أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: لست صانعا ً لألعاب القوى

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : الكويت
    العمر : 44
    المشاركات : 44
    المواضيع : 11
    الردود : 44
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي لست صانعا ً لألعاب القوى

    ليس في عمري متسع للضحك وليس في سحنتي متسع للملاح الذي تعلق بفانيلة سفينةٍ ناجية ، أحملي فأسك وكسري رؤوس الإلهة وحطمي نبوءات الملائكة واصرخي بي وأنا في صلاة الجماعة وأنا في صلاة الوتر وأنا في غرفتي أصلي الذنوب المسدلة أن يخطف أحدهم نيتي الطيبة وأن يزرع مكانها أي تجعيد ٍ ربّته الفضائح .
    ليس في هؤلاء من يقدر أن يفتح وأن يغلق عني نافذة المشاهد وليس فيهم من يستطيع أن يلقيني في الأعمال الشاقة المؤبدة أو يتركني للنار الموصدة أو ينشرني تحت صلاة الهجير كالضغينة ، ليس في هؤلاء أحد يستحق أن أجعله يعتلي صدري الآن ثم أغلق الصدر عليه .
    عيشي في الساعات وفي الأيام وفي الشهور وفي السنين عيشي واحسبي متى سأنساك وتخيلي كيف ينسى من مزق الساعة وحطم الأيام وخاصم الشهور وقتل السنين ذكراك ، تخيلي كيف ينسى من شأنه العام والخاص حين يمشي في الأسواق يتلفت ليبحث عنك وحين يكون مع نفسه يحمل إزميلا ويفتش عنك ، تخيلي كل المشاهد العامة وكل المشاهد العارية التي يعيش كل أدوارها إنسان دخل في صراع ٍ مع الزمان دفاعا عن ناقوسه وناموسه .
    لست صانعاً لألعاب الـ قوى ، ولا أجيد العاب الخفاء ، ولست متهما بأني ألعب بالمفردات لأني أجيد إطلاق سراحها ، لكني متشح بالوسائل ومتسربل بالفضائل مهما حاول أن يستظرفني السوء ومهما حاول أن يقصيني الذنب وإني والله لست أكثر من طينة ٍ تعيش على المحك وتكتب على المنتهى ، أنا أدور فيك كما يدور الأتان بالرحى وإني بلغت فيك ما بلغ السيل بالزبى وإني والله لو تأملت وجهي الاستعارة وعيني التهويم وشفتي الاختزال وقدمي الارتجال وقلبي السقطات وروحي الغلطات لما وجدت أكثر من ألم ٍ يحاول أن يترجم صرختي لكل اللغات التي تثير اهتمامك .
    لا أكتب لكي أفتح مجالا للاستعراض لست بهلوانا ولا سيركا لكني أيتها الناتاشا الخالدة أخلق من أعمالي قبل أحاديثي نصوصا روحانية لا يفهمها من يملك دكانا للعامة ولا يجيد قراءتها من يملك سردابا للخاصة وحده المختص بروحي مثلك من يستطيع أن يقرأ عوراتي كما يستطيع أن يقرأ حسناتي ، لست المهلهل ولست ابن تيمية ولست السيد السيستاني لست أكثر من فضيحة ٍ عاشقة كل همّها أن تركب باصا ً لتصل إلى سترك .
    تمرق بين صفحاتي فتاة تتحسس ألمي وتمرق أخرى تضوّع قلمي وتمرق الدنيا قبيل المروق لتطوع نهمي لكني أتركها على بركتها وأترك المروق على مصلحته وأترك كتفي وجذعي وقدمي وأمضي وحيدا لكي لا تجلس فتاة غيرك إلى جواري ، لكي لا تعلق إحداهن أي مسبحة ٍ على عظامي ، لكي لا تقول إحداهن عني أن شكلي كان وقورا جدا أو تقول كان شكله حقودا جدا أو تقول لحيته كانت تختلس النظرات أو تقول أن أنفي سرق منها رائحة ، سأغلق النافذة وأغلق الصفحات وأغلق الفتيات وأغلق الجذع والقدم وأغدو طريقا طويلا لا يهاب التلقي ولا يهاب التصدي ولا يهاب لله في خلقه شؤون ولا يهاب منشأ الأسطورة ولا يهاب قطاع الطرق ولا وعاظ السجون سأغدو ذلك الطريق الذي سيقفز من فوق رقاب كل فتيات الأمة والذي سيتجاوز كل رجال الأمة من أجل أن يصل إلى عليائك .
