أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الجدل والحوار في المنظور القرآني( د. موفق سالم نوري )

  1. #1
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي الجدل والحوار في المنظور القرآني( د. موفق سالم نوري )

    الجدل والحوار في المنظور القرآني د. موفق سالم نوري
    لعل مفهوم الحوار، وما يتفرع عنه، وما ينبني عليه، قد شكل أحد المفاصل المهمة في عملية التواصل في مختلف اتجاهاتها ومستوياتها. ولكي يأخذ هذا المفهوم مداه (الشرعي) الصحيح لابد من تأصيله وتأسيسه قرآنياً مستنيرين بنور الهدي الإلهي (قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)[البقرة:38] وحتى نطمئن إلى عملية التأصيل القرآني هذه لابد من التنبيه على ملاحظتين:
    * إن صياغة تراكيب العبارات القرآنية وانتقاء المفردات لها عمل القصدية فيه حاضرة بقوة، ولا يمكن نسبة هذه الصياغات والمفردات إلى المصادفة أو العفوية ، بل إن ذلك لا يمكن قوله بحق أبسط الكتاب والمؤلفين، فكيف يمكن افتراض ذلك بحق كتاب الله تعالى الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)[فصلت:42].
    * إن هذا القرآن نزل (بلسان عربي مبين)[الشعراء:195] ومن ثم فإن الوصول إلى الدلالات الحقيقية لمراد القرآن الكريم يحتم العودة إلى المعجم العربي أولاً، والتزام قواعد النحو والبلاغة العربية ثانياً. وبخلاف ذلك فإن الأمر يتحول إما إلى عبث غير مسؤول أو إلى خلل في التصور العَقَدي. ومثل هذا قد حصل كثيراً في مسار الفكر الإسلامي قديماً وحديثاً.
    ففي ميدان (الاتصال) وردت في القرآن الكريم المفاهيم والمفردات الأربعة الآتية:
    الحوار، والجدل، والمحاجة، والمراء، فضلاً عن وقائع عملية للاتصال أوردها القرآن الكريم من غير أن يطلق عليها وصفاً معيناً. ولبيان طبيعة الاتصال ومشروعيته مع (الآخر) ينبغي تحليل بنية المفاهيم المذكورة آنفاً:
    الحوار: جاء في لسان العرب تحت مادة (حَوَرَ) الحَوْرُ: الرجوع عن الشيء وإلى الشيء، حار إلى الشيء وعنه. والمحاورة: المجاوبة، والتحاور: التجاوب. يتحاورون: يتراجعون الكلام. ومع أن اشتقاق هذا الجذر قد ورد في القرآن الكريم إلا أن كلاً من الراغب الأصبهاني والدامغاني قد تجاهلا هذه المفردة وأغفلا الإشارة إلى معناها ودلالتها.
    وعند الوقوف على المعاني التي وردت في اللسان يمكن الخروج بالتصورات الآتية: منها أن هناك استعداداً نفسياً أولياً لإمكانية تقبل رأي الآخر، دل عليه القول بأن المحاروة: المجاوبة، الذي يتضمن الإيجابية تجاه الطرف الآخر الداخل في عملية الحوار.
    ومن التصورات الداخلة في عملية الحوار الاستعداد للتخلي عن الرأي والقبول بالرأي الآخر، أي التخلي عن مفاهيم وتصورات وأفكار ليحل محلها مفاهيم وتصورات وأفكار أخرى. ولكي تكون هذه العملية ممكنة ينبغي توفر الأسس والاعتبارات الآتية في عملية الحوار: النظرة الإيجابية الفعالة تجاه الآخر القائمة على الاحترام والتقدير المناسب للآخر المعني في هذا الشأن، وهذا يقتضي النظر إلى هذا الآخر أنه مكافئ للطرف الأول ، ولا يقل عنه ندية ما يعزز استحقاقه لنظرة الاحترام. كما أن ذلك يفترض ابتداءً توفر حسن الظن تجاه الآخر والثقة بنياته. وفي ضوء هذه الأسس يمكن أن تكون عملية الحوار إيجابية ومثمرة.
    وبالعودة إلى النص القرآني نجد أن مفردة الحوار باشتقاقاتها المختلفة قد وردت في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع هي: (فقال لصاحبه وهو يحاوره)[الكهف:34] و(قال له صاحبه وهو يحاوره)[الكهف:37] ثم في قوله تعالى: (والله يسمع تحاوركما)[المجادلة:1] فعند تأمل هذه الآيات الثلاث نجدها قد عبرت عن مفهوم الاتصال وطبيعته داخل (الجماعة الواحدة) بغض النظر عن طبيعة هذه الجماعة. ففي داخل (الجماعة الواحدة) تتوفر فقط الأسس المذكورة آنفاً ما يجعل عملية الحوار إيجابية وفاعلة. فمفردة (صاحبه) عبرت عن الانتماء إلى نوع من الجماعة، فضلا عن أن مفردة (تحاوركما) عبرت النقاش الذي دار بين النبي h والمرأة التي قصدته وهي تشتكي زوجها، وهنا أيضاً هناك انتماء واحد جمع بين النبي h وهذه المرأة.
