أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 12

الموضوع: "حلوى الليمون" .. ، .. في فصول

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Nov 2004
    العمر : 48
    المشاركات : 160
    المواضيع : 62
    الردود : 160
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي "حلوى الليمون" .. ، .. في فصول


    - 1 -



    كان راشد متقرفصاً في معمله العتيق، تلك الغرفة المهملة من ركن حديقة ذلك المنزل المتوسط، يحك شعره الأجعد وهو يتأمل الهامش العريض الذي يشكل حياته.

    من جبينه الذي طُبعت عليه بصمات الزمن تتفصد حبات العرق، حينما دخلت زوجته السليطة تصرخ به وفي يدها العشاء : خذ .. عشاءك ولا تزعجني .. أريد أن أنام.

    استدركها بلهجة متوسلة : أين الليمون ؟

    فأجابته بمنتهى الغلضة وهي منصرفة عنه : أوف .. سآتيك به الآن .. هل تريد شيئاً آخر حتى لا ترددني ؟

    لم يعبأ بسؤالها - فيما كان يفكر - حيث انقدحت في ذهنه فكرة مباغتة انطلق على أثرها إلى اللوح المجاور وأخذ يكتب ويمسح بالطباشير معادلة جديدة لذلك الابتكار الذي أفنى حياته في سبيله، توقف قليلاً عن المحو والكتابة وابتعد عن اللوح بينما لا يزال مسلطاً نظره إليه بعينيه الخاثرتين ..تلمسَ المقعدَ خلفه .. وجلس.

    عادت زوجته بالليمون فتناوله منها بلهفة، وأخذ يلتهم شرائحه - أرباعاً - في شراهة ويقتلعُ اللبَ بأسنانه المتكلسة التي لم يتبقى منها سوى نابانِ وسنانِ معوجان ويمضغها ببعض أنقاض ضرسين متعامدين في الجانب الأيسر لفكيه، كان يأكل الليمونَ بنهم ويعصره في فمه ويجتثه من قشره ويمضغه ويبتلعه ثم يعصر منه الكثير على طعامه قبل أن ينهمك في تناوله.

    أفنى هذا الشيخ المسن ثلاثة أرباع حياته داخل هذه الصومعة الضيقة معتزلاً كل ألوان السعادة وأشكال الحياة الطبيعية، وكانت زوجته التي تزوجها عن كبر لا تحبه بل لا ترحمه، لديها ولد وبنت من زوج قبله، هما الآخران يتعاملان معه بمنتهى القسوة والغلظة، وبالمثل هو يبادلهم هذه المشاعر ويؤثِرُ عدم الاحتكاك بهم في الغالب.

    كان يتجول في الغرفة ويفكر ويعود إلى اللوح ويقلب في الكتب ويضيف من المحاليل ويرصد النتائج قبل أن يجلس على كرسيه الخشبي مستغرقاً في تفكيره وكانت شفتاه تتحركان فيما يبدو أنها عمليات حسابية وفي آخر تلفظاته البطيئة كان يمد الأحرف بصوته الخافت إلى أن انبجست شفتاه عن ابتسامة عريضة حينما ضرب قلم الرصاص على الطاولة وانطلق إلى اللوح مرة أخرى ليمسح السطر الأخير وما سبقه ويعيد الكتابة حتى نهاية اللوح وهو يضحك في حبور ثم رمى بالطباشيرة على اللوح بقوة وشد قبضتيه حتى تجلت تفاصيل العروق في ساعديه وعنقه ورفع يديه عالياً وهو يصرخ : نعم .. نعم .. لقد وجدتها توصلتُ إليها أخيراً..

    تناول الجهاز من أعلى الرف بصعوبة وأخذ المحلول وبدأ في تركيب المادة بكمية وافرة، كان جهازاً غريباً، عبارة عن مقبضين متصلين باسطوانة (ستانلس ستيل) تعلوها مؤشرات حمراء وزرقاء وعند إضافة كمية قليلة من المحلول داخل هذا الجهاز يعمل عند تشغيله على ما يشبه التفوير أو الإرغاء ويصدر صوتاً غريباً يشبه الأزيز.