    هأنذا أجيء إليك فارغا مليء الخواء ، هأنذا أجيء إليك بعريشة من الشرايين وأعدك باسم يباسها أن لا أحمل إليها غير مائك ، هأنذا أجيء إليك بكل الخرزات المطلسمة لاتحول أمامك أديبا جفّت مقاسات لغته ونفدت أملاح شفته وتيبست أفراح محبرته وهاجرت روحه كطائر أغريقي في كتاب ٍ أصفر ٍ مغبر ٍ كوجه الشمس الذي أعلن الرحيل .
    هأنذا أجيء إليك والظلام يتهاوى والنساء تتهاوى والمجرة تتهاوى والكواكب تتهاوى والأخدود تتهاوى والكون كله في عينيّ كربطة ِ عنق ٍ لا تعرف أن تربط نفسها ، هأنذا أجيء إليك وغرفتي المهجورة وسراجي المكسور وبركتي المغمورة ونخلي المنحور وألمي المسجور يتناثر كالملح على جراح الوسادة المعقودة بأحلام التوبة .
    على مرمى الحقول أحدهم ينبئني أن القمح سينضج وأحدهم يقسم أن السنابل ستعود والثالث يردف أن ما سحقته الجرادة من لون ٍ أخضر سيتدحرج من نبتة الأرض وسيطلع ، الكل يحلف ويقسم ويعد والكل لا يعلم أني لا يسكنني انتظار القمح ولا السنابل ولا الخضار الكل لا يعلم أن ما يسكنني لا يمكن أن تغلقه عروة الطبيعة ولا انشوطة الديالكتيك الكل لا يعلم أن مجمرة الروح لا يطفئ لهيبها إلا وجهك البرد السلام المؤمن المصلي لله لي لحظة حب ٍ عاطفة ، الكل لا يعلم أنني أنتظر من تأتي على حين طفلة وعلى حين غفلة وعلى حين أول الدرب الحي لتنقذ تقاسيمي التي ألقت في الموت حجله فرأت فتاة تحمل في ردنها كل ما تيسر عن حياة السجون .
    هأنذا أجيء والغمّة تسبق عيناي وعيناك ِ الدمع تمر في صفحة السجادة ومريم العذراء مجهشة بالبكاء حين علقوا على باب ذاكرتها صليبا يشنق ابنها اليسوع مع رجل ٍ يشبه الرماد ْ ، هأنذا أجيء إليك ِ وعمرا طويلا قد مضى وعمرا قصيرا سينتفض فوق كفي ليخبر كل جيراننا الحالمون أن غدا ً سيجيء دون ميكال الطيب ودون مطره ، هأنذا أجيء إليك والحب العتيق فاعل خير والخير الصديق عيون السماء الخجولة والخجل الرفيق أسفار الأسف والأسف العريق يشجب الحقل الذي لم يزرعني عسلا يتصفى من سمام الإبر .
    هأنذا أجيء إليك وإيقاعي الأعمى الأطرش لا يقيم فرقا بين يباس ٍ ونضارة و هـأنــذا أشق طريقي في أنشودة لقرية ٍ غشاها الضباب فقام لحنها يشهق وقامت بيوتها الطينية تستلهم الصبر من معزوفة الجبل ، هأنذا أجيء إليك وطيفك يجتاحني من كل الجهات ويمد نفوذه في كل الرئات ويفتح نفقا لعلتي التي تأبى أن تخرج من بين جنبي .
