أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 22

الموضوع: أوهام طائرة

  1. #1
    الصورة الرمزية راضي الضميري أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    المشاركات : 2,891
    المواضيع : 147
    الردود : 2891
    المعدل اليومي : 0.46

    افتراضي أوهام طائرة

    رآه صدفة يمشي وهو يحدث نفسه ، لم يعرفه من النظرة الأولى ، ولكن عندما دقق النظر في تفاصيل وجهه عرفه ، فاقترب منه وسأله :
    - أين كنت يا صديقي ، لم أرك منذ شهر مضى، حمدًا لله على سلامتك .
    - الله يسلمك .
    - أخبرني ماذا جرى لك ، يبدو منظرك وكأنك كنت تخوض حربًا ؟
    - أرجوك دعني الآن ، سأخبرك فيما بعد .
    - لا بل الآن أخبرني ، منذ متى كنت تخفي عني أخبارك ؟
    - ماذا أقول لك ، لقد خرجت للتو من مستشفى المجانين .
    - ماذا ؟؟
    - نعم ، والحمد لله أن الأمور انتهت على خير ، رغم أنني أصبحت مجنون بأوراق رسمية .
    - يا رجل قتلني الفضول ، قل لي ، لماذا دخلت المستشفى ما الذي جرى ؟
    - صدقني لا أعرف كيف أشرح لك ما حصل معي ؟
    - اهدأ قليلاً و قل لي ما الذي حصل ؟
    - منذ شهر تقريبًا احتجت لبعض النقود ، فقررت أن أبيع بعض القطع النحاسية التي كان يحتفظ بها جدي في غرفته التي على السطح، وبينما كنتُ أتفقد تلك القطع وجدت فانوسًا ، وعندما حاولت أن أزيح عنه الغبار فوجئت بدخان كثيف يخرج منه ، ثم تشكل من هذا الدخان شيء غريب لم أره في حياتي ...
    - ويلك ماذا تقول ؟
    - مثلما سمعت !
    - وما هو هذا الشيء ؟
    - لا أدري ؛ فهو ليس برجل ، ربما يكون شيطانًا أو جنيًا ، لا أدري ، فأنا لم أرَ هذا ولا ذاك ، لذلك لا أستطيع أن أحدد بالضبط ما هو .
    - و ماذا حصل بعد ذلك ؟
    - قال لي : لديك ساعة واحدة تطلب مني فيها طلبًا واحدًا ، وسألبيه لك مهما كان هذا الطلب ، وفي المقابل سأطلب منك طلبًا وستلبيه بدورك ، وإذا تأخرت عن الموعد فسأعود من حيث أتيت .
    - ثم ماذا ؟
    - لقد كدت أن أطير من الفرحة ، لم أصدق نفسي ، ظننت أني أحلم !!!
    - و ماذا طلبت منه ؟
    - لم أعرف ماذا أطلب على وجه التحديد ، لقد تزاحمت الأفكار في رأسي ، فمع هذا الجفاف والقحط الذي نعيشه لم أعرف ماذا أطلب ، لقد بعثرت الدهشة أفكاري ، ثم فكرت مليًا و قلت له أريد منك أن .. ولكنه قاطعني قائلاً أنه هو من سيطلب أولاً وبعد أن أحقق له طلبه سيلبي لي طلبي ، فسألته لماذا لا أطلب أنا أولاً ؟
    - وماذا قال لك؟
    - قال لي بل أنا سأطلب أولاً ، فأنتم بنو البشر نادرًا ما توفون بعهودكم ، وما أن تحصلوا على مرادكم حتى تنسون وعودكم ، ولطالما كنتم تخونون العهود وتنقضون المواثيق ، وتأكلون بعضكم بعضًا ، وبصراحة فأنا لا أثق بكم ، ولقد كان آخر عهدي بكم منذ عقود ولم أرى أي تغيير طرأ عليكم ، ولو لا أنني أخذت عهدًا على نفسي بتلبية رغبة كل من يوقظني لما مددت يد العون لأحد منكم .
    - طيب أطلب أنتّ أولاً ، ماذا تريد ؟
    - أريد منك أن تحضر لي طعامًا فأنا لم آكل منذ سنيين ؟
    - وما هو نوع الطعام الذي تريده .
    - أي شيء ؛ لا يهم ماذا تحضر ، المهم أن يكون طعامًا يروي عروقي ويعيد النبض في قلبي وروحي .
    صمت قليلاً فقال له صديقه :
    - وماذا بعد؟
    - هرعت إلى المطبخ حيث كانت أمي تضع وعاء فيه طعام فأخذت الوعاء وأنا أجري مثل المجنون إلى سطح المنزل وأمي تصرخ عليّ وتصيح إلى أين تذهب أيها المجنون ، إخوتك لم يأكلوا منذ الصباح ، تعال هنا ، لكنني لم أنتبه لكلامها وتابعت طريقي ثم بدأت تدعو عليّ وتقول الله لا يسامحك ، الله يغضب عليك ، وأنا أركض ثمَّ ...
    سكت قليلًا و لم يستطع أن يكمل ، فسأله :
    - ثم ماذا ؟
    -عندما كنت أركض لم أنتبه إلى خطواتي على السلم فوقعت على وجهي ووقع الوعاء وكل ما فيه على الأرض فكسر أنفي و رأيت أسناني تتدحرج على الدرج ، فنقلوني إلى المستشفى وأنا أصرخ بهم وأتوسل إليهم أن يتركوني وشأني لكنهم لم يفعلوا ، ثمّ وضعوني على النقالة لكنني هربت منهم فلحق بي كل من كان هناك ، و ركضت باتجاه السوق ...
    قاطعة بدهشة :
    - السوق ؟ لكن لماذا لم تذهب إلى بيتك ؟
    - كنت أريد أن أحضر طعامًا لهذا الشيء ، فبعد أن سقط مني الوعاء لم يبقى في البيت شيء يؤكل ، وهكذا تابعت طريقي حتى وجدت أحد المطاعم ، فرأيت بعض الدجاج المشوي فأخذت ما تيسر لي حمله وبعض الخبز وركضت باتجاه البيت فلحق بي صاحب المطعم مع جملة الذين يركضون ورائي ، وكلما ركضت كان الجمع الذي يلحق بي يكبر ،وبدا الأمر مثل كرة ثلج تتدحرج من ورائي ، تكبر وتكبر ، وكانوا جميعًا يصرخون بصوت واحد ، فتارة يقولون حرامي، وتارة أخرى مجنون أمسكوا به ..
    - ؟؟؟ ؟
    - وصلت إلى البيت وصعدت إلى السطح ، كان الألم والتعب قد أخذ مني مأخذه ، والدم ينزف من فمي وأنفي يتدلى على وجهي ، فأعطيته الطعام ثم قال لي أطلب ما تريد ؟
    - وماذا طلبت منه ؟
    - طلبت منه أن يعيد لي أسناني وأنفي المكسور .
    - وطبعًا لم يفعل ذلك ؟
    - بل على العكس ، وفّى بوعده .
    - ولكنني أرى أن أنفك مازال مكسورًا؟
    - آه ، نسيت أن أخبرك أن صاحب المطعم كان أول من أمسك بي ، وفهمك كفاية يا صديقي !!

