أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: مملكة العدل

  1. #1
    الصورة الرمزية مصطفى الشيمي قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Apr 2009
    الدولة : بين موجتين
    العمر : 34
    المشاركات : 43
    المواضيع : 5
    الردود : 43
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي مملكة العدل


    مملكة العدل

    مصطفى الشيمي


    حاكمنا عادل ، ومملكتنا عظيمة ؛ هذا لو كان من حقنا أن ندعوها مملكتنا .فنحن لم نبنها ، ولم نشهد نشأتها .فقط ولدنا فيها .كما أننا نعيش خارج أسوارها الحصينة ، أمامها تسكن قريتنا .ولكننا نعلم عمن أنشأها، الحكايات متداولة بين الجميع ، قد تختلف قليلاً ، قد تختلف كثيرًا ..ولكنها تظل موجودة ، متداولة .
    نعمل في قريتنا من أجل جعلها أفضل ، قليلنا هم من يعملون بكد . والآخرونيعملون بصدر ضيق والأكثر هم من لا يعملون أبدًا بل يخربون ما نعمره .فرصة العمل متاحة لحسن بيئتنا الجغرافية ، البعض يعمل في تقطيعالشجر الكثيف الذي يحيطنا من كل صوب ، والبعض الآخريصطاد السمك فى المحيط الواسع الذي لا نهاية له الذي يطوق جزيرتنا . تأخذ الأمواج الغاضبة_لسبب لا نعلمه_ بعض المجازفين بالصيد بالقوارب الخشبية إلى قلب المحيط ،أما هؤلاء الذين يصطادون وهم على اليابسة فيبقون بمأمن من الرحلة المجهولة . قيل بأن أحكم من في القرية هم الصيادين . حيث إنالمحيط يخبرهم سرًا من أسراره وينقبون منه كنوز الحكمة . وقيل على النقيض بأن هؤلاء الصيادون أصابهم الجنون لطول النظر في المحيط حيث اللا نهاية . أما ما أؤمن به فهو ما قاله لي أبي يومًا ما قبل أن يأخذه المحيط ..همس في أذني"يظنُ البعض أن المحيطكائن خرافي ، هذا لأنهم لا يعلمون شيئًا عنه . لو دققوا النظر لوجدوه يعكس صورة السماء" رغم إيماني بما قاله ، إلا أنى حزنت لأن المحيط أخذه فرددت لي أمي كثيرًا : أنحزن من صورة السماء ؟" ..مواسيةً إياي ..أو مواسية إياها
    واليوم . أبحث عن هويتي وعن مهنتي بعد أن بلغت مبلغ الرجال. أتأمل فى صمت هؤلاء الذين يحملون الخشب على أكتافهم ويمضون . وأؤلئك الذين يصطادون المعرفة من كنز المحيط . وأولئك الذين يحاربون الحيوانات المتوحشة للحصول على اللحم وبيعه فالكسب الوافر بعدها .تأخذني عيني إلى السماء حيث تلوح ليمن فوق الأشجار الكثيفة قلعتنا بسورها العظيم _هذا لو كان من حقنا أن ندعوها قلعتنا_فيأخذني جلالة المشهد حيث السمو والعظمة .أتمنى لو أدخلها يومًا . والأمر ليس بالتمني ، فحاكمنا هو الذي يختار من يريد أن يقربه منه . لينال شرف المكانة العظيمة .
    وبينما أنا شارد في تفكيري ،أصابني الإرهاق فجلست .وبينما أنا جالس في إرهاقي وجدتُ مجموعة من فرسان القلعة تقترب مني .خفت فلم أشهد حدوث مثل ذلك أبدًا .ظننت أن حاكمنا أختارني لأنال شرف الانضمام إلى حاشيته . أو على الأقل شرف دخول القلعة _فقط دخولها .
    توقف الناس عن العمل من حولي ، وترقب الجميع ما يحدث .
    وقفت تبجيلاً وخوفًا . ظننتهم يريدونني . ولكنهم اجتازوني حتى وصلوا لأحد الصيادين .تكلموا قليلاً معه . لم يجرؤ أحد على الاقتراب للأنصات . أما أنا فجريت تجاه كوخنا وما إن دخلته حتى صفعت الباب ساخطًا ، فقالت لي أمي : ما بك؟
    فحكيت لها ما حدث . فأبتسمت قائلة : هل غضبت أم خفت ؟
    أجبتها بخوف : لم أخف .. بل حزنت ..فقد تمنيت أن أكون المقصود .
    _الصيد ..علمه الصبر! وأنت لا تمتلكه! وليس لأن والدك كان صيادًا فتكون كذلك ..والحاكم لا يختار إلا الصيادين لحكمتهم
    _ هل شاهدتِ مثل هذا من قبل ؟
    أجابت مبتسمة وهي تربت على صدري لتطمئني : مرة واحدة ..سترى بعينك الأيام القادمة أفضل !
    _ كيف ستكون أفضل ؟
    _سترى !