    هأنذا أعظم الخاطئين وأصعب الخاطبين وأكثر المجرمين الذين مثل هذا الأفول قد زاروا قلبك ، هأنذا أكبر أقصوصة ظلّت تناجي مسائك الكلوم وأكثر ناحبة ضلت عن دربك الكروم وأصعب ساقية ردمها طمي كفي المطهم بالعثرات .
    هأنذا أجيء والعبيد في لثغاتهم يعرفون أني أجيء كحديث الملوك ، وهــأنذا أجيء والملوك في رواحهم يعرفون أني أجيء كهذا العويل الذي قسّمني إلى بضع وسبعين ثلّة من دم ٍ مراق ، دقات عظامي تصطك ونبضات روحي تصرصر ولوحدي أنا أجيء كهذا القحط لأسكب المكان خضارا وأنا يابس ، لوحدي أنا يا أيتها الناتاشا أتنفس مختنقا دون أن تقرأ مشكاتي كفا تتضرع لله أن تحف يداكِ مماتي ، هأنذا طينة لا تجيد أن تسقي حجاج بيت الله الحرام من زمزم ولا تعرف أن تذبح لهم من غنم نفسها إربا من اللحم أو تدعو لهم أن تمطر السماء عليهم ما شاءت من البركات على ألمي .
    هأنذا أجيء إليك ِ فخذي من وجهي فمي وخذي عن كاهلي بدني وخذي جلّت قدرة أخذك كل ما حط على أجنحة حبري وكل ما تداخل مع ميزان نثري وكل ما تزاحم معي من يوم الجمعة فأنا أيتها السبيل الحق سفينة نوح لكني لم استوي على الجودي بعد ولم أنجو من الطوفان .
    هأنذا أجيء إليك ِ وأمة قايين ضوء انكساري وفجري المبتور وقمري المشتبه به ، هأنذا أجيء وحديقة النخيل تحمل معها إضبارات من البلح الذي لم يوشوش الشام ولم يباع في مكة ، هأنذا أجيء إليك ِ وأفياء الوجود ترميني مع كل حرف ٍ بحصاة ٍ وسهم ، هأنذا أجيء والغربة تشويني كدجاجة ٍ على تنور ينفخ بطني بسيخين من الذنوب العالقة بالطين وبكلمتين من الليال المدرعة بدرعين من الخطوب ، وهأنــــذا أجيء وعسكر الأخطبوط واقف على الباب ليحولني إلى مرثية تتجاوز أبواب المسامات وتلقيني في حرف ٍ بلا معنى وفي ورقة ٍ بلا لحد .
    هأنذا أجيء إليك ِ والبنادق لا تشيخ ولا تزيح عن رقع ثيابي هأنذا وكل الذين يصلبون قبيل الفجر وبعيده يعلمون أن مسمارك دق جدراني الأربعة بمطرقة العاصفة ، هأنذا وأحلامي لا تبلغ عتبة الفجر ولا تغادر سلّم الليل ولا تفصل جسدها عن روح الحدود المتشحة بأردية الجرح وببلاغة الدم القاطر على مصحف عثمان .
    هأنذا كل ما يمثّله المنثمل المنتشي بملامسة الزهر الأسود وبمعانقة نحلات سكرى بزيت البارود تلفظ فيه النحلة عسلها عبر الزوايا المعتمة للانكفاء ، هأنذا أجيء ولندن تذهب لمقابلة خطيبها وأستراليا ترتع النشوة في بارات نتالي والهند تفيض بصحة طاغور وهــأنذا ولوحدي الذي يرمي كل هذه الصيدلية من يده ويتناول عوضا عنها أربعة أيام ثم شهر من الجوع والسعال .
    هأنذا ولم يسبق لي أن زرت كل ما تعسر من وجع ٍ أزوره ولا آلو على نفسي مرضا أو غبار ، هأنذا أدس أصابعي في حطام زبد البحر الممتد لحدود الملح وأشرب من فيض هذا القذف المرير الزبد وأرقص غرقانا على ألحان بحر ٍ ظل موجه يعزف الماء الأسود .