    أما مفهوم الاتصال وطبيعته مع (جماعة أخرى) فله مفاهيمه وآلياته ودلالاته المختلفة تحكمها حتماً نظرة (مسبقة) ولكنها مبنية على أسس شرعية لا يتطرق إليها الشك.
    أما إذا تسلل الشك إليها فذلك يعني الانهيار (المسبق) أيضاً الذي يفتح الأبواب على مصاريعها لتقبل مفاهيم الآخر وأفكاره وتصوراته.
    وهنا لابد من السؤال التقليدي : لماذا هذا الموقف من مفهوم الحوار مع الآخر؟ وهو موقف مسبق كما بيناه. في الحقيقة إن ذلك يمكن أن يعود إلى سببين رئيسين؛
    الأول: هو أن الأمر يتعلق بالدين وعقائده وأحكامه وقواعده، فقبول أي مفهوم أو فكرة من خارج دين الإسلام يقتضي بالضرورة إزالة ما يخالفها من منظومتنا الفكرية والعقدية والفقهية. وهذا ما لا يمكن لإنسان صحيح العقل والدين أن يقبل به. إذ لا يمكن إبدال ما جاء به الوحي المعصوم من الله بما يتولد في فكر إنسان يمكن أن يخطئ ويضل وينسى. ورُبَّ قائل يقول: نأخذ ما يوافقنا من مفاهيم وأفكار، وفي هذه الحالة فإن ما عندنا هو الأصل، وما يوافقه يعود إلى أصله.
    أما أن نأخذ بعض ما عندهم ونضيفه إلى بعض ما عندنا، فإن ذلك يُعدّ عبثاً في الدين، فما أوحى الله تعالى به لا يحتاج إلى إكماله بأفكار من هنا أو هناك مهما بدت وكأنها إيجابية فعالة. وهنا لا بد من التنبيه على أن ذلك لا تدخل فيه الجوانب التقنية والمعارف والعلوم وكل ما هو من وسائل الحياة؛ مادية كانت أو تنظيمية، فذلك من المباحات شرعاً. والحلال أو الحرام لا يتعلق بذاتها بل بالأهداف والأغراض المستخدمة لأجلها. أما منهج بناء الحياة ومنهج الصلة مع الله تعالى فإن ذلك يخضع للرؤية الشرعية وحدها، وهذه لا حوار مع (الآخر) بشأنها.
    أما السبب الثاني: في عدم صلاحية وشرعية (الحوار) مع (الآخر) فإنه يتعلق بمنهج الاستدلال على الرؤية الصحيحة للحياة وما تخضع له من أحكام وقواعد. فمنهجنا شرعي يستند كلياً إلى الوحي المتجسد بالكتاب والسنة، وفي إطارهما، فإن لنا منهجنا في الاستدلال والوصول إلى الحقيقة الشرعية. أما الآخر فإن منهجه يختلف اختلافاً كلياً . سواء كان علمانياً أم دينياً. إذ من الواضح أن لا سبيل إلى الحوار مع المنهج العلماني، أياً كان موقعه، بيننا أو في صف (الآخر) ففي مجال الفكر فإن ما عنده لا يغني في ديننا شيئاً. وأما الآخر دينياً، فإنه يستند إلى عقائد محرفة وتائهة لم تُبقِ على أصل سليم و(كلمة السواء) التي كانت بيننا وبينهم قد أجهزوا عليها من زمن بعيد، فعلام الحوار معهم؟! وليس عندهم ما يغني من جانبهم أيضاً. وتأسيساً على ما تقدم فإن (الحوار) مع الآخر لا يمكن أن يقود إلى أية نتائج إيجابية، ولاسيما أن الحوار غالباً ما يقود ويهدف إلى الوصول إلى (الحقيقة) من خلال الأخذ والرد في الأفكار والبراهين والمعطيات، ومن هنا جاء قوله تعالى :(الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)[الزمر:17]. ودينياً وشرعياً فإن (الحقيقة) معنا نحن فقط. وما عند الآخر ليس ثمة (حقيقة) يمكن أن نأخذ منها شيئاً. إذن كيف يمكن الاتصال مع الآخر؟ ما طبيعة هذا الاتصال؟ وما آلياته؟
    الجدال: جاء في لسان العرب تحت مادة (جَدَلَ) الجَدْل: شدة الفعل. ورجل جَدِل: إذا كان أقوى في الخصام، وجادله: خاصمه، والجدل: شدة الخصومة. والجدل أيضاً: مقابلة الحجة بالحجة، والمجادلة: المناظرة والخصومة. ويزيد الراغب الأصبهاني في المفردات وتحت نفس الجذر، الجدال: المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من جدلت الحبل: أي أحكمت فتله. ومنه الجدال: فكأن المتجادلين يفتل كل واحد منهما الآخر عن رأيه. وقيل الأصل فيه الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة، هي الأرض الصلبة. ويذهب الدامغاني في قاموس القرآن إلى هذه المعاني نفسها.
