أحدث المشاركات

مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» @ تَعَاويــذ فراشَــةٍ عَاشِقـَـة @» بقلم دوريس سمعان » آخر مشاركة: دوريس سمعان »»»»»

النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: ((* جولة في العالم الرقمي *))

  1. #1
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Oct 2007
    المشاركات : 804
    المواضيع : 22
    الردود : 804
    المعدل اليومي : 0.13

    افتراضي ((* جولة في العالم الرقمي *))

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    جولة في العالم الرقمي
    بقلم د.محمد المختار زادني
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    دخل الإنسان عالما مدهشا غريبا على العقل البشري منذ أواسط القرن الماضي؛ عالما تسوده حُمى التسارع التقني، تَوّجته ثورة الاتصال خلال العقد الأخير من القرن العشرين. مما جلب تحديات جديدة بدتْ تواجه الفكر الإنساني الذي اعتاد على سير الفنون و الثقافات على منعرجات الحياة البطيئة في تشكل ألوانها، وافصاحها عن أسرار تفاعلاتها التي كانت تطمر غالبا في غياهب تاريخ ظل يفتقر إلى الموضوعية لمئات القرون !
    وجد المجال الإبداعي في التقنيات الحديثة فرصة للتوسع والانفتاح على مشارب عديدة مختلفة، فأُخذ بنوع من النشوة أفقدته التوازن تحت تأثير موجة " الوسائط المتعددة" بما حملت من صور وأصوات وبما أتاحت من وسائل مهّّدت الطريق أمام انتشار سريع للإنتاج الإبداعي بكل أصنافه. وبدأنا نشهد تسارعا يلبس تداول المعلومات بين بني البشر، ويمد تأثيره في حياة الناس إلى مدى لايزال مجهول النتائج ... فقد أصبح الناس يبنون مجتمعا افتراضيا لايتطلب الانتماء إليه أكثر من تعلّم الضغط على زرّ تشغيل جهاز الحاسوب، وتحريك "الفأرة" على بساطها الناعم، بل تعدى اليسر إلى أبسط من ذلك ! وأشخاص هذا العالم أحرار في التعبير عن ذواتهم وآلامهم وآمالهم. يرتبطون بعلاقات قد ترقى إلى المستويات المبشرة بغد سعيد البشرية، وقد تتدنى إلى هوة لا قرار لها في مستنقع أبشع من أن يتصوره ذو عقل. بينما هناك في مكان ما من العالم الواقعي أصابع تكتسب كل يوم مهارة أدق في استغلال هذه الحركات التي يقوم بها سكان العالم الافتراضي حين تجوالهم في دروبه، يتصفحون وينقرون على "إيقونات" وصور متحركة تلعب على أوتار حسهم. وضمن هؤلاء، وجد المبدع متنفسا فسيحا للاتصال المباشر بالمتلقي – اللا منظور- الافتراضي فكتب ونشر وحاور وناقش القضايا التي فجّرت همومه وأنطقت أصابعه ووهبت خياله أجنحة أخف وأكبر، وهذبت فيه نزعة الجموح وعلمته كيف يسمع للنقاد وكيف يغترف من معارف غيره وصقلت موهبته لتجعل منه صورة الرسام والقاص والشاعر والموسيقي والمفكر الافتراضي. واقف هنا متسائلا :إن كان لكل فن رسالة، فماهي رسالة الفن الافتراضي الجديد ؟ هل تتمثل فقط في تحرير النص من مقص الرقابة ؟ أم تتجاوز كل الحدود لتشكّل فضاء ثقافيا يتيح لكل الناس متعة القراءة والاطلاع على الآخر وفهم العالم وفق منظور جديد؟ أم أنها فوضى تعم كل المجالات الإبداعية لتذهب برونق المتعة الفنية وتؤصل الإدمان على استهلاك الذات وتذويبها في زمن مدفوع الثمن؟
    إنّ جلّ الانتاج الإبداعي في عالم الرقميات يقتصر على النصوص المقروءة والرسوم بحيث لا نجد إلا نادرا مقطوعة موسيقية، ولا نرى من النحت إلا صوراً لما يبدعه الفنانون الافتراضيون. لذا فسنوجه الاهتمام إلى النص المقروء. فالنص الرقمي يشكل رابطة افتراضية بين المبدع والقارئ بينما يكوّنُ كلاهما صورة ذهنية للآخر تتفاوت في الوضح تبعا للمداومة على التواجد على الشبكة، وتبعا لحركية الظهور بالموقع الذي ينشر عليه النص. فنرى أن هذه العلاقة قد تنشأ بين مجموعة من الأشخاص وتأخذ في الرسوخ حتى تكون جيدة، تتمحور حول مركز الاهتمام المشترك بين أفراد المجموعة؛ ويتزايد نشاط ما نسميه بالتفاعل إلى حدّ يثمر ما قد يستفيد منه كل رواد المنتدى أو الموقع، وقد تنشأ صورة من التكافل وتظافر الجهود للوصل إلى تحقيق هدف ما – وهذا أجود ما ينتظر من رواد المنتديات الثقافية – إلا أن هذه الطفرة ما تلبث أن تخبو شعلتها وتتبخر في عالم لا محدود من العوامل التي قد يمكن تقسيمها إلى مايتعلق بالنص أو الرسالة "Le message"وما يتعلق بالشبكة كمحيط "l'internet" ثم عوامل تخص المتلقي "l'internaute" .
    1 – عوامل الرسالة النص "Le message":
    أقصد بالرسالة هنا خلاصة ذلك الإبداع المعروض على أنظار المتلقين المنتشرين على سطح الأرض الذي تغطيه شبكة المعلومات. وهو نتيجة جهد مبذول يحمل صورا ذهنية ودلالات في لغة مفهومة لعدد من القراء بدرجات متفاوتة، حسب مستوياتهم التعليمية والثقافية ومعتقداتهم. يُعرَض النص على الشبكة مثلما تُرمى لؤلؤة في عرض المحيط لكن هذه اللؤلؤة تحمل رقما أو عنوانا تتداوله محركات البحث ليسهل العثور عليها متى تم استدعاءها بذلك العنوان الرقمي! إذن فالنص المعروض ليس الوحيد على الشبكة، وهو يعوم وسط سيل متعاظم من النصوص في ذات اللغة المكتوب بها... ونتبجة لعمليات التصنيف والترتيب الرقمي – الذي يتم بشكل آلي – يدخل في بحر من التشويش المنبعث من رقمية الحرف؛ وحتى أخرج بك من الغموض الذي بدأ يكتنف هذه الفقرة أدعوك لتصور شخص جلس قبالة الحاسوب الآن وفتح صفحة ما. نحن الآن أمام احتمالين : إما أن يكون صاحبنا يعرف موقع النص على الشبكة، وليست هناك مشكلة إن كان الموقع موجودا فعلا بالصيغة التي يطبعها في خانة العنوان، وسيجد المتصفح النص المطلوب. وإما أن يكون الشخص في وضع الباحث عن كلمة أو جملة وردت في عنوان النص؛ وهنا سيلجأ لمحرك البحث ليطبع الكلمة أو الجملة المقصودة. وبمجرد ظهور نتيجة البحث سيجد صاحبنا نفسه أمام آلاف الصفحات التي تتعذر قراءت عناوينها كلها في مدة زمنية معينة ! فالنص الذي يتضمن الجملة موجود ولكن أين بالضبط؟ هنا تتدخل عملية الاحتمالات لجذب اهتمام المتصفحين نحو ما لم يكونوا يقصدون. وهذا ما يمثل التشويش الذي يعاني منه النص الإبداعي كأحد العوامل التي تعوق وصول الرسالة الإبداعية إلى عموم القراء. إلا أن لدى المتمرسين من رواد الشبكة وسائل تقنية تمكنهم من تفادي التشويش الناتج عن رقمية الحرف.
    ولننظر من زاوية المبدع الذي يدخل النص رقانة لينشره – في حالة الكتابة الرقمية المباشرة-، هذه العملية محفوفة بأسباب الأخطاء التي قلّما ينتبه المبدع لحدوثها، نتيجة الحالة النفسية والمحيط الذي يكتنف عملية الرقانة، ومدى مهارة من يقوم بإدخال النص في المساحة المعدّة لذلك مما ينتج عنه ارتباك الصور الإبداعية التي تظهر مزيجا من الضغوط وتذبذب سرعات التنقل بين دروب ومساحات المعاني. أما إن كان النص يكتب على ورق قبل تحويله إلى نص رقمي فتكون الأخطاء أقلّ؛ مما يحدو بالكثير من الأدباء لاتباع هذا الأسلوب، حيث نجد النص يحمل الطابع الأدبي المشعّ إبداعا، والمعبّر في لغة سلسة وسليمة عن شخصية المبدع مبرزا إمكانياته الإبداعية في أجمل الصور.
    يبقى أن نحاول تقدير مكانة النص الرقمي من حيث تضمّنه للدهشة والمتعة لدى المتلقي الافتراضي، فالنص الإبداعي الرقمي لا يقل دهشة عن النص الورقي بل قد يفوقه متعة، لكن المتلقي الذي يعي قيمة الوقت – المادية- يكون في حالة من الاستعجال وهو يقرأ العناوين والفقرات وكأنما يريد أن يلمّ بزبدة الموضوع في أقصر وقت ممكن وهذا عامل يبهت في النّص إيقاع الصور الذهنية المقصود رسمها لدى عموم المتلقين.
    2 - عوامل الشبكة "L'internet" :
    من أهم ما تؤثر به الشبكة على النص الإبداعي كون تصينفها للنصوص آليا لايتعرف على العنوان المطلوب إلا باستخدام تقنيات تتطلب من الملتقي معرفتها والإلمام بها وهي تشكّل بالتدريج قاموسا لغويا غدا يتضاعف محتواه كل يوم؛ فلو طلبت في محرك البحث العنوان التالي:«نظرة في خبايا تاريخ العملة» ستكون النتيجة عددا هائلا من الصفحات منها ما يظهر العنوان في الصفحات العشر الأولى هكذا:« ....نلقي نظرة في تاريخ العملة الأوروبية » ويأتي بعدها عدد من الصفحات يضم المقطع «..نظرة في تاريخ» ثم يأتي بـ«نلقي نظرة ...» وهكذا تكثر العناوين فتجذب اهتمام المتصفح لدرجة قد تدخله في دروب طويلة من المحاولات تستغرق معظم وقت التصفح وقد لا يجد الموضوع الذي كان يبحث عنه... على المتلقي إذاً أن يحدِّث معلوماته الحاسوبية باستمرار لمسايرة الركب الرقمي فيدخل "نظرة في خبايا تاريخ العملة" إن أراد أن يظهر له المتصفح بدقة الصفحات التي تحتوي فقط على الجملة الموجودة بين الرمزين:"....." عندها ستكون النتيجة عدد قليلا من الصفحات يمكنه التنقل بينها وقراءة النص. إلا أن عامل المتاهة يصبح أقل ضررا إلى جانب الصفيحات الدعائية الطفيلية المزعجة بصورها الوامضة ونصوصها المتحركة.
    --- يتبع ---
    ///// منقـــــــــــ ل ــــو /////