    جمع الجهاز والمحلول – الذي عبأه في قنينة كبيرة – داخل حافظة خاصة، علقها على كتفه وانطلق إلى الباب، هناك توقف قليلاً يفكر في أمر ما، قبلَ أن يتراجع ويغلق الباب "لماذا يجب أن يعلم الناس بما توصلت إليه ؟ ما الذي قدمه لي الناس حتى يستحقوا مني شيئاً ؟ لو علم أحدٌ بهذا الاختراع فستكون لي شهرة كبيرة وسأصبح من أثرياء العالم، لكنه في النهاية سيكون اختراعاً محرما".

    كان اختراعه هذا يعمل على نقل الروح من جسد إلى جسد، تلك الروح التي أهدر في سبيل فك رموزها كثيرٌ من العلماء أعمارهم دون جدوى، والاختراع الذي توصل إليه راشد - هذا الشيخ المسن - يمكّنه من نقل الروح بطريقة غريبة فـ أحد المقبضين في الجهاز يعملُ على الإرسال ويعملُ المقبضُ الآخر على الاستقبال وحين يضاف المحلول إلى الجهاز ويحقن الطرفان بمادة معينة فإن الروح تنتقل من جسد المرسل إلى جسد المستقبل خلال أقل من عشر ثوانٍ، ويموت الجسد المنقولة منه الروح بينما تموت الروح الأخرى ويبقى الجسد المطرودة منه.

    أخفى الحافظة في مكانٍ آمن وخرج من الغرفة – المعمل – إلى الشارع بأسارير منفرجة وروح مفعمة بالحيوية والنشاط، لأول مرة ينظر إلى الحياة بكل هذا التفاؤل، منذ أمدٍ طويل لم يخامر هذا الفرح والأمل قلبه، كان يتأمل وجوه المارة بتفحصٍ غريب "الآن يمكنني الانتقاء كيفما أشاء، هل أستولِ على حياةِ فؤاد ذلك الثري الذي يملك قصراً فخماً في نهاية هذا الشارع؟ إنه يملك مالاً كثيراً وسلطة لا حدود لها ويتمتع باحترام الجميع ومجاملتهم.. أم حياة وليد ذلك الشاب مفتول العضلات الذي أراه في الصباح الباكر كل يوم ببدلته الرياضية يمارس الهرولة ؟ أيٌ من هذين الشخصين اللامعين اللذين يروقان لـ فاتن تلك الفتاة بارعة الجمال التي شغلتْ جميع أهل الحي بدلالها وتغنجها ؟" ..

    وقع اختياره على فؤاد كـ ضحية تستحق أن ينتخبها.


    - يتبع -

  2. #2
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Nov 2004
    العمر : 48
    المشاركات : 160
    المواضيع : 62
    الردود : 160
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي



    - 2 -



    في الليلة القابلة خرج راشد إلى الشارع ومشى حتى وصل إلى رصيف القصر، كان متردد الخطوات إلى بوابة القصر التي يقف عليها حارسان قويا البنية، لمحه أحد الحارسين وناداه مستفهماً عما يريد فقال له: أريد أن أتحدث إلى السيد فؤاد من فضلك.

    فأجابه الحارس: السيد فؤاد لا يستقبل أحداً إلا في أيام محددة.

    فقال راشد: لكنني أريده في أمر هام.

    في هذا الوقت كان السيد فؤاد يدخل بسيارته الفارهة من بوابة القصر، أوقف سيارته بالداخل وعادَ مترجلاً إلى البوابة ليستطلع الأمر ويرحبَ بـ راشد الذي أمسكه من يده ومشى معه بمحذات السور وأخذ يحدثه عن حاجته لأن يأتي معه إلى بيته كي يطلعه على بعض الأمور حول اختراعاته ومنجزاته وأفكاره التي يحبُ أن يجاذبه الحديثَ حولها.