    وعند الوقوف عند هذه المعاني يمكن الخروج بالدلالات والتصورات الآتية عن معنى الجدل والجدال والمجادلة؛ منها وجود التنافر والتقاطع الذي يبلغ حد الخصومة والمنازعة أصلاً بين الطرفين المتجادلين، ثم هناك الرغبة المسبقة في تغيير قناعات الطرف الآخر وأفكاره. وعدم وجود اعتبار التكافؤ والندية بين الطرفين، بل إن كلا الطرفين يرى أنه فوق الآخر وأفضل منه. ثم إن الجدال لا يهدف إلى تنمية الأفكار والمعطيات بغية الوصول إلى الحقيقة، بل إن الجدال يهدف إلى إبلاغ الطرف الآخر وإقناعه بما عنده من (الحقيقة) فليس هناك أي استعداد لتقبل فكرة ما، مهما كانت، من الآخر. بل إن ذلك مرفوض رفضاً تاماً، وإذا كان الأمر دينياً، فإن تقبل فكرة ما من (الآخر) يعد كفراً وهرطقة، وحتى نكون منصفين فإنه ليس ثمة دين معفي من مثل هذا التصور، بل إن الأمر يخضع لصرامة حادة.
    وقرآنياً، فإن هذا المفهوم واشتقاقاته ترددت في القرآن الكريم (26) مرة، وهي بذلك تكررت أكثر من بقية المفاهيم والمفردات ذات الصلة بالموضوع. أما مجال استخدامها فإنها جاءت في الحقيقة لوصف عملية الاتصال والخطاب بين طرفي الدعوة؛ الأنبياء والرسل والدعاة من جهة وأقوامهم الكافرة من جهة أخرى. فقد وُصف بالجدل والجدال كلام الدعاة، وخضع للوصف نفسه كلام أقوامهم المخالفين الرافضين للدعوة. فقد وصف الله تعالى كلام الرسل مع أقوامهم بالجدل (وجادلهم بالتي هي أحسن)[النمل:125] و(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)[العنكبوت:46] ووصف المشركون كلام الأنبياء بالوصف نفسه، فحكى عنهم الله تعالى قولهم لنوح u (يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا) [هود:32] كما أن الله تعالى وصف كلام المشركين مع أنبيائهم ورسلهم بالجدال أيضاً: (وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق) [غافر:5] و(إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم) [الأنعام :121] إذن فإن كلا الفريقين يجادل الآخر ليثنيه عما هو عليه، ويغير ما عنده من عقائد وأفكار وأخلاق.
    إن إيمانك بأنك تملك الحقيقة، وأن عليك إبلاغها الآخرين، من غير أن تتأثر بما يعتقدون ولا تأخذ منه شيئاً، هو في الواقع (جدال). ومثل هذا التصور لا ينبغي أن يكون في داخل الجماعة الواحدة؛ لأننا كما بينا فيما تقدم أن طبيعة (الاتصال) داخل الجماعة الواحدة يعتمد على (الحوار) كما ذكرناه في مكانه من حيثيات. أما الجدال في داخل الجماعة فهو مذموم لقول النبي h في الحديث الذي ذكره ابن منظور (ما أوتي الجدل قوم إلا ضلوا) ليس فقط لما فهمه ابن منظور بقوله: (والمراد من الحديث: الجدل على الباطل وطلب المغالبة به) فالمراد من الجدل في الحديث الواقع في الجماعة الواحدة (القوم)، فالجدل داخل الجماعة الواحدة لا يقود إلى الحقيقة، لأن غاية الجدل ليس الوصول إلى الحقيقة، بل تبليغها، فإذا اعتقد كل طرف في الجماعة الواحدة أنه وحده يحتكر الحقيقة، عند ذاك تقع الضلالة، في حين أن الحوارـ وكما تقدم بيانه ـ يقوم على أساس إمكانية الأخذ من الطرف الآخر، وهكذا يقع تبادل التأثر والتأثير، وذلك هو طريق الوصول إلى الحقيقة (أي الصواب) لهذا لا ينبغي أن يكون ثمة جدل في داخل الجماعة الواحدة، بل لابد من الحوار. أما مع (الآخر) فلا يصلح إلا الجدل.
    ولكن أي جدل هذا؟ وقد تقدم في بيان معناه اللغوي أنه مشحون بمعاني المنازعة والخصومة! وطالما أن الجدال جاء وصفاً لكلا طرفي الدعوة. فإنه لابد من القول أنَّ ثمة جدالاً على الحق وبالحق، وثمة جدال بالباطل وعلى الباطل يدور. من هنا ميز القرآن الكريم بين هذين الوصفين في مواضع عدة. وهكذا أمر القرآن الكريم أن يكون جدال أهل الحق بالتي هي أحسن فقال الله تعالى: ( وجادلهم بالتي هي أحسن)[النمل:25] و(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) [العنكبوت:46] وإذا كانت الثانية قد خصت أهل الكتاب بحسن الجدال، فإن الأولى جاءت عامة مطلقة تشمل كل من هو خارج دين الإسلام ومن استحق وصف الكفر من المسلمين أيضاً. فما هي معايير الجدال الحسن وأسسه الذي به يتم العمل على هداية الآخرين وتغيير قناعاتهم الضالة، والأخذ بأيديهم نحو مرضاة الله تعالى؟ وقد أجاب القرآن الكريم على ذلك بتوضيح خصائص حسن الجدال التي تخضع لمقومات حسن الخلق الإسلامية ولمقومات النجاح أيضاً:
    1- الاستناد إلى مقدمات صحيحة تشكل ثوابت في الجدال يمكن من خلالها الانطلاق نحو بقية المفاهيم الشرعية، ومن ذلك قوله تعالى :(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ) [آل عمران:64] فالانطلاق من الثوابت يسهل عملية التبليغ وأداء الحقائق بوضوح.
    2- الرحمة في الدعوة، وبتبييت النية الحسنة لهداية القوم إلى دين الله تعالى، قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران:159] ومع أن الآية جاءت في سياق الحديث عن المسلمين غير أن مثل هذه المعاملة تعاطاها النبي h مع المشركين أيضاً، فهو في أكثر من واقعة يرفض الدعاء عليهم، بل كان يدعو لهم بالهداية، وقوله لعلي t في معركة خيبر: لئن يهدي الله بك رجلاً إلى الإسلام خيرٌ لك مما طلعت عليه الشمس.
    3- التزام قواعد الأدب في التعامل مع الآخر، فقال تعالى :(وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام:108] بل لا بد من الاستعانة بلين القول والرفق واللطف، وإذا كان ذلك واجباً مع العتاة والجبابرة، فإنه أولى ببسطاء الناس وعامتهم قال تعالى :(إذهبا إلى فرعون فقولا له قولاً ليناً) [طه:44].
    4- استخدام أساليب الحكمة والموعظة الحسنة لقوله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل:125] والحكمة هي ثمرة ناضجة من الفهم والمعرفة، والموعظة الحسنة بيان حقائق الإيمان وما يترتب عليها من ثواب وبيان مساوئ الكفر والجحود وما يترتب عليه من عقاب، فهذه من ضروريات التبليغ ولوازمه الأساسية.
    5- أن يتضمن الجدال حقائق وحجج وبراهين، لا أن ينجر الكلام إلى المراء أو المهاترات، بعيداً عن السفسطة والكلام الفارغ؛ ففي السفسطة يكون الجدال من أجل الجدال فحسب، لهذا كان جدال الأنبياء لأقوامهم مفعماً بالحقائق والدلالات الحية والعميقة، فهذا القرآن يحكي عن جدال نوح u لقومه، فيقول: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ{25} أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ{26} فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ{27} قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ{28} وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ{29} وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ{30} وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ{31} قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ{32})[هود:25-32] ومن ذلك أيضاً جدال موسى وهارون عليهما السلام لفرعون يعرضان عليه حقائق الإيمان وما يترتب على ذلك من تدبر لآيات خلق الله تعالى، فحكى القرآن ذلك بقوله: (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى{48} قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى{49} قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى{50} قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى{51} قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى{52} الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى{53} كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى{54} مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى{55}) [طه:48 - 55].
    وعلى وفق هذه الخصائص يصبح الجدال عملية إيجابية وفاعلة مجردة من الخصومة والمنازعة وحب الغلبة لمجرد الغلبة. يهدف إلى الإقناع بحقائق قررها الله تعالى وأوحى بها لتكون منهجاً للحياة وإعمار هذا الكوكب وعبادة الله تعالى.