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    الأخت العزيزة / سيلفا

    أشكرك على هذا النقل الجميل للدراسة الإجتهادية لأستاذنا المختار حول العالم الإلكتروني و فضاءاته الواسعة .
    هو موضوع شائك و له تداعياته و سلبياته و كذا ايجابياته و لكن الجميل أن الأخوة هنا في الواحة بدأوا يتحركون فعلا في إثارة مواضيع مهمة من شأنها وضع آليات مستقبلية للتعامل مع هذه التطورات الرهيبة
    في العالم الرقمي .
    أشكرك جزيلا و كذا أستاذنا زادني على هذا الجهد المبذول و ننتظر الباقي لنستفيد بإذن الله .

    اكليل من الزهر يغلف قلبيكما
    هشــــام
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    شكرا سيلفا
    على النقل البديع

    ننتظر التتمة
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

  4. #4
    الصورة الرمزية محمد المختار زادني شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : المملكة المغربية
    المشاركات : 1,230
    المواضيع : 143
    الردود : 1230
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي

    إخوتي الكرام
    السلام عليكم جميعا وبارك الله أقلامكم .
    هذا المقطع الأول من الموضوع وأعدكم أن أنشر التتمة متى ساعدت الظروف ...
    دخل الإنسان عالما مدهشا غريبا على العقل البشري منذ أواسط القرن الماضي؛ عالما تسوده حُمى التسارع التقني، تَوّجته ثورة الاتصال خلال العقد الأخير من القرن العشرين. مما جلب تحديات جديدة بدتْ تواجه الفكر الإنساني الذي اعتاد على سير الفنون و الثقافات على منعرجات الحياة البطيئة في تشكّل ألوانها، وإفصاحها عن أسرار تفاعلاتها التي كانت تطمر غالبا في غياهب تاريخ ظل يفتقر إلى الموضوعية لمئات القرون !
    وجد المجال الإبداعي في التقنيات الحديثة فرصة للتوسع والانفتاح على مشارب عديدة مختلفة، فأُخذ بنوع من النشوة أفقدته التوازن تحت تأثير موجة "الوسائط المتعددة" بما حملت من صور وأصوات وبما أتاحت من وسائل مهّدت الطريق أمام انتشار سريع للإنتاج الإبداعي بكل أصنافه. وبدأنا نشهد تسارعا يلبس تداول المعلومات بين بني البشر، ويمد تأثيره في حياة الناس إلى مدى لايزال مجهول النتائج ... فقد أصبح الناس يبنون مجتمعا افتراضيا لايتطلب الانتماء إليه أكثر من تعلّم الضغط على زرّ تشغيل جهاز الحاسوب، وتحريك "الفأرة" على بساطها الناعم، بل تعدى اليسر إلى أبسط من ذلك ! وأشخاص هذا العالم أحرار في التعبير عن ذواتهم وآلامهم وآمالهم. يرتبطون بعلاقات قد ترقى إلى المستويات المبشرة بغد سعيد البشرية، وقد تتدنى إلى هوة لا قرار لها في مستنقع أبشع من أن يتصوره ذو عقل. بينما هناك في مكان ما من العالم الواقعي أصابع تكتسب كل يوم مهارة أدق في استغلال هذه الحركات التي يقوم بها سكان العالم الافتراضي حين تجوالهم في دروبه، يتصفحون وينقرون على "إيقونات" وصور متحركة تلعب على أوتار حسّهم. وضمن هؤلاء، وجد المبدع متنفسا فسيحا للاتصال المباشر بالمتلقي – اللا منظور- الافتراضي؛ فكتب ونشر وحاور وناقش القضايا التي فجّرت همومه وأنطقت أصابعه ووهبت خياله أجنحة أخف وأكبر، وهذّبت فيه نزعة الجموح وعلمته كيف يسمع للنقاد وكيف يغترف من معارف غيره وصقلت موهبته لتجعل منه صورة الرّسام والقاصّ والشّاعر والموسيقي والمفكّر الافتراضي. وأقف هنا متسائلا :إن كان لكل فن رسالة، فماهي رسالة الفن الافتراضي الجديد ؟ هل تتمثل فقط في تحرير النص من مقص الرّقابة ؟ أم تتجاوز كل الحدود لتشكّل فضاء ثقافيا يتيح لكل النّاس متعة القراءة والاطلاع على الآخر وفهم العالم وفق منظور جديد يدمج في عقل المؤلف عقل إنسان العصر الرقمي بكل أدواته التقنية والفنية؟ أم أنها فوضى تعمّ كل المجالات الثقافية و العقائدية والإبداعية لتذهب بالقيم الأخلاقية وبرونق المتعة الفنية، وتؤصل الإدمان على استهلاك الذات وتذويبها في زمن مدفوع الثمن؟
    إنّ جلّ الإنتاج الإبداعي في عالم الرقميات مازال يقتصر على النصوص المقروءة والرسوم بحيث لا نجد إلا نادرا مقطوعة موسيقية، ولا نرى من النّحت إلا صوراً لما يبدعه الفنّانون الافتراضيون. لذا فسنوجه الاهتمام إلى النص المقروء. فالنص الرقمي، يجب أن يشكل رابطة افتراضية بين المبدع والقارئ بينما يكوّنُ كلاهما صورة ذهنية للآخر تتفاوت في الوضوح تبعا للمداومة على التّواجد على الشبكة، ومعرفة الشخص بتقنيات العصر، وتبعا لحركية الظهور بالموقع الذي ينشر عليه النص. فنرى أن هذه العلاقة قد تنشأ بين مجموعة من الأشخاص وتأخذ في الرّسوخ حتى تكون جيّدة، تتمحور حول مركز الاهتمام المشترك بين أفراد المجموعة؛ ويتزايد نشاط ما نسميه بالتفاعل إلى حدّ يثمر ما قد يستفيد منه كل رواد المنتدى أو الموقع، وقد تنشأ صورة من التكافل وتظافر الجهود للوصل إلى تحقيق هدف ما – وهذا أجود ما ينتظر من رواد العالم الرقمي– وقد عبّر الأستاذ محمد سناجلة مؤسس اتحاد كتاب الأنترنت العرب عن تفاؤل رائع بقوله:[ ..المتوقع أنْ ينهي العصر الرقمي عصر الحروب الدموية، وسيكون هذا واحداً من أهم إنجازات هذه الثورة التي ستؤدي إلى انتهاء نهر الدماء الجاري بغزارة منذ بدء البشرية..] إلا أن هذه الطفرة من السلم والمحبة والتضامن، التي نشأت بمحض إرادة كل من الأفراد سعيا وراء تكوين المجموعة المتجانسة –حسب رأي الأفراد- ما تلبث أن تستجيب لنزغ الدفين من حاصل العيوب الموروثة من عالم الواقع، فتخبو شعلتها بفتور الحماس الجماعي الناشئ عن خصائص سيكولوجية الجماعة، وتتبخر إرادات الأفراد المشتركة في عالم لا محدود من العوامل التي قد يمكن تقسيمها إلى مايتعلق بالنص أو الرسالة "Le message"وما يتعلق بالشبكة كمحيط "l'internet" ثم عوامل تخص الشخص الافتراضي "l'internaute" .
    1 – عوامل الرسالة النص "Le message":