    كان راشد متوجساً حريصاً على ألا يلمح أيُ أحدٍ دخول السيد فؤاد إلى البيت و المعمل - بالتحديد - في تلك الساعة حتى لا يفسد أحدٌ عليه ما ينوي فعله.

    في المعمل طلبَ راشد من فؤاد أن يجلسَ على أحد المقاعد وأتى بالجهاز وصار يحدثه عن أن هذا الجهاز سيحدث مفاجأة، وكان يعمل على تشغيله وإمداده بالمحلول بينما هو يتكلم، وطلب من السيد فؤاد أن يسترخي وأقنعه بأن يتعاطى "الحقنة"، وكان فؤاد متردداً في الاستجابة، غير أنه أقنعه بأهمية الأمر ومقدرته العلمية وحرصه على أمن الآخرين وسلامتهم وأنه لا يمكن أن يقدم على أي أمرٍ يمكن أن يعود بالضرر على أحد.

    بدأت عملية التفوير داخل الجهاز، وفي لحظات كان جسد راشد متهالكاً متمدداً على المقعد بينما كان فؤاد كـ الذي يتغشاه الصرع في ارتعاش شديد، ثم استرخى وكأنه نائم قبل أن يفتح عينيه ببطء شديد، وينظر إلى جسد راشد طويلاً وسطَ غمرة من الفرح الممتزج بالرهبة والتوتر قبل أن تنفرج عنه ثغره ابتسامةٌ عريضة ماكرة.

    قام راشد بجسد فؤاد وفصل قيد يدهِ من الجهاز ثم فكه من يد جثمان راشد المسجّى وأسرع مضطرباً يعيدهُ إلى الحافظة والتقطَ قنينة المحلول وأحكم إغلاقها وأدخلها في ذات الحافظة التي أدارَ مغلقها السّحاب ورفعها إلى كتفه بدقة وسرعة وفتح باب الغرفة الذي كانَ قد أحكمَ قفله ، وخرج من المنزل بتلصص ثم انطلق إلى القصر وكان يحدث نفسه أبانَ ذلك .. كيف سيتعامل مع هذا الوضع الجديد؟ .. الجسد هو جسد السيد فؤاد بينما الروح التي تتملكه هي روح ذلك العالم الفاسد .. راشد.

    رحب به الحراس عند المدخل لكنه دخل دون أن ينبس بكلمة، عبرَ الفناء وتجاوزَ البوابة الداخلية بمصراعيها العريضين إلى بهو القصر، حيث كان بعضُ الخدم وكانت زوجة فؤاد تجلس على أريكةٍ مرفهة في أقصى البهو، نظر إليها متماسكاً وانصرف إلى الجهة الأخرى وجلس وهو يحرص على عدم التعجل في أي كلام أو تصرف قد يفضح حقيقة أمره، قامت زوجته لتقتربَ إليه بمشيتها الأروستقراطية وبادرته: ما بك ؟ .. هل ضايقك كلام الدكتور اليوم ؟

    لم يفهم ما كانت ترمي إليه، لكنه آثرَ الصمت وتركها تتكلم.

    لا تشغل بالك بهذا الأمر .. لن يكون إلا ما قدر الله .. أنت مؤمن .. كنتَ دائماً تعطيني القوة .. ما بك ؟

    لم تزل الحيرة تكتنفه ولا يدري ما يقول ..

    ذهبت ناحية الهاتف وطلبت رقماً وتحدثت: دكتور ياسين مساء الخير.. فؤاد مهموم يا دكتور .. منذ أن تركناك اليوم وحاله لا يعجبني.

    وأضافت والدموع تطفر من عينيها: أنا خائفة عليه يا دكتور.

    أنصتت قليلاً إلى ما كان يقوله الدكتور ثم أتت بسماعة الهاتف إلى فؤاد .. تناول السماعة وأجاب باقتضاب: نعم.

