اِقْذِفِ البحرَ!
اِقْذِفِ البحرَ . هل نأى البحرُ شِبْرَا ؟ وارشُقِ البَدْرَ . هل شكا البدرُ ضُرَّا ؟ وارجُمِ الطَّوْدَ . هل تَرى الطَّوْدَ إلاّ راسِخَ الأصلِ ، شامِخاً ، مُشْمَخِرّا ؟ والْعَنِ اللَّيْثَ . هل تَرى اللَّيْثَ يَخشَى لَعْنةَ الخَصْمِ ، إنْ رَأى الخَصْمَ هِرّا ؟ واسألِ الشمسَ : هل خَفَافيشُ لَيْلٍ تُبْغِضُ الفَجرَ تَحرِمُ الأرضَ فَجْرا ؟ واسألِ الرَّوضَ : هل طَنينُ ذُبابٍ يَشتِمُ الزَّهْرَ يَسلُبُ الزَّهْرَ عِطْرا ؟
إنّما الشَّتْمُ سَيفُ كُلِّ جَبانٍ يَحسِبُ القَدْحَ في المَغاويرِ نَصْرا يُحْسِنُ الطَّعْنَ في الهَواءِ ، ويَبْني مِن صُخورِ الجَوْزاءِ لِلمَجدِ قَصْرا يُمْطِرُ الخَلْقَ وابِلاً مِن صِفاتٍ لوْ بها اختَصَّ نفْسَهُ نال أجْرا يُبْصِرُ البَدْرُ قَلْبَهُ في احتراقٍ وتَرى الشمسُ وَجهَهُ مُكْفَهِرّا وَدَّ لو يُشْرِكُ الأنامَ جَميعاً في عُيوبٍ بِحَمْلِها ضاقَ صَدْرا إنّما يَرتَضي الشَّتيمةَ خِدْناً مَن رَأى قَلْبَهُ مِن الخَيرِ صِفْرا
عَجِبَ الكَونُ مِن دَفائنِ حِقْدٍ أشْبَعَتْها صَحائفُ الغَرْبِ نَشْرا مِن حَقُودٍ تَجاوَزَ القَدْرَ حتّى رامَ طَعْناً في أشرَفِ الخَلْقِ قَدْرا لو درَى قَدْرَ مَن عليهِ تَجنَّى وَدَّ لو لَمْ تُطِعْ لهُ الكَفُّ أمْرا لَمْ يَجِدْ في الأَنامِ لِلشَّتْمِ أَهْلاً غَيْرَ أَوْلَى الأَنامِ بالمَدْحِ طُرَّا شَتَمَ المُصْطَفى ، ونادَى بِخُبْثٍٍ : صَفِّقوا لِلإبداعِ فَنّاً وفِكْرا ! أيُّ إبداعٍ ؟ أيُّ فَنٍّ وفِكْرٍ ؟ عَجَباًَ ! كيْفَ يُصبِحُ التُّرْبُ تِبْرا ؟
أيُّ ذُلٍّ في المُسلِمينَ تَفشَّى ؟ لَمْ يَجِدْ غيْرَ أرْضِهمْ مُسْتقَرّا ! كُلّما أَزعَجَ اليَهودَ لِسانٌ يُنْكِرُ المَحرَقاتِ أُخْرِسَ قَسْرا والنَّصارى بالأمْسِ ثارُوا انتِقاماً مِن شَريطٍ يُؤْذِي المَسيحَ الأغَرّا ولقد فَجَّرَتْ تَماثيلُ بُوذا غضَباً يوْمَ نَسْفِها مُسْتَحِرّا فإذا المُسلِمون يوْماً أُهِينوا قيلَ : تعبيرٌ صاغَهُ الفِكْرُ حُرّا ! لَنْ تَنالُوا اعتذارَ مَنْ ظلَمُوكمْ هل يسُوقُ الجَزّارُ للشّاةِ عُذْرا ؟
نَحنُ تَحْتَ السّماءِ أشْقَى البَرَايا كيف نَعْصي لِسادةِ الأرضِ أمْرا ؟ قذَفوا الرُّعبَ في القلوبِ ، فصِرْنا لا نُسمِّي السِّنَّوْرَ إلاّ هِزَبْرا إنْ سَقَوْنا مِن عَلْقَمٍ ، صار حُلْواً أو نَهَوْنا عن سُكَّرٍ ، صار مُرّا أو أشادُوا بِجاهِلٍ ، عاش نَجْماً أو أطاحُوا بِعالِمٍ ، مات غُمْرا قد رأى الذُّلُّ ذُلَّنا فتَوارى ورأى الخَوفُ خَوفَنا فاقشَعَرّا بأسُنا بيْنَنا مَرِيرٌ ، ولكِنْ قد لَقِينا مِمّن سِوانا الأمَرّا
ندَّعي مَجْداً قد مَضى ، كدُخَانٍ يدَّعي أنّ أصْلَـهُ كان جَمْرا نتَباكَى على مَرابِعِ فَخْرٍ مسَخَتْها عواصفُ الدَّهْرِ قَفْرا فِرَقٌ نَحْنُ ، والمَصيرُ انكِسارٌ ليْتَ دَمْعَ التِّمساحِ يَجْبُرُ كَسْرا ! ففريقٌ رَأى التَّديُّنَ حُمْقاً وفريقٌ رَأى التَّمدُّنَ كُفْرا وفريقٌ يَضِيقُ بالنَّقْلِ ذَرْعاً وفريقٌ يَرْنُو إلى العَقْلِ شَزْرا إنّما ضيَّعَ الشّرائعَ قوْمٌ نَبَذُوا شِرْعةَ التَّوسُّطِ ظَهْرا
يا رسولَ الإسلامِ ، أنَّى لِمِثْلي أنْ يُرَى مُحْصِياً مَزَاياكَ شِعْرا ؟ إنّما أَستَحِثُّ « بَحْراً خفيفاً » ورِياحُ الذُّنوبِ يُضْمِرْنَ شَرّا فعَسى أنتهي إلى بَحْرِ جُودٍ يَغْمُرُ القلْبَ مِن عَطاياكَ دُرّا أنتَ شَمْسي ومُنقِذي وطبيبي وشفيعي إذْ يُحشَرُ الخَلقُ حَشْرا بَدْرُ حُسْنٍ هَيْهاتَ مِنْهُ انتقاصٌ بَحْرُ فَضْلٍ لا يَعْرِفُ الدَّهْرَ جَزْرا طَوْدُ عِزٍّ لا تَعْتَرِيهِ الدَّواهي فَيْضُ عِلْمٍ تَزْهُو به الأرضُ فَخْرا رَحْمةٌ أنتَ أُهْدِيَتْ لِلبَرايا كيْفَ نَجْزِي على الهَدِيّةِ نُكْرا ؟ فسَلامٌ عليكَ يتْلُو سَلاماً ما ارْعَوَى شاتِمٌ أوِ ازدادَ هُجْرا
تطوان (المغرب) - 05 مارس 2006