- تهجئةٌ جديدة .. لرحيلِ محمود درويش -
أخطأتَ حين طرقتَ هذا البابَ ...
هذا البابُ لا يُفضي إلى المعنى ..
فكيفَ هداكَ حدْسُكَ
أيها الموتُ الغريبُ .. إليه ؟
كيف نصبتَ هذا الفخَّ ؟
كيف اصطدتَ هذا القلبَ ؟
يا موتُ انتظِرْ
حتى تشِفَّ ملامحُ الغيبِ
البعيدةُ عن مآملنا
لعلَّ يداً تُشيرُ إليكَ ..
يا موتُ انتظِرْ !
يا موتُ ....
يا مُتسرِّعاً أبداً ..
نُريدك أنْ تُجرِّبَ مرةً في العمرِ
هذا المُرْ .
لعلَّكَ أنْ تحدِّقَ في دقيقةِ صمتنا العفويِّ
نصمتُ .. كي تمرَّ ..
صدىً غريبَ الوقعِ
كالتشويشِ في المِذياعِ .
نصمتُ ..
كي نزاول حُلمَنا المنفيَّ في اللاشئِ ..
نرتكبُ الخلودَ جريمةً أخرى
إزاءَ حياتنا الأولى
فما أقسى الحقيقةَ ..أيها الموتُ الجرئُ .
لهذه الناياتِ أنْ تتسلَّق الصمتَ المُجلجِلَ
في صدانا !
يا رؤانا ..!
وثِّقي كلَّ المشاهِدِ ..
ربما انحازَتْ مشاعرُنا
إلى جهةِ التلاشي .
ربما انحلَّ المدى
عن ما وراء الغيبِ ..
ماذا سوف نبصِرُ
حينَ نُبصِرنا هناكَ أشعةً حيرى
يبعثرها الذهولُ ؟!
يا موتُ ..
أو يا ما تشاءُ من الأسامي ..
خُذ هياكلنا لمتحَفِكَ العتيقِ
وخُذْ بقيةَ ظلِّ هذا الكونِ ..!
قد تهواكَ شمسٌ ما ..
فخُذ منّا الظلالَ
وموِّهِ الجسدَ الضبابيَّ الذي
لا ينتمي للظِلِ ..
قد تهواك شمسٌ ما ..
فتبهَتُك الحقيقةُ ..
أيها الموتُ البرئُ !!
خُذِ الظِلالَ ..
فبعضُ هذا الظلِّ قد يكفي
لتشعرَ بالحياةِ .
***
يمضي إليكَ اليومَ ..
أمْ تمضي إليه اليومَ ..؟!
لا فرقٌ سيحدثُ في المعادَلةِ الأخيرةِ ..
كانَ .. قد ألقى على الدُنيا
سلامَ الذاهبينَ إلى عُلوِّ العُلْوِ ..
فاجأهُ الرسولُ على الطريقِ
تصافحا ..
ومضى بُراقا .
ما كانَ يعلمُ أنّ آنيةَ القصيدةِ أُكفأَتْ
لمّا ترجَّل عن قصيدتهِ .
ولم يعلَمِ بأنَّ يدَ الرسولِ إليهِ
تحملُ عبءَ هذي الروحِ .
أنَّ الروحَ تُشرِقُ في سماءِ الغيبِ
مِن أزَلٍ .
ولم يعلمْ بأنَّ يد الرسولِ الموتُ !!
ها هو يستفيقُ على تفرُّده
فلا امرأةٌ ستخترقُ الممرَّ اللولبيَّ
اليومَ يا ( درويشُ )
لا امرأةٌ ستمضي في الغيابِ
وتنزوي لبياضها .
الآنَ ...
تعرِفُ كيف تنطِقُ إسمكَ الكونيَّ !
للأحياءِ مُفرَدةٌ وتهجئةٌ جديدة ..
( هذا هو اسمُكَ )
مستحيلٌ ..
حائرٌ ..
متمرِّدٌ كالحُبِّ ..!
ودقُ سحابةٍ حُبلى ..
دليلُ الشمسِ للإشراقِ ..
درويشٌ يُعالجُ فُسحةَ المعنى ..
رسائلُ عاشقٍ للقدسِ ..
وشمٌ في فؤادِ الشعرِ ..
ياقوتُ القصائدِ ..
شاطئُ السِلْمِ المُكابِرِ ..
والمُغامِرِ .. والمُهاجِرِ .
فاستَفِقْ مِن رقدةَ الماضي
لكَ اسمُكَ ..
لن تضِلَّ الدربَ نحو خُطاكَ ..
يا ( محمودُ )
أنتَ الآنَ أقربُ للطبيعةِ
مِن ( زهورِ اللوزِ) ..
أنقى مِن ندى الفجرِ الرقيقِ ..
هناكَ .. في الأعلى
ستُزهِرُ ربوةُ الحرفِ الأخيرِ قصيدةً أخرى
تؤجِّلُ مهرجانَ الحزنِ في دمِنا .
فلا خطأٌ عَروضيٌ
سيحبِسُ فِتنةَ الإيقاعِ بعدَ اليومِ .
يا ( درويشُ ) ..
حاصَرَنا الغيابُ ..
وضاعَ هذا الحاضِرُ الموبوءُ بالماضي ..
وشُدَّتْ في كَمانِ الفقدِ .
أوتارُ القصيدة .