    قال له الدكتور: يا سيد فؤاد أنت إنسان مؤمن وتعرف أن الحياة ليست دار بقاء وأن الأعمار بيد الله وأنتَ تعرف أن لكل داءٍ دواء وأن السرطان كغيره من الأمراض يمكن التداوي منه والمؤمن لا يفقد الأمل بالله أبداً.

    كانَ يصغي للكلمات وذهولٌ يتسلل إلى أعماقه لتطفرَ الحمرة على وجهه وعينيه وتنتابُ الرعشة أطرافه ولم يزل معتصماً بصمته ،أعطاها سماعة الهاتف لتنهيَ المكالمة مع الدكتور بعيداً عنه بينما غرق هوَ في دهشته "ما الذي يحدث؟!! .. سرطان ؟!! .. هذا ما لم يخطر لي ولم أحسب حسابه.. !!"

    عادت زوجته لتأخذه إلى غرفة الطعام، كانت تطعمه بيدها، كانت جميلة وطيبة، ربما لم يعد بحاجة إلى أي شيء من هذه الدنيا لولا هذا الخبر الذي نزل نزول الصاعقة على قلبه.

    راحت تحدثه بهدوء وتبسم، وأمسكت بيده في حنوّ وأخذته إلى غرفة النوم وكانت تساعده على تغيير ملابسه بمنتهى الرقة والحب، ولم يكن هوَ يقاسمها لذة هذه اللحظات التي طالما حلم بها وقتلَ من أجلها واقتنصها عامدا، ففكرة الموت هيَ الأكثرُ حضوراً الآن ولا ينافسها في الاستحواذ على عقله إلا محاولة البحث عن مخرجٍ من هذه الورطة التي أوقع نفسه فيها.

    في صباح اليوم التالي لم يكن يهمه أمرٌ غيرَ البحث عن بديلٍ لهذا الجسد الملوث بالمرض.

    ذهب به السائق إلى مقر عمله وهناك استقبله الموظفون بالحفاوة المعتادة لديهم والتي فوجئ بها بينما كان يبدي عدم اكتراثه، رغمَ انبهاره بذلك الواقع البالغ الأهمية والمكانة والقيمة للسيد فؤاد.

    وفي المساء وقع اختياره على وليد .. جسمه الرياضي المفتول أبعد ما يكون عن الأمراض، فـ فؤاد المدلل المرفه لم يكن يملك المناعة ضد أي مرض وهذا هوَ الخطأ الجسيم الذي لم ينتبه له حينما وقع اختياره عليه.


    - يتبع -

  3. #3
    الصورة الرمزية الصباح الخالدي قلم متميز
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    الدولة : InMyHome
    المشاركات : 5,766
    المواضيع : 83
    الردود : 5766
    المعدل اليومي : 0.86

    افتراضي

    جميل هذا الحرف يالفرحي
    اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهيمَ. إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

  4. #4
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Nov 2004
    العمر : 48
    المشاركات : 160
    المواضيع : 62
    الردود : 160
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    - 3 -



    خرج راشد بجسد فؤاد إلى الشارع في ساعة مبكرة من صباح الغد وصار يتجول في الحي والحراس يرقبونه من بعيد، كان ينتظر أن يرى وليد الذي لم يجده طيلة ساعتين، وأثناء عودته لمحه بصحبة أحدٍ ما في سيارةٍ مسرعة فعاد أدراجه، وحينما نزل وليد من سيارة صديقه ناداه السيد فؤاد فاستأذن من صديقه على عجل لتلبية نداء السيد فؤاد الذي كان يحظى بكل تقدير و إكبار.

    أخبره فؤاد بأنه يحتاج أن يستشيره في بعض الأمور، فما كان من وليد إلا الاستجابة فوراً، ذهب معه إلى القصر ودلفا إلى غرفة الضيوف حيث كان يخفي الحافظة في الدرج الأسفل من الخزانة هناك.