    المحاججة: في لسان العرب وتحت مادة حجج، فإن الحجة: البرهان، والحجة: ما دوفع به الخصم، والحجة: الوجه الذي يكون به الظفر عند الخصومة. وفي مفردات الراغب فإن الحجة: الدلالة البينة للمحجة، أي المقصد المستقيم الذي يقتضي صحة أحد النقيضين. والمحاجة: أن يطلب كل واحد أن يرد الآخر عن حجته ومحجته. وعند الدامغاني في القاموس، فإن الحجة: الخصومة. حيث يتبين أن للحجة والمحاجة معنيين؛ البرهان والخصومة أو المخاصمة، وقد وردت الآيات المتعلقة بهذه المفردة بهذين المعنيين، فقد استخدمت للإشارة إلى مخاصمة المشركين لأنبيائهم في دعوتهم التي جاؤوا بها، من ذلك قوله تعالى: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه) [البقرة:28] وقوله: (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ) [الشورى:16] وفي معنى البرهان قوله تعالى: (قل فلله الحجة البالغة) [الأنعام:149] وقوله: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ) [الأنعام:83]. ولما كان حسن الجدال يقتضي نزع الخصومة والموقف العدائي، لذا فإن الجدال ليس فيه محاجة، لكن الحجة بمعنى البرهان هي من أدوات الجدال بالحسنى، لأن البرهان أسهل الطرق لاستمالة العقل السليم نحو الدعوة الصحيحة. لذا لا بد من الاستعانة بالحجة البالغة، ولكن بعيداً عن المخاصمة والنزاع.
    المراء: في لسان العرب فإن المرية: الشك والجدل؛ والمراء: المماراة والجدل، بأن يستخرج الرجل من مناظره كلاماً ومعاني الخصومة. وماريت الرجل وماررته: إذا خالفته وتلويت عليه.
    وفي الحديث: (لا تماروا في القرآن فإن مراء فيه كفر). والمماراة: المجادلة على مذهب الشك والريبة. وفي مفردات الراغب تحت نفس الجذر، فإن المرية: التردد في الأمر، وهو أخص من الشك، والمماراة: المحاجة فيما فيه مرية. وقد وافقه الدامغاني في هذه المعاني. حيث يتبين أن المراء والامتراء هو الجدل القائم على المخاصمة التي فيها التواء. أو ليّ النصوص عن معانيها، وفي الأرجح فإن هذا المقصود من المعنى في الحديث المذكور آنفاً. فهو جدال يقوم على المغالطة واختلاق المعاني غير المقصودة في النصوص والمجادلة على أساسها. كما أن المرية الشك وضعف اليقين وهذا معنى قوله تعالى: (فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء) [هود:109]. أما قوله تعالى :(فلا تماري فيهم إلا مراءً ظاهراً) [الكهف:22] فقد كان بشأن عدد أهل الكهف. قال ابن كثير في تفسير الآية: (أي سهلا هينا فإن الأمر في معرفة ذلك لا يترتب عليه كبير فائدة) فالأمر لا يحتاج إلى مجادلة عميقة. فأمر أهل الكهف لا يتعلق بعددهم بل بالحكمة المترتبة على نومهم الإعجازي كما أراده الله تعالى. ويتبين من هذا أن المراء جدال فيه منازعة، فذلك منهي عنه ولاسيما عند تعلقه بجوانب ومسائل لا يترتب عليها قيمة عملية أو فكرية حقيقية. أما المشاهد المتعلقة بوقائع اتصال لم يطلق بشأنها وصف معين: حوار، جدال، محاجة، مراء، الأمر الذي يستوجب الوقوف عندها لمعرفة كنه هذه الوقائع، فإن ذلك مما يستند إليه لبيان شرعية مفاهيم الاتصال أو عدم شرعيتها، وفي ضوء ما جرى عرضه آنفاً. وأبرز هذه الوقائع: قوله تعالى :(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران:64] لا يمكن تصور أن هذه العبارات القرآنية هي دعوة للحوار يقوم على أساس تبادل الآراء والأفكار بحيث يمكن للمرء أن يأخذ من الآخر فكرة دينية. فهذه الآية نزلت بشأن دعوة للنبيh لوفد نجران -وهم نصارى- إلى الإسلام . فهو يذكرهم بالأساس المشترك الذي يجمع الأديان السماوية التي تقوم على عقيدة التوحيد لله تعالى: يذكرهم أن ما جاء به يشبه ما جاءهم به عيسىu . فهما دعوتان صدرتا من مشكاة واحدة، فلا يمكن قبول أن العملية كانت حوارية بحيث أن النبيh كان مستعداً ليتقبل منهم فكرة ما ، وهو الذي يعرف أن كتبهم وعقائدهم قد أصابها التحريف، فهو يذكرهم بالأصل الذي كانوا عليه، ليكون ذلك مدخلاً لدعوتهم إلى الإسلام و(قبول) هذا الدين الجديد والتخلي عن الدين الذي حرفوه، لذا فإن هذه الواقعة لا تدخل في دائرة الحوار بل تقع في دائرة (وجادلهم بالتي هي أحسن) و(لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن).
