أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: "دنيا " قصة لفيصل الزوايدي (تونس)

  1. #1
    الصورة الرمزية فيصل الزوايدي أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    العمر : 50
    المشاركات : 131
    المواضيع : 15
    الردود : 131
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي "دنيا " قصة لفيصل الزوايدي (تونس)

    دنيا..؟
    لم أُدرك ليلتَها ممّا كان ضحكُها المتواصلُ ..
    أدهشَني أيضًا إقبالُها عليّ ..لكنَّها كانت ليلةً..
    أخذت ترتدي ثيابَها ثــم قالت وهي تغلِق حقيبةَ يدها الصغيرةَ : إنّي عنكَ راحلة.. هزَّني قولُها كأني لَم أَكُن أعلم حقًّا أنها راحلة ، فسألتُها بتوسّلٍ قلِقٍ : لِمَ قلتِ هذا؟
    لم تُجبني ، اكتفت شفتاها بابتسامةٍ غامضةٍ ،
    حاولتُ النومَ بعدها .. أصواتُ الحياةِ تتصاعدُ مبهمةً إلى النافذةِ ..
    تقلَّبتُ كثيرًا ..تــناومتُ ..إحساسٌ بالخَطَرِ حفَّزَني فأبت عيناي إلا انفتاحًا ..رُحتُ أتذكَّر جملتَها الأخيرةَ : ما معنى الرحيل ؟ و رحيل مَن ، إلـى مَن ؟ لعلَّها دعابةٌ ، لكنَّني أعرفُ دُنيا ، لا تَفكهُ إلا جدّا . انعكاساتُ الأضواءِ على السَّقفِ ، خيالاتٌ مِن حياةٍ باهتةٍ و أشباحٌ تمرُّ سِراعًا و أنا على فراشِ الحَيرةِ ..
    انتبهتُ فجأةً إلى السَّاعةِ التي شغلَتْها دُنيا ، عقاربُها تُتَكتِكُ ، كم أكرهُ صوتَـها ، لا أدري كيف غَفلتُ عنها ، عادةً كنتُ أعطلُها حالَ خروجِ دنيا ، كيف نسيتُها ليلَتَها ؟ هل احتاجُ معرفةَ الزَّمَنِ في ليلتي هذه ؟ دقاتُ العَقربِ تلسعُني ، كلُّ ثانيةٍ تُنقِصُني ، أَوقَفتُ الساعةَ بعنفٍ ، الثالثةُ و النصف صباحًا ..لِمَ أصبحَ الصمتُ ساعتَها خانقًا ،
    لَم أعرف كيفَ أمضيتُ ليلَتي ، لكنَّني أفقتُ صباحًا فأدركتُ أنَّني نِمتُ ، تذكَّرتُ دنيا فاندفع وجيبٌ خاطفٌ بينَ صُدغَيّ ، هل تتصلُ ؟ هل تَأتي ؟
    ازدادت حَيرَتي ، اتجهتُ إلى المرآة : أدهشَـتْنِي حُمرةُ عَينَيّ و أزعجني اصفرارُ وجهي ، و رأيتُ في الصفحةِ أمامي صبيًّا يسـأَلُ أباه : أَبتي ، كيف وُلِدتُ ؟ أجابَه بصفعةٍ على خَدِّهِ و ارتسمَت قطرةٌ براقةٌ في مُؤقِه رفضت النزولَ ..
    عاودَتنِي الحرارةُ بعينَيّ ، أدَمتُ النَّظرَ إلى المرآة و سألتُ الشَّاخِصَ أمامـي عابثًا أو جادًّا : أيُّنا أَنَــا ؟
    فابتسمَ بحُزنٍ و أشارَ إلى نفسِه ..انتَزَعتُني مِن أمامِ المرآة و عُــدتُ إلى السَّاعَةِ اللعينةِ و عقاربِها المتوقفةِ .. و دنيا لَم تَعُد و لم تتصل .. قالت إنِّي عنكَ راحلة ..
    أحسستُ ثِقَلَ الهواءِ ، فككتُ زِرّينِ أعلى القميصِ و مسحتُ بكفِّي رقبَتِي .. هبَّ نسيمٌ باردٌ جافٌ حولي .. لَبِستُ بياضَ ثوبي و سِرتُ نحو المحطةِ ، فـي الطريقِ كان شابٌ يــعاكِسُ باضطرابٍ فتاةً تريدُ الاستجابةَ باضطرابٍ أيضًا .. وَصلتُ .. كانت السكةُ وحيدةً قاسيةً .. التفتُّ ورائي : لعـــلَّ دنيا تبحثُ عنِّي .. اصطَدَمَني الفراغُ فانكسرَ في النفسِ شيءٌ .. و على إحــدى الشُّرُفاتِ المجاورةِ كانت امرأةٌ مترهِّلَةُ الجِسمِ في ملابس صَيفِيَّةٍ زاهِيَةِ الألوانِ ، تكشِف ذلكَ الـجسمَ المُنهَكَ كأنَّما لَفَظَه الزَّمن بعد أن اِستَوفاه .. ارتفَعَت جلبةٌ حادةٌ يتبعُها قطارٌ أسودُ رهيبٌ ، و دُقَّ ناقوسٌ فارتعدتُ و التفتُّ باحثًا عن دنيا للمرَّةِ الأخيرةِ .. لِمَ لَم تَقُل أين هي راحِلة؟ ظَلَلتُ أردِّدُ السؤالَ دون انتباهٍ ، و ارتَقَت رِجلايَ درجاتِ سُلَّمِ العربةِ بلا مُبـالاةٍ .. وجدتُني أمامَ زجاجِ النَّافذةِ و لَمَحتُ انعكاسًا لصورٍ : صــورةٌ لغرفةٍ تُشبِه غرفةَ نومي .. نعم لـقد اختلفت بعض التفصيلاتِ : باقةُ الأزهارِ حذوَ فراشي حلَّت محلَّها ساعةٌ كبيرةٌ و عقاربُها كبيرةٌ ، الستائرُ الأرجوانيةُ استُبدِلَت بأُخرى بُنِّيةٍ .. لكـنَّها تُشبِه غرفتي كثيرًا ، تحرَّكَ بداخلِها شبَحانِ .. تبَيَّنتُ في الأَولِ رجلا لَم أَرَه مِن قَبل ، كان يجلِسُ كجِلسَتي و يتحدَّث بمثلِ حديثي و هو يَـفرُكُ جبينَهُ كما أفعلُ تمامًا .. و تبيَّنتُ في الشَّبحِ الثاني دُنيا .. هي دُنيا ، بنفس فتنتِها و ضَحِكِها و نَهَمِها .. في تلك اللحظةِ دخلَ القطارُ نفقًا أسودَ مظلِمًا و ارتفعَ صوتٌ موجِعٌ كالوَلولَةِ .. أدركتُ متألِّـمًا ساعتَها أنني أنا كنتُ الرّاحل ...