    أحضر الأدوات وأخبر وليد بأنه يريد أن يجري معه تجربة فريدة ومدهشة، فاستجاب وليد مباشرةً ودونَ أدنى ممانعة، وتمت العملية ..

    بذات الحذر والترقب خرج راشد بجسد وليد من غرفة الضيوف في القصر ثم تسلل إلى الحديقة وبحوزته الحافظة بكل هدوء وعبرَ البوابة مشيراً إلى الحراس بالتحية ..

    بعد أقل من ساعة كان رجال الأمن في الموقع وتم استدعاء وليد بصفته آخر من رأى السيد فؤاد قبل موته، وكان وليد قد أخرج محتويات الحافظة وأبدلها بقطعتين ورقيتين من المال وحذاء رياضي جديد أخبر المحقق أنها عبارة عن هدية من فؤاد وأنه لا يعلم شيئاً عن سبب وفاته ..

    تدخلت زوجة السيد فؤاد وحشرجت باكية وهيَ تقول: فؤاد مصاب بالسرطان في حالة متأخرة جداً ولا داعي للتحقيق في الأمر ..

    استمرت حياة راشد داخل جسد وليد بشكلٍ طبيعي، وكان يحرص على مزاولة كل ما يعرفه من تصرفات وليد.

    في إحدى الليالِ التقى بـ فاتن، تلك الفتاة الجميلة التي لها وافر الحظ من اسمها .. نادته فالتفت إليها بهدوء، وبادرته: لا تغضب مني .. السيد فؤاد مات .. ولم أكن استجيب له إلا لأني كنت أعرف أنه مريض .. فكنت أجاريه على سبيل الشفقة .. لكن لا أحد يملك قلبي سواك .. صدقني يا وليد أنا أحبك.

    كان ينصت لكلماتها وهو يتبسم، واختصرها بيده اليمنى ومضيا إلى مكان يسهران فيه تلك الليلة.

    بعد السهرة وفي طريقهما للعودة سألته أن يذهب معها إلى بيتها أو أن تذهب هي معه، لكنه اعتذر منها متعللاً بالتعب بينما كان يريد إعادة ترتيب نفسه والتأقلم مع وضعه الجديد كما أنه كان متخوفاً من الوقوع في أي خطأ أو زلة قد تودي بمستقبله وتكشف سره.

    في الوقت الذي دخل فيه إلى البيت كان جرس الهاتف يرن، أسرع إليه وما أن رفع سماعة الهاتف حتى سمع المتصل يقول معنفاً: اسمع يا وليد إما أن تعيد البضاعة أو تأتيني بالنصف مليون وإلا فسأقتلك، معك من الآن حتى الساعة السادسة من مساء الغد.

    أنهى المتصل مكالمته بكل حدة، ووضع وليد سماعة الهاتف ويده ترتعش من هول ما سمعه "ما هذه المصائب ؟ .. بضاعة ؟ .. نصف مليون ؟ .. قتل ؟ .. ماذا كان يعمل هذا المجنون ؟.. يا إلهي .. لابد أن أجد مهرباً سريعاً من هذه الورطة الكبيرة التي أقحمتُ نفسي فيها .. أينَ أذهب .. يا إلهي .. ما العمل .. لن أنتظر الموت .. مستحيل بعد كل ما فعلته اتقاءً له" ..

    لم يكن في ذهنه غير فاتن!! اتصل بها على الفور، وطلب منها أن تحضر إلى منزله حالاً.

    بعد أقل من ربع ساعة قضاها في ترتيب الأمر ومحاولة إيجاد طريقة يقنع ويخدع بها فاتن لتستسلمَ لعملية النقل .. وصلتْ .

    فتح الباب لـ فاتن التي دخلت وهي تغمزه بعينها: طلبت منك أن نقضي هذه الليلة معاً .. كان لابد أن تعذبني لـ أذهب وأعود ؟!!

