أحدث المشاركات
صفحة 4 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 41

الموضوع: حرائق البلبل في سرير الوردة

  1. #31
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    الألق / مــازن دويكـــات

    لاحظت أنك رفعتَ ثلاث مواضيع لك بنفس الوقت أيها المبدع و لكن أرجو أن لا يزعجك نقلي أحد المواضيع إلى قسم المنقولات المؤقتة و ذلك لما تقتضيه قوانين الواحة لأنه يمنع رفع أكثر من موضوعين بنفس الوقت في الصفحة الأولى .
    أتمنى أن تتفهم ذلك سيدي الكريم .
    تقديري و احترامي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #32
    الصورة الرمزية مازن دويكات قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2008
    المشاركات : 132
    المواضيع : 14
    الردود : 132
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هشام عزاس مشاهدة المشاركة
    الألق / مــازن دويكـــات

    لاحظت أنك رفعتَ ثلاث مواضيع لك بنفس الوقت أيها المبدع و لكن أرجو أن لا يزعجك نقلي أحد المواضيع إلى قسم المنقولات المؤقتة و ذلك لما تقتضيه قوانين الواحة لأنه يمنع رفع أكثر من موضوعين بنفس الوقت في الصفحة الأولى .
    أتمنى أن تتفهم ذلك سيدي الكريم .
    تقديري و احترامي
    العزيز هشام عزاس

    بعد التحية, لا بأس ياصديق, افعل ما تراه مناسباً,لو كنت أعرف هذا ما كنت فعلت.

    خاص الود والتقدير
    .

  3. #33
    الصورة الرمزية مازن دويكات قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2008
    المشاركات : 132
    المواضيع : 14
    الردود : 132
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هشام عزاس مشاهدة المشاركة
    الجميل المبدع / مـازن دويكــات

    ممتع جدا هذا الحرف الذي يعرف كيف يحاكي الاستحالة و كيف يمكث طويلا بين الورد و الرماد .
    أراكَ تحاول أن تبني قلعة الوسطية العادلة في مدينة المشاعر الانسانية بلبنات العطاء اللامحدود و التوحد الوجداني و العقلي و تخوض المعركة ضد نزعات النفس البشرية التي تهدم في الوقت ذاته أركان هذه القلعة .
    يمكننا الوصول إلى الإعتراف بهذه الجماليات في النفس و الإقرار بروعتها و لكن من المستحيل إدمانها و التواصل من خلال معجماتها النرجسية .
    و يبقى دوما البحث في تجسيدها من خلال الحرف إبداعا راقيا يخلق نصا مدهشا كهذا الذي بين أيدينا ...

    فلتجعل من رماد حرائق بلبلك طاقة وردية .

    دمت بهذا الألق ...

    اكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشـــام

    العزيز المبدع

    هشام عزاس

    القراءة النقدية الحقيقية هي التي تخلق نصاً من النص , وأنت هنا فعلت بإجادة متقنة وقدرة ملفتة, وهذا لا يتأتى من فراغ سوى أنه ارتكاز على ثقافة ممتدة ومتمددة تعيد إنتاجها ذائقة دائمة التوهج من خلال حس قرائي ينشد العمق.

    دمت بكل هذا الثراء وهذا العطاء
    .

  4. #34
    الصورة الرمزية مازن دويكات قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2008
    المشاركات : 132
    المواضيع : 14
    الردود : 132
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وفاء حسن الأيوبي مشاهدة المشاركة

    الفاضل الألق مازن دويكات

    حرفك ألق كروحك
    وهل ينضح الوعاء إلا بما فيه ؟!
    يا ناحت اللغة ومشكلها نسجا
    بغمرة من تلابيب الحياء تغلف الكون
    ويصدح الصوت بالغناء

    لك مني كل تقدير

    من ضياء

    المتألقة إبداعاً وحضوراً
    وفاء حسن الأيوبي
    ما أسعد كلماتي بمرورك ومفردتي بحضورك
    شهادة ثرية وغنية موقعة من مبدعة تمتاز بذائقة خصبة
    من خلال حس قرائي يمتاز بتأويلاته العذبة.
    دمت بكل هذه القدرات الإبداعية, وكل عام وأنت بخير أختي الفاضلة
    .