    هأنذا مضغة أصغر ذرّاتها تتذكر لكم فتّشت عنك بين جدران الأرحام وبين ثقوب المصران ، هأنذا والطور يهرب بسيناء وسيناء تهرب بإني آنست نارا ً وإني آنست نارا ً تهرّب موسى إلى عهد الخطاب الجليل وأما الصحراء فتترك لي لتأخذني إلى ليل ٍ مثخن ٍ برفات ذلي البلاد .
    هأنذا أجيء إليك ِ وأمي هناك تحدّث جاراتها عن ولد ٍ أمرد ٍ رحل قبل أن تقرع على سهوله الطبول وقبل أن تمر على روابيه الخيول وقبل أن تغرف من عينيها دمعة يحدثنها الجارات عن ولد ٍ يشبه ولدها جناه الغزاة قبل ليلة ٍ من الوصول .
    هأنذا أجيء إليك والجارات لا زلن يحدثن أمي أن أحبلي بآخر لعلّه يجيء بلغة السيول ولغة المثول ولغة التعويض لقرميد البيوت التي تقشّر عنها لونها الأحمر وتركها تتعفر بكف الريح تتفجّر من قلب التراب .
    هأنذا أجيء إليك ِ وأبي هناك يحدث جاره في القبر عن أبنه الذي ذهب في رحلة الشتاء والصيف وهو في قمة الالتزام بجدرانه الطينية فسقط كالخريف وتراجع كالربيع وعجز عن مواصلة الطريق وعناقيد الإغماء تستلب منه الحياة ، هأنذا وأبي يقول لصحبه أني في مأزق طيني لا يستطيع الوقوف على قدميه ، صحبه الطيبون يحيطونه لثلاثة أيام عن حكاية ٍ لشاب ٍ أمرد كان حزنه الكبار وفرحه الصغار احتلت قوات الاحتلال فمه لأسبوعين ، صحبه الطيبون يرتلون عليه أحسن القصص عن ذلك الشاب الذي يشبه هم أبنه ويقولون له لا تحزن فإن المعاملة السيئة التي يتلقاها ستأتي حتما من المعتقل لتجاورنا هذه الرحاب .
    هأنذا أجيء إليك ِ ومزنة هناك تحدّث رفيقاتها في الحواري عن أخيها الذي تبخّر عنها فجأة وتركها تغلي أشواقها في قدر ٍ أثافيه تسلب منها أبسط حقوقها في السؤال ، هأنذا ومزنة يكابد دمعها خيال أخيها بخوذة ٍ صفراء على رأسه وبصمات المدفع الرشاش على جسده فيسقط قتيلا في خيالها فتبكي وتبكي رفيقتها ، مزنة الطيبة تتجه إلى الله أن أنقذه من هذا العقاب الذي حاذى عنقه ، هأنذا والصديقات يجتمعن حول مزنة يترنحن بتشجيعهن ويقلن لها سيأتي يجر أسماله صدقينا فهو يشبه جارنا ذاك الذي اغترب منذ عام ثم باض دمه في موسم التمر و .. ، وتلوّح مزنة وهي هناك في وجه الصديقات أن ألقمن هذا الحديث كل ما ترشق من الدعاء لمغادر ٍ آت ٍ يشبه القرآن .
    هأنذا والأصدقاء في فرنسا يعلمون و في حي ناتاشا يعلمون وفي الدير الذي ربّى ذاك الصليب يعلم أنني صلبت بأمتي الكاملة جراء فريتي وإني تبت بأسناني وبلساني وبفمي وبوجهي وبأعضائي ، وأني بجميع أشباري وذراعي أقبّل ثرى كل ما تخصّر من ذلك الشسع الذي سوّر داري .
    هأنذا انتقل من شريان ٍ لشريان ومن مكان ٍ لمكان ومن مفعول ٍ به إلى مفعول فيه إلى فاعل إلى مضاف إلى مضاف إليه إلى ضمير ٍ سقطت في قلبه خمس رصاصات ٍ لينحرف عن جادة ناتاشا ولا يفعل .