    مع مرور الأيام ، لم تتغير الأمور سوى للأسوء ، تعجبت من ثقة أمي حين حادثتني منذ أيام . صحيح أن الصياد أصبح المسؤول عن قريتنا بأمر من الحاكم لتنفيذ قوانين القلعة ، إلا أن المعارضين للصياد كثروا بشدة . و أكثرهم من صائدي الحيوانات المتوحشة . وأصبحوا يلقبون أنفسهم بـ "المتمردين"
    وكانوا ذو قوة ومال .ورأيتُ أن لهم من النفوذ ضعف ما للصياد . وتعجبت كيف يكلفه الحاكم بهذه الوظيفة وهو صياد أصابه الجنون من كثرة التأمل فى المحيط . فوجدت نفسي أردد ما يقال !
    وأنقسمت القرية إلى فريقين .وكان عليّ أن أختار بينهما .أنظر إلى سور القلعة العظيم الذي يمنعنى . أتساءل : لماذا تركنا الحاكم هنا فى العراء ولم يدخلنا إلى قلعتنا ؟ _هذا لو كان من حقنا أن ندعوها قلعتنا_ فبدأت أشك في عدل الحاكم .أسمع أحيانًا الصياد الذى يسير فى الطرقات ينادينا أن نستمع إليه ويردد : الحاكم يستطيع أن يدمرنا فى لحظة .. ..وهو يملك من الجنود ما يكفي لأبادتنا ..هل أنتم قادرين على محاربته ؟ينضم إليه القليل من الناس خوفًا من الحاكم وسلطانه فيكمل الصياد :كان
    عليكم طاعته وإظهار ولائكم ..لاهتمامه وإرسال القوانين التي تنظم حياتكم.فينضم إليه القليل حبًا فى الحاكم . وأظل واقفًا دون حركة . أتأمل الشغب الذي يقوم به "المتمردون" المؤدي إلى دمار القرية ..فأرى أنهم أكثر ظلمًا من الحاكم .وأحياناً أستمع إليهم وهم يقولون بثقة : لقد ألقانا فى العراء..نحن نريد الدخول إلى القلعة وأن نحيا حياة كريمة ..فبأي سفاهة يمنعنا ؟
    ويكمل الصياد طريقه بين الناس قائلاً : من حكم فى ماله فما ظلم ..ومن طمع فيما لم يملك خسر ..والحاكم يختار من بيننا من يشاء ..أثبت ذاتك لتنل مكانتك عنده ..! بينما يقول المتمردون مستهزئين : أثبت ذاتك ..! حين يؤكد الحاكم ..صك أحقيته للحكم !!!

    تركتُ كل ما يحدث فى القرية ، وأصبحت أجلس أمام المحيط دون أن أصطاد . أتأمل لونه وأخشى عمقه .وتمر الأيام وأنا بعيد عما يحدث ، والجوع يلتهم معدتي . أنظر إلى القرية فى الخلف ، أجد نيران الحرب لا تزال مشتعلة .أقرر العودة لمعرفة ما آلت إليه الأمور . أتأمل جميع الجياع من حولي. أرى أحد المتمردين يجلس مع عائلته لتناول اللحم . أكمل طريقي ببطء صوب كوخنا . يتعالى إلى أذني صوت رجلين يتحادثان :
    _ تردد القرية بأن الصياد مجنون لكثرة جلوسه أمام المحيط ..
    _أو ليس كذلك ؟
    _أجننت ؟ لقد كنت معي حين رأيت الفرسان توليه مهمة الحفاظ على القرية ..وتنفيذ قوانين الحاكم !
    _الحاكم ذاته غير موجود ! فالأمر داخل القلعة يحكمه الفوضى ..فنحن لم نر الحاكم من قبل .. ولم أر فرسان ..هل يا ترى يوجد فرسان ؟!
    _الحاكم غير موجود ؟.. من يحكم مملكتنا إذن ؟
    ضحك وقال : نحن من سيحكمها !