  2. #2
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jun 2008
    العمر : 59
    المشاركات : 123
    المواضيع : 17
    الردود : 123
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    قصه في منتهى الجمال ............... والحكمه .............


    تحكي واقعا لامفر منه


    كم أنت رائع أستاذي العزيز


    منك نتعلم


    لكم مني
    تحياتي
    سلامي
    عمر
    ابورمان

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    الجميل المبدع / راضي

    ما زالت خطوات أسلوبك تثير دهشتي في كل مرة أقرأ لك ... فقد صورت واقعا مريرا بأسلوب رائع فيه من الفكاهة و الطرفة و العمق و النضوج و التلميح الساخر ما يجعل الصورة راسخة في ذهن المتلقي
    قد أعود مجددا لهذا النص بكل تأكيد

    دمت برقي

    اكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشــــام
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    راضي الضميري...
    سردية تحمل في طياتها الكثير من الصور التي تملي على المتلقي الغوص في ماروائيات الحدث نفسه ، اسلوب شيق ، مزج الجدية بالفكاهة ، فخلق نصا تعدديا بارعا ورائعا ، ولولا معرفة القصد من نشر هذا النص هنا ، لكنت قلت الكثير الاخر ، ايها العزيز ، تواضعك هذا يجعلك قدوة لكل من يريد ان يكون اديبا في المستقبل.