    ورب قائل يقول، فما بالك بواقعة صلح الحديبية واستجابة النبي h لمطالب وفد المشركين ومنها محو عبارة (بسم الله الرحمن الرحيم) وعبارة (رسول الله) من صحيفة الاتفاق الذي تم بين الطرفين؟! هنا لا بد من بيان أن ما تم في الحديبية لم يكن حواراً، بل كان مفاوضة. والمفاوضة غير الحوار! الحوار غالباً ما يدور حول القناعات الفكرية وثوابتها، في حين يسعى التفاوض إلى إيجاد أسس عملية لصفقة ما، وإذا كانت الثوابت العَقدية لا تقبل المناورة ولا حتى المرونة فيها، فإن الجوانب العملية - إنزال الثوابت والأحكام على الأرض- يتقبل المرونة غير المخالفة للثوابت الشرعية، فكتابة (باسمك اللهم) لا يختلف كثيراً عن (بسم الله الرحمن الرحيم) وأن ذلك موافق للمفاهيم الإسلامية أصلاً، وأن محو عبارة (رسول الله) من الوثيقة لم يعنِ أن النبي أو أياً من المسلمين قد تقبل فكرة الطرف المشرك بأن محمداً لم يكن رسول الله؛ فكان محوها مرونة فيها تضحية شكلية مقابل الوصول إلى هذا الاتفاق الذي وصفه القرآن الكريم بقوله تعالى (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) [الفتح:1]. ويمكن قول مثل هذه التصورات بشأن دستور المدينة الذي كان اتفاقاً عقده النبي h مع يهود المدينة. أقرّ لهم دينهم وعباداتهم وعدم التدخل في شؤون حياتهم، وكفل لهم الحرية في هذه الجوانب من غير تدخل أو إكراه على مخالفتها، ولكنه أمِن جانبهم في الأشهر الأولى من هجرته إلى المدينة، حيث لم تكن ملامح وضع المسلمين هناك واضحة بعد، ولا حتى دور النبي h في المدينة، فكانت ثمرة الصحيفة المهمة الإقرار بمرجعية النبي h لأية خلافات في المدينة بما يؤكد زعامته السياسية فيها، فضلاً عن تحييد اليهود في الصراع مع المشركين، ولاسيما في الأشهر الأولى حتى تثبت أركان المسلمين في مكانهم الجديد. في وقت كان اليهود يعيشون بين جنبات المسلمين في المدينة ، وبوسعهم أن يكونوا عنصر خطر وتهديد حقيقي في تلك الظروف الحرجة. وفي وقت لاحق نقض اليهود هذا الاتفاق، فدفعوا الثمن باهضاً.
    كل هذا يبين أن التفاوض غير الحوار .
    فإذا كان التفاوض مع (الآخر) ممكناً فإن الحوار لا محل له مع هذا الآخر، والأمر المشروع هو دعوته ومجادلته بالتي هي أحسن. وثمة مشهد آخر جسده حديث إبراهيم عليه السلام مع والده وهو يدعوه إلى نبذ عبادة الأصنام والأوثان، حكى ذلك قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً{41} إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً{42} يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً{43} يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً{44} يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً{45} قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً{46} قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً{47} وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً{48} فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً{49} وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً{50})[مريم:41 - 50] هذا الحديث لا يمكن القول عنه أنه حوار، فإبراهيم u لم يكن مستعداً لتقبل أية فكرة من أبيه المشرك العاكف على عبادة الأصنام والأوثان، بل إن جهده انصب على تغيير قناعات أبيه عن وثنيته هذه. وقد استخدم إبراهيم في حديثه هذا عبارات الرقة والعطف والرفق بأبيه عسى أن يسهم ذلك في تحقيق بغيته. هنا لا بد من تأكيد أن الحديث الذي يتضمن عبارات اللطف والرفق واللين هذه لا يعني أنه حوار، وأن الاستماع إلى الآخر، بل حسن الاستماع إليه لا يعني انه حوار، بل إن كل ذلك من خصائص المجادلة بالتي هي أحسن. فإذا ما أضفنا إلى كل ما تقدم أن الدعوة إلى الحوار تولدت في دائرة الثقافة والحضارة الغربيتين، بل إنها جاءت متزامنة مع حملات الاستعمار الغربي الذي استهدف العالم الإسلامي. علمنا أن هذه الدعوة إلى الحوار، سواء كان حوار الأديان أم حوار الحضارات والثقافات أم أي مسمى آخر. إنما هي في الحقيقة محاولة التسلل إلى العقول لزرع مفاهيم وأفكار تولدت خارج رحم الإسلام، وتسويقها بطريقة تبدو عقلانية ومقبولة بحكم أنها جاءت ثمرة لـ (الحوار) الذي بات واضحاً أنه إحدى آليات الغزو الفكري المتجددة.
    الإنسان : موقف