  5. #35
    الصورة الرمزية مازن دويكات قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2008
    المشاركات : 132
    المواضيع : 14
    الردود : 132
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    (8)
    كثيراً ما أجد نفسي عرضة لسؤال مستفز، عن ماذا سأكتب إليك في الرسالة القادمة؟ وقبل أن أشرع في ترتيب الإجابة، تحيلني فوراً الذاكرة إلى مقولة الجاحظ، أن " المفردات والأفكار موجودة على قارعة الطريق "، ولكن المشكلة ليست في إيجاد المفردة أو الفكرة، إنها في هامش الحرية الممنوح اجتماعياً أو الممنوع سلطوياً بغية الحديث عن قضايا فاضت على قارعة طريق شيخنا الجاحظ لتحتل كل شيء في نهاراتنا المتعبة.
    انك تجدينها في نَفَسْ الشهيق الملوث القادم إلينا على شكل سحب سوداء من مصانع المستوطنات، وتجدينها في مواد الغذاء الفاسدة والقادمة إلينا مع نفايات هذه المستوطنات، والمستقرة في مستودعات تجار الموت، حيث تأخذ هناك ماكياجها الوطني لتصبح فتنة تسر المستهلكين، وتجدينها في سيارة مسروقة يقودها طفل أرعن وهو يكلم الماما بالبليفون، وتجدينها في تصريحات مسؤول عربي عن التضامن العربي الذي خرج بعد موقعة صفين، ولم يعد لحد الآن، وتجدينها في قصائد شاعر الحداثة الذي يصر على أن واحد زائد واحد تساوي ثلاثة، وتجدينها في غنج جماعة سلام الشجعان في وطن أُبيدت فيه أحرف ( س، ل، ا، م ) وتجدينها في حديث المواطنين اليومي عن توزيع تموين الصليب، وكيف أن التاجر الموزّع حسب عليهم زبالة مستودعاته بأعلى الأسعار، إنك تجدينها في كل شيء حتى في ثلاجة المطبخ بعكوبها وفولها وقثائها، بمعنى أننا نعيش في وطنٍ مفخخ، لذلك يصبح السؤال "(عن ماذا نكتب، نكتة سوداء يستحق كل من لا يضحك عليها عقاب الجلوس خمس دقائق أمام شاشة التلفزيون العربي لحظة بث نشرة الأخبار".


    يا ابن فلسطين يسوعْ
    انزع من أحشائك بيت الداء المعدة
    وابصقْ في وجه الجوعْ
    كيْ لا تصلب ثانية في أرض يبوسْ
    وصليبك كيسُ طحينٍ ينخره السوسْ
    وصفيحةَ زيتٍ ليس لها مفعولْ
    كالأمم المتحدة


    ***
    هل تعرفين من أين يأتي الجنون الجميل؟
    قليلة هي الأشياء التي تترك في نفسي فوضى عارمة، ترتب حساسيتي الإبداعية، وتؤثثني بمقتنيات جماليه تعاش ولا تُرى، وتُحّس ولا تجّسد، أتلمس مخملها الشفاف بأنامل نبضي المرتعشة، ومن هذه الأشياء التي تحفر فيّ بفأسٍ من الضوء، عصفور مغرد على شجرة توت طافحة بالأوراق، طفلٌ تتلاشى المسافة في قسماته المتوردة بين الضحك والبكاء، فتاة تحاول لجم خضرتها الطائشة في صباحٍ مدرسي، وردة متمردة تحاول خرق أنظمة الحديقة لتطل من السياج على العابرين صباحاً إلى يومهم، أمٌ تدّرب دمعتها على الصمود قليلاً، ريثما يعود وحيدها الغائب، قبلة لا ندري لمن تنتمي: لشفاه الحبيبة أم لشفاه الحبيب! كتابٌ يطلق الزوابع بشراسة وردية على حواسي الخمس. كل هذه حجارة من الفيروز واللازورد ملقاة بإهمالٍ منظّم في طرقاتي السرية، حجرا فوق حجر ينبغي أن أشيّد مملكة الأزهار في عالمٍ يتباهى بشراسته الزرقاء، مع أن الأزرق للبحر وللعيون ولدفاتر العشاق وللفراشة فقط. هل تعرفين ما الذي يشد الحجارة بعضها ببعض؟ إنه ماء الموهبة المقدس وطين التجربة المتجذر في حقول الروح، هذه هي خامة الإبداع الحقيقية شريطة أن لا تكون حجارة هذا البناء منتظمة الأبعاد، وإلا سأوقع نفسي في مصيدة التكرار والتماثل الشكلي. لذلك ينبغي أن نختار حجارتنا بأشكال مختلفة، وعلينا بعد ذلك أن نخلق من هذا الاختلاف معمارنا الجميل المتفرد الذي قد يكون قصيدة أو رواية أو لوحة أو مقطوعة موسيقية، كما تعلمين أن شعبنا المناضل يتعرض في كل لحظة لمجموعة من المؤامرات الملونة التي تستهدف مكامن الجمال فيه، إنه يفتقد الهدوء والمتع، فكيف له إذن أن يستغني عن أي خلقٍ وإبداع! لذلك نحن ملزمون بعدم الكف عن الإبداع حتى نعوض ما فقدناه من جمالٍ وهدوء ومتع، ولكي نُفهم الآخرين أن الشعب المبدع لن يُهزم أبداً، تلك رسالتنا للعالم، ندافع عن أنفسنا بالإبداع والخلق إلى أن نستقر على أرضنا كما بدأنا، وبعد ذلك، لن نكف عن كتابة قصائد حبٍ للعالم.