    سحبها من يدها إلى الداخل وحاول أن يمهد للأمر ، لكنه كانَ في غاية الارتباك ، قال لها : أريد أن تجربي معي هذا الجهاز الذي أخذته من أحد أصدقائي .. ممتع ومسلي للغاية..

    وأخذ يشرح لها كيف يتم تشغيله، فكانت منسجمة في متابعة شرحه حتى وصلَ بها إلى مرحلة "الحقنة" فأحجمت ورفضت مطلقاً أن تتعاطاها ولم يزل يتودد لها ويتوسلُ إليها إلا أنها أمعنتْ في تعنتها ولاذتْ في فزع بالباب وهمتْ بالخروج، فتملكته لحظتها العصبية حيالها وتحول إلى وحش – فهو يريد أن يتخلص من جسد وليد بأي طريقة وبسرعة ولا وقت لإقناعها – أسكتَ صرخاتها بيده وراحَ يضربها بعنف حتى فقدت وعيها، فأجلسها على المقعد وقام بالإعداد لعملية نقل الروح التي تمت بنجاح .

    استعاد وعيه داخل جسد فاتن في تثاقل،وتحسس عنقها بيدها، "لقد كانت ضربة شديدة" ، قام بجسدها متباطئاً ليجمع محتويات الحافظة بكل هدوء ويخرج من بيت وليد.


    - يتبع -

  5. #5
    الصورة الرمزية الصباح الخالدي قلم متميز
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    الدولة : InMyHome
    المشاركات : 5,766
    المواضيع : 83
    الردود : 5766
    المعدل اليومي : 0.86

    افتراضي

    سيدي ابن الخميس
    نخاف لقيا الموت .. لكننا نقول أحلى شعرنا في الطعان !


    كلماتك جميلة جدا ورصف القصة متقن بصورة عجيبة

  6. #6
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Nov 2004
    العمر : 48
    المشاركات : 160
    المواضيع : 62
    الردود : 160
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    الصباح
    أحلى الصباحات على عينيك

    جميل هذا الحرف يالفرحي
    هو رقي ذائقتك الذي يريكَ حسناً ما ليسَ بالحسن

    نخاف لقيا الموت .. لكننا نقول أحلى شعرنا في الطعان !


    كلماتك جميلة جدا ورصف القصة متقن بصورة عجيبة
    انتقاءٌ رائع سيدي
    من أجمل ما كتبه غازي القصيبي
    كان يستوقفني كثيراً
    ما أنقاكَ أيها الصباح

    أتمنى أن تعجبك القصة حتى النهاية

    ولن يطولَ انتظارك

    مودتي

  7. #7
  8. #8
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Nov 2004
    العمر : 48
    المشاركات : 160
    المواضيع : 62
    الردود : 160
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي


    - 4 -



    في الصباح كان المحقق ورجال الأمن يملؤون المكان وكان هو بجسد فاتن يتجول ويقترب من بيت وليد، سألت فاتن المحقق عما يجري، فأخبرها بأن أموراً غريبة تحدث في الحي منذ أيام، فقد توفي ثلاثة أشخاص في ظروف غامضة وبالطريقة نفسها حيث مات راشد وفؤاد وأخيراً وليد وفي الحالات الثلاثة كانت الجثث محقونة بمادة كيميائية غريبة وأنه لا يعرف السر وراء هذه الجرائم خصوصاً وأن ظروف الضحايا مختلفة تماماً.

    ابتعدت عن المكان وهو يقول في نفسه "لن تستطيع الوصول إلى شيء، هذه هي الجريمة الكاملة التي لن يتمكن أحد من فك رموزها أيها المحقق الذكي".