    أقصد بالرسالة هنا خلاصة ذلك الإبداع المعروض على أنظار المتلقين المنتشرين على سطح الأرض الذي تغطيه شبكة المعلومات. وهو نتيجة جهد مبذول يحمل صورا ذهنية ودلالات في لغة مفهومة لعدد من القراء بدرجات متفاوتة، حسب مستوياتهم التعليمية والثقافية ومعتقداتهم. يعرض النص على الشبكة مثلما ترمى لؤلؤة في عرض المحيط لكن هذه اللؤلؤة تحمل رقما أو عنوانا تتداوله محركات البحث ليسهل العثور عليها متى تم استدعاءها بذلك العنوان الرقمي! إذن فالنص المعروض ليس الوحيد على الشبكة، وهو يعوم وسط سيل متعاظم من النصوص في ذات اللغة المكتوب بها... ونتبجة لعمليات التصنيف والترتيب الرقمي – الذي يتم بشكل آلي – يدخل في بحر من التشويش المنبعث من رقمية الحرف؛ وحتى أخرج بك من الغموض الذي بدأ يكتنف هذه الفقرة أدعوك لتصور شخص جلس قبالة الحاسوب الآن وفتح صفحة ما. نحن الآن أمام احتمالين : إما أن يكون صاحبنا يعرف موقع النص على الشبكة، وليست هناك مشكلة إن كان الموقع موجودا فعلا بالصيغة التي يطبعها في خانة العنوان، وسيجد المتصفح النص المطلوب. وإما أن يكون الشخص في وضع الباحث عن كلمة أو جملة وردت في عنوان النص؛ وهنا سيلجأ لمحرك البحث ليطبع الكلمة أو الجملة المقصودة. وبمجرد ظهور نتيجة البحث سيجد صاحبنا نفسه أمام آلاف الصفحات التي تتعذر قراءت عناوينها كلها في مدة زمنية معينة ! فالنص الذي يتضمن الجملة موجود ولكن أين بالضبط؟ هنا تتدخل عملية الاحتمالات لجذب اهتمام المتصفحين نحو ما لم يكونوا يقصدون. وهذا ما يمثل التشويش الذي يعاني منه النص الإبداعي كأحد العوامل التي تعوق وصول الرسالة الإبداعية إلى عموم القراء. إلا أن لدى المتمرسين من رواد الشبكة وسائل تقنية تمكنهم من تفادي التشويش الناتج عن رقمية الحرف. وقد ذاع بين المهتمين نقاش حول الكتاب الذي تحول إلى الصيغة الرقمية من أصله الورقي فقارنوا بين الكتاب الورقي والكتاب الرقمي – وأقصد به النص المكتوب رقميا وليس الجهاز المحمول المسمى " ebook " الذي يكون بحجم يدوي يستطيع حمل خزانة كتب!- فمن ميزاته، أنه متوفر في كل حين وفي كل مكان مما يعطيه صفة الآنية، وهناك صفة الأرشفة التي ظلت مستعصية على الكتاب الورقي منذ ظهوره، وخاصية التفاعل المنعدمة في الكتاب الورقي، فالقابلية لأن يكون النص الرقمي علاوة على الرسم الحرفي مرفوقا بملف صوتي يقرأ ذاته! تضاف إلى كل هذا، القابلية للتصحيح التي لم يعرفها الكتاب الورقي، ثم طريقة التصفح الرقمية التي تتيحها برامج معالجة النصوص بزرع الروابط الواصلة بين الفقرات والعناوين والهوامش، بل والخروج مرحليا لتصفح المراجع، والعودة لنفس المكان من النص الرئيسي...
    ولننظر من زاوية المبدع الذي يدخل النص رقانة لينشره – في حالة الكتابة الرقمية المباشرة-، هذه العملية محفوفة بأسباب الأخطاء التي قلّما ينتبه المبدع لحدوثها، نتيجة الحالة النفسية والمحيط الذي يكتنف عملية الرقانة، ومدى مهارة من يقوم بإدخال النص في المساحة المعدّة لذلك مما ينتج عنه ارتباك الصور الإبداعية التي تظهر مزيجا من الضغوط وتذبذب سرعات التنقل بين دروب ومساحات المعاني. أما إن كان النص يكتب على ورق قبل تحويله إلى نص رقمي فتكون الأخطاء أقلّ؛ مما يحدو بالكثير من الأدباء لاتباع هذا الأسلوب، حيث نجد النص يحمل الطابع الأدبي المشعّ إبداعا، والمعبّر في لغة سلسة وسليمة عن شخصية المبدع مبرزا إمكانياته الإبداعية في أجمل الصور.
    يبقى أن نحاول تقدير مكانة النص الرقمي من حيث تضمّنه للدهشة والمتعة لدى المتلقي الافتراضي، فالنص الإبداعي الرقمي لا يقل دهشة عن النص الورقي بل قد يفوقه متعة، لكن المتلقي الذي يعي قيمة الوقت – المادية- يكون في حالة من الاستعجال وهو يقرأ العناوين والفقرات وكأنما يريد أن يلمّ بزبدة الموضوع في أقصر وقت ممكن. وهذا عامل يبهت في النّص إيقاع الصور الذهنية المقصود رسمها لدى عموم المتلقين تحت ضغط عامل الإرباك الزمني. لكن المتعة تتجلى في الأشكال التعبيرية المتمثلة في إخراج وتوليف عناصر النص بعضها ببعض ليوظّف كل عنصر في خدمة انسياب محمول إبداعي تتناسق مكوناته لتعطي الصورة والصوت وروابط التنقل والأسلوب البلاغي شكلا غير مسبوق في عالم الكتابة. وهكذا بظهر النص الإبداعي في ثوب ارتضته له التقنيات الحديثة، فجاء بما يمتع القارئ ويأخذه غلى عالم تتراقص الدهشة فيه على إيقاع رعشات غصون شجرة الحياة التي ينبض بها عقل المبدع والفنان والشاعر والمفكر الرقميين في فضاء تخيّلي بعجّ بالصور الأخاذة...
    2 - عوامل الشبكة "L'internet" :
    من أهم ما تؤثر به الشبكة على النص الإبداعي كون تصينفها للنصوص آليا لايتعرف على العنوان المطلوب إلا باستخدام تقنيات تتطلب من الملتقي معرفتها والإلمام بها وهي تشكّل بالتدريج قاموسا لغويا غدا يتضاعف محتواه كل يوم؛ فلو طلبت في محرك البحث العنوان التالي:«نظرة في خبايا تاريخ العملة» ستكون النتيجة عددا هائلا من الصفحات منها ما يظهر العنوان في الصفحات العشر الأولى هكذا:« ....نلقي نظرة في تاريخ العملة الأوروبية » ويأتي بعدها عدد من الصفحات يضم المقطع «..نظرة في تاريخ» ثم يأتي بـ«نلقي نظرة ...» وهكذا تكثر العناوين فتجذب اهتمام المتصفح لدرجة قد تدخله في دروب طويلة من المحاولات تستغرق معظم وقت التصفح وقد لا يجد الموضوع الذي كان يبحث عنه... على المتلقي إذاً أن يحدِّث معلوماته الحاسوبية باستمرار لمسايرة الركب الرقمي فيدخل "نظرة في خبايا تاريخ العملة" إن أراد أن يظهر له المتصفح بدقة الصفحات التي تحتوي فقط على الجملة الموجودة بين الرمزين:"....." عندها ستكون النتيجة عددا قليلا من الصفحات يمكنه التنقل بينها وقراءة النص. إلا أن عامل المتاهة يصبح أقل ضررا إلى جانب الصفيحات الدعائية الطفيلية المزعجة بصورها الوامضة ونصوصها المتحركة، وهي أيضا تدخل ضمن التشويش الذي يستطيع المتمكن من تقنيات الإبحار على الشبكة تفاديه بسهولة. ومن هنا يبدو لنا أن النص الإبداعي يتطلب من القارئ المعاصر التزود بإكانيات تقنية قد تلهيه في بداية الأمر عن التمتع بجمال الأسلوب وروعة الصور إلا أنه مع المراس والمواضبة على القراءة على الشاشة تصبح العلاقة أكثر حميمية بين المتلقي والنص الإبداعي.