    هو ذا ولدُ السفح والقمم المندية
    وحارسُ غيمة آذار
    ونرجسة الأودية
    ورافع أيقونة الحبِ
    إلى أن تعّم ممالك كنعانَ
    أمراضه المعدية



    بين سفحي وأفق مشرئب الشفق رأيت امرأة ينهمر المسك من أردانها، قلت توقفي أيتها الغزالة في أرض كنعان، قالت صفصافة تجسرت بين القمتين إنها لم تنذر للوقوف، ومن أرادها فليعد خلفها كمهرٍ شبق، إنها تذرع المكان من جهاته الأربع، تحركها دورة الشمس نهاراً أو القمر ليلاً. غزالتك أيها الفتى دائمة الحركة في مراعي كنعان، بين يبوس وشكيم تأكل من العشب اللبني بزهرته الصفراء، وتغتسل بالضوء المنحدر من نجوم الأعالي وتشرب من رحيق ينبوع دفنا.
    بين سفحين وممر من شقائق النعمان، نصبت أرجوحتها بجذوع سروة وصنوبرة، قال الرعاة من يهزّ سريرها العشبي المعلق، تحسده عذارى شكيم، وتحسده الأيائل والظباء، وغمام القمتين يحسده. في الصباحات المبكرة، تمر عليها حاملات جرار الفخار، يسكبن بين أقدامها الوردية حمولتهن الأولى، ثم يعدن إلى النبع، يملأن الجرار ويعدن إلى البيوت باسمات الثغور، وفي المساء يمر عليها الرعاة وهم يهشون قطعانهم، يؤدون لها تحية الغروب، وينهمرون في الشعاب عائدين إلى بيوتهم فرحين.
    بين سفحين وقمتين متعانقتين، شيّدت كوخها المزنّّر بالمسك والبخور، نذرته محجاً للعاشقات، قالت عاشقة من واد التفاح: ضاع حبيبي في طرقات الشمال قبل قبلتين وإغفاءة، أيتها اليبوسيات ويا بنات شكيم في أرض كنعان الطيبة، دثرنني بالنرجس والأقحوان إلى أن يعود حبيبي سالماً غانماً. وقالت عاشقة من تل الصفصاف: سرقت الجنيات حبيبي من سرير الفجر، فدثرنني بقدائد قميصه إلى أن يعود في عربات الغار والريحان.


    عندما البلبل السكرانْ
    أطال على الغصن مكوثه
    اكتشفت زهرة الرمانْ
    وأن لها بيت أنوثة

  6. #36
    الصورة الرمزية مازن دويكات قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2008
    المشاركات : 132
    المواضيع : 14
    الردود : 132
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرحمن الكرد مشاهدة المشاركة
    المدهش مازن
    روعه حتى الثماله
    الصمت في حرم الجمال بهاء
    تحياتي

    المبدع المتألق

    عبد الرحمن الكرد

    دائما يسعدني مرورك ويفرحني حضورك

    دمت بكل هذا البهاء.