    هأنذا فبلغي سراة المنتقمين إنني سلمٌ لربي أخمصي ودمائي وحرّكي كل دومات الجندل وكل تبوك وكل الذين فرّوا من الروم والذين جزّوا الرؤوس في آب ٍ أنني فداء ٌ لكل ما صالت به خيلك ولكل ما غدفه على ّ سوقك من خرقات ٍ تحدّث وجعي الأحمر .
    هأنذا وجريرتي في كل أرض ٍ تتقى وأن الخطيئة التي لا جيش لها حين صاحت وامعتصماه جرّ عليها المعتصم جيشا من لحم لا يحييه إلا السيف وتلك اليمن رأبت عين جريرتها ترع الحب وردمت شقوق سريرتها ساقية السلام ، هأنذا أذاكر دافتر سيف بن ذي يزين وأراجع كراريس غزوة مؤتة أمد يدي نحو التاريخ يا ناتاشا فترجع لي الأيادي من غير أصابع .
    هأنذا وخالد يصيح بين يدي في يوم مؤتة تتكسر في يدي تسعة أسياف وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة رمح أو ضربة سيف أو رمية سهم لكني أموت على فراشي كميتة ِ البعير ألا شاهت أعين الجبناء ، هأنذا وناتاشا تعسفني الإجهاش والبكاء وتضورني جوعا ً على سطر ٍ تخصّر بنار .
    هأنذا تشتق مني آنية اللظى ويؤخذ مني كل ما يغمس في جحيم برومثيوس ويسلب مني حين تصير غصون النخل رماحا ولا تقتلني فالناتاشا حوّلت لحمي إلى نزع ٍ أخير لا يسكن الفناء ولا يفارق طحين الأسى ولا دقيق الدرن المستديم .
    هأنذا تطعن عيني نظراتها الأتقياء وتقتل صدري دمعاتها الشرفاء وتدوي بقلبي قسوتها الغرباء ، هأنذا أطوف طوابير الذين يحزنون وأعود للثلة التي ضرّجها المختصمون وأعيش في عار الهزيمة وأموت في فاتحة الطعون ، هـأنذا لم اكتمل بعد ولم أضرب أنواء كل هذا الجند المحتشد على جانبي وعرس ناتاشا يمضغ الحرث ويلقّن الأوراد الحداد عن جوع ٍ سقط في لجة ٍ لضرير .
    هأنذا أتساءل والثالوث الأب الابن روح القدس في هذا الليل العويل يسحبون الطويل إلى قصار الأخاديد ويلقون القصير في أطوال حفرة تسخر من ظرف الزمن الذي أوقع هذا العامر بالنهاية إلى ظرف المكان .
    هأنذا ورقة مكتوبة بخط العراء يجهضها الهواء ويقدسها الخواء ويلعب بها الفضاء من رأس سطرها حتى لون حبرها المستنفذ ، هأنذا تصيبني قداستك بأربع حسرات من العجائز وتصيبني بثلاثة شيوخ من الكمد وأنا أكرم نفسي بشرب كل ما التقط ثقب قلبي بالرايات الحمراء .
    هأنـذا زاوية ٌ أخرى يطويها حد الستار ورواية ٌ أخرى تنهيها هي عندما تحلل الفصول إلى تجديف ٍ لا يستطيع أن يُتم استدارتها يجفل كرمال الحزن ويخاف كطين غير مخمص بالعزيمة ويخلع التماسك عند مقامات الرغبة في التقيؤ حين تطرق هي غياهب جب غير مسمى الأجل .
    هأنذا يدخلني الناس من كل حدب ٍ ويفتحني الحفاة والعراة والجياع ليضعوا قدم أكلهم الكبيرة على لحمي العدم ، هأنذا وسواد الليل تنبجس منه مواعيد لقلب ٍ انهكته سورة غافر وعذبته سورة التوبة وأضنت روحه آية الكرسي .
    هأنذا وبلادي هناك تبكي من بين أظهرها كل وثائق الوفاء وتدعو أن يردّني الله عليها وتبدأ ترتيلها باسم رب أمري فيتجلى رب همي ليلحس البلد وليمضغ الوثيقة وليردني إلى مناسك ذوت على محاجرها خمّارة العم سام وحطّت على مآقيها بومة خالتي قتاد و تبطل الصلاة بريشتها التي يسحقها الركام .
