تحترقُ الشموع لتضئ فيافئ الدّجى..، و تتبخر أنهار الدموع وهجاً لتصبح غيثاً صافيا ينزل من السّماء..، يسقي أجيج نار أضرمت في صمت و في هدوء..، على شرفات قلوب عذارى فتصدّعت للهيبها القفار..، و الأمهات في ذلك ثكلى و ما هنّ بثكلى و الأطفال بين ذا و ذاك في تمرد صارخ على فقدان الدّيار.. .
هذه ضيعتنا باتت تكابد غروبا لا يعرف له الشروق من مسلك..، حتى الخيط الأبيض إسودّ على جباهنا.. . افترقنا في شعاب الدرب نستقصي رزقا طيبا ً، و كان إيماننا أن يعود كلّ مناّ بغصنٍ أخضر..؛ ذاك نزرعه و ذاك نستوقده .. و آخر نأخذ منه قوتاً و آخر نتوكأ عليه .. و غصنٌ آخر نكتب به .. . فأخذتنا الأزقة و غاب عنّا الجمع .. و لقينا ما لقينا لأننا كنّا فرادى لا نقوى على الرّدع ..، فكان أن اختلفت المكاتيب.. و تعدّدت الأساطيل التي كانت أشبه بوادي النّمل لجند سليمان .. .
و نكتب.. بقلم الراوي على قراطيس الزّمن العابر و في المقلتين ماء يميل طعمه إلى الملوحة ..؛ و إنّنا لا نبكي.. أبداً لن نبكِ يا أمّاه.. ! و إنّما هي نفسٌ من روحٍ زكيّة.. إذا ما اعتراها الذوبان، أقطرت لؤلؤاً وهّاجاً .. وسط سفحٍ من المرجان ..
و تظلُّ ترانيم الغسق تشدو في الخفايا ..، و نواقيس الدهر تزمجر في الثّنايا ..، و المركب في زحمة العناد يطفو حيناً و يغيب أحيانا أخرى بين أمواج باسقة لبحر هائج على هضبة دانية من بساطٍ طائر .. .
أيا روح البنفسج هلاّ ارتويتْ .. ! ؟ ..
يا مكمن الوجد هلاّ اهتديتْ .. ؟
يا كلّ الشيء .. حتى العدم منه .. هلاّ اكتفيتْ .. ! ؟
قد كان لنا في أوّل الزمان سيفاً اسمه بتّار ..، جُبنا به الصّحارى و اخترقنا به بوادي البحار..؛ سقينا ماءاً منه و شهداً.. و أملاً .. و لم يُراودنا أن نبخل بكرمه قطّ أبدًا .. . و لمّا كان فعل السّنين قدراً على العالمين ، أضاعتْ الحُبلى رضيعها..، فأخلد البتّار هرماً في مضارب خيامنا.. يُغذينا ضمأً .. و قد كان في يومٍ قد مرّ منبعاً للأنهار.. .
هبّوا بني ضيعتي للوفاء..، ما مات كريمٌ و لا خلّد لئيمٌ و إن تسيّد.. .
هبّوا بني أمّتي إلى روض الوغى..، نَقتطفُ منه زُهوراً لموتانا.. .
هبّوا إخوتي نستطلع بزوغ شمس وُجودنا..، بين طلاسم مجرّة عالمنا..
هبّوا رفاقي نستدرك زرع ضيعتنا .. ، فمنذ البدء كانت و لا تزال هاته الضيعة .. ضيعتُنا .. !