    أما الأثر الواضح على المجموعات المؤتلفة حول محور فكري أو أدبي ما، فإن سهولة التحول إلى موقع أو منتدى آخر يعتمد شكلا دعائيا آخر أكثر جاذبية أو يضم مجموعة أكثر نشاطا في عملية التفاعل بين أفرادها، تستأثر باهتمام المبدع وتجعله يميل إلى الدخول في جو أوسع وأرحب من التواصل مع أنداده الافتراضيين. وهذه ميزة لا وجود لها في العالم الواقعي إلا ضمن حيز ضيق إن نحن اعتبرنا صفة الالتزام بالمواعيد والظهور الفعّال من الشروط الأساسية لنجاح كل عمل جماعي... فليست هناك قيود على المبدع – المؤلف – الافتراضي إلا تلك التي يفرضها على نفسه وكذلك التزامه بالعمل المنتج في الإطار الذي حدده بمحض اختياره ورغبته في إشراك جمهور افتراضي في عملية الإبداع وبالتالي تكون العملية الإبداعية ذات طابع تواصلي أكثر مما هي منظومة ثلاثية الأبعاد (مرسل – حامل – ومستقبل)؛ لأن المستقبل ذاته أي المتلقي يتحول إلى مرسل يدلي برأيه في ما وصله من المرسل الذي هو المؤلف وهذا أساس تسميتنا للعملية بأنها تفاعلية. فبينما ظلت النصوص خلال العصور الماضية تسير في اتجاه واحد أصبحنا الآن أمام نصوص تطرح للمناقشة المباشرة لتصحيح المفاهيم والتعبير عن الإعجاب أو غير ذلك في تبادل للآراء دون حرج... وغدا المؤلفون أحرارا في التعبير عن أحداث مما يشهدون وينحتون بالحروف ما يجول بخيالهم ويصور آمالهم وتطلعاتهم لأهداف قد يكونوا رسموها في الواقع بعيدا عن الوسط الافتراضي، وحالت دون تحقيقها عقبات في عالم الواقع لا علاقة لها بالإبداع! ومع الاعتراف بأن شخصية المبدع تتسم بالنّزوع إلى التحرّر من القيود وإلى التحليق بأبلغ معاني الحرية في فضاء أوسع، فإن المجموعة التي يخيم عليها جوّ الرتابة بين كثير من الخطوط الحمراء وتفتقد عنصر الدهشة في ما يُتداول بين أفرادها، تصبح قيدا من الروتين في نظر المؤلف الافتراضي مما يجعله في بحث دائم عن فضاء أرحب. ونقرأ في كتاب محمد سناجلة « رواية الواقعية الرقمية يقول: ...فكثيراً ما كان يهرب الإنسان من الواقع بمشكلاته المختلفة إلى دنيا التخيّل والافتراضات التي لا تحدها مشاكل أو قيود فيحقق في الخيال ما يعجز عن تحقيقه في الواقع ولذلك فهو يحلم دائما بأن تذوب الفوارق بين الحقيقة والخيال ليستمتع بكل شيء، ومن جانبها التقطت تكنولوجيا المعلومات هذا الحلم وحاولت تحقيقه لتتيح مستوى جديد من الحياة لم يكن ممكناً في السابق إلاّ في الأحلام. » وكم من الزمن، ظل الصحافيون تحت رحمة مقصّ الرقابة، والمهندسون حبيسي رغبة المؤسس الذي ستعرف المنجزات العمرانية باسمه في كتب التاريخ، والشعراء والرسامون رهن إرادة صاحب القرار لقول كلمة أو لرسم جانب من واقعهم، والأطباء النفسانيون عاجزين عن البوح بما تبيّن في تشخيصاتهم خوفا من أساقفة الكنائس، أنشئت مصحات افتراضية تقدم ما اصطلح عليه Cyberthérapieأي العلاج الافتراضي الذي تزعمه متخصصون بادر أوائلهم بإنشاء مواقع لتقديم خدماتهم على الشبكة. فرغم الهامش الضيّق الذي أتاحته الندوات الأدبية والتفاعلات بين أرباب الأقلام في حقب جادت بها القصور، أو عقدت بينها الأروقة على مرمى حجر من عيون السّاسة، لم يسجل التاريخ في السابق أرحب من فضاء التفاعل الافتراضي الذي نعيشه اليوم، حيث لا يستبعد أن يكون السّاسة هم أيضا يشكّلون فئة من الجمهور الافتراضي، تتمتع بميزات رائعة للشبكة من حيث السرعة وسعة حزمة الدفق المعلوماتية وعدم انقطاع خطوط الاتصال مع ما يشبه طاقية الاختفاء السحرية"VPN" ؛ التي تمكّنهم من الدخول أينما يريدون في مواقع وتجاويف الشبكة دون أن يشعر بوجودهم أحد...غير أنهم –ولا شك- يندهشون من اكتشاف لم يسبق له مثيل: ذلك أنهم يقفون على ما ينشر من حقائق فضائحهم، كأنهم أمام مرآة صافية تعكس صورة وجوههم عارية من زيف أصباغ الحاشية والخدم. وتعطيهم صورة عما يجري من أحداث كان منذ عهد قريب يزوّرها من كانوا ينقلون أخبار الرعية للحاكم، فيكتمون أصوات الأقلام الجادّة، ليطمسوا وجه الإبداع الحرّ، ويحرفوا صور الحقائق، و"ليفبركوا" نصوصا وعناوين خادعة -حسب هواهم- لأعمدة الصحف، بما يخدم مصالحهم الخاصة.
    أدِنت الشبكة بعصر انهيار الحِجْر الذي كان مفروضا على التعبير الفني وبثّت روح الآنية والحيوية في انتشار الخبر، السيطرة على النص لتدارك الأخطاء الحاصلة نيجة السّهو أو النّسيان، ومهّدت طريق المعلومات إلى متناول من يطلبها فحوّلت العالم إلى غرفة، ويرتقب أن يتحول النظام الشمسي إلى قرية، فصنعت في الأرض فضاء يموج بنوع من الحوارات واللقاءات والمواعيد والندوات المفتوحة لمختلف الأغراض والمآرب البشرية بما فيها من سامي الأفكار وسخيف الأقوال والتصرفات، فبانت علائم حرية لم يعهدها البشر من قبل في اختيار مشربه في خضم الزخم الهائل مما يعرض في سوق لا أول لها ولا آخر... وبدأت تتشكّل قيم جديدة ومنظومة سلوكيات أفرزها التفاعل بين الأشخاص الافتراضيين. وقد عبّر "بيل غيتس" عن أساليب الحياة في المستقبل بـ : أسلوب حياة الشبكة: Web life style وأسلوب عمل الشبكة “Web work style" وهما مصطلحان جديدان يعبران عن نمط الحياة القادمة وطبيعة العلاقات المتبادلة بين الناس في المستقبل (1)ولعل أبرز سمات الثقافة الرقمية المنتظرة، ما طرأ على أسلوب التعليم حيث ظهر للمدارس والجامعات وجه افتراضي إلى جانب وجودها الواقعي بل إن الجانب الافتراضي يميل إلى إبهات الواقعي منها. ولم لنعد نستغرب حصول الطلبة الافتراضيين على درجات علمية من الجامعات الافتراضية – ولم يعد صعبا على الهيئات القائمة على شؤون التعليم التأكد من مطابقة هويات الطلبة الافتراضيين على هوياتهم الواقعية، حيث توجد في دولة ما، كل البيانات الشخصية المواطنين مفهرسة في ذاكرة الحاسوب المركزي...[الانترنت غزت جميع مجالات الحياة بما في ذلك مجالي التعليم والبحث العلمي. المدارس والجامعات الألمانية تدخل عصر الانترنت والحاسوب والانترنت صارا جزء لا يتجزأ من العملية التعليمية. يجلس أحد الطلاب مسترخيا في غرفته يرتشف ربما فنجان قهوته وهو يتابع محاضرة المدرس الافتراضي Virtuelle Teacher التي يلقيها عليه من صالة الجامعة الافتراضية. ويستطيع الطالب أن يتفاعل مع المحاضر بالصوت والصورة، وكذلك مع الطلاب الآخرين أينما كانوا، فيناقش ويسأل كما لو كان الجميع في غرفة واحدة. ويقوم كل طالب وكذلك المحاضر باختيار ما يعرف بـ Avatare، وهو شكل افتراضي ينوب عن الشخص الحقيقي يقوم هذا الأخير بتصميمه بنفسه ليكون رمزا له. ويتم التواصل من خلال غرف الحوار Chat حيث يقف المحاضر في قاعة افتراضية مستخدما برنامج باوربوينت ليعرض بواسطته المادة العلمية التي يريد إيصالها إلى طلابه.(2)] غير أننا نجد العالم الافتراضي قد ورث من عالم الواقع كثيرا من الظوهر السلبية حيث ظهر القراصنة والنصّابون إلى جانب المفكرين والأدباء والفلاسفة؛ مما بات يدعو إلى التفكير في سنّ قوانين لتنظيم سلوك المجتمع الافتراضي للحدّ من الظواهر السلبية فيه! و ستظهر إشكالية جديدة تتمثل في تحديد الشروط اللازم توفرها في من يحق له وضع القوانين والإجراءات والمساطر والجزاءات الرادعة لمن يطلق عليهم اسم المخالفين للقواعد والخارجين عن خطوط النظام الافتراضي. هنا يتبادر للأذهان سؤال قد يولّد العديد من الأسئلة: من أين لنا بملائكة في العالم الافتراضي لايظلمون أحدا، ولا يتأثرون بدوافع المصلحة الشخصية ولا يخطئون !؟ هذه وصايا سماها "آلن ريو" بالوصايا العشر لمعرفة "كيف نعيش افتراضيين أعدها معهد Computer Ethics Institute وهي منشورة بموقع خدمات الشبكة (3) :