    هأنذا وليلعن الله كل من دنّس اللون الأخضر وليعلن الله كل من أكل الصبيان والنساء وأذرع الثقاة وليحرّق عليهم العيون والبطون وليمنع عنهم كل جار ٍ سرّجته البركات وليلقيهم مثلي على الأعراف بأعين ٍ معصوبة تحاول أن تستشف طريقها وتحف يقينها وأحشاؤها مقتولة الجنود والنظرات والدماء .
    هــأنذا جريمة ٌ تعلّم الحروف الرماية ، وتدرّب اللغات التصويب ، وتشعل ألعاب الحواة في المدارس والبيوت وسعف النخيل ، وتلقي بشراك نعلها الآثم خارطة الطريق لتمشي ناتاشا أخلص الطرق إليها وأنا أجيء إليها كما أنا وطينتي النار .
    .
    هأنذا فارفعي عني ظلال المدينة وسوقيني إلى ريح ثغرها يشويني على أثافي الشمس لأهذي بحريقي عن ميت ٍ أرسلته المقابر ليفتش في حياة العراء عن ما دبرته المناشير ليعود إلى صحبه المنتظرون في أربع الجدب ليقص عليهم كل حديث ٍ رآه عن شيطان ٍ أكل ظهر ملاك وعن ملاك خان الله فعلّق في بابل .
    هأنذا تطول حكاياتي وتكتريني العيون الجائعة وتحتويني زبانية أعظم الطامرين وتكويني الرياح الصفراء وتقلّبني في كبد سمائي صدق العيون التي صانت الأطمار و خانت السكة المستطيلة ، هأنذا والأذرع مكوّمة فوق صدري ترتخي الأظفار في شبكية عيني وتحفر النميمة بطيني وأنا أنض عن نفسي كل هذه الأذرع فلا أذرع إلا لشبّاك ٍ يطل على راهب ٍ دنّسته الخطيئة .
    هأنذا والرفقة الذين ولّوا مع الحب تحت جناح الليل يسألون الطرقات كيف يستميلوا شمعة يتلمسون بها الخطوات ، فترد الطرقات منذ مرور القاسيات علينا خطف الإله عنا الطعام فأصبحنا صوما ً لا نفطر على شيء ٍ إلا البكاء على حبيبته المنتظرة بنت الذوات .
    هأنذا وسلالم المدينة تقيل الصعود ومنابر المدينة تستقيل عن الخطابة هأنذا والمدينة ملئ بالمخبرين والمخبرات وملئ بالثقوب الكبيرة التي باتت تحدّث الكهوف أن استعدوا باسم رب سارق النيران سنوسع لكم الأفواه لتأكلوا النور ملء الرضا .
    هأنذا تعانق قلبي ناتاشا تعلق روحي بجديلتها ثم تمشّطني يسيرا يسيرا باتجاه كيد الهباء ، هأنذا والمراعي الخضراء في قصّتها لا تمسها السبع العجاف ولا يأتيها الطير يأكل من رأسها ولا يأتيها ساقي الرب خمرا وحدهن البقرات السمان سيأكلن يباسي وعجافي وسيدعن أرضي البور بورا من البثور والدثور .
    هأنذا أخرج من معسكري الصمت وأحدّث الناس عن شتلة ٍ شالها جنة الفردوس وأنفاسها مسك عليين وخطواتها اللجين وحديثها الرضوان ، هأنذا أقول وأنا أترك الصلاة وأدخل في سنابك كفري أن الله خلقني من انفتاق الجرح بسروالين من الدم الذي أهريق على باب المدينة ، هأنذا ذاك الذي ضيّع الدين وامتهن العواء وراح يمزّق أوراق الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن الحزين ينشد أذكار التمائم على شرك ِ جند المدينة .
