أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: زوبعة فنجان

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    العمر : 42
    المشاركات : 172
    المواضيع : 44
    الردود : 172
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي زوبعة فنجان

    تراني قد بدأت يومها باقتراف حماقاتي، الواحدة تلو الأخرى، وأنا أمسك القلم بشراهة لأكتب كل التفاصيل؟ لم أكن أخدم الحقيقة إلا بتفاهات من الكذب، والواقع حقا، أصبح مشهدا تمثيليا.. يتكرر فيمضي.. فما جدوى الكتابة إذن؟

    أخذت ذاك القرار الصلب، فكوني لم أسمعه لأحد، لا يعني أن يكون سرا مخفيا.. استطعت أن أترك رسميات الورقة واليراع.. الواقع لم يتغير، سواء كتبت أو لم أكتب.. ماذا جد اليوم فاستثنيتها من طقوسي اليومية؟

    طلبت من النادل فنجانا آخر، فأعلنت التمرد والثورة على أوراقي استعدادا ليومها الأخير.. أخذتني الحيرة التي وضعت قدما على بكرسي أمامي تعد القاصي والداني.. القيام بثورة أجدى والكتابة عنها أهون. هنا عثرت على الصفر الذي أبحث عنه.. أن أكتب عن شيء أعتزل بعده الكتابة.. ما الثورة؟؟

    أن نكتب ما يعيش فينا، لا أن نكتب ما نعيشه.. أخذت نفسي فبدأت أكتب.. ليست الثورة أبنية زجاجية ترى فيها ملامح البؤس والشفقة.. ليست جدرانا ونقوشا من أصفهان.. ليست تعداد أهرامات.. ليست اغتصاب أرض شخص نحيل وإهداءها لجبار مليء بالهواء.. ليست استنجادا بالآخرين من أجل رغيف.. ليست محفلا تدعى إليه غانية تغني وترقص عارية في شوارع المدينة.. ليست وليست... الثورة أوروبا.. وعلم.. ويابان.. ماذا جد اليوم فاستثنيتها من طقوسي اليومية؟ كانت الثورة التي قتلتني كما قتلت من قبل أبناءها..

    كنت أنتظر حينها ذاك الشخص الذي كتبني لأول مرة. ما زلت أتذكر أنني كتبت أول أقصوصة فوضوية، فمدحني وأثنى بمكر علي، فكانت فرحتي كفرحة طفل دعته أمه لمدينة الألعاب.. ما زلت ذاك أنتظر لأطلق أمامه الجنون كما تزوجته منه ببركة من قساوسته..

    كيف لهذا أن يحدث في جلسة واحدة.. وما الذي أوصلني إلى هذا العبث؟ كنت أكتب حالي، لا بل أندبها، كنت ألمع صورة الأيام، لا بل أجمع رفاتها.. لهذا كنت أموت كل يوم.. لهذا فقط كنت أكتب.. فماذا جد اليوم إذن فاستثنيتها من طقوسي اليومية؟

    ما زال طابور الانتظار طويلا، أتسلى باغتيال أعقاب السجائر، وارتقاء سلم اليأس مع ورقة عانس تنتظر زوجا.. لا حدود للنهار في يوم صيفي، والشعراء كما أذكر فراشات تموت في الصيف.

    أفقت من غفوتي على كف تربت على كتفي.. كان عبد الله الذي من أجله انتظرت الطلاق الأخير..

    - بلا مقدمات.. أريد أن أشفى من لعنة القلم والورق..
    - لا تستطيع..
    - لا تضع أمامي حواجز مستحيلة، كفاك سخرية.. أريد أن يتوقف الزمن الآن.. كنت السبب في غصة الحلق.. أرفض فعل الكتابة.. هذا كل شيء.
    - لا تستطيع الفكاك من إنسان يكتب بدواخلك، كما لا تستطيع الهروب من رفيقي اليمين والشمال.. إنها زوبعة فنجان فقط، لا تلبث أن تهدأ بعد حين..

    لحظتها بدا لي أن معين دمعي وشيك، ربما لإيثار الصمت الرهيب أمامه، أو لانهزامي على الطاولة بشكل رائع.. المهم أنني تجاهلت أرواح المقهى ململما أوراقي، معلنا كتابة ثورة أخرى.. وفق طقوس أخرى..

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    الفاضل / ابراهيم

    كثير منا يمر بهذه الزوبعة الجنونية إن صح التعبير ... يحاول التحرر من ذاته بثورة تخلقها الذات نفسها وفق حالة شعورية معينة تجتاحنا ... اللاجدوى ... القيمة الملموسة لأداء الفعل الإبداعي ...
    و لكن سرعان ما نعود إلى ذواتنا التي لا نستطيع أن نتجرد منها أو ننسلخ من سيطرتها لأنها و بكل بساطة ملكة فطرية لا نعي حتى كيف و متى تسللت إلينا ... إننا نقوم فعلا بزوبعة في فنجان ... لأن ماهية الثورة تتطلب انقلابا على الذات و نحن لا نملك حق المعارضة الذاتية .
    و لأن الكتابة نفسها هنا ليست من الطقوس بل هي متجذرة في الذات .
    و إذا افترضنا القيام بثورة فهي نفسها السلاح الذي يجب استخدامه في هذه الثورة .
    راقني النص كثيرا سيدي .
    تقديري و اعجابي

    اكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشــــام
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    المبدع ابراهيم...

    اهلا بك في الواحة...

    زوربعة فنجان / أثارني العنوان لأنه يشي بالذي سيأتي،والذي كان.. هو تركيب لحركة التجول والرؤية ،اذ سنعاين قصا ينحبس في جغرافية السرد ليتوقف عند حدود الذات ناقمة ، تعيش في داخلها حالة انعكاس ذاتي للواقع ،فكان السرد اسير الحالة هذه ، بين مد وجزر ، والختمة جاءت تؤكد الصراع الداخلي للذات ، وتؤثث لماهية الرفض والرضوخ للواقع في آن واحد ،ولكأن النص هو ضحية هذاالعنوان، حيث ظل زوبعة تدور في افق سردي محدد.

    محبتي
    جوتيار

  4. #4

  5. #5
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    سرد قصي ماتع أجاد فيه الكاتب التعبير عن الحالة الشعورية التي رصدها النص
    وخاتمة متقنة الاقتناص أكدت ما يعتمل في الذات من صراع بين استسلام يرتد بصدّ رفض يندحر فيعود

    قص موفق وزوبعة عرفناها وعشناها

    دمت بألق

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  6. #6
    الصورة الرمزية لانا عبد الستار أديبة
    تاريخ التسجيل : Nov 2012
    العمر : 53
    المشاركات : 2,496
    المواضيع : 10
    الردود : 2496
    المعدل اليومي : 0.60

    افتراضي

    الصراع الداخلي في أعماق الذات الرافضة
    وانعكاساته على الفعل وحتى فعل الكتابة

    قصة جميلة ومعبرة
    أشكرك

  7. #7

المواضيع المتشابهه

  1. زوبعة
    بواسطة عبدالستارالنعيمي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 01-04-2016, 08:42 PM
  2. زوبعة
    بواسطة ابراهيم الرفاعي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 31-10-2015, 06:56 PM
  3. زوبعة روح
    بواسطة معاذ طه في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 03-11-2013, 11:54 AM
  4. مقال أثار زوبعة..الويل لإيران من شر اقترب
    بواسطة زهراء المقدسية في المنتدى الأَدَبُ السَّاخِرُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 23-08-2010, 11:55 PM