  2. #2
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    الحوار بين الديانات

    بقلم خالص جلبي

    كلمة الحوار براقة ومغرية وإنسانية، ومنذ جاء الأنبياء نادوا بولادة العقل فقال إبراهيم لقومه أفلا تعقلون؛ وكان النتيجة أن أحرقوه؟ فجعلها الله بردا وسلاما على إبراهيم..

    ذلك أن الحوار هو إعلان لولادة الرشد، وإعادة تشغيل مفاصل العقل.

    والحرب والعنف جنون وجريمة وإفلاس أخلاقي، ومع ذلك حارب الإنسان تزوج البشر الحرب، وطلقوا السلام، وخلال ثلاثة آلاف سنة، سارت وتيرة الحرب بمعدل 13 سنة حرب، مقابل سنة سلام، يلتقط فيها الجنس البشري أنفاسه هدنة لمتابعة الحرب.

    تكرر هذا عند الساموراي والشراكسة والروس وقبائل قحطان والهنود الحمر وهنري الثامن في سكوتلاندة وملوك فرنسا والازتيك والانكا ..

    أي أن الحرب كانت هي الأصل والأساس في مفاصل التاريخ، والدم هي عملة التبادل، وكانت الحرب هي قدر البشر، وراسمة مصائرهم، كما بين ذلك هيروقليطس اليوناني، وفون كلاوسفيتس الألماني، وماوتسي دونج الصيني، فهي تدفع أمما للعبودية، وبشرا للسجون، وآخرين للسيادة وسلخ أبشار البشر!

    وفي كثير من أقطار العروبة، كان من تسلم مقادير الشعوب، ضباط صغار السن متهورين مغامرين بانقلابات عسكرية وبالدم والسلاح، مع ذلك يتكلمون هم وأولادهم وأحفادهم عن السلام والحرية، أكثر من غاندي والدلاي لاما ومارتن لوثر كينج!

    وهم يعرفون سر الفتح المبين، وقصة الساطور والخنجر والطبنجة من عصر القراصنة..

    لكنهم مع هذا رسموا أقدارا جديدة، لطوائفهم وعائلاتهم وعصاباتهم من المافيات المدربة على القتل، في الوقت الذي دفعوا أعدادا وطوابير لانهاية لها من الأنام إلى الحبس والفرار والغربة والهجرة والفقر، فاستحقوا أن يعبدوا من دون الله شركا وبطرا ورئاء الناس، ممن استفاد من وراء ظهرهم؛ فلا نتعجب أن هتفوا لهم بالدم بالروم نفديك يا أبو الجماجم؟

    وجنكيزخان وتيمورلنك كانوا يغادرون المدن بعد تشييد منارات وقباب من رؤوس تعساء تلك المدن، ولكنهم كانوا يقدسون من قبائلهم، ويقرأ المغول الألياسة من خط جنكيزخان الأمي، كما يقرأ المسلمون اليوم بشغف وقدسية كتاب الله المنزل من فوق سبعة أرقعة.

    وحين أفرج عن القنطار في لبنان، لم يخف الحقد بين الجانبين بمقدار واحد بالمائة من القنطار؟

    والبعد بين النظري والعملي في قضية الحوار والسلام، مثل اكتشاف ديموقريطس للذرة، وتفجيرها في لوس آلاموس بعد ألفي سنة.

    مع هذا فهو أمر مشجع أن لا ييأس الإنسان أبدا..

    والقرآن يراهن أن النافع هو الذي يبقى، وحين يتحول الدين علما يصبح عالميا، مثل حبوب الأسبرين والأشعة السينية، فبها عولج وشخص ماوتسي دونغ ونيكسون والدلاي لاما..