    محبتي
    جوتيار

  5. #5
    الصورة الرمزية راضي الضميري أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    المشاركات : 2,891
    المواضيع : 147
    الردود : 2891
    المعدل اليومي : 0.46

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر ابورمان مشاهدة المشاركة
    قصه في منتهى الجمال ............... والحكمه .............
    تحكي واقعا لامفر منه
    كم أنت رائع أستاذي العزيز
    منك نتعلم
    لكم مني
    تحياتي
    سلامي
    عمر
    ابورمان
    أخي العزيز عمر ابو رمان
    هذا الواقع المرير يجعل من الحليم حيرانا ، ولعلك تلاحظ مدى سوء الأوضاع الذي وصل إليه الحال في بلادنا كلها ، فكل شيء تغير وتبدل ؛ وتحت وقع هذا كله تجد هناك من بات يحلم ولا يملك إلا أن يحلم ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه : كيف نحلم ...
    شكرًا لكِ أخي العزيز عمر على هذا المرور الجميل .

    تقديري واحترامي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    أخي الكريم راضي الضميري ..

    فاجأني وجود نصك في منتدى على درب الإبداع ، وكم كبرت في نظري أخي وأنت تتواضع أمام الحرف
    في نصك الرائع هذا الذي يحاكي واقعا إنسانيا مؤلما فيما آل إليه حال الفرد على المستوى الاجتماعي والاقتصادي ، والنفسي ..

    حيث مزجت ما بين الخرافة وبين الواقع في سرد مشوق سلس وبسيط ..

    كما عهدناك رائع الفكر والحرف ..
    صادق ودي ..
    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  7. #7
    الصورة الرمزية راضي الضميري أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    المشاركات : 2,891
    المواضيع : 147
    الردود : 2891
    المعدل اليومي : 0.46

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هشام عزاس مشاهدة المشاركة
    الجميل المبدع / راضي
    ما زالت خطوات أسلوبك تثير دهشتي في كل مرة أقرأ لك ... فقد صورت واقعا مريرا بأسلوب رائع فيه من الفكاهة و الطرفة و العمق و النضوج و التلميح الساخر ما يجعل الصورة راسخة في ذهن المتلقي
    قد أعود مجددا لهذا النص بكل تأكيد
    دمت برقي
    اكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشــــام
    أستاذي وصديقي هشام
    بل منك نتعلم ووجودك معي يشجعني على الاستمرار في طلب العلم ، فكن بالجوار دومًا أيها الصديق الجميل ، فوجودك له نكهة رائعة وطعم خاص .
    أما بخصوص النص ففيه كل ما ذكرت ، ويبدو أن الحال الذي نعيشه يدفعنا دفعًا لإضافة الملح على الجرح فترانا تارة نضحك وتارة أخرى نبكي ، وهذا هو حالنا أيها العزيز وكما وصفته أنت بكلماتك الرقيقة والعذبة .
    تقديري واحترامي

  8. #8
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    الجميل الرائع / راضي

    جئت مجددا كي أروح عن نفسي بمروحة جمعت بين الهزل و الجد ... سخرية تحمل في باطنها وعي و قيمة اجتماعية هادفة ... و هذه في رأيي المتواضع مهمة الكتابة الساخرة فهي لا تؤتى إلا من خلال رؤية عميقة جدا لمظاهر المجتمع و هي أداة كفيلة أن تنقل الصورة بوضوح لأنها لا تعتمد على تبليغ رسالتها من خلال مباشرة الطرح الذي قد يكون تأثيره آنيا بل تحمل على عاتقها مشقة غرس مفهوم ما بتأثيرها الوجداني أولا في نفسية المتلقي ثم تركه ليحدد بنفسه القيمة و ترسيخ ماهية الرسالة في ذهنه .