    2 -1 لا تستخدم الحاسوب لتزعج غيرك
    2 -2 لا تشوش على أعمال غيرك الرقمية
    2 -3 لا تعبث بملفات الآخرين
    2 -4 لا تستخدم الحاسوب للسرقة
    2 -5 لا تستخدم الحاسوب لشهادة الزور
    2 -6 لا تستخدم ولا تنسخ البرامج مالم تدفع ثمنها
    2 -7 لا تستخدم مصادر المعلومات المملوكة لغيرك دون إذن منه
    2 -8 لا تنسب لنفسك إنتاجا فكريا مما أبدعه غيرك
    2 -9 عليك أن تقدر الآثار الاجتماعية للبرنامج الذي تكتبه
    2 -10 استخدم الحاسوب بطريقة تؤكد التقدير والاحترام
    ويبقى العالم الافتراضي في جدّته مُحيّراً ومدهشا آخذا في الاتساع ليستوعب كل النشاطات البشرية وقد يشمل الكائنات الذكية المفكرة في الكون كله يوما ما...
    3 - الشخص الافتراضي "l'internaute"
    لتقريب الصورة من أذهان القراء أفضل أن أنقل مما كتبه الأستاذ محمد سناجلة في كتابه: رواية الواقعية الرقمية قصة واقعية من غرف "تشات" يقول:
    [...كنت وما زلت معتاداً على الدخول إلى غرف الدردشة، حيث كانت هذه الغـرف هي المتنفس الوحيد لي بعد يوم طويل من العمل، وكنت أدخـل على شات "مكتوب" كل ليلة بعد الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل وأبقى إلى الساعة الثالثة فجراً، وذات يوم وبلا وعي مـني تشكلت صورتي الرقمية فاتخذت اسم نزار as a nick name وهـو اسم أحبه منذ تعرفـي على قصائد نزار قباني أثناء مراهقتي وكنت دائماً أتمنى أنْ يكون اسمي نزار، واخترعت غرفة أسميتها love kingdom وكتبت على بابها "وطن الحب والحرية" كعنوان لها وجعلت شعاراً للغرفة مقطوعة أدونيس الشعرية:
    الحب نبيذ الكون
    وهذا العالم دن
    والأيام كؤوس
    وقد تطور هذا الشعار ليصبح السلام الوطني لمملكة الحب والحرية فيما بعد.
    أخذ الزوار يدخلون إلى الغرفة، واحد في البداية اتخذ لنفسه اسم "جوفي" وكان هذا شاباً سودانياً يدرس الطب في روسيا كما عرفت فيما بعد، وبعد قليل من الدردشة صرنا صديقين حميمين وطرحت عليه فكرتي في خلق وطن لكل الشباب العرب شعاره الحب والحرية، بحيث تصبح غرفتنا هذه مكانا للقاء كل الأحرار والعشاق في العالم، وقد تحمس كثيرا للفكرة، لتبدأ المغامرة الكبرى، فقد أخذ يتوافد علينا الشباب والزوار من كافة أرجاء العالم الافتراضي، أصدقاء من كل أنحاء الوطن العربي والعالم، وشيئا فشيئا أصبحت الغرفة تزداد رسوخا وشهرة فاتخذت وزيراً لي كان اسمه " المهندس" وهو شاب فلسطيني من غزة واحد أعضاء حركة حماس وقد اتخذ هذا الاسم الافتراضي تيمنا بالمهندس يحيى عياش الذي اغتالته المخابرات الإسرائيلية في قصة الموبايل الشهيرة، واتخذت ملكة للمملكة وهي فتاة لبنانية كانت تأخذ اسم ليليان ولكني اقترحت عليها تغيير النيك نيم إلى بلقيس فوافقت وهكذا صار لنزار ملك العشاق بلقيسه وملكته، ثم تطور الأمر فانتخبنا مجلس وزراء للدولة وبرلمان خاص بها، وفجأة حدث الانقلاب وقد قاده وزيري الأول "المهندس" وكانت وجهة نظره معقولة جداً وتتلخص بما يأتي: بما أنّ هذه الغرفة هي وطن للحب والحرية، وحيث إنّ الحرية هي شعارها الأساسي، فلماذا نزار هو الملك ولماذا هي مملكة أصلاً، وكان الاقتراح أنْ يتم تحويلها إلى جمهورية اسمها جمهورية الحب والحرية، وقد لاقى اقتراحه تأييداً كبيراً من قبل شباب الغرفة، إلاّ أنّ المعارضة وهنا كانت المفاجأة أتت من صبايا الغرفة اللواتي تمسكن باسمها كـ "مملكة الحب والحرية"، وتمسكن بملكها نزار كملك غير منازع للوطن. وكانت سلاف وهي صبية مصرية تدرس الصيدلة في جامعة القاهرة من تقود هذا التجمع أما الملكة فكان موقفها معروفاً طبعاً، وحدث كلام كثير اتخذت فيه دور الصامت إلى أنْ اقترحت "سلاف" إجراء استفتاء عام بين أعضاء الوطن على مجمل الموضوع، وقد تم تحديد موعد الاستفتاء وتاريخه بعد ثلاث ليال وذلك حتى يتمكن كل طرف من استقطاب مؤيديه وحتى يكتمل النصاب بحضور كافة مواطني الدولة.
    في اليوم/ الليلة المحددة حدث الاقتراع، وقد كانت النتيجة مذهلة لي فقد سقط اقتراح وزيري سقوطا مدوياً، لأكتشف حينها أنّ شعبيتي كانت أكبر مما كنت أتوقع، بعد سقوط الاقتراع أقلت وزيري الأول وعينت دارين بدلاً منه، وهنا بدأت المشاكل، فقد غير وزيري من كينونته الرقمية، وجاء في الليلة التالية وقد اتخذ اسم "زحمان" وبدا بهجوم كاسح ضدي شخصياً وضد سلاف وبلقيس ولورا وفطوم وبقية صبايا الغرفة، وكان له مساعدين لم أعرفهم لأنهم غيروا من أشكالهم الرقمية، وكان مستوى الخطاب متدنياً جداً بل وبذيئا للغاية، وحيث أنّ الأخلاق كانت شعارنا الأساسي وقانوننا الذي لا نحيد عنه، فقد التزمنا الصمت في البداية ولم نرد على سيل الشتائم الذي انهال علينا، لكن الأمر زاد عن حده فعقدنا اجتماعاً في أحد الغرف الجانبية وقررنا الانسحاب، وهكذا كان. أغلقت الغرفة وغادرناها جميعاً ولم يبق في وطن الحب والحرية سوى المتمردين.
    في الليلة التالية عدنا بأمل أنْ يكون هجوم الحقد قد انتهى لكن هذا لم يكن سوى أمنيات بائسة فقد انضم للمتمردين أشخاص آخرون، وفجأة أصبح وطن العشاق وطناً للبذاءة فلم يتمالك بعض الأصدقاء والصديقات أنفسهم من كيل الشتائم التي تنهار عليهم فأخذوا بالرد بطريقة مشابهة وهو الشيء الذي يخالف دستور دولة الحب والحرية، وعندها اتخذت قراري .وكان هو القرار الأخير وما زلت احتفظ بصيغته للان "باسم دولة العشاق ووطن الحب والحرية، ونظراً للتطورات اللاأخلاقية التي تتم في الغرفة فقد قررت مغادرة الغرفة إلى الأبد وإلغاء وطن الحب والحرية".التوقيع :نزار الأول -ملك مملكة العشاق... ]
    لا شك أن القارئ لهذه القصة قد سمع أو شهد مواقف أو قصصا مشابهة تعكس السلوك الموروث من العالم الواقعي الذي حمله الأشخاص الطبيعيون إلى العالم الافتراضي بمشابهة تكاد تكون تطابقية مع عدوى الأمراض الجرثومية أو الفيروسية التي تفتك بالأجساد البشرية...