    عادت الأمور في الحي إلى طبيعتها وكان هو في جسد فاتن يمارس حياتها الطبيعية ولم يضق بغير تلك النظرات الشبقة المتعطشة في أعين الرجال واضطرار للخروج بأبهى زينة وارتداء الملابس المتكشفة التي ليسَ في خزانة فاتن سواها، وكان وضع المكياج بدقة يأخذ منه وقتاً طويلاً وكان يعاني من ارتداء الحذا ذا الكعب العالي، ولكنه يعرفُ ضرورة التأقلم مع كافة هذه الأمور حتى يتسنى له إيجادَ الطريقة المثلى لحياته، لم يكن يستطيع أن يغير من سلوكها في التبرج، فلقد كانت حياتها فيما دون ذلك ممتعة وسعيدة للغاية، فقد كان الرجال يتسابقون في خِطبَة وِدها ورضاها وكانت تحصل على الهدايا والأموال والسهرات والدعوات دون أي مقابل مادي، لكنه لن ينسى تلك الليلة التي تحرش فيها أحد المارة بها في الظلام وقبلها وكان يحاول الاعتداء عليها جنسياً واغتصابها بالقوة، الأمر الذي أفزعه وبعث في نفسه النفور والتقزز من هذا الجسد الذي لا يليق به ولا يستطيع الانسجامَ فيه، فهو رجل يعتز برجولته وما كان لجوءه لهذا الجسد بالذات إلا اضطرارا.

    استعاد كل ما مضى ورأى أنه تحول إلى مجرم بل سفاح وقاتل متسلسل .. فؤاد .. وليد .. فاتن .. كلهم أبرياء، لكنني لابد أن أغادر هذا الجسد وستكون هذه هي المرة الأخيرة التي أقدم فيها على هذه الجريمة، لابد أن يقع اختياري هذه المرة على شخص مميز يكون هو الأخير المستحق لـ احتواء روحي.

    خرجتْ لتناول الغداء في المطعم القريب وهناك التقت حسن ذلك الصبي الصغير الوسيم ذي العشرة أعوام الذي كان يرفل بالرعاية والاهتمام من الجميع لـ ظرفه ولطافته وذكائه وفطنته، تأمله بعينيها وسألته : ما أخبارك يا حسن ؟

    فأجابها بكل براءة : أنا بخير .. فاتن أنا أحبك كثيراً .. لماذا لا تلعبي معي مثلما كنتِ من قبل ؟

    فقالت : غداً سنلعب .. تعال عندي إلى البيت حيث سنلعب ألعاباً حلوة ..

    رجعت إلى بيتها وكان يفكر في جريمته القادمة "هذا الطفل البرئ .. ؟!! .. لكنها المرة الأخيرة وهو جدير بأن أُسكِن روحي بين جوانحه البريئة النقية، فهذا الطفل بجسده الغض الذي لم تجس في أجزائه العِلل لا يعرف الإجرام ولا الكذب ولم يتدنس بأي زيفٍ أو فساد وهو يبدأ حياته كما استحق أنا بعد أن أضعت كل حياتي .. نعم .. سوف أعيش حياتي من البداية، هذا الطفل هو الاختيار الأنسب والنهائي لي".



    - يتبع -

  9. #9
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Nov 2004
    العمر : 48
    المشاركات : 160
    المواضيع : 62
    الردود : 160
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    الصباح

    ابيات القصيد كتاب للدكتور بين يدي انتقي منها وأكتب مايناسب
    اقراه واذيق غيري معي
    ما أرقكَ وما أرقاك

  10. #10
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Nov 2004
    العمر : 48
    المشاركات : 160
    المواضيع : 62
    الردود : 160
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    - 5 -



    ومن الغد كان يتحين قدوم حسَن الذي جاء يطرق الباب بكل غفلة وبلا أدنى تحسب أو ظن، أدخلته فاتن إلى بيتها وصارت تلعب معه وتلهيه، أحضرت له حلوى الفراولة التي كان يحبها ثم استدرجته إلى الغرفة الأخرى حيث كانت قد أعدت كل شيء، سألها بكل براءة عن مهية هذه اللعبة الغريبة، فأخبرته بأنها لعبة جميلة وراحت تعدُ العدة لإتمام ما أقدمت عليه، كانت روح راشد تكاد تعلن عن نفسها من خلال نظرات فاتن المترقبة الحادة.