    أتمنى أن تكون بخير عزيزي فأنا أحس بغيابك

    اكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشـــام

  9. #9
    الصورة الرمزية يسرى علي آل فنه شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    الدولة : سلطنة عمان
    المشاركات : 2,428
    المواضيع : 109
    الردود : 2428
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راضي الضميري مشاهدة المشاركة
    رآه صدفة يمشي وهو يحدث نفسه ، لم يعرفه من النظرة الأولى ، ولكن عندما دقق النظر في تفاصيل وجهه عرفه ، فاقترب منه وسأله :
    - أين كنت يا صديقي ، لم أرك منذ شهر مضى، حمدًا لله على سلامتك .
    - الله يسلمك .
    - أخبرني ماذا جرى لك ، يبدو منظرك وكأنك كنت تخوض حربًا ؟
    - أرجوك دعني الآن ، سأخبرك فيما بعد .
    - لا بل الآن أخبرني ، منذ متى كنت تخفي عني أخبارك ؟
    - ماذا أقول لك ، لقد خرجت للتو من مستشفى المجانين .
    - ماذا ؟؟
    - نعم ، والحمد لله أن الأمور انتهت على خير ، رغم أنني أصبحت مجنون بأوراق رسمية .
    - يا رجل قتلني الفضول ، قل لي ، لماذا دخلت المستشفى ما الذي جرى ؟
    - صدقني لا أعرف كيف أشرح لك ما حصل معي ؟
    - اهدأ قليلاً و قل لي ما الذي حصل ؟
    - منذ شهر تقريبًا احتجت لبعض النقود ، فقررت أن أبيع بعض القطع النحاسية التي كان يحتفظ بها جدي في غرفته التي على السطح، وبينما كنتُ أتفقد تلك القطع وجدت فانوسًا ، وعندما حاولت أن أزيح عنه الغبار فوجئت بدخان كثيف يخرج منه ، ثم تشكل من هذا الدخان شيء غريب لم أره في حياتي ...
    - ويلك ماذا تقول ؟
    - مثلما سمعت !
    - وما هو هذا الشيء ؟
    - لا أدري ؛ فهو ليس برجل ، ربما يكون شيطانًا أو جنيًا ، لا أدري ، فأنا لم أرَ هذا ولا ذاك ، لذلك لا أستطيع أن أحدد بالضبط ما هو .
    - و ماذا حصل بعد ذلك ؟
    - قال لي : لديك ساعة واحدة تطلب مني فيها طلبًا واحدًا ، وسألبيه لك مهما كان هذا الطلب ، وفي المقابل سأطلب منك طلبًا وستلبيه بدورك ، وإذا تأخرت عن الموعد فسأعود من حيث أتيت .
    - ثم ماذا ؟
    - لقد كدت أن أطير من الفرحة ، لم أصدق نفسي ، ظننت أني أحلم !!!
    - و ماذا طلبت منه ؟
    - لم أعرف ماذا أطلب على وجه التحديد ، لقد تزاحمت الأفكار في رأسي ، فمع هذا الجفاف والقحط الذي نعيشه لم أعرف ماذا أطلب ، لقد بعثرت الدهشة أفكاري ، ثم فكرت مليًا و قلت له أريد منك أن .. ولكنه قاطعني قائلاً أنه هو من سيطلب أولاً وبعد أن أحقق له طلبه سيلبي لي طلبي ، فسألته لماذا لا أطلب أنا أولاً ؟
    - وماذا قال لك؟
    - قال لي بل أنا سأطلب أولاً ، فأنتم بنو البشر نادرًا ما توفون بعهودكم ، وما أن تحصلوا على مرادكم حتى تنسون وعودكم ، ولطالما كنتم تخونون العهود وتنقضون المواثيق ، وتأكلون بعضكم بعضًا ، وبصراحة فأنا لا أثق بكم ، ولقد كان آخر عهدي بكم منذ عقود ولم أرى أي تغيير طرأ عليكم ، ولو لا أنني أخذت عهدًا على نفسي بتلبية رغبة كل من يوقظني لما مددت يد العون لأحد منكم .
    - طيب أطلب أنتّ أولاً ، ماذا تريد ؟
    - أريد منك أن تحضر لي طعامًا فأنا لم آكل منذ سنيين ؟
    - وما هو نوع الطعام الذي تريده .
    - أي شيء ؛ لا يهم ماذا تحضر ، المهم أن يكون طعامًا يروي عروقي ويعيد النبض في قلبي وروحي .
    صمت قليلاً فقال له صديقه :
    - وماذا بعد؟
    - هرعت إلى المطبخ حيث كانت أمي تضع وعاء فيه طعام فأخذت الوعاء وأنا أجري مثل المجنون إلى سطح المنزل وأمي تصرخ عليّ وتصيح إلى أين تذهب أيها المجنون ، إخوتك لم يأكلوا منذ الصباح ، تعال هنا ، لكنني لم أنتبه لكلامها وتابعت طريقي ثم بدأت تدعو عليّ وتقول الله لا يسامحك ، الله يغضب عليك ، وأنا أركض ثمَّ ...
    سكت قليلًا و لم يستطع أن يكمل ، فسأله :
    - ثم ماذا ؟
    -عندما كنت أركض لم أنتبه إلى خطواتي على السلم فوقعت على وجهي ووقع الوعاء وكل ما فيه على الأرض فكسر أنفي و رأيت أسناني تتدحرج على الدرج ، فنقلوني إلى المستشفى وأنا أصرخ بهم وأتوسل إليهم أن يتركوني وشأني لكنهم لم يفعلوا ، ثمّ وضعوني على النقالة لكنني هربت منهم فلحق بي كل من كان هناك ، و ركضت باتجاه السوق ...
    قاطعة بدهشة :
    - السوق ؟ لكن لماذا لم تذهب إلى بيتك ؟
    - كنت أريد أن أحضر طعامًا لهذا الشيء ، فبعد أن سقط مني الوعاء لم يبقى في البيت شيء يؤكل ، وهكذا تابعت طريقي حتى وجدت أحد المطاعم ، فرأيت بعض الدجاج المشوي فأخذت ما تيسر لي حمله وبعض الخبز وركضت باتجاه البيت فلحق بي صاحب المطعم مع جملة الذين يركضون ورائي ، وكلما ركضت كان الجمع الذي يلحق بي يكبر ،وبدا الأمر مثل كرة ثلج تتدحرج من ورائي ، تكبر وتكبر ، وكانوا جميعًا يصرخون بصوت واحد ، فتارة يقولون حرامي، وتارة أخرى مجنون أمسكوا به ..
    - ؟؟؟ ؟
    - وصلت إلى البيت وصعدت إلى السطح ، كان الألم والتعب قد أخذ مني مأخذه ، والدم ينزف من فمي وأنفي يتدلى على وجهي ، فأعطيته الطعام ثم قال لي أطلب ما تريد ؟
    - وماذا طلبت منه ؟
    - طلبت منه أن يعيد لي أسناني وأنفي المكسور .
    - وطبعًا لم يفعل ذلك ؟
    - بل على العكس ، وفّى بوعده .
    - ولكنني أرى أن أنفك مازال مكسورًا؟
    - آه ، نسيت أن أخبرك أن صاحب المطعم كان أول من أمسك بي ، وفهمك كفاية يا صديقي !!
    الكريم راضي الضميري