    يولد الشخص الافتراضي، ويسمى بمحض إرادته بخلاف الشخص الطيبعي الذي لا خيار له في متى وأين يولد ولا في انتقاء جنسه أو اسمه الذي سيلازمه مدى الحياة – إلا في حالات خاصة جد ناذرة- فيختار بيئته بل يمكنه صنع الوسط الذي يناسب مزاجه واهتماماته، حيث لا وجود للضغوط الأسرية المعهودة، ولا للأوامر والنواهي ولا الإكراهات التي تؤثر بصورة ما على تكوين الشخصية حسب ما يراه علماء التحليل النفسي؛ فيقولون مثلا "إن الكذب يتولد من الخوف" وليس هناك ما يخافه الشخص الافتراضي غير انقطاع الكهرباء أو عطل الحاسوب. وليس هناك دافعا للكذب. لِمَ يكذب الشخص الافتراضي إذن؟ الجواب ليس بعيدا، فهناك عوامل تجعل الكذب يتسرب إلى المجتمع الافتراضي، منها أن الفرد يطمع في تحقيق أربٍ ما في واقعه عن طريق اتصاله بسكان العالم الجديد، محاولا استغلال جوّ الثقة المتبادلة بين أفراد المجموعة الافتراضية التي ينتمي إليها، حيث إن جو الثقة ذاك يكون في غالب الأحيان محورا أساسيا للتآلف بين المثقفين والمفكّرين، لأن أخلاقياتهم في عالم الواقع تملي عليهم التحلّي بجميل الصفات للحفاظ على مكانتهم في المجتمع. ودخولهم العالم الافتراضي فرض على الكثير منهم – لمواكبة مستجدات العصر- إذ جاءوا دون سابق خبرة في التعامل مع حيل وموبقات الشبكة، بل إن أكثرهم حتى اليوم، لم يتقنوا لغة البرمجة الأساسية HTML لتصميم صفحة تُنْشَر على الشبكة ! ومثلما ورث العالم الرقمي الجانب السيّء من سلوكيات الأفراد الواقعيين، ورث كذلك صفات التعقل والنوايا الحسنة والصدق، والثقة من أهلها. ويمكننا التأكد من صحة هذا القول بمجرد تصفحنا للعديد من المنتديات، التي ينشُر عليها متخصّصون دروسا مجّانية لتعلّم تقنيات – رغم بساطتها – لاستخدام إمكانيات برامج مثل Flash و Photoshop وما شابهها من مبادئ HTML وJavascript يستفيد منها المبتدئون. وبدراسة إحصائية مبدئية، يظهر أن الشخص الافتراضي الجاد، مؤمن بضرورة التفاعل مع المعلومات المتدفقة عبر الشبكة، في عملية أخذ وعطاء بَيْنِيَّة، لإثراء اللّبنات التي تجعل من هذا العالم الجديد، فضاء جميلا يليق بتحليق الخيال المثمر، والحلم القريب من الحقيقة المرجو إدراكُها، والارتقاءُ إليها قصد توفير الظّروف لحياة أفضل لبَنِي البشر؛ بالحدّ من الوحشية والحيف، ونشر القيم التي تفرض الوضعية الراهنة تبلورها، والتعريف بها، للانتماء إلى العالم الافتراضي الحرّ بجدارة تثبتُ فاعلية الإنسان في محيطه الاتّصالي، وتضامنه مع أشباهه ضدّ الآفات، والكوارث المحيقة بجنسه.
    إن التقسيم الذي اعتمدته ليس إلا نظرة من جانب واحدا من العديد من الجوانب التي تتبدى كل يوم وهي تكتسح الحياة البشرية. فهذه التقنية التي نسميها بالحديثة ليست الأولى التي عرفها الجنس البشري عبر تاريخ وجوده على سطح الأرض. إذ يعلمنا التاريخ أن التشريعات والقوانين تنشأ مع المشكلات الناجمة عن تداول سلوك ما في بيئة لم تكن تعرفه في السابق. فبظهور الحواسيب بدأ استغلال سرعتها لمعالجة البيانات في أيدي الحكومات والجهات الأمنية، فأنشئت البرامج لإحداث قواعد البيانات وبرامج الفهرسة و"الأرشيف" والإحصاء؛ لضبط وتخزين بيانات الأشخاص وتحليل المعطيات الاقتصادية والعلمية وما شابهها ... ثم جرى تطور التقنية في اتجاه تعليم الآلة كيف تقوم بأعمال الفرز والجدولة أو اتخاذ قرارات بسيطة أول الأمر، تطورت بعدها إلى إحلال الحاسوب محل اليد العاملة في المصانع، بل بدأ الحاسوب يقوم مقام الخبراء ومتخذي القرارات التي تترتب عنها مسؤوليات كبيرة، ومع تبلور الفضاء الافتراضي بما فيه من موروث من عالم الواقع ضرورة، ظهرت الحاجة إلى سن قواعد ومساطر قانونية لتنظيم سلوك الأشخاص الافتراضيين. يقول د. بورسييه : [...القانون الذي يهتم بالنشاطات البشرية، سيجد نفسه يواجه نشاطات تولدها الآلات. هذه الآلات الذكية، الآخذة في الاستقلال تدريجيا. فمجموعة العلاقات المتنامية في تشكّلها بين الأنظمة البشرية والمنظومات التقنية هي التي تستدعي إعادة التحليل والمراجعة (4)]:
    وهو يركّز على العلاقات المتنامية بين البشر والآلة لأن الأفعال البشرية تصدر عن ذات مستقلة تمام الاستقلال عن أشباهها الأخرين وليس هناك مجال للنمطية – في سلوك الناس- في الاختيار بين الفعل السيّئ والفعل الخيّر! بينما هناك نمطية مبرمجة للآلة التي تتخذ القرار "ق1" متى توفرت الشروط "ش1" وتتخذ القرار "ق2" متى توفرت الشروط "ش2" وقد تتضمن "ش2" كل أو بعض الشروط "ش1" فيأخذ الحاسوب ذلك في الاعتبار ويهيء عملية القرار "ش2" بسرعة فائقة دون إظهارها للمستخدم وينتظر تتمة الشروط لاتخاذ القرار النهائي. ونرى أن هذه عملية ذكية تم تلقينها للآلة فأصبحت جزءا من برنامجها الأساسي. وما دامت الآلة التي فتحت باب الفضاء الافتراضي أمام البشر على اختلاف بيآتهم ومعتقداتهم وثقافاتهم تتمتّع ببعض ذكائهم وتستطيع اختزال المسافات الفاصلة يبينهم بسرعة مهولة فقد نتج عن استخدامهم لها علاقات ما فتئت تتشعب وتأخذ من التعقيدات ما لن نستطيع التنبؤ بنتائجه الآن. يقول د. بورسييه [...في كل العالم الافتراضي ، يحل اللامرئي المزدوج محل الشخص الأصلي، دون إذن باقي الأشخاص الافتراضيين. وهذا لا يعني أن العالم الواقعي أصبح افتراضيا، بل أن عالما تأخذ فيه الحقيقة أشكالا أخرى قد وُجد. لكون هذه الأشكال معلومات، معالجة ومتبادلة بين الآلات، سيكون لها تأثير على الحقيقة.(5)
    وتأثير التقنيات الحديثة على الحقائق يستدعي الاستعداد لتغيير ما لم يعد صالحا من القوانين والقواعد أو التفكير في نصوص جديدة لتحديد شكل وحدود المسؤوليات الناجمة عن التصرفات البشرية المستجدّة نظرا لما زُوّدتْ به من أدوات يمكن تسخيرها لصالح الناس، بنفس القدرة على تسخيرها فيما يمكن أن يضر المجتمع الإنساني برمّته؛ إن لم يكن في الأجساد ففي النفّوس.
    وليس بعيدا في الزمن، الررجوع إلى ما كان عليه الناس من بهجة أو اكتئاب قبل ظهور الفضاء الافتراضي وكيف كان الطب النفسي يحاول تفسير الظواهر وكيف كان يعالجها؛ ولنأخذ إدمان الكحول أو المواد المهلوسة على سبيل المثال، حيث سعى الطب النفسي لفطام المدمنين بطرق مازال يطوّر بعضها حتى اليوم. وجاء الفضاء الافتراضي بإدمان من نوع آخر ليضيف مشكلة جديدة وهي ما أطلق عليه اسم Cyberdépendance وهو اضطراب سلوكي ظهر لدى المراهقين في العقد الأخير.
