رمى بي الحر..في حضن شاطئ رمادي متوحش ..أصبح شبه أليف بفعل إشراف جمعية على تنظيم إجراء التخييم به..كان من قبل يجمع كل المخيمين الذين لا يملكون قدرة ارتياد الأماكن الشاطئية الباهظة الثمن ..هذه تترك لهؤلاء الذين تمكنوا من اغتنام الفرصة لحظة امتلاكهم سلطة إصدار القرارات والتصرف في الملكيات والأراضي ..هم الآن يتمتعون بجمال البلاد لوحدهم ..أما ما بقي من الشواطئ فهي إما ممنوعة بادعاء خلوها من الحراسة..أو سلمت للأجانب ليستثمروها ويقتسموا خيراتها فيما بينهم..إن جمال البلاد لم يعد من حق المواطن العادي..فحيثما وجد الجمال تبادر إليه تلك الأيادي الخبيثة التي لا يهمها شيء سوى التوسع والتوسع بدون حدود..في البداية رفضت أن أخيم في هذا الشاطئ الرمادي الذي كنت اعتبره جنتي ومكان يجمعني بكل هؤلاء الذين لا تخشى على نفسك وعلى قيمك وعلى أمتعتك حين ارتمائك في أحضان تلك الزرقة التي تأخذ بالعقل وتجعله أكثر تشبثا بالبقاء وأكثر حبا للحياة.. لا وجود للمرتزقة..لا ولا للمتسولين ..واللصوص لا يجرؤون على الاقتراب من الأملاك الخاصة..فأنت في شاطئ مماثل موقر محترم .. كل من فيه يحترم حرية الآخر ..هذا ما كان يميز شاطئي الجميل ..يقع في منحدر جبلي .. تغذت الأمواج من أطرافه.. فأحالته بفعل تمردها إلى صخور رقيقة جميلة ذات أشكال وألوان مدهشة تجعل الشعر يتدفق صورا جميلة لامعة لمعان الصخور بفعل ملاطفة لذيذة لموجة حنونة تغسل وجه الحروف كما تغسل بمياهها المالحة تلك الأشكال المتنوعة من الصخور الجميلة ..كانت الموجة تشبه في هدوئها ثورة البحر الأبيض المتوسط ..فهي حين تغضب لا يرتقي انفعالها إلى مستوى المحيط الأطلسي ..وحين تلقي بمراكب الصيد يسارع الجميع إلى مد يد العون ..وكل يد متعاونة تأخذ نصيبها من ثروات لا تعد ولا تحصى..فهذا السردين يؤكل مجانا ..وذاك سمك "الشرال" يوزع وكأنه مياه بئر جماعي التي يستحيل على احدهم أن يدعي امتلاكها لوحده..إلا في حالة تدخل يد قذرة شغوفة ببيع ثروات البلاد والعباد للأجانب استهتارا واحتقارا لمواطنيها ولقدراتهم على الخلق والإبداع ..كان شاطئي الرمادي يجمع كل أصناف البشر تماما كما يجمع في أعماق مياهه مختلف أشكال و ألوان الأسماك..ففيه يتعايش السافر والمتحجب..الكافر والمؤمن..الأجنبي والمواطن ..كل هؤلاء سواء ..يسكنون خياما ..يفترشون الرمال ..يتخذون من لون السماء غطاء..ومن النجوم نورا.. ومن النار حفلة رومانسية تذكي الحلم وتجعل الذات تتغذى من وقود الجمال..إنه الشاطئ الوحيد الذي يمكنك من الاتحاد بالوجود..والحلول في الظلام والنور..وحتى إذا قيل لك توجد جنة بعد هذا ..لقلت يكفيني ما أنا فيه من نعيم..فلا جنة بعد هذه ..والجحيم للذين يفضلون صخب المدن الشاطئية الكبرى..ضجيج البيران.. صرير المياه في جوف السكارى التائهين في الملايير المنهوبة من عرق جبين الغفلة ..سذاجة الزمن ..كل هذا وبعد هذا لا توجد جنة فإذا كان هناك وجود لها فلن تكون مختلفة عن هذه التي أنعم بفجرها المتألق المنبثق في الأفق ..المنسكب ككأس ممتلئا بعصير البرتقال ..وبمسائها الوردي الساحر الذي تفوح منه رائحة السمك الطري الذي لم يفقد صلابته ولمعانه...إن الله قد خلق جنته فوق الأرض لكن قلة هم الذين يملكون مفتاح الدخول إليها..بل كثرة هم الذين أفسدوها وجعلوا الاسمنت يقوم مقامها ..غير عابئين بتلك الألوان الجميلة التي تتعايش مع وجه الأخضر واليابس الصلب واللين ..اللطيف والخشن..الباهت واللامع..يستحيل على هؤلاء تقدير طهارة المياه إذ لايقدرون تلك المادة الرمادية التي تحل محل الله في الحفاظ على ملكه..تلك المادة الرمادية الجميلة الخارقة التي تبعث على الدهشة تماما كما هي مدهشة رمال هذا الشاطئ وصخوره الجميلة..كل شيء كان جميلا قبل صدور قرار مراقبة الشواطئ ومنع التخييم المتوحش بها ..إنه إعلان حالة الطوارئ الذي امتد في البلاد لسنوات طوال ..وهي السنوات التي ستعرف فيها البلاد أزمات رغم ما تزخر به من خيرات ..وحده ذاك الأجنبي القادم من بلاد الأندلس صاحب الأنف المتدلي إلى الأسفل الذي تفوح منه رائحة اليهودي المتخفي في الجنسية الاسبانية.. وحده كان يستحوذ في أثناء هذه الأزمة على جمال الشاطئ وخيراته..سمح له ببناء قصر اختار له شكلا تشبه قبته قبب تلك الأضرحة التي كانت تتخذ صفة الضريح وهي في العمق مجرد مكان لالتقاط الأخبار ونقلها ..لقد بنى نموذجا معماريا جميلا .. متميزا لا يمكن لعقل مغربي مبدع أن يأتي بمثله ..ما دام ممنوعا من أن يحظى بنفس امتيازات الأجانب..فهؤلاء تباح لهم الأراضي الفلاحية ..المناطق الخضراء ..كل ما هو محرم على المواطن مباح للأجنبي ..حتى أصبح الواحد منا يكره ان يكون مغربيا ويخامره ذاك الشعور بتغيير جنسيته ..لكن كيف السبيل إلى ذلك وهذا الوحش يحرس هذا الأفق الممتد المغري ..؟