    الله يجيرك جعلتنا نركض مع هذا المجنون الرسمي نتعاطف معه ونشتمه
    لكن بصدق هذا الجني لم يعجبني لأنه متعجرف وناكر للجميل ويحب التعميم وقلبه أسود على الناس
    ويستاهل الحبس نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    حفظك الله أخي الطيب بكل حال أعجبتني هذه القصة ويبدو أنني لن أنساها
    تقديري العميق لك
    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

  10. #10
    الصورة الرمزية راضي الضميري أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    المشاركات : 2,891
    المواضيع : 147
    الردود : 2891
    المعدل اليومي : 0.46

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جوتيار تمر مشاهدة المشاركة
    راضي الضميري...
    سردية تحمل في طياتها الكثير من الصور التي تملي على المتلقي الغوص في ماروائيات الحدث نفسه ، اسلوب شيق ، مزج الجدية بالفكاهة ، فخلق نصا تعدديا بارعا ورائعا ، ولولا معرفة القصد من نشر هذا النص هنا ، لكنت قلت الكثير الاخر ، ايها العزيز ، تواضعك هذا يجعلك قدوة لكل من يريد ان يكون اديبا في المستقبل.
    محبتي
    جوتيار
    عندما نكتب نحاول جهدنا أن تكون لغتنا واضحة المعالم ، وهدفنا قابل للولوج إلى العقول لعلها تبصر ونبصر معها واقعنا الممتلئ بثغرات أحدثتها فوضى البحث عن كل ما هو زائف وأدى بنا إلى الوقوع في هذا المستنقع الذي نراه الآن .
    أيها العزيز جو

    ليتنا نعيد التفكير في كل أدواتنا التي أكل عليها الدهر وشرب ، ليتنا نعيد ترتيب أولوياتنا ... و أن نفكر كيف سنبني واقعًا فيه شيء من النظافة وشيء من الاكتفاء الذاتي من المعرفة الأصيلة من تاريخنا الأصيل .

    تقديري واحترامي

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. ذبابةٌ طائرة
    بواسطة عبد السلام دغمش في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 27
    آخر مشاركة: 24-11-2018, 05:44 PM
  2. ستسقط أوهام و تُغتال أحرف ...
    بواسطة محمد الأمين سعيدي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 20-01-2007, 08:34 PM
  3. أوهام الناصريين .. وهل نحن من صنع عبد الناصر ؟؟؟
    بواسطة محمد شعبان الموجي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 13-11-2004, 01:54 PM
  4. أوهام السلام....؟!
    بواسطة محمد الدسوقي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-03-2004, 06:56 PM
  5. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-04-2003, 10:59 AM