستعارية ، التى جاءت في النسيج الثانى خير دليل علي ذلك – ويأتى في مقدمتها المكان فى قصة قبل أن تكون المدنة فاضلة وقصة " العاهات " التى تجسد مكاناً ليس خاصاً ولا عاماً ولا استعارياً ، بقدر ما هو معالجة إنسانية لطائفة تنتمى شكلاً إلى بنى البشر كما تدعى القصة فالمكان فيها هو عربة القطار ، والحلم بالجلوس هو غاية المنى ، كل ذلك يؤكد على جدلية هامة فى هذه المجموعة أن المكان والحدث و الشخصية ، ليست إلا دلالات مشهدية أو مواقف قصصية ، اندمجت مع بعضها عن طريق الصورة ، لتعبر عن حالة مرفوضة أحيانا ، أو خارجة عن نطاق الرفض إلى ما هو أبعد من ذلك .
4: الزمن
قضية الزمن فى مجموعة كلاب الصين قضية إنكار ورفض لجميع المواقف التى وردت ، فالحدث نفسى تشاؤمى ، والقهر ملازم للشخصية والمكان فى أغلبه يمثل عائقاً كبيراً ، تلك حالة من الاشتباكات الفنية المتداخلة ، بين الإنسان وحياته ووجوده وتهميشه واحتكاره وعلى مستوى النص الداخلى هناك تصرفات زمنية محدودة جداً ، فهناك زمن الوقت واللحظة ، وهناك زمن الساعة والساعتين كما فى القصص التى تصور السجين الحقيقى والرمزى
والزنزانة والزيارة ، كذلك هناك زمن معلن عنه ، كما فى قصة " قهر " التى يدمج فيها الكاتب عدة أزمنة بطريق الرمز . وهى تمثل زمن ما بعد الغزو الأمريكى للعراق وغيرها ، أضف إلى ذلك الأزمنة التقليدية الأخرى المتعلقة بالبيئة الاجتماعية ، والمرتبطة بحياة الأشخاص ، فى نموهم وتقلبهم المادى والنفسى ، هذه الأزمنة وغيرها التقليدى منها والاستعارى الرمزى والمتطور ، لم تنفصل عن الحقيقة التى تسيطر على قصص المجموعة ولم تنفصل عن العملية البنائية التركيبية لعناصر الفن ، فجاءت هذه القيم ، تابعة لموقف الكاتب الذاتى الانفعالي ، المتأزم أحياناً ، نظر السيطرة النزعة الوجدانية المغرقة ، وفى النهاية فإن قضية الزمن وقيمه المكثفة ، ليست ببعيدة عن القيم التصويرية داخل العمل ، وليست منوطة بتقديم أفكار وعلاقات فكرية أو سياسية ، بقدر ما هى وسيلة وغاية عمقت البعد التأثيري فى المشهد القصصى الذاتى عند الكاتب .
5ـ اللغة الانفعالية النفسية
اللغة القصصية فى مجموعة " كلاب الصين " لغة انفعالية نفسية ، نظرا لسيطرة الشعور الانفعالي . والتصوير النفسى ، وانفراد الصوت والرؤية ، مما جعلها فى كثير من جوانبها التحليلية – لغة خطابية تسيطر عليها ثقافة الفكرة . والقضية التربوية الاصلاحية ، وليس هناك أدل على ذلك من غلبة الراوى من خلال ضمير المتكلم ـ وتكرار المعنى واللفظ والجملة ـ كل ذلك جعل الهموم الشخصية الذاتية عند الكاتب نفسه ، شريك متداخل فى سلوك وتصرفات الأبطال . المغلوبين على أمرهم فى معظم الأحيان ، من هنا فإن اللغة انقسمت إلى قسمين
الأول : الوصف والتصوير بضمير المتكلم
الثانى الحوارات الداخلية
والاعتماد على هذين البعدين فقط يضعف كثيراً من الوظيفة اللغوية . فهناك غياب شبه تام للحوار الخارجى ، ولولا أن الحوارات الداخلية المركبة ، قامت بالتفسير والتحليل ، للظواهر النفسية والشعورية لأركان الصورة بعناية ودقة ، لخرجت هذه المجموعة من باب الفن القصصى – إلى نوع آخر من الأدب الإنشائي الوصفى .. ويحسب للكاتب . أن هذه الحوارات الداخلية المركبة . قامت بأدوار تركيبية داخلية ، كانت إحدى دعائم الصورة الأساسية فهى بمثابة المحرك العام والمباشر للفكرة الأساسية ،
وأياً كان الأمر فإن إبراهيم عطية وأحمد عبده كاتبان لهما حضور فنى حقيقى وانفعالي ، مستمد من البيئة الاجتماعية والحقيقية ، شأنهما ، شأن كتاب الجيل الحالى – أمثال مجدى محمود جعفر ، وفكرى داوود ، هيام صالح ، والعربى عبد الوهاب ، محمد عبد الله الهادى ، وعماد أبوزيد ، وائل وجدى ، موسى نجيب موسى ، أميمة عز الدين ، هؤلاء وغيرهم من الجيل الجديد، يمثلون الحقيقة الموضوعية والفنية ، المواكبة للشخصية ، فى حالاتها المختلفة ، وتلك نظرة هادفة ، وتوظيف إنساني لمفهوم الأدب والقصة خاصة ، ونهضة فنية لا تقوم على تحطيم التقاليد والأشكال الفنية السائدة ، بقدر ما هى حريصة – على التوظيف الجديد للعناصر والمركبات البنائية فى الفن القصصى واعتقد أن هذه الرؤية الهادفة – والطفرة الفنية السلمية ، جديرة بالبحث والتحليل ،ووضعها فى إطارها النقدى الصحيح ،