    وحين يجتمع رجال الدين أو السياسة فيتكلموا عن الحوار فيجب اعتباره أمرا جيدا، لأنه مؤشر أنه حان الوقت لولادة مثل هذه الأمور، ولكن لم يـأت الحوار قط من جانب السياسيين أو رجال الدين، بسببين مانعين: الأيديولوجية والمجاملة.

    وبين حافتي الإيديولوجية والمجاملة تتم الاجتماعات في غبار كثيف من الكلمات، بدون جو صاحي ومطر منعش..

    وقصة جدل الإنسان عميقة لأنه وحش وملاك.

    وحين أعيانا استخدام جهاز الغاز في المنزل وهو جديد لأنه يشحر ويسود الطناجر، كان من حل المشكلة فني صغير، باستبدال براغي صغيرة في مكان إرسال الغاز، فعرفنا أن الخبرة المتراكمة أهم بكثير من قصائد الغزل والهجاء.

    وهكذا هي خبرات التحاور أيضا، يتعلمها البشر بالخبرة الطويلة وبمعاناة طويلة مضطرين إليها.

    وفي الصومال والعراق، كانت فرصتهم فريدة أن تخلصوا من الطاغوت أن يتحاوروا، فلم يتحاوروا، بل اقتتلوا، ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد.

    وبين فتح وحماس اشتعل الاقتتال بكل حماس، مع وجود اليهود يتفرجون ويشمتون، لأن المرض عميق، والشقة بعيدة، والجهل طامي، وبيننا وبين عصر العلم مسافة ثلاث سنوات ضوئية..


    نقلاً عن :
    جريدة عكاظ

  3. #3
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    وبين الرأيين ... لعلمين من أعلام الفكر ...

    لابد أن نضع نحن رؤيتنا ...

    \

    أنتظركم أحبتي .

  4. #4
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    إذا كنا نؤمن أننا نمتلك الصواب و الحق فهذا يستصحب تبعا أن صوابيتنا و حقنا يمتلكان قوة الصواب و الحق الذاتية و الكامنة فيهما
    لمذا إذن نتوجس و نخاف من الحوار أو الجدال مع الآخر المخالف
    قال تعالى : ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق )

    من هنا يتبين أن الخلل ليس في مفهوم الحوار ووجوديته كأصل في ديننا بل الخلل في تمثل المفهوم من أهل الحق و الصواب و عرضه بالحجة و البرهان في سنة التدافع بين الحق و الباطل

    يلزمنا قوة العلم و الفكر و المنطق
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

  5. #5
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    الفرق بين الحوار والدعوة ... هي حجر الزاوية في مقال استاذنا النبيل الدكتور الجوادي


    وهنا تحديداُ ...


    أخالفه الرأي ...

    فالحوار هو أحد روافد الدعوة ... بل هو المصب العام لنهر الدعوة ...


    إذا أهتممت بالدعوة إلى الله فكيف لا أهتم بنفسية وشخصية وقيم الذي أنا أدعوه إلى تمثل نفسيتي وشخصيتي وقيمي الإسلامية ... لنكون كلينا منطلقين من الثوابت الإسلامية


    هل أطالبه بالنفور ؟.


    أم الأجدى أن أبدأ ببناء الجسر ( من المشتركات الإنسانية ) بيني وبينه ...


    ثم

    كيف أرفض الحوار ... وأرغم الآخر بالدعوة ... أليس في ذلك تناقضاً ؟

    وما الذي أخاف عليه وأنا أحاور الآخر ... إذا كنت واثقاً من عملية خطابي وواقعيته ؟

    \

    كل ذلك استوقفني مع فكر أستاذي الذي أدين له بالفضل فهو من علمني الشجاعة عند إبداء أي رأي ...


    وأنا منتظر لتعليقه على كلامي

المواضيع المتشابهه

  1. التعبير القرآني:المستشار الأدبي:حسين علي القرآني
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 31-05-2016, 05:44 PM
  2. الحب والعشق من المنظور الاسلامى
    بواسطة رافت ابوطالب في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-04-2015, 06:48 PM
  3. عًٍ ى دًٍ
    بواسطة اسماء محمود في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 28-10-2008, 04:11 PM
  4. (موت المؤلف) .. دعوة إلى المناقشة والحوار ...
    بواسطة د. عبد الفتاح أفكوح في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 17-03-2008, 09:49 PM
  5. الفكرة القومية في المنظور الشرعي
    بواسطة خليل حلاوجي في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 27-09-2006, 08:55 AM