وقفت أمام المرآة تتأمل نفسها ، تتحسس شعرها ووجهها ، تحدق النظر بعينيها ، تبتسم وهي تستعيد تلك العبارة التي ألقاها في مسامعها ذاك الرجل وهي تتسوق مع صديقتها " ما أجمل هاتين العينين الزرقاويتين " أحست وقتها بشعور غريب وفرحة اعتمرت فؤادها وخجل كبير ارتسم بوضوح على محياها .
موقف أحيا فيها مشاعر دفينة كانت أطبقت عليها لأجل عائلتها ، ومر العمر وفي خضم أيامه نسيت أنها أنثى وتجاهلت ذاك الجمال .
ذهبت إلى فراشها وتقلبت كثيراً ، لم تنم ليلتها وهي تتصارع مع نفسها ، أشياء كثيرة طفت على السطح وتساؤلات لم تجد لها إجابة ..لمن تعيش بقية عمرها ؟ الأخيها الذي سافر للدارسة وتزوج هناك ؟ أم لأجل الناس الذين طالما حرصت على أرضائهم كحرصها على نفسها .
شعرت بثورة تتأجج بين أضلعها وهي تستعرض كل الفتيات اللواتي بعمرها ، بناتهن تزوجن !! فقررت أن تغير من نفسها قبل أن يفوت الأوان .
مرت الشهور وبدت إمرأة مغايرة تماماً ، وبدأ الكل يتساءل " هل هذه رضا حقاً " ما الذي تريده ؟ أبعد هذا العمر ستتزوج ؟ من سيقترن بها ؟!!
كل هذا كان يزيدها إصراراً على المضي قدماً وعدم الإلتفات إلى الوراء ..
بإجازة العيد سافرت لزيارة أخيها ، وعندما عادت علمت بأن الشقة الموازية لشقتها قد ابتاعها رجل يقطنها بمفرده ..داخلها فرح كبير وهي تحادث نفسها " ربما يكون مثلي بحاجة إلى شريك " ربما نكون ...ولم لا !!!
التقيا كثيراً أمام منزلهما ، يلقيان التحية على بعضهما ويدخلان كل إلى منزله ..شعرت رضا بشيء ما تجاهه ، شعور تعيشه أول مرة وتساءلت هل هو الحب ؟ أم فراغ العاطفة أم الحاجة الملحة لشريك !!
كبر الفضول عندها لمعرفة كل شيء عنه ولكن كيف السبيل ..نحن الشرقيين شرقيون حتى النخاع ..فلتترك المبادرة له .
عاشت فترة مراهقة متأخرة جعلتها تشعر بسعادة عارمة ..حلمت وحلمت وشعرت بنبض الشباب يسري في دمائها ..وذات ليلة سمعت طرقاً على بابها ..إنه هو .. هرعت إلى الباب فإذا بها وجها لوجه أمامه .. ارتبكت وتلعثمت ثم تماسكت للحظات وبادرته بلطف " نعم ماذا تريد " قال أنا مسافر فجر اليوم وجئت لأودعك .. تمتمت مسافر إلى أين ؟ قال : للعلاج ..شهقت للعلاج!! وماذا بك ؟ قال قلبي ضعيف وممنوع من الزواج وبحاجة إلى عملية قد تنجح وقد لا تنجح ..ولكن لأجلنا قررت أن أقوم بها .
تسارعت نبضات قلبها وهي تشعر بأنه يبادلها نفس الشعور وبأنها سكنت ذاك القلب الضعيف ..انهمرت دموعها رغماً عنها وشدت على يده تودعه وكلها أملا بأنه سيعود