  7. #37
    الصورة الرمزية مازن دويكات قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2008
    المشاركات : 132
    المواضيع : 14
    الردود : 132
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    (9)
    قد يكون من الصعب تحديد علاقة الذاكرة في المكان والزمان، وكثيراً ما أسأل لمن تنحاز الذاكرة: للمكان الصورة الماثلة أم للزمان الحائلة الزائلة؟ وأين أنا من ذاكرتي؟ هل هي التي تتحكم في عودتي إلى الماضي أم أنا الذي أختار لحظة العودة، ومن يدير شؤون الحنين في شوارع أرواحنا من رعشة الميلاد إلى رعشة الغياب، نحن أم هي، وإن كانت هي، فهل بإمكانها أن توازن بين صيرورة المكان، وسيرورة الزمان، وإن كنا نحن، فكيف بإمكاننا أن نخلق من هذه الثنائية ضوابط عادلة تحقق فينا التوازن المنشود، بحيث حين نرى مكاناً ما، ينفتح على فضائنا زمانه الزائل، وحين نذكر زماناً ما يرتب في المخيلة مكانه بكل فوتوغرافيته التي كانت. قد يتغير المكان، ولكن يظل هناك خيط أبيض يقود حواس الحنين إلى المشهدية الأولى، وفي الإطار نفسه يتحول الزمان، ويظل الخيط الدال على الرؤيوية الأولى، لذلك، قد يكون لحميمية علاقتنا مع الأشياء دورها الهام في عملية الرصد والتثبيت من جهة، والإهمال والتشتيت من الجهة الأخرى، وهذا ينطبق على الزمان أكثر من المكان على اعتبار أن التغيير في الزمان حركي تسلسلي وفي المكان هدمي انتقائي، بمعنى أن الزمان كلي ولحظي وأن المكان جزئي و ممتد وقد يعاد إنتاجه مرة أخرى على العكس من الزمان الذي يتجسد غيابه وذهابه في كل ما نعيش، في الثانية والساعة واليوم والأسبوع والشهر والسنة، وهذا يدل على أن السطوة للزمان والانقياد للمكان. فالموت الذي هو انتهاءٌ للزمان، يغيّب المكان، ولكن انتهاء المكان لا يغيّب الزمان، كأني بالذاكرة ( المخزن ) منحازة للزمان، وأن المخيلة ( المعرض ) منحازة للمكان، أنهما الساحة والمساحة فينا، نعدو ونلهث في عتمة الأزمنة، ونلهو ونعبث في ضوء الأمكنة، هل وصلنا لرؤيتنا الأخيرة في هذه الجدلية؟ على مرأى من العيون ننحاز للزمان الطاغية، وفي السرية العمياء ننحاز للمكان حتى الرعشة الأخيرة، أليس القبر مكاننا الدائم؟ يا الهي ما أصعب هذه المعادلة.
    إذا مزّقت حبنا الأزمنة
    وإن بعثرته، بكل المدائن
    نصفا هناك، ونصفا هنا
    فلا تقنعي أنه مات
    إن كنت عاشقةٌ مؤمنة
    فكيف يموت، إذا كنتُ
    في كل ثانيةٍ،
    أحبكُ ألف سنة