    فـيصل الـــزوايدي

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    المشاركات : 271
    المواضيع : 44
    الردود : 271
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    مرحبا فيصل
    وتبقى لنصوصك ميزة طرح الاسئلة عن الوجود والحياة
    وذكرتني بقريب لي رفض ان يسمي ابنته باسم (فلك) كي يجنبها شتيمة جاحد ، وكذلك الدنيا
    مودتي

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    الزوايدي ..

    نص يقتنص الجمالية الشعرية ، كتابة سردية متميزة بانسيابية تعبيراتها الوصفية ، تعلن بشكلها ومحتواها عن الانتماء للادب الذاتي ، واقعيته لا تكتسب قيمته الفنية ، إلا من خلال تمثل الواقع بحس تخيلي مبدع ،وهذا ما لاحظته في النص .

    محبتي
    جوتيار

  4. #4
    الصورة الرمزية فيصل الزوايدي أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    العمر : 50
    المشاركات : 131
    المواضيع : 15
    الردود : 131
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علاء الدين حسو مشاهدة المشاركة
    مرحبا فيصل
    وتبقى لنصوصك ميزة طرح الاسئلة عن الوجود والحياة
    وذكرتني بقريب لي رفض ان يسمي ابنته باسم (فلك) كي يجنبها شتيمة جاحد ، وكذلك الدنيا
    مودتي
    العزيز علاء .. و ما قيمة نص إذا كان اخرس ساكنا .. ؟؟
    الحل الذي التجأ إليه قريبك أسهل الحلول و لكنه لا ينهي المشكلة : الدنيا و حيرتنا فيها و معها و منها
    دمت لأخيك
    مودتي

  5. #5
    الصورة الرمزية فيصل الزوايدي أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    العمر : 50
    المشاركات : 131
    المواضيع : 15
    الردود : 131
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جوتيار تمر مشاهدة المشاركة
    الزوايدي ..
    نص يقتنص الجمالية الشعرية ، كتابة سردية متميزة بانسيابية تعبيراتها الوصفية ، تعلن بشكلها ومحتواها عن الانتماء للادب الذاتي ، واقعيته لا تكتسب قيمته الفنية ، إلا من خلال تمثل الواقع بحس تخيلي مبدع ،وهذا ما لاحظته في النص .
    محبتي
    جوتيار
    العزيز جوتيار .. قراءتك في كل مرة تحمل الاضافة التي انتظرها منك و انا اعتز برأيك
    دمت لأخيك
    مودتي

  6. #6
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    لسردك جمالية خاصة ونكهة تميزه بانسياب التعبير ودقة التصوير وحذق الوصف بتنقل بين الجوّاني والبرّاني بهدوء وسلاسة يجد المتلقي نقسه معها جزءا من مكونات النص يسهم في رسم متخيَّله ويستجيب لإشارات محموله..
    بعض النصوص لا تملك معها أن تسأل عما أراد الكاتب هنا أن يقول، فتكتفي بالجمال الذي يحتويك في كنفها

    دمت أديبنا مبدعا

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  7. #7
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,131
    المواضيع : 318
    الردود : 21131
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    سرد مشوق لقصة جميلة عميقة مدهشة
    أسلوب متمكن وجمل صغيرة متسارعة
    سايرت موسيقى النص وشعرت بحيرة البطل وهو يبحث عن ( دنيا )
    التي فرت منه ـ أو التي تركها هو .. ترك الدنيا .. مات.
    أعجبتني الفكرةواللغة والسرد والوصف واستمتعت بما قرأت.
    شكر لك ولك تحياتي.

  8. #8

المواضيع المتشابهه

  1. " الرحيل " قصة لفيصل الزوايدي (تونس)
    بواسطة فيصل الزوايدي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 03-07-2021, 12:20 PM
  2. " بيني و بينـَـك "قصة لفيصل الزوايدي (تونس)
    بواسطة فيصل الزوايدي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 29-10-2019, 07:05 PM
  3. الجدار الأحمر ... قصة لفيصل الزوايدي (تونس)
    بواسطة فيصل الزوايدي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 13-03-2015, 07:15 PM
  4. " الغروب " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
    بواسطة فيصل الزوايدي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 18-01-2014, 11:48 PM
  5. بعوض في المدينة .. قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
    بواسطة فيصل الزوايدي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 29-04-2009, 06:54 PM