    أدركت أن نتيجة الثورة أوشكت أن تتضح ، دخلت إلى كوخنا .وجدت أمي تنزف . اتجهت إليها مسرعًا وقلتُ : ما بكِ يا أماه ..
    _أتترك أمك كل هذه المدة ..آهـ يا ولدي .. لقد ضربني بعض المتمردين !
    _سينتهي كل شيء يا أمي سأعلن ولائي لهم فيبتعدون عني وأأمن شرهم ..
    _لا ملك لهم يا ولدي !
    سمعتُ صوت جلبة بالخارج ، خرجت وقد عزمت النية تمامًا على إعلان الولاء لهم .وسمعت نداء معدتي لطعم اللحم ونسيت بكاء أمي .رأيت فرسان الحاكم بالخارج يسيطرون على الوضع .وقُبض على المتمردين . نظرتإلى الصياد الذى عانى كثيرًا في الأيام الفائتة .فرأيت في عينه الأسف لا النصر ، تعجبتُ ولم يطل عجبي ، فقد رأيت أنهم يقبضون عليّ لانتمائي
    للمتمردين . أردت أن أنكر ..لم يطعني لساني .فوجدت نفسي مع المتمردين نتجه في صحبة الفرسان صوب القلعة . نظرت نظرة أخيرة على القرية ، فوجدت الأهالي ومعهم الصياد يطفئون كل النيران .
    وسمعت صوته يقول لهم : قال البعض إننى مجنون ..لأننى أجلس أمام المحيط ..لو دققوا النظر لوجدوه يعكس صورة السماء .تذكرت ما قاله لي أبي دومًا .وتشابهت حالة السلام التي بدأت تحل بالتي كانت أيام أبي.فرأيت الاثنين بحكمتهم يكادان يكونان واحدًا .ودخلت القلعة . وتحقق حلمي وسبب سخطي الأكبر على الصياد والحاكم . كانت قلعة جميلة جدًا . تزينها البساتين من كل صوب ،وعبير الورود . وفراشات ملونة جميلة ترقص على صوت موسيقى محببة ،شعرت بروح أبي عندها، حاولت الاقتراب منهما ، منعني الحراس. رأيت كل هذا فى نظرة سريعة قبل أن يلقيـَني فرسان الحاكم خلف القضبان ...حتى صدر الحكم عليّ بالتعذيب مدى الحياة.


    تمت
    مصطفي الشيمي
    20/11/08

    العلم ثلاثة أشبار من دخل في الشبر الأول تكبر ومن دخل في الشبر الثانى تواضع ومن دخل في الشبر الثالث علم أنه ما يعلم

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    العمر : 54
    المشاركات : 3,604
    المواضيع : 420
    الردود : 3604
    المعدل اليومي : 0.55

    افتراضي

    السلام عليكم
    قصة قيمة جدا وصادقة في حروفها رغم بعض مباشرة فيها
    اتمنى لك التوفيق
    فرسان الثقافة

  3. #3
    الصورة الرمزية مصطفى الشيمي قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Apr 2009
    الدولة : بين موجتين
    العمر : 34
    المشاركات : 43
    المواضيع : 5
    الردود : 43
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    أستاذة ريم
    سعدتُ كثيرًا بتواجدك يا شاعرة
    وقراءتك الجميلة الصادقة ..
    نعم .. أظن أن رمزية العمل هي الرمزية السهلة المباشرة .
    رغم أن بعض أصدقائي -الذين من عمري- اتهموا العمل بالرمزية المعقدة
    أحمد الله ان قراءتك ابعدت عني هذه التهمة :)

    كامل تقديري ،،

  4. #4
    الصورة الرمزية محمد عبد القادر شاعر عامية
    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : مصر - الأسكندرية
    المشاركات : 1,036
    المواضيع : 32
    الردود : 1036
    المعدل اليومي : 0.19

    افتراضي

    ممكلة العدل
    أقرأها و لا أشبع
    أسلوبك و رمزيتك يشعرانى بلذة القراءة
    بوركت يا صديقى
    و بورك القلم
    تحياتى
    و
    إلى لقاء

المواضيع المتشابهه

  1. يوسف الخطيب والبحث عن العدل أو حكاية " معاوية والكوفي " !
    بواسطة د. فاروق مواسي في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 08-04-2010, 04:50 PM
  2. ~شرخ في جدار العدل~
    بواسطة سعيدة الهاشمي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 11-11-2008, 03:41 PM
  3. نريد العدل يا مجلس الأمن!
    بواسطة د. محمود محمد آل الشيخ في المنتدى الحِوَارُ السِّيَاسِيُّ العَرَبِيُّ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-11-2006, 09:21 PM