    فالمراهقون من الشباب، معرضون لكثير من الصعوبات خلال مرحلة الانتقال من الطفولة إلى مرحلة ما نسميه بالنضج أو الرّشد الذي سيلزم الإنسان بأمور تتعلق بالعقيدة والعادة والثقافة الاجتماعية، فهم على مفترق الطرق لوضع اللمسات الأخيرة على شخصياتهم وتحديد معالم آمالهم ورسم تطلعاتهم نحو المستقبل. كل ذلك، ونظرا لطبيعة المرحلة الانتقالية التي يمرّون بها يضعهم أمام خيارات قد لاتكون الجيدة للمسار الذي يسلكونه؛ فتهرّبهم من صور الواقع يدفع ببعضهم إلى إدمان عالم الخيالات والمثالية المفرطة أو تقمص سلوك الشخصيات العدوانية المتطرفة. وبظهور التقنيات الحديثة بدأنا نلاحظ إدمان المراهقين على استخدام الهاتف النقال لربط علاقات تتمحور حول مجموعة من أنماط السلوك اللاّ مقبولة في مجتمعاتهم...تقول "نانسي ترمبلاي" [ يتفق الباحثون على أن إدمان الأنترنت Cyberdépendance تعتبر إدمانا سلوكيا. وتعتمد محددات التشخيص أن صنف "I" من الإدمان على الإبحار عبر الشبكة يرادف "إدمان الأنترنت" أو «الاستخدام الإشكالي للأنترنت». حيث بدأت تذوب هذه التقنية في محيط المراهقين مثلما فعلت "التلفزة" و الهواتف النقالة. وبما أن استخداماتها مقبولة اجتماعيا، يجد البعض فيها مخبأ لملء فراغ الهوية. وهكذا يستطيع الشخص أن يجد ملجأ يهرب إليه من واقعه، مما يشكّل ميلا واضحا للانسلاخ من نسق الواقع إلى إدمان "الفضاء التخيّلي".(6)] ويبدو أن الإصابة بإدمان الأنترنت قد تسرّبت إلى المجتمعات الأكثر فقرا وفي ما يطلق عليها اسم الدول النامية على الخصوص، لتوفر الكثير من العوامل المساعدة لنمو الظاهرة. فقد كتبتْ "نانسي ترمبلاي" في ختام مقالها [..بات من الصعب على المهيّإ للإدمان تفاديه بنفسه، وقد وُجدتِْ مصحّات لعلاج التسمّم بالتقنيات المعلوماتية في "تايوان" و"فرنسا" . وفي"الولايات المتحدة "، يمكن للشخص تعبئة استبيان خاص عبر الأنترنت للحصول على المساعدة.(7)]. المشكلة الأكبر والأشدّ حدّة لدى الشباب العربي خصوصا، أن ظاهرة الإدمان الافتراضي تَمُرّ بينهم في صمت ولا يعي خطورتها إلا القلة، بل إن الكثير من علمائنا لم يتطرقوا لذكر الإدمان الافتراضي ولا اجتهدوا للقول بنص شرعي فيه. بل نجد معظمهم يركبون خيلا دون سروج للوعظ والإرشاد ويبالغون في الترهيب والترغيب على القنوات الفضائية، يشيدون بما كان عليه السلف الصالح، دون الأخذ في الاعتبار ماتغير في عالم البشر من مفاهيم وما جدّ من أدوات وآلات أخذت وجهتها في سير حثيث نحو دمار شامل للمعتقدات والقيم والثقافات.
    بينما في الجهات الأخرى من العالم نجد المهتمّين قد درسوا ما أسفرت عنه البحوث التقنية بجدّية أكثر وعرضوها على متخصصين بالإبستيمولوجيا وعلوم البيئة وعلم النفس الاجتماعي والاقتصاد والقانون، والسياسة، وبادروا لنشر كتب حول أسباب الظاهرة وتطوراتها وما نتج عنها من مضارّ وخطورة :[ (الزِّنَى) الافتراضي: مخدّر خطر ]- هكذا عنون "آلن ريو" مقاله عن الإدمان الافتراضي، يقول:[ 6% من مستخدمي الأنترنت يعانون بشكل ما إدمان الأنترنت، وهناك 250 مليون مستخدم عبر العالم فالعملية الحسابية بسيطة : 13 مليون إنسان يعانون من أعراض إدمان الأنترنت المتجلية في المحادثات الرقمية، والبريد الإلكتروني، و(الزِّنَى) الافتراضي، والشراء على الخط... (8)]. كلنا ندخل الفضاء الافتراضي بأسماء و صور وصفات نختارها، نبحث عن معلومات حول موضوع ما، أو لقراءة الجديد من الأخبار، أو لنلتقي أصدقاء افتراضيين، نناقش معهم قضايا وأمور شتى نتبادل حولها الآراء، وكلنا نعد غيرنا بأشياء قد لا نستطيع الوفاء بها في عالم الواقع إلا بمشقة، ونتقلد مسؤوليات – بمحض إرادتنا – يتعذّر علينا أحيانا الالتزام بها نتيجة جسامة التزاماتنا الملحّة في عالم الواقع لكننا نشعر بتأنيب الضمير إن نحن لم نف بالوعد أو لم ننجز مهمتنا المنوطة بنا داخل الإطار الذي حددناه لنشاطنا في الفضاء الافتراضي يقول د. بورسييه:[...أصبحنا مسؤولين عن قرارات أفلتت منا، لأن آلاتنا اتخذت مسارها وخرجت عن مجال حذقنا. ونوقع أفعالا تسفر عنها إجراءات؛ وإذ نفوض الأمر لآلاتنا، قد يغدو من الصعب استعادة ما تم تفويضه وإيقاف مجرى الحوار(9)] ما زلنا وسنظلّ نسعى إلى التمتع بالحرية وقد تكون أول خطوة خطاها الإنسان للتحرر من الروتين كانت يوم وكّل الآلة عنه للقيام بأعمال بسيطة روتينية؛ غير أنه لم يتوقف عند حدّ حتى الآن في توكيله للآلة لتقوم عنه بما يلزمه القيام به بنفسه.
    أن نستخدم الآلة لصنع شيء جميل أو مفيد للبشرية هو المطلوب، أما أن نفوض لها كتابة ما بوجداننا من مشاعر أو أن تنخلى عن فطرتنا الإبداعية للأسلاك والنبضات الكهربائية فهذا أمر سيجعلنا عبيدا للآلة بدل أن نكون أسيادا لها!
    فتوظيف البرامج لكتابة النصوص وإدخال مؤثرات على الصوت تزيد من جماله والتصرف في لقطات الصور لإعطاء شريط الأحداث معنى... كل هذا يدخل في مجال الفن الإبداعي. وتسخير إمكانيات الحاسوب للقيام بعمليات جراحية عالية الدقة، واستخدام الحاسوب لتشخيص الأمراض وعلاجها شأن طبي نافع للبشرية. وتطوير تقنيات الدراسات العلمية والهندسية لمعرفة مكونات عالمنا بصورة أدقّ، واستغلال ثروات الطبيعة بما يحافظ على توازنها... كل هذا جميل. أما أن نكل أمر تشكيل أطفالنا للحاسوب، فسنصنع مواد متحركة في صور بشرية لا إحساس لها ولا علاقة لها بالذوق ولا بالفن ولا بعالم الإنسان. بل ستشكّل تهديدا صريحا لوجود الجنس البشري ؛ [...لقد نتج عن التهديد الذي تضغط به الأنظمة المعلوماتية الذكية على حقوقنا وحرياتنا كثير من النقاشات القضائية والفلسفية .(10)]
    ----------------------- يتبع------------------------------------------
    (1)نشر بيل غيتس كتابه Business @ the Speed of Thought: Succeeding in the Digital Economy" "عام 2000م)
    (2) عن موقع: http://www.dw-world.de/dw/article/0,...741440,00.html
    (3) موقع خدمات الشبكة http://www.sri.ucl.ac.be/SRI/netetiq.html
    (4) (5) (9) (10) عن مجلة القانون والمجتمع D. Bourcier-De l’intelligence artificielle à la personne virtuelle : émergence d’une entité juridique ? Droit et Société 49-2001- p.848, 849
    (6) (7) مقال نانسي ترمبلاي Nancy Tremblay, de l’Université du Québec à Chicoutimi. «Psychologie des adolescents ».édition de mai 2008, de l’Association canadienne pour la santé mentale –section Saguenay.
    (8) ألن ريو Alain Rioux, Ph. D., Psychologie Gestionnaire de Psycho-Ressources, Québec, Canada