    ***
    عادةً أحب الرجوع للحديث عن الكتابة، وكيفية الدخول في ذلك الدهليز المفضي إلى الضوء الدائم، في البدء أُحدد المسافة بين ساحة الفكرة ومساحة بياض الورق، وأظل أعدو وألهث في هذا البرزخ الفضي والدامي في بعض الأحيان، وكثيراً ما أحس بأن قربه أو بعده شبيهٌ إلى حدٍ ما بمشيمة الجنين، فكلما كانت مُحكمة، كان الجنين أكثر التصاقاً برحم الأم، وإن بدأت تميل للتراخي يصبح انحياز الوليد للحياة أكثر، كأني حين أكون أكثر قرباً من الفكرة، أكون أقل تشبعاً منها، لذلك، أجدني أتحرك صوب البياض البكر بعذريته بغية الإشباع والامتلاء، ومن هنا يفترض بالكاتب أن يجيد حركته ويتقنها، وعليه أن يصّوب قرون استشعاره لتحديد الخطى، والمبدع الحقيقي هو الذي يستطيع. هناك من يسيء تقدير مكانه بين ساحة الفكرة ومساحة الورقة، لذلك يأتي مخاضه الإبداعي قبل عملية التراخي في المشيمة، ومن هنا تستطيع الذائقة تمييز نص عن نصٍ أخر. بالنسبة لي، أحاول أن اجتهد لأكون في المكان الأفضل، وأن لا أترك مساحة الفكرة إلا وأنا مشبع من جماليات مشهدها، وتاركاً البياض الورقي مطرزاً بدم المخاض الأسود، ولا أنكر أني في بعض الأحيان أقع في حالة التباس بالنسبة لتحديد موقفي بين طرفي المعادلة الإبداعي. لماذا يكتب الكاتب؟ سؤال مربك بعض الشيء وينتفي هذا الإرباك حين يتعامل المبدع مع فعل الكتابة بضوابط يحددها المردود المادي، لذلك تأتي الإجابة في غاية البساطة: يكتب ليعتاش. بالنسبة لي أزعم أنني من المرتبكين، لأنني أتعامل مع هذا الفعل بحرية لا تخضع لصرامة المردود المادي، فلا غرابة أن تكون إجابتي: أكتب لأعيش. وشتان بين الاعتياش والعيش، وهذا لا يعني بالطبع أن الحالة الأولى عمل مشين، ما أعنيه أن هذا الالتباس له علاقة بالحرية المنقوصة والحرية الكاملة، مع قناعتي أننا لا نعيش في المدينة الفاضلة بالنسبة للحالة الثانية، أما بخصوص الهواجس التي يعيشها الكاتب ما قبل إنجازه عمله الإبداعي وما بعد، أعتقد أن ثمة فضائين يتحرك فيهما العمل الإبداعي، الأول لا يُرى ولا يُحس ولا يُحاور، إلا من خلال ناقد ومبدع هو الكاتب نفسه، حيث يكون هذا العمل مطبوعاً على أوراق الذاكرة، والهواجس هنا خليط من القلق الجميل والتوتر الحميم إلى أن يهبط العمل الإبداعي على مكانه الثاني أي بياض الورق، وعندها ينتهي دور الكاتب ليحل محله المتلقي في مسألة الرؤية والحوار والنقد، وهنا يحدث تحول في هواجس الكاتب، فالقلق الجميل يتحول إلى قلقٍ شرس، والتوتر الحميم إلى توترٍ عصبي، وهذا لا يعني تجريد الكاتب من الثقة بالنفس، قدر تحوله إلى طارح أسئلة مربكة، أهونها: هل هذا حقاً ما حلمت بإنجازه؟ والخطورة كل الخطورة حين تكون الإجابة نعم، لأنها في الاعتقاد الخطوة الأولى نحو تابوته الإبداعي.
    على أي قمة شاهقة
    تجلس الفكرة القصية
    وفي أي منحدرٍ سحيق
    تكمن اللغة العصية

    ***
    أيني وأينك على خارطة العاشقين؟ أين أرجوحتك في الحديقة، وأين مقعد تأملي في ظلال الأسكدنيا بكراتها الذهبية: لا أرى الباب بعد دخولنا ومكوثنا، أنت بصعودك بين الأغصان العالية، وهبوطك على الأعشاب الوامقة لحفيفك الدائري، وأنا بانتباهي القابض على لهاثك وغفوتي التي تستدرج رنين هدوئك. لا أرى الباب، وما جدوى الباب! للجنة بابُ دخولٍ فقط، ولا خروج من هذه الأبدية بألوانها القزحية، يقال: هنا جنة الدنيا والآخرة.
    سبحان من اصطفى البلبل والوردة وسماهما رهيني الجنتين، عذراً يا صديقي الشاعر " أرتور رامبو " لن أصدقك هذه المرة فيما ذهبت إليه من " أن الحياة الحقيقية هي في مكان آخر " إنها هنا، على هذه الأرض، أرض البلبل والوردة منذ فجر السلالات حتى اندثارها، رغم جحيم القتلة، نحن هنا ولنا جنة، ومن ليس له، بإمكانه أن يشيدها ويجعل لها باباً للدخول فقط، لأن الجنة السيئة هي التي لها باب للخروج، ولكننا قد نضطر لفتح مثل هذا الباب في جنتنا، خاصة حين يحتلها الغزاة، لأنهم في آخر الأمر مجبرون على الخروج.
    ورأيت لافتةً على باب الوطنْ
    وقرأتُ: ممنوع الدخولْ
    سرْ فالوقوف غلطْ
    ومشيتُ مهزوز البدنْ
    فرأيتُ مقبرةً ولا فتةً تقولْ:
    قفْ للدخول فقطْ

  8. #38
    الصورة الرمزية حسين عبدالغني شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    العمر : 37
    المشاركات : 300
    المواضيع : 49
    الردود : 300
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    ( الصمت ) ... لأصلي لك ..
    أخسرنا الحرب يا أبتي ، بلى يا بنيّ ، والأرضَ والبئر والبرتقالْ
    أبتي .. أليسَ غريباً علينا الهروب ؟ بلى يا بني .. والفقرُ والجوعُ والإحتلالْ ،


  9. #39
    الصورة الرمزية مازن دويكات قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2008
    المشاركات : 132
    المواضيع : 14
    الردود : 132
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسين عطالله الجزار مشاهدة المشاركة
    ( الصمت ) ... لأصلي لك ..
    تحياتي وتقديري لشخصك النبيل.
    دمت بخير أخي.

