من شجرة الموت ........ يتدلى رأسي يتلألأ.
اليومُ ليس ككلِ يوم, اليوم لا يوم له, لا أمس له ولا غد, اليومُ مرتبكٌ وسط رماد يتكفنُ بنارِه العائمة في عباءةِ اللظى , يُلقي أطرافَه فيصفعُ بها وجهي المحدق في جمود, يطرفُ عيني , أنسلُ من نفسي ... من جسدي, أوزعُ في هدوءٍ مخيفٍ جسدي أشكله دروبًا لعبورِ أقدامِ الكآبة , فأكوَّن وطنًا لي وحدي, وطنًا يبحثُ عن نشيده الوطني الضائع في مرثياتٍ تائهةٍ لأساطير الأولين, اليوم سينحتُ الصمتُ من صمتي تمثالَه الأثير الممشوقَ قوامهِ في وجه الذكرى المسمومة, وسيزرعُ بذورَ دمي خثراتٍ في السحب, لينمو برعمُ شجرة الموت.
اليوم ليس ككلِ يوم, أحاول أن أنام, لكن بيني وبين النوم معركة, يحاربني بسيوفِ المغول, فأتقيها بوسادةٍ مبللةٍ بدموع وحدتي. أخرجُ من حربي أجرُ خلفي ذيولَ نعاسٍ مذبوح. أنتظر... جسدُ السحابِ المعلقِ يسحُ دمى الشاحبَ في كأس الأيام ويعلو نحيبُ خطايا. لم أراني اليوم وحدي ؟؟ لا فراغ يحتويني قبل أن يقرأ ملكُ الموتِ على روحي بيانَه الأخير. أسيرُ قليلا إلى مصب نهر يتلوى في وجه الاشتياق. أجلسُ على حافته الصامتة, أرتشفُ قطراتِ عطشٍ... ثم أضغطُ رأسي بأصابعي المبتورة.
اليومُ ليس ككلِ يوم, اليومُ أسبحُ في فقاعاتِ اليأسِ المتدليةِ من آخرِ عناقيدِ الأمل, آتيكَ في حلمكَ , لكن الطريق إليكَ أعمى منحورُ الطرقاتِ, فيتبعثرُ وجهي صرخاتٍ تتلوى في دمى, تزحفُ كأفعى بألفِ رأسٍ, تنشبُ أنيابَ الحنينِ في أوردتي, فتخربشُ شهقاتي المحتضرةِ سحب الكبرياءِ في رأسي, وشرنقة الظلمةِ تصلبني على برعمِ شجرةٍ يتعملقُ في جنون, فيهربُ رأسي من بقايا جسدي, ألِجُ من سَّم الخياطِ, وأتدلى تميمةً للضوءِ على جبينِ البرقِ.
اليومُ ليس ككلِ يوم, اليوم سمائي تهرولُ هاربة من رائحةِ أرضي, وبقايا من ندائكَ تخرقُ أذني فيتمزقُ جسدُ الليلِ الجاثم ِعلى أنفاسي, لينمو من كل قطعةٍ ممزقةٍ.. ألفُ وجه لكَ. أهرعُ لقلبكَ فأجدني مصلوبةً على جدرانِ دقاته, يرتبُ بقاياي الهائمةَ ليقذفها قرباناً للشجرة. أين النوم؟ لم لا يأتيني؟ لم لا تتعب نوارس الصحوِ من نقر وجهي فأنام, وأنسجُ لي بحرًا, لم تكف أمواجُه عن صفعِ صخوره, ولم يجف ترابُه من دمى فأخبئُ فيه جسدي, وأخفي رأسي بعيدًا عن أذرعِ الشجرة. أنظرُ إلى السماءِ في فزع, فأرى شمسًا رسمتها أناملٌ مجهولة, في قلبي استحالت نبضةً تئن, تحتضرُ مع قلبي على عتبات شفقٍ ملطخ بالدمِ . أنا سيدةُ الغسق المخضبِ بدمي ودمِ آخرِ قصيدة تتراقصُ مذبوحةً على خصرِ الأبجدية.
اليومُ ليس ككلِ يوم, اليوم سأهدي عينيكَ ظلالي... ظلال موتى. وسأتركُ لك بقايا إبصارٍ بلا إبصارٍ لترى ما أرى, ويا لعجب ما أرى !!.. أرى قمري يتجملُ لغيري ويباغتني بكفنٍ أبيض, ونشيج الليلِ الحزين يشيعُ جثتي. وآهاتي قناديلٌ عمياءٌ تتفتحُ في قلب محارِ بكائي الراقصِ على عتباتِ أذنيكَ . اليوم سأنبشُ في جرحي وأحفرُ حفرةً وأظل أحفرُ حتى تكبرَ فتصير بحجم حنيني إليكَ وبحجم قبري. من قال أن الشجرةَ تموتُ بموتِ الماءِ؟؟ اليوم سأقطعُ باقي شراييني لأنزف وأسقى بدمائي شجرةَ موتي فتكبرُ... تتفرعُ...تتعملقُ... تخطفُ رأسي, اليوم سأنظرُه يتدلى منها...يتدلى رأسي... يتدلى ويتلألأ. أنظرُ إليه ... أنتظرُ... عساه الفجر يأتي... يلتقطُ من شجرةِ الموتِ
:
:
:
:
:
:
:
رأسي !.