    هأنذا أسحب كل الرجال من شواربهم وأسحب كل النساء من أذيالهن وألقي بالعالمين في البقاع البعيدة ثم أخابر البلدية أن تكنس عني كل هذه القمامات التي حدّثتني عن عشتار ٍ تلين الحديد وتقرّب البعيد وتؤتي الطلع النضيد وتزّين الدنيا بالدفء كما زيّنتها بالبرد وتضج علينا بالخبز وببعض سلام روته لنا الجدّات عن ربّة الزرع التي سدّت الرمق بجودها .
    هأنذا وعشتار هناك تشرب الخمر وتعاقر قافلة النشوة وتحدّث كأساتها أن لا تلتفت إلى جام حلمي الصغير وقلبي العظيم وأن تزهق فيه أرواح الماء وأن تخرج منه أكواز الأنبياء وأن تجعله يتجخى على جداره الصدري برئتين ردمتها النصال .
    هأنذا كانت لي جنتان أمدها متان وكانت لي أبواق تصيح بالبسملات السمان وكانت لي كائنات المطر تأتيني دون أتان وكانت لي قبة ٌ خضراء لم يطمثها إنس ولا جان وكانت لي أكف سيدها الخضر أذان ، وهــانذا أخيرا ً أُدان وتدان معي بأي آلاء ربكما تكذبان فأصيح كما صاحت الجن أنك تعالى جد ربنا لا نكذب بأي آلائك ويا ويا .. رحمان ، صلاتي إليك ِ و و ، وآيتان .
    هأنذا وبعض البشر يجلون نهري وبعضهم يخثّرون دمائي وبعضهم يختزلوني في هذا المد الخائف وبعضهم يجزّرني في هذا الجزر المتوقد بأمواج متراجعة ، هأنذا واليم يرقب شعبي ومرجاني ويرقب لسان الناس الذي يحكي عن طفل ٍ خطفه البحر وتزوج حورية حوّرته إلى نصف ٍ بشري ونصف ٍ سمكي ثم تركته لأسماك القرش .
    هأنذا منذ عشرين أدس مواجعي في الرمل فتنبت مواجعي أشجارا ً من الدمع وهأنذا منذ عشرين استزيد من الرمل فيستزيد وجعي أشجاره إلى غابة ٍ من الشمع الأسود ، وهأنذا منذ عشرين اقتني لوجعي نبوءة يثرب فتهرب يثرب بعد أن تلقمني نبوءة الصدّيقة ناتاشا عن غلام ٍ سيجيء في ليلة العاشر من محرّم بوجهين من الطف .
    هأنذا والأحاديث الشهيّة تغادرني عشية اللغة وصباح الحرف وتغادرني ومدخل أوراقي عريساً فقير لا يملك مهر المفردات ، هأنذا وفقري عند مدخل داري ينادي رب ّ أيوب أن يخبئني في حي ٍ لأبن آوى يبادرني بنهاش ٍ يمر على لحمي .
    هأنذا وناتاشا تستزيد أوجاعها في غيّابات صدري وتسافر أوردتي إلى يباس ِ عجوز ٍ تغفو على سلّة ٍ من الذكرى تروي أقصوصة شيخها الكهل الذي بعد عسر ِ المعيشة طلّقها منذ عشرين بين ضلوعي وأطلقها منذ عشرين بين دموعي وأعد لها كل ما استطاع من إثم ٍ ورباط وهم ٍ لتتعسر أنوثتها وتتعثر بطلوعي .
    هأنذا منذ عشرين أسمع أخي الكبير يتلو على مسامع الضياع اسمي ويقول ستجري في هذا الولد سنة البلد الذي زارته الريح ذات كره ٍ صقيع فحولته إلى نشور ، ستمضي فيه لعنة الريح التي جففت رمل الأرض وجعلتها عارية ينبض الستر بفؤادها الوهم .