  10. #40
    الصورة الرمزية مازن دويكات قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2008
    المشاركات : 132
    المواضيع : 14
    الردود : 132
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    10


    لا بأس، ابتعدت قليلاً عن مناخاتك الممتدة في كل الأرجاء، كل حصاةٍ تعثرت بها قدمي المتعبة، كانت تلمع في مياه النهر اللامرئي، أمشي ويزداد الحصى، أسمع كل واحدةٍ تقول لي: قفْ، لن تبلغ النهر ولن تنتهي متوالية الحصى، كل الأصوات التي أسمعها تنساب كضوءٍ ذبيح من آلة الخرير الموسيقية، حفيف الريح في الجنبات ومن علٍ، رفيف الفراشات في الدغل الطافح بالأوراق والأزهار، عزيف الحشرات المضيئة فوق البراعم الوامقة، كل ما يُرى ويُحس، يخرج من هذا الملكوت. هل ابتعدت حقيقة، كيف وأين، ما دام مناخك المحتوى والشكل؟ ومتى ولماذا، ما دام فضاؤك مسرب الروح الوحيد في هذا الزحام؟
    هل هذا سجنٌ أم جنة ؟ زنزانة أم سدرة منتهى ؟ لا فرق، ما دامت على هذه الأرض وتحت هذه السماء رفوف هذا التراب، لا فرق. من هنا سينهض الشهداء في عام المسرة، يسيرون في الطرقات، كلٌ إلى حبيبته المنتظرة، قد تكون امرأة في كوخٍ من قرميد صيدون، أو مدينة تتمطى بقميص نومها على ساحل الأبيض المتوسط، وقد يكون اسمها حيفا. امرأة أو مدينة لا فرق، شريطة أن تكون من نسل كنعان، وبقامةٍ تحاذي الساحل السوري، لا بأس، اقتربت كثيراً من لازوردك في الأعالي، حّد العناق اللانهائي، واشتعلت في صعودي الهابط على أقواس انكساراته الوردية حّد الاحتراق، اقتربت كثيراً.. كثيراً، من سيتلاشى في الآخر: جسدي أم الزمان ؟ ومن سيمر من الآخر ويستقر في نتوءاته المضيئة: جسدي أم المكان؟ أينك في هذه الأعراس الرعوية، كأنك صدح ناياتها، موال مغنيها، رقصة الصبيّة والصبي في ساحاتها، ودبكة وعولها الشبقة على حافة النهر. لا بأس، اغفري وقوفي في المابين، اخترته لأنه بؤرتك المشتعلة، ومن أجلها، في الصباحات الممطرة، تجيؤك العاشقات، يلتقطن ما قسم الله لهن من جمرك المنعوف في الطرقات.
    * * *
    مبارك جمرك المتشافي
    والمتعافي من الرماد
    مباركة ديمومتك الأبدية
    في البلاد

    * * *
    أدور في كل الاتجاهات، لم تحجبك عني سوى أشجار التوت بأوراقها الطافحة، عصرت حريرها، ستارة خضراء حجبتك عني، أحُسك دون أن أراك، وفي هذا الصخب الحريري، أشم رائحة طفلة، هذه الرائحة تكّسرُ في الروح أثاث الحنين الذي لم يمس من زمنٍ جريح. تحطم مزهريات دمي التي تتعشق آخر زهرة فل كانت فيها. نورك الفضي يختزل سواد الليل، فترى الأشياء بعضها، هذا الوضوح فضيحتها الذهبية، أرى رنينها واسمع انكساره على قبة الفجر المرذذة.
    أيتها الطفلة المكتملة، يا سنبلتي الدائمة، كم أكره عيد الحصاد، ليس من تعبٍ، ولكن لرحيل تموجات الذهب عن النهر البني المترب، ما أجمل أن تنفرط السنبلة وحدها، تتدرج كل حبة إلى حيث تريد، تغطس في الأثلام البنية وحدها، تصوب بطنها على دمعة الغيم وحدها، تخرج شعيرتها الخضراء الدