أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 12

الموضوع: العلم والدين - جون لويس شليجل

  1. #1
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي العلم والدين - جون لويس شليجل

    العلم والدين Science et religion جون لويس شليجل Jean-Louis Schlegel متخصص في سوسيولوجيا الأديان ترجمة: بديعة لشهب
    مقدمة:عندما نقرأ هاتين الكلمتين المقرونتين(العلم والدين)تفرض علينا، بشكل عام، صورة تفيد التضارب والتصارع بينهما، صورة العصور الحديثة التي تعكس أن العلم والدين لم يكونا دوما على وفاق. فتقرن بالعلم صورة التنوير والتطور، بينما تقرن بالدين صورة الرجعية والظلامية. لكن هل هذه الصور السلبية مبررة بالكامل عبر الماضي وفي الحاضر؟بدلا من الاقتصار على إعطاء فكرة حول ما يجمع وما يفرق في ذاته بين العلم والدين، سنجد هنا لمحة تاريخية تأخذ بعين الاعتبار، ولو بشكل جزئي، تعددية العلوم و الديانات،و تطورها عبر القرون (في أوروبا)، وكذا بعض الصراعات النوعية التي لا تزال قائمة حتى أيامنا هذه..
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

  2. #2
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    أولا : قرون من التداخل السلمي( العصور القديمة ـ القرون الوسطى ): تكفي قراءة تاريخ العلوم أو تاريخ الأديان؛ للاستنتاج بأنه على مدى زمن طويل جدا ـ حتى الاكتشافات الكبرى للفيزياء الحديثة مع بداية القرن السادس عشر(XVI)ـ ، لم تكن تمثل العلاقات بين العلم و الدين " مشكلة " أو موضوعا لصراعات كبرى. لسبب بسيط ؛ هو أن" صورة العالم " التي نقلتها الديانات الكبرى و كتبها المقدسة لا تتناقض و مقولات العلماء الأوائل، اللذين كانوا بدورهم رجال دين، رهبانا (بيتاغورس) أو فلاسفة (أرسطو الذي اعتبر لزمن طويل كأكبر عارف بالظواهر الطبيعية)؛ وحتى لو حصل وانتقدوها، فإن هذا النقد لا يصل إلى حد التشكيك في أساطير وآلهة عصرهم. زد على ذلك، إن " العلماء " ( les scientifiques ) .. لم يكونوا يحملون هذا الاسم، الذي يعود تاريخه للقرن التاسع عشر، بل كانوا يلقبون بالفلاسفة (des philosophes) أو الحكماء (des sages). عندما صادفت ـ كل من اليهودية ( منذ بداية القرن الثالث و الثاني قبل الميلاد )،ثم المسيحية بعد ولادتها بقليل (منذ القرن الأول و الثاني بعد ميلاد المسيح) ، الهلينية (l'hellénisme) والموروث اليوناني، تبنتا، كمجموع العالم الإغريقي ـ الروماني، نتائج العلوم اليونانية، في الطب، في الفلك ... خاصة في القرن الثاني الميلادي، حيث جعلوا منها " نظام الحركات الكوكبية لبطوليمي " (المتوفى سنة 170 ميلادية). ـ الذي احتفظ بالأرض في مركز توصيفه للكون. كما أصبح " غاليان " "Galien" (المتوفى في السنة 200 بعد الميلاد) بدوره مرجعا في الطب. بتعبير آخر، لم يكن الصراع، في بداية الأمر، بين العلم و الدين، بل كان صرعا داخل الدين: بين الوثنية المجاهرة بالشرك و التوحيد، أو بين الموحدين أنفسهم (اليهودية و المسيحية). وفيما بعد، تمت إعادة اكتشاف "العلوم اليونانية"، التي تقوضت وتبددت مع أفول الإمبراطورية الرومانية (الحرق الجزئي لمكتبة الإسكندرية 269، التي تكبدت كذلك عملية تخريب همجية قام بها ثوار متعصبين ضد الوثنية سنة 415)، من القرن التاسع الميلادي إلى القرن الثاني عشر الميلادي بواسطة " العلوم العربية"، التي احتفظت منها الذاكرة الغربية بأسماء "ابن سيناء" (الطبيب و الفيلسوف الإيراني، المتوفى سنة 1037 ميلادية) وابن رشد " (الفيزيائي والفيلسوف الأندلسي، المتوفى سنة 1198ميلادية)، والتي كانت بدورها خلاقة في الرياضيات و الفيزياء، في الطب، في الجغرافيا، في الكيمياء وفي علم الفلك. لنذكر، مرة أخرى، بأن هؤلاء العلماء بمعنى " savants " وبمعنى " scientifiques" ، كانوا أيضا وعلى وجه الخصوص " رجال دين "، مسلمين " علماء دين " (théologiens) و متصوفة (mystiques )، ولم يكن إذن هناك صراع بين العلم و الإيمان ( باستثناء الطبيب العقلاني الإيراني الرازي، الذي توفي سنة 930 ميلادية، و الذي لم يكن يعتقد بالمعجزات)، إضافة إلى أنهم أنفسهم كانوا يمارسون علم الفلك و الكيمياء القديمة" الخيمياء"، باعتبارها معارف لا تقل أهمية عن باقي المعارف إن لم تفضلها. ومع أفول العصر الذهبي للإسلام (القرن الثاني عشر)، عادت كتابات أرسطو التي كانت قد ترجمت للعربية إلى الغرب من جديد لتتم ترجمتها إلى اللاتينية، وبذلك كان للفيلسوف اليوناني تأثير بالغ على علم اللاهوت (الثيولوجيا) المسمى " علم الكلام " "scolastique " (ألبير لو غران" "Albert le Grand "،توماس داكيين" Thomas d'Aquin" )، و بخاصة فيما يتعلق بأهمية العقل البشري القادر على الإله نفسه عند غياب الوحي ...

  3. #3
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    ثانيا: زمن الأزمات و القطائع( من القرن السادس عشر إلى القرن العشرين)في سنة 1686، جاء في محاورات " فونتنيل"(Fontenelle ) حول تعددية العوالم أن رجلا من صفوة المجتمع حكى بأسلوب طريف، أنه تحت سماء مزدانة بالنجوم، كان لعلم الفلك الحديث رفقة : قدم ألماني يدعى " كوبرنيك" (Copernic ) ، الذي نهب كل هذه الدوائر المختلفة، و كل هذه السماوات الصلبة، التي تم تصورها عبر العصور القديمة. حطم بعضها، جزأ البعض الآخر. أمسك بقبضة عالم الفلك ، أخذ الأرض و أرسلها بعيدا جدا عن مركز الكون الذي كانت متموضعة به ، ليضع الشمس مكانها .. .في الواقع أن كوبرنيك ( ألماني من أصل بولوني 1473ـ1543 ) كان و بقي أحد رعايا الكنيسة الكاثوليكية ،" شانوان "([3] ) (chanoine ) ؛ لكنه عندما ظن أن اكتشافه قد يجلب له المتاعب مع الكنيسة وقتذاك، لم يظهر كتابه حول " ثورة الأجرام السماوية " إلا قبيل وفاته. فقد قادته أعماله إلى الاستنتاج بأن الشمس هي مركز الكون و ليست الأرض، و بأن الأرض، كباقي الكواكب، تدور حول الشمس، كما تدور حول نفسها. و عليه، تم الانتقال من " مركزية الأرض " (géocentrisme) إلى " مركزية الشمس " (héliocentrisme ). من وجهة نظر دينية، يجب تسجيل نقطتين : أفكار "كوبرنيك " كانت بعيدة عن أن يتقاسمها مع علماء آخرين، حتى أن معظم معاصريه كانوا يرفضون إتباعه و استمروا في التمسك بما جاء به " بتولمي " (Ptolémée ) ؛ بتعبير آخر، كان هناك جدل قائم و لم يتم المرور دفعة واحدة نحو بداهة " مركزية الشمس"، حيث كان يجب الانتظار حتى تصبح هذه البداهة راسخة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فبحكم أن هذه الأفكار بقيت نظرية،فإن "كوبرنيك" لم يكن يشكل "مصدر قلق، رغم أن الكنيسة الكاثوليكية، و كذلك "مارتن لوثر" و أوائل الإصلاحيين عبروا عن نقدهم و استهجانهم لما جاء به (لم تتم محاكمته في روما إلا سنة 1616 ) . لكن من بعده أثبت "كبلر " "Kepler " (1571ـ 1630 ) أن الكواكب تدور حول الشمس حسب "قطع إهليلجي " (une ellipse )، و القوانين التي تحمل اسمه تأسس القواعد الرياضية لتحركاتها. غير أنه، رغم ما جاء في " علم الفلك الجديد "( Astronomia Nova: و هو عنوان لواحد من أهم أعماله)، بقي "كبلر" مسيحيا بعمق؛ فقد لاحظ بأن العالم مسير وفق تناغم رباني مدار من طرف الخالق و منظم بإتقان رياضي...لم تتفجر العلاقة إذن، إلا مع" جليلي "(Galilée ). فالجديد الذي قدمه ليس في اكتشافه لدوران الأرض حول الشمس، و إنما في إظهاره لذلك بواسطة المنظار، أي إثباته تجريبيا. تصعب العودة بتفصيل إلى الدعوى القضائية التي أقامتها ضده محاكم التفتيش الرومانية، التي استمرت لسنوات؛ إلى أن تراجع، تحت الإكراه، عما سبق أن دلل عليه. و قد رويت عنه كلمة مأثورة قالها في تلك اللحظة المأساوية: " و رغم ذلك فهي تدور!" (E pur si muove !) . و منذ ذلك الحين أصبحت " قضية جليلي" رمزا لكل أنواع القمع التي تمارسها مختلف الديانات على مختلف العلوم... ربما لأنه لأول مرة،و بشكل رسمي احتفالي،سمحت جهة دينية رسمية لنفسها، باسم "حقيقتها الغيبية غير المرئية"، بتكذيب و محاكمة " حقيقة العلوم الطبيعية المرئية " التي أثبتتها التجربة .لكن بعيدا عن التعقيدات المختلفة لهذه القضية، يجب التذكير هنا، بأن سبب المحاكمة هو الاعتقاد بأن أطروحة "مركزية الشمس" وضعت على المحك، الحقيقة التي جاء بها الكتاب المقدس المتعلقة بـ "مركزية الأرض"، كما تم تأويله لأنه لا يوجد بهذا الخصوص أي تأكيد قطعي في الإنجيل و لا أي نص أو مقطع كيفما كان، يدعو للتصديق بنموذج بعينه و ليس بنموذج آخر. في الواقع،فإن هذا التخوف قائم، هو نفسه، على فكرة مسبقة خاطئة، على سوء فهم أساسي فيما يتعلق بالكتاب المقدس : فهو ليس كتابا علميا، يشتمل على حقائق علمية حول الكون ،و الحياة ، والجنس ، إلخ. فقد يرى فيه البعض وحي الإله في التاريخ البشري، و يرى فيه البعض مجموعة قصص و روايات أسطورية غريبة و متضاربة فيما بينها ، بينما يرى فيه البعض الآخر، تحفة أدبية للإنسانية؛ لكن اعتباره كتابا علميا أو دراسة علمية (حول الطبيعة و الإنسان و الحياة؛ حول أصولها ، مستقبلها ، و غاياتها ، إلخ. ) يشكل ببساطة خطأ جسيما. و مع ذلك، فإن هذا الخطأ لم يفتأ يتكرر إلى يومنا هذا.

  4. #4
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    أ)ـ انقلاب العقليات. من المحتمل أن إدانة " جاليلي " تعكس إحساس الكنيسة، دون وعي منها، بحلول عهد جديد : عهد الفصل بين الدين و باقي مجالات الحياة. ليس فقط العلم، لكن كذلك الفلسفة، التربية، القانون... التي أصبحت دنيوية، وتمت "علمنتها ". تم الوعي إذن، بأن البحث العلمي لا يمكنه فقط، و إنما يجب أن يستغني عن "فرضية الإله" l'hypothèse Dieu . و بذلك تم التخلص من" الصورة الدينية للعالم " ( ماكس فيبر) التي توحد و تربط كل شيء. ليصبح الدين حقيقة من بين حقائق أخرى، ومجرد اختيار شخصي.في القرن السابع عشر و الثامن عشر، بينما كانت الكنائس تمعن في إدانة العلماء، و كان "نيوتن " (1642ـ1727 ) يدعم صرح الفيزياء الحديثة ( بفضل القوانين الكونية " للميكانيك الإلهية "، كتلك المتعلقة بالجاذبية)، انقلبت العقليات عند العلماء، المفكرين،العباقرة ،الزنادقة: وتوقفوا عن أن يكونوا مؤمنين، أصبحوا"معاديين للإكليروس "(anticléricaux )، ألهانيين ، ليتحولوا بعد ذلك إلى ملحدين و ماديين، خصوصا مع " فلسفة الأنوار" (l'Aufklärung) الفرنسية في القرن الثامن عشر، و أخيرا " وضعيين" و "علمويين " في القرن التاسع عشر: يؤمنون بعقيدة واحدة؛ هي عقيدة العلم و التطور اللامتناهي بفضل العلم .هذا التطور في العقليات كانت له كذلك امتداداته في الفلسفة : "ديكارت" (Descartes)، "سبينوزا "(Spinoza) ، و تحديدا فيما يخص العلاقة بين العلم و الإيمان،" إيمانويل كانط"( Emmanuel Kant)، الذي شكلت دراسته حول " نقد العقل الخالص" 1781 تحولا حاسما إضافيا.لنقس الطريق الذي قطع على مدى قرنين، من جهة العلماء ، المفكرين ، و الفلاسفة ... عندما صدق " كانط" نفسه، و تمسك بكتابة ما يلي في مقدمة كتابه : أردت تأكيد المعرفة إنقاذا للإيمان ,؛> يعني بالنسبة لكانط أن كل العلوم الفيزيائية تصدر عن ظواهر محددة في المكان و الزمان، أي عن التجربة الملموسة؛ وحسب وجهة النظر هذه ، لا توجد أية معرفة ممكنة، لا يوجد أي " دليل " علمي على وجود الله و الظواهر" فوق الطبيعية " الأخرى. و> بالنسبة لحياته العملية، لاستفهامه حول "مغزى" حياته، على الإنسان ، مع ذلك ، أن يستفهم حول الإله ، حول الخلود ،حول الحرية الإنسانية ؛ فلا يمكن لأي عالم تقديم دليل إيجابي على أن الحقائق الغيبية غير موجودة ؛ كما أن " الافتراض المسبق " بوجودها، لا يمكن اعتباره أمرا غير منطقي، بل على العكس من ذلك، بالنسبة لـ" كانط" هو أمر جد منطقي إذا أردنا المضي حتى نهاية " الواجب الأخلاقي" (l'exigence morale ) ...من المؤكد أن كل هؤلاء الفلاسفة، ليس فقط "سبينوزا"، لكن كذلك المؤمنين منهم ،مثل"ديكارت " أو" كانط"، تمت إدانتهم و وضعت أعمالهم على القائمة ( قائمة الأعمال المدانة من طرف محكمة التفتيش بروما) .يبدو أن القطيعة تمت بشكل نهائي، لا رجعة فيه، بين الكنيسة الكاثوليكية،على وجه الخصوص ، و العلم الحديث. أكثر من ذلك ، لقد أحدث اكتشاف علمي آخر، في القرن التاسع عشر ، توثرا جديدا لا يزال قائما إلى يومنا هذا : بالنسبة للكاثوليك و بدرجة أكبر بالنسبة للبروتستانت القارئين المتعصبين للكتاب المقدس؛ ذلك أن" داروين" (Darwin ) بتفسيره ظهور الإنسان بطريقة محض طبيعية، من خلال"التطور الانتقائي للأنواع "(une évolution sélective des espèces ) على مدى ملايين السنين ،قد أحدث انقلابا.

  5. #5
  6. #6
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    ننتظر بشوق أيها الكريم ...
    مودتي لقلبك عامرة ...
    الإنسان : موقف

  7. #7
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    عندما كتب القس الأمريكي الصوفي ( جون هوستن ) عام 2005 كتابه

    لماذا الدين ضرورة حتمية ..

    تعجبت من كثرة الأدلة التي أوردها ليقرر أن الدين في الغرب بات اليوم ضرورة معرفية ..

  8. #8
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    المشاركات : 191
    المواضيع : 44
    الردود : 191
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    الأخ العزيز / عبد الصمد
    تحياتي وتقديري إليك
    شكرا لك هذه نشر هذه الدراسة المميزة ، وكم نحن نتوق لمثل هذه الدراسات التي تتتبع علاقة العلم بالدين ، والخصومة العنيفة التي وصل إليها العلماء مع الدين ، واسباب هذه الخصومة التي ولدت فيما بعد العلمانية ( اللادينية ) ، وتم تصديرها لنا على أنها سبب للتقدم ، ولا مندوحة عنها .
    خالص حبي إليك

  9. #9
  10. #10
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    العلم والدين ( الجزء الثاني )

    العلم والدين ( الجزء الثاني )
    [1] Science et religion

    "جون لويس شليجل" Jean-Louis Schlegel
    متخصص في سوسيولوجيا الأديان



    ترجمة: بديعة لشهب[2]



    يبدو أن القطيعة تمت بشكل نهائي، لا رجعة فيه، بين الكنيسة الكاثوليكية، على وجه الخصوص، و العلم الحديث. أكثر من ذلك، لقد أحدث اكتشاف علمي آخر، في القرن التاسع عشر، توثرا جديدا لا يزال قائما إلى يومنا هذا؛ بالنسبة للكاثوليك، وبدرجة أكبر بالنسبة للبروتستانت القارئين المتعصبين للكتاب المقدس؛ فبتفسير" داروين " (Darwin ) لظهور الإنسان بطريقة محض طبيعية، من خلال" تطور انتقائي للأنواع "(une évolution sélective des espèces ) على مدى ملايين السنين، يكون قد أحدث انقلابا.

    فالإنسان، وفق هذا المنظور، ينحدر من أصل حيواني؛ فهو ينتمي ،على الأقل، إلى الرئيسات الكبرى من فصيلة القرود. كما أن للنباتات بل و حتى للجمادات لها مسار حياة طويل جدا يحكم وجودها. فالعديد من علاقات القرابة، التي درسها الطبيعيون والجيولوجيون. كما درسها بعد ذلك، بشكل أكثر جذرية، البيولوجيون(حول أصل الحياة ) وعلماء الفيزياء الفلكية (astrophysiciens) ( حول أصل العالم ).

    لينطرح السؤال: أين يكمن المشكل إذا ؟

    وهكذا فقد وضعت الصدقية " العلمية " للكتاب المقدس،مرة أخرى، على المحك، لكن هذه المرة بشكل أكثر جرأة و حول سؤال أكثر أهمية من النظام الشمسي؛ يتعلق الأمر بعملية الخلق المباشر للكون،في ستة أيام، من طرف الله؛ حيث جرت محاولة تقويض فكرة أن الكون و الإنسان خلقا مباشرة من طرف الله. أي أن الأمر يتعلق بمحاولة التخلص النهائي من كل تدخل إلهي متفرد و مباشر في الكون. وبتعبير آخر فقد جرى الإمعان في التخلص من كل المعجزات.

    نعلم، مع ذلك، أنه منذ " كانط " و حتى قبله، كانت المعجزة، المرتكز الأساسي للإيمان و للدين لزمن طويل جدا، في مأزق. لكن لم يتم تحقيق ذلك على مستوى العقليات ( هل تحقق ذلك اليوم ؟ يمكن طرح هذا التساؤل). من المحتمل أن الحضور القوي للنصوص المتعلقة بالخلق، بعبور البحر الأحمر، و بمعجزات المسيح في الكتاب المقدس يفسر هذا الإيمان المطلق بها.

    لكن مع داروين أصبح ذلك "مستحيلا". فإذا صعقت العقول، المؤمنة منها على وجه الخصوص، فلأن نظريته المتعلقة بـكون " الإنسان ينحدر من قرد"، و بأنه لم يخرج مباشرة من كلمة و يد الله، فيها شيء من الإذلال؛ فهي تعني ، ككثير من الاكتشافات العلمية المعاصرة، بأن الإنسان ليس بـ "الشيء الأهم" في الكون، و عليه أن يكبح من غروره، مقارنة بادعاءات " ديكارت "( توفي سنة 1650) .. الذي صرح بمبدأ "anthropocentrique" (الإنسان مالك و سيد الطبيعة)، رغم أن "باسكال"Pascal (المتوفى سنة 1662)، بدقته البالغة، عبر عن شعور مختلف و عميق متصل بصعوبة التواجد في هذا العالم الجديد اللامتناهي؛ و هو ما عبر عنه بقوله: << يفزعني الصمت السرمدي لهذه الفضاءات اللامحدودة ؛ كم من مملكات نجهل!>>


    نقد الكتاب المقدس و الأصولية:
    قامت الأزمة "الداروينية "، مرة أخرى ، على سوء فهم فيما يتعلق بالكتاب المقدس و بنوع الكتب التي يمثلها؛ فإذا اعتبرناه كتابا للعلوم، قد يخيب أمل المؤمنين، بينما سيظن الملحدون ( غير المؤمنين ) أنهم يحققون نصرا تلو الآخر؛ فمنذ القرن السابع عشر و العلم يكذب الدين( المسيحية) بشكل مباشر.

    و طالت نيران الانتقاد، الكتاب المقدس نفسه؛ حيث قام كل من " ب. سبينوزا" (Baruch Spinoza )( رسالة في اللاهوت والسياسة ، 1670 ) و القس الكاثوليكي " ريشارد سيمون "( Richard Simon)( في التاريخ النقدي للعهد القديم )، بتسليط الضوء على تناقضاته الداخلية ، على عتماته، على <<زياداته >>، على رواياته الأسطورية، و لم يتوقف هذا الانتقاد عن " التضخم" ليغدو أكثر راديكالية، خصوصا في القرن التاسع عشر، الذي تعرض خلاله " العهد الجديد "، أيضا، للانتقاد و المهاجمة؛ حيث تم التمييز، بين "مسيح التاريخ "(Jésus de l'histoire )( الذي يمكن إعادة تشكيل بعض ملامحه عند الاقتضاء ) و بين " مسيح الإيمان "(le « Christ de la foi » )(ابن الله الذي لا يمكن للعلم أن يقول عنه شيئا). و بلغ الانتقاد ذروته عندما صرح أحد كبار مؤولي القرن العشرين( و هو رجل مؤمن )" رودولف بولتمان " (Rudolf Bultmann)، سنة 1930، بقوله :<< لا يمكننا عمليا معرفة أي شيء عن تاريخ المسيح >>.

    لكن التفسيرات المعروفة بـ "التاريخية ـ النقدية" حاولت، كذلك، رفع تحدي نقد الكتاب المقدس. و قد أبرزت إلى أي حد ارتبط هذا الكتاب، تاريخيا، بعصره و مكان نشوئه ( الشرق الأوسط القديم للألف سنة الأولى قبل الميلاد، بعد ذلك فلسطين الرومانية حتى القرن الثاني الميلادي ).. .

    لكن على الرغم مما يمثله التفسير التاريخي ـ النقدي، من كونه إجابة على العديد من التساؤلات الراهنة، لم يقنع مجموع المؤمنين، خصوصا، الأصوليين منهم.

    و تعتبر الأصولية، التي نشأت في كنف البروتستنتية الأمريكية مع نهاية القرن التاسع عشر، قبل كل شيء، موقفا دفاعيا في وجه القراءة " الحداثية"(moderniste) للكتاب المقدس، و رد فعل ضد التفسير التاريخي والنقدي الذي شوه النص الإنجيلي ووضع"عصمته"[3]المطلقة «inerrance »موضع التساؤل.

    ويعتبر الأصوليون،بشكل عام، هذه المقاربة مقاربة هدامة في حد ذاتها، هدامة بالنسبة لكلام الله، و بالتالي بالنسبة لأساس الإيمان نفسه. فهم يعارضون انتقاذ يقينيات (des certitudes) لا يجوز الاقتراب منها، أكثر من تلك المتعلقة بالعلوم التجريبية؛ و يرفعون قائمة " الأسس" أو" الأساسيات " التي يمنع أن يطولها الانتقاد. ويقولون بإلزامية ووجوب، القراءة الحرفية للنصوص، التي كتبت " بإرادة الله نفسه "(« avec le doigt même de Dieu » ).

    و يدافع " النشوئيون"(créationnistes)الأمريك يون[4](معظمهم طلبة علوم ذووا مستويات تعليمية جامعية) على الخلق المباشر للكون من طرف الله،.. . و يأخذون بالمعنى الحرفي للروايات مثل " الطوفان " (le Déluge)،.. عبور البحر الأحمر، إلى غيرها من الوقائع العجيبة التي ذكرت في العهد القديم، دون نسيان كل المعجزات حول المسيح و تلك التي تمت على يديه.

    وقد كان من الممكن أن يكون النقاش الدائر بين المقاربة الأصولية للوحي و المقاربة النقدية، نقاشا بين مؤمنين، داخل الديانات، ولا يخص الآخرين. لكن منذ عقود عديدة تحاول الأصولية البروتستانتية، الإسلامية، و حتى الكاثوليكية، التأثير على السياسي لتفرض أفكارها؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، تطالب الأصولية المسيحية، بتدريس النص الإنجيلي المتعلق بالخلق داخل المؤسسات التعليمية، إلى جانب، نظريات داروين و مؤيديه ...


    في القرن العشرين، مستجدات علمية:
    على الجانب الديني، لم تشهد الفترة الممتدة من نهاية القرن التاسع عشر إلى نهاية القرن العشرين أي تحولات تذكر على المستوى النظري. إذا نحينا جانبا "الأصوليين"، اللذين زاد عددهم اليوم دون أن يشكلوا جبهة موحدة و منسجمة...

    العلم و التوافق:
    بداية، الذي تغير هو العلم و صورة العلم. فقد حفزت النظريات الفيزيائية الجديدة للقرن العشرين( النسبية، النظرية الكمية...) و تأكيدها بواسطة الملاحظات المجهرية و العينية، ظهور كوسمولوجيا جديدة، أقل خضوعا لعدم اليقين، وللغموض، و للجدل.

    مما شجع الديانات بأن تطالب بالحضور فيما لم يخض العلم فيه بعد، أو فيما ما لم يتوصل إليه العلم بعد، أو أن تبحث عن أسس علمية لأطروحاتها ...لذا، خشي بعض المسيحيين (على رأسهم الأب " بي الثاني عشر"" Pie XII" سنة 1951) أن ينظر لنظرية "الانفجار الأول" أو " الانفجار العظيم "(big bang ) الذي تسبب في نشوء الكون و بداية توسعه، على أنها إن لم تكن دليلا فهي على الأقل شكل من أشكال إثبات وجود بداية للعالم( الكون إذا ليس لا متناهيا ! ) و تشابه بذلك فكرة الخلق. و هو توهم بكل تأكيد، لأن "الانفجار العظيم" مر بالكامل << من هذا الجانب >> من الحيز الزمني، و يتعلق السؤال بالكامل بما كان موجودا قبل الثواني المليونية الأولى لبدايته ...

    في الواقع، نجد أنفسنا هنا أمام واحدة من المحاولات الأكثر جدية للدفاع عن الدين (l'apologétique religieuse) منذ قدوم الفيزياء الحديثة و المعاصرة؛ يتعلق الأمر إذا بمحاولة التوفيق أو العمل على خلق " توافق " بين تأكيدات أو نبوءات الكتاب المقدس ( أو القرآن، أو نصوص و أطروحات أخرى)، بشكل دقيق نسبيا، مع تلك المتعلقة بالعلم الحديث، بحيث إما أن يؤكد العلم الإيمان، أو أن يتقيد الإيمان بمعطيات العلم.

    ومن المحاولات، في هذا الإطار، تلك المتعلقة بالعمل على مطابقة "أيام الخلق الست" مع الفترة الطويلة ( 13.7 مليار سنة) الممتدة بين نشأة العالم و ظهور الإنسان؛ و بما أنه، يصعب التمسك بأن عمر العالم لا يتجاوز 6000 سنة، يؤول البعض، مجازيا، " الأيام " على أنها ملايين السنين في كل مرة ...

    لكن بشكل أكثر دقة، حاول ما يعرف بـ" التصميم الذكي"[5] (Intelligent Design )إحلال الغائية المحكومة بالذكاء الخلاق و الموجه منذ البداية، محل تلقائية التطور. الكون إذن، صمم مسبقا بذكاء إله. ولنقل بأنه التفسير العلمي الأكثر إقناعا بالتناسب مع الثوابت و التوازنات الفيزيائية التي تحكم العالم. لكن يتعلق الأمر هنا بقراءة دينية، و ليس بقراءة علمية، للبداية( لبداية الكون )[6]. فهو يسلم بأن رفض الكتب المقدسة، بدعوى أنها غير متفقة مع العلوم الحديثة، ليس له معنا لأن هذا الاتفاق لم يكن على الإطلاق "قضية" الكتب المقدسة سواء في الماضي أو في الحاضر...

    وتعد محاولة الأب "بيير تيلهارد دو شاردن " (Pierre Teilhard de Chardin )( 1881ـ1955 )"للمصالحة" (réconciliation)، أعمق و أهم هذه المحاولات في القرن العشرين. اليسوعي و عالم الإحاثة[7]، الذي أراد أن ينسب نتائج التطور لعلم اللاهوت المسيحي[8]. لكن هل تجاوز، بذلك، الخط الأحمر، الأمر الذي جعل من نظامه الخاص بـ"التعقد المتنامي "توفيقا غير مقبول. نوع من المعرفة الروحية (gnose)( معرفة متخيلة )العلمية لا أساس لها في الواقع، " إسقاط إحيائي " إذا صدقنا عالم الأحياء ( البيولوجي )"جاك مونود" [9] (Jacques Monod)؟ هذا ما أقره العديد من خصومه من علماء (scientifiques)و رجال دين (religieux ) ...

    في الحقيقة، كان يجب أن ينظر إلى مقترح " تيلهارد"، قبل كل شيء، كـرؤية ثيولوجية مسيحية للمستقبل، حاولت إدماج معطيات التطور؛ ليبقى إلى هذا الحد مقترحا مثيرا للاهتمام بطرحه لتصور كوني، حركي، للتاريخ المقارب بين المادة والروح. فإذا كان قد عانى، في القرن العشرين، نفس مصير "جاليلي" فليس بسبب نظرياته العلمية، لكن بسبب أفكاره اللاهوتية غير المقبولة؛ مما دفع الكنيسة إلى منعه من نشر كتاباته مدى الحياة و من التدريس بـ" Collège de France ". بينما قبل العديد من المسؤولين الدينيين، ومن المؤمنين المثقفين، و من علماء اللاهوت، لكونهم أقل جرأة و تجديدا من "تيلهارد "، ضمنيا، بالخط الرفيع الفاصل بين الإيمان و العلم الذي رسمه" كانط". فهم يدمجون في تفكيرهم و في ردود أفعالهم الدينية بين أهم معارف التأويل التاريخي و النقدي. إلا أنه على النقيض من ذلك، مع قبولهم بحرية و استقلالية الأبحاث، فهم يدافعون على مشروعية الإيمان في وجه كل مطالبة بالدفاع، باسم العلم، عن الإلحاد أو عن اللامبالاة الدينية. و بوجه عام، في وجه كل العلوم التي تتجاوز حدودها بدعوى محاولتها إعطاء الدليل على عدم وجود الله، أو التصريح باستحالة وجوده انطلاقا من النتائج العلمية[10].

    عموما، فبدلا من الاحتجاج ضد البحوث و الاكتشافات العلمية كما هي، تشارك الديانات اليوم (حتى على المستوى الرسمي : ضمن اللجان الأخلاقية ) في النقاشات الأخلاقية المفتوحة حول أساليب، أهداف، و نتائج البحوث الخاصة بالجينات البشرية. وتتعلق ردود الأفعال و مواقف الرفض الأكثر حدة بـ "التخليق الحيوي" (biogénétique ) والوعود الخطيرة التي يبدو أنه يقدمها من أجل اختيار،اختصار، إشفاء، تحسين، تعديل الحياة أو أشكال الحياة .

    لكن عملية فرض الرقابة المتكررة من طرف الديانات يوشك أن يظهر هذه الأخيرة كحراس للعادات و التقاليد، ونصراء الريبة ،الحاضرة دائما، اتجاه العلم بشكل عام، أو كرسل لتعاسة الإنسان ومانعي التطور. ومن هنا يأتي، الاستحضار المستمر لواقعة "جاليلي "، رغم قيام البابا "جون بول الثاني" برد الاعتبار له ، لكن البعض يراه منقوصا وغامضا.


    العلم في قفص الاتهام:
    مع ذلك، قد تستفيد الديانات من الصورة الجد متناقضة، إن لم نقل السلبية، للعلم مع بداية القرن الواحد والعشرين. فبعد أربعة أو خمسة قرون ، خصوصا في القرن الأخير، لم يعد بإمكان العلم الظهور بمظهر" البريء ". لا يمكن تجاهل مشاركته في توسيع، أو حتى في اندلاع، الكوارث الكبرى ( حروب ، إبادات ، قنابل ذرية ، كوارث إيكولوجية ) .

    هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ألم تفض الرغبة في الانعتاق، والتحكم في الطبيعة، مع الاعتقاد بالتطور اللامتناهي الذي أتاحه العلم،إلى عكس غايته و مبتغاه؟ ألسنا محبطين، كذلك، بسبب " تكلفة التطور "، بسبب الفقدان النهائي"للطبيعة"، التهديدات البيئية ؟ ألم يتم تخصيص جزء هام من نتائج هذا التطور لغرض تصحيح خسائر العلم غير المتوقعة و أحيانا الجد متوقعة ؟ هل يحقق العلم بالفعل السعادة و الحرية ؟

    لقد انبثقت، من وراء الفكرة البسيطة التي تفيد بأن العلم خير في أهدافه لكن تستخدم وسائله بشكل سيء ،أسئلة فلسفية أكثر راديكالية حول معناه، إرادته في السيطرة و السيادة، عدم قدرته على إعطاء معنى للوجود. كما تم التدليل على أنه(العلم) " غير موضوعي " البتة،عكس ادعائه ، بل هو مغرق في الايدولوجيا على مستوى خطابه. فعندما يعرض خدماته دون التبصر إلى نقائصه، فالمسألة الدينية تعود حتما لتطرح نفسها من جديد. و يمكنها أن تعود، في أي لحظة، لتقدم معنى للحياة، عزاء و بديلا في الحاضر و المستقبل بالنسبة للأفراد و الجماعات، حتى وهي تقدم صورها النبوئية(apocalyptiques) ووعودها الأخروية [11]eschatologiques.

    و "تلعب" الأصولية الدينية على وجه الخصوص،في الوقت الراهن، على هذه التخوفات من العلم و التكنولوجيا ( التي تستعملها، مع ذلك،دون استحياء لتمرير رسائلها).


    خــاتمــة:
    حتى نختم، قد يكون من المهم التأكيد على التعدد الديني و العلمي، الزائد عن الحد، السائد حاليا.حيث توجد ديانات برؤى مختلفة للعالم وعلوم مقسمة إلى فروع و شعب متعددة. و داخل كل واحدة من هذه الديانات و العلوم، يتناقص عدد الأفراد و الجماعات الذين يتقاسمون رؤية مشتركة للدين و للعلم.

    فخلافا لما كان عليه الحال في القرن التاسع عشر، حيث كان أغلب العلماء معادين للدين (antireligieux ) و معادين للاكليروس (anticléricaux)، فإن عددا لا بأس به من العلماء، اليوم ، من المؤمنين ، سواء على المستوى الشخصي كأفراد ، أو كأعضاء فاعلين ضمن طائفة دينية. كما سجل في صفوف الأصوليين البروتستانت و المسلمين، على وجه التحديد، وجود عدد لا يستهان به من طلاب الشعب العلمية (مهندسين، أطباء، تقنيين )؛ و هي إشارة إلى القلق و الكآبة و الفراغ، نتيجة التساؤلات التي تثيرها الدراسات و الأبحاث و التي يصعب عليهم أخذها بعين الاعتبار ؟ فنحن بعيدين، على كل حال، عن الاعتقاد "العلموي" (scientiste ) و "الوضعاني" (positiviste) المنبثق عن عصر الأنوار!

    في الاتجاه المعاكس ،بالنسبة للديانات، رغم وجود تناقضات و تباينات واسعة ؛ نجد نوعا من التعايش بين أولائك اللذين يستمرون في الإيمان، ليس فقط بالمعجزة ،و لكن بكل الخرافات الممكنة ( السحر ،الشعوذة ، التنجيم ...)، و أصحاب الفكر العقلاني الذي يرفض و يستبعد كل هذه <<الخرافات >>؛ حتى أنه حصل أن طور عدد من علماء اللاهوت البروتستانت و الكاثوليك ، في القرن العشرين ، نقدا راديكاليا لتصورات وتمثلات الإله. قد يكونوا ، بذلك ،مناقضين لباقي المؤمنين اللذين يتمسكون بالأطروحات التي وعدت بها الفيزياء الجديدة، التي تتقاطع في بعض جوانبها الجزئية و الكلية مع الديانات الصوفية الآسيوية ( الطاوية[12]، البوذية [13] )و تدع المجال للتنبأ من جديد بـ "عالم مترابط "، على النقيض من "عالم الفصل " الذي أنتجه الظهور الأول للفيزياء الحديثة .

    لكن في العمق، لا يمكن للعلم ولا للدين <<إملاء>> الأفكار الصحيحة و السلوك القويم؛ في زمن الانشطار الفرداني(l'éclatement individualiste)، الأمر الذي ينتج عنه كذلك إحساس بالوحدة، كان من الممكن أن يصبح "باسكاليا " لو لم تعمل مجتمعاتنا الحديثة << الهزلية >>( humoristiques) على مضاعفة الملاهي التي تساعد على نسيانها.



    1. Jean-Louis Schlegel, « Science et religion », Les religions dans la société, Cahiers français, No :340 , Septembre octobre 2007,p(38-43).

    2. بديعة لشهب: ماجستير في العلوم الاقتصادية، من أعمالها كتاب: " الإقليمية الجديدة و التكامل الإقليمي بين الدول النامية، الوطن العربي نموذجا "، سلسلة دراسات استراتيجية و مستقبلية، المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم، معهد البحوث و الدراسات العربية، القاهرة، العدد6، أكتوبر2001.

    3. بمعنى خلوه من الأخطاء. الكلمة مأخوذة عن اللاتينية "errare"بمعنى "أخطأ".

    4. اللذين يؤمنون بأن ما يذكره سفر التكوين عن بدء الخليقة صحيح حرفيا.

    5 . يشير مفهوم" التصميم الذكي" إلى أن "بعض الميزات في الكون والكائنات الحية لا يمكن تفسيرها إلا بمسبب ذكي، وليس بمسبب غير موجه كالاصطفاء الطبيعي". هذا المفهوم عبارة عن شكل معاصر للدليل الغائي لوجود الله بصورته التقليدية، الذي تم تعديله لتجنب الحديث حول ماهية المصمم أو طبيعته، و يقدم التصميم الذكي نفسه على أنه البديل للتفسير الطبيعي للتطور، فيما يقف بذلك معارضاً لعلم الأحياء التقليدي الذي يعتمد على التجربة لشرح العالم الطبيعي عن طريق العمليات الفيزيائية القابلة للملاحظة والدراسة كالطفرات و الاصطفاء الطبيعي. ويقول مؤيدو نظرية" التصميم الذكي" إنه بالرغم من عدم وجود أدلة محسوسة بشكل مباشر تدل على طبيعة "المصمم الذكي" أو الخالق، فإنه يمكن اكتشاف آثاره على الطبيعة. ( المترجمة)

    6 . رغم أن مؤيدي نظرية التصميم الذكي، الذين يتبعون معهد ديسكفري، يرون فيها نظرية علمية تقف على قدم المساواة أو تتفوق على النظريات الحالية التي تتعلق بالتطور وأصل الحياة، إلا أن الأغلبية الساحقة من المجتمع العلمي تنظر إليها كنظرية غير علمية. فقد صرحت الأكاديمية الأمريكية القومية للعلوم بأن التصميم الذكي والادعاءات التي تخص الإنشاء الخارق للطبيعة في أصل الحياة ليست علماً بسبب عدم إمكانية اختبارها بالتجربة؛ ولأنها لا تعطي أية توقعات، ولا تقترح أية فرضيات خاصة بها. كما حكم قاض فيدرالي أمريكي، في أواخر2005، برفض قرار إدارة مدرسة في ولاية بنسلفانيا القاضي بتدريس نظرية التصميم الذكي كبديل عن نظرية التطور مؤكداً أن قرار المدرسة يعد خرقاً للتعديل الأول في الدستور الأمريكي وهو التعديل الذي يحظر على المسئولين الأمريكيين استغلال مناصبهم لتمرير أو فرض عقيدة محددة. وحكم قاضي المقاطعة جون إي جونز الثالث بأن التصميم الذكي ليس علماً، وبأنه يحمل طبيعة دينية في جوهره. ( المترجمة)

    7 . علم الإحاثة: علم يبحث في أشكال الحياة في العصور الجيولوجية السالفة كما تمثلها المتحجرات أو المستحثات الحيوانية و النباتية

    8 .لمعرفة المزيد حول " بيير تيلهارد دو شاردن" يمكن قراءة :

    Ce que je crois, Paris, Le Seuil, coll. «Points-Sagesse », 1998 ; Le Milieu divin, id., 1993 ; L'Hymne de l'univers, id., 1993.

    9. ـJacques Monod, Le Hasard et la nécessité, Paris, Le Seuil, coll « Points-Essais », 1973.

    10 . وهي تأكيدات لا يمكن تكذيبها و دحضها ، إذن فهي غير علمية، و بالتالي مجرد آراء : يبقى"كارل بوبر" مرجعا بهذا الخصوص.

    Cf. Logique de la découverte scientifique, Paris, Payot, coll. « Bibliothèque scientifique »,1973 (nouvelle édition 2007).

    11 . يتعلق العلم الأخروي ( L'eschatologie) بالمستقبل << ما بعد >> الحياة الفردية و الجماعية ،<< المآلات الأخيرة >>؛ بينما يتعلق "سفر الرؤيا " (l'apocalypse)بما سيحدث قبل النهاية، و يصفه بأنه مأساوي.

    12. الكتاب الأكثر شهرة حول هذه النقطة هو:

    Fritjof Capra, Le Tao de la physique (1989), rééd. &#201;ric Koehler, 2004.

    13.ـ Trinh Xuan Thuan, La mélodie secrète. Et l'homme créa l'univers, Paris, Gallimard, coll. « Folio », 1991.

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. ذكرى (لويس) :: شعر : صبرالصبري
    بواسطة صبري الصبري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 08-05-2014, 07:26 AM
  2. العروض الرقمي - د. محمد تقي جون علي
    بواسطة خشان محمد خشان في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 27-10-2007, 11:48 PM
  3. جون 1 جون 2
    بواسطة أحلام الزعيم في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 23-09-2007, 02:58 PM
  4. >..ما رواه..جون سيلفير ..
    بواسطة احمد القزلي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 28-05-2007, 12:09 PM
  5. لويس عطية وابوزيد--وتصريحات ثقيله جداااااااا لحكام المنطقه
    بواسطة نعيمه الهاشمي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 17-08-2004, 01:58 AM