    هأنذا والكل يصمني بصمات السمن والزيت والكل يتهمني بصفات ِ القمح والهيل والكل الآخر يحمل منديل دموعه ويترحم على ّ قائلا كان مبدعا ً بين يديه تشرق اللغة وضاءة ناتاشا ، وكان لامعا بين يديه تحمل الحروف نبوءة النور ، وكان بارعا ً بين يديه يتوضأ الصبح ويصلي الفجر وتتبتل الأفلاك بصدق وجهه الإيمان ، وكان عشرينا من عمره حين سلخ ربوة كل ما تعسّر على الأسطر وحين بقر بطن الدفتر وحين داج حبره الناصية .
    هأنـذا أجيء إليك ِ منذ الطينة الأولى وكيري النافخ الوعثاء تكتريه النواصي وتعض على نواجذه الجراحات القاتلة ، هأنذا أظهر كما خلقني الله باسمي وبلغتي وأطعم كل زناد ٍ تقوّل عني الحديث بأني منذ عشرين كنت ولا زال أول الحديث وناتاشا حبيبتي هناك حين عانقني الوحل بأم روحها رأت أن المحدّثين كانوا كُثر لكنهم كانوا أوحالا ً لا تستوي فيهم الغايات ولا تخضهم الشهور التسع نظافة ، وحدي كنت وبوحلي أول عابر للحديث وأول وحل ينجو من وحولته ليسكن سحرها الأخضر .
    هأنذا أجيء إليك والصالون يأبّن صوتي والماعون لا يقبل فوتي والشاه الذي ضرب الرخ لم تستهويه ألاعيب الأيام فنام مع أوهام الحصان الذي يحرس القلعة ، هأنذا بعد أن خنت الرفاق وخانني الرفاق وخاصمت العناق وخاصمني العناق وهجرت الوفاق وهجرني الوفاق لوحدي هنا والغربة تحدّث رقعة الشطرنج عن ملك ٍ حاصرته البيادق.
    هأنذا وبيبرس يقود المماليك يخبّرني قلبي العجوز أن نبضي الأشيب أخيرا سيطوف بدياره المطهّمة ليعلن الخفوت لكل الساكنين في بيوت العنكبوت .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    أخي الكريم خالد العلوي ..

    نفس طويل واسلوب أدبي فيه صولات وجولات ما بين جميل اللغة وبين مفردات القرآن ، استطعت توظيفها
    بحرفيه دون الولوج في المحظور ..
    أتمنى أن لا يغضبك قولي بأن نصك مرهق ..
    استخدام ألفاظ القرآن يجعل القارئ يعود للجملة أكثر من مرة حتى يتيقن من صحة ما يقرأ خوفا من الفهم الخاطئ ..
    لغة قوية عميقة جميلة البناء ..

    تقبل مروري ..
    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    العلوي المميز...

    هذا النص حامل لصور غاية في الجمال ،وسط كلام منفعل ومتشنج ، لكونه نابع من اعماق تمارس فعلة الوعي المستنير ،وهو ما يعني ان النص قابل لكتابات متعددة، رغم ثقل الرسالة المبثوثة في المعنى ومدى الحاحها على الكاتب، وفقا لمنطق السلطة / اللحظة ، ووفقا للتوظيفات القيمة للغة نفسها ضمن اطار ذاتي وعام .

    دم بخير
    محبتي
    جوتيار

  4. #4
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    وأترك كتفي وجذعي وقدمي وأمضي وحيدا لكي لا تجلس فتاة غيرك إلى جواري


    \

    ماأنقاك أخي خالد

    وما أطيب ريح سطورك النقية
    الإنسان : موقف

المواضيع المتشابهه

  1. <| أسئلة الطالبِ المُجِدّ وإجاباتِ المعلِّم أحمد |ّّّّ>
    بواسطة براءة الجودي في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 13-04-2016, 01:59 AM
  2. الثور .. فصل من رواية القوى والرمح والحب "
    بواسطة ياسر عبدالباقي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 29-10-2008, 04:22 PM
  3. فلسطيني في قلبه جراحه ....ّّّ
    بواسطة خوله بدر في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 02-12-2005, 01:16 PM
  4. ميزان القوى
    بواسطة محمد سوالمة في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-02-2004, 11:01 PM