    تم لـ راشد ما أراد، وخرج بجسد - ذلكَ الصبي - حسن إلى الشارع بمنتهى الروية والهدوء، وكانت الحافظة بمحتوياتها الثقيلة في يده حيث ابتعد عن الأنظار وأخفاها في حفرةٍ عميقةٍ عازماً على إنهاء هذه اللعبة الكبيرة بهذا البطل الصغير.

    ذهبَ يلهو مع رفاقه وهو يقذف ببصره - بين الفينة والأخرى - إلى بيت فاتن الذي احتشد عنده عدد من الناس وجاءت الشرطة فانطلق الصغار يستكشفون الأمر وانطلق هو معهم، وهناك رأى المحقق وسأله: ماذا حدث ؟

    صرخ به المحقق: ابتعد أيها الطفل من هنا.

    فانصرف وهو يبتسم ابتسامة ماكرة.

    مثل كل الأطفال عاد إلى البيت مع اقتراب الليل لتستقبله أمه وتسأله عن سبب تأخره، فترك الإجابة للأخ الأصغر الذي قال ببساطة: كنا نلعب مع الأولاد.

    حياة حسن كانت جميلة وواعدة، فهو يعيش بين أبوين حانيين وأخٍ لطيف وأختٍ صغرى لا تدرك شيئا.

    كان يسترق السمع - في أحد الأيام - بينما الأم تتحدث لزوجها: حسن يتصرف بشكل غريب مؤخراً، وأنا خائفة عليه.

    قال لها : ما به ؟ أهو مريض ؟

    لا .. ولكنه تغير.

    كيف ؟

    لا أعلم .. ألاحظ أنه يفكر ويسرح طويلاً .. ولم يعد يتحدث أو يلعب كالعادة.. وأشعر أنه يتكلم أحياناً في أمور كبيرة لا تتفق مع سنه.

    لا تقلقي .. الأطفال يتفاعلون مع ما حولهم بطرق غريبة أحياناً .. وحسن ولدٌ ذكي.

    ثم أردف يمازحها: حسن مثلي في ذكائه، فهو لم يرث الذكاء عنك.

    كان يستمع إلى هذا الكلام ويخنق تبسمه بين شفتيه.

    في أحد الأيام دخل والده وقد أحضر حلوى الآيس كريم فانطلق مع أخيه الذي ركض إلى الحلوى فتناول هو حلوى الليمون بينما قالت الأم لزوجها مستغربة: غريبة .. حسن لا يحب الليمون أبداً .. هو يفضل حلوى الفراولة دائماً !!

    فأجابها زوجها: لا تشغلي بالك في هذه الأمور .. للأطفال تقلباتهم حبيبتي.

    خرج الأخ الأصغر من البيت فتبعه راشد بجسد حسن في إصرار على النجاح بتقمص شخصية الصغير تماماً، وعندما كان يعبر الشارع خلفَ الأطفال إلى الرصيف الآخر وقعت الحلوى من يده، فعاد ليلتقطها في الوقت الذي كانت سيارةٌ مسرعة قادمة لتصطدم به، ويخر صريعاً على الفور وقد امتزجت حلوى الليمون الباردة بدمه الساخن.


    - تمت -

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. حلوى و قهوة و ياسمين
    بواسطة عبير النحاس في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 29-07-2013, 10:18 AM
  2. اللجوء إلى ثمار الليمون
    بواسطة محمد نديم في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 30-03-2013, 01:26 AM
  3. ورقُ الليمون
    بواسطة محمد مجد إبراهيم عربش في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 03-12-2012, 07:27 PM
  4. مجرد""""كلمة"""""ترفع فيك أو تحطمك........!
    بواسطة أحمد محمد الفوال في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 28-05-2009, 11:27 AM
  5. أسرار قشر الليمون
    بواسطة منى محمود حسان في المنتدى عُلُومٌ وَتِّقْنِيَةٌ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 18-04-2006, 10:29 AM