  5. #5
    الصورة الرمزية محمد المختار زادني شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : المملكة المغربية
    المشاركات : 1,230
    المواضيع : 143
    الردود : 1230
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هشام عزاس مشاهدة المشاركة
    الأخت العزيزة / سيلفا
    أشكرك على هذا النقل الجميل للدراسة الإجتهادية لأستاذنا المختار حول العالم الإلكتروني و فضاءاته الواسعة .
    هو موضوع شائك و له تداعياته و سلبياته و كذا ايجابياته و لكن الجميل أن الأخوة هنا في الواحة بدأوا يتحركون فعلا في إثارة مواضيع مهمة من شأنها وضع آليات مستقبلية للتعامل مع هذه التطورات الرهيبة
    في العالم الرقمي .
    أشكرك جزيلا و كذا أستاذنا زادني على هذا الجهد المبذول و ننتظر الباقي لنستفيد بإذن الله .
    اكليل من الزهر يغلف قلبيكما
    هشــــام
    تحية أخوية
    سأواصل بعون الله كتابة الموضوع وترجمة النصوص المنشورة باللغات الأجنبية
    مع ذكر المصادر - مع أنني وجدت الكثير من النصوص تؤدي معان محرجة -

    بورك قلمك

  6. #6

  7. #7
    الصورة الرمزية محمد المختار زادني شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : المملكة المغربية
    المشاركات : 1,230
    المواضيع : 143
    الردود : 1230
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سيلفا حنا حنا مشاهدة المشاركة

    يا الله

    سأنتظر ... وماذا بعد ؟

    تحية لقلبك أيها الفارس ويا شاعرنا المغرد .

    ليوفقنا الله

    لن يطول انتظارك إلا أياما


    أنت من تعيدينني لهذا الموضوع - إذن سأواصل ...

    تحياتي

المواضيع المتشابهه

  1. تقريع الإناث العائبات ذكورا لارجال - جولة خاصة بالرابطة
    بواسطة الصباح الخالدي في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 15-03-2009, 12:35 PM
  2. جولة في جماليات الأسلوب في قصيدة قاتلة للشاعر علي أسعد
    بواسطة د. عمر جلال الدين هزاع في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-06-2007, 03:52 AM
  3. جولة في قصر .. الله يطعم الجميع دنيه و أخرة ...
    بواسطة ليلك ناصر في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 06-11-2006, 09:15 PM
  4. جولة في القناة الهضمية
    بواسطة أيمن شمس الدين محمد في المنتدى أَدَبُ الطِّفْلِ (لأطفالنا نحكي)
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 01-08-2006, 12:24 AM
  5. جولة بسيطة
    بواسطة أبو القاسم في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 25-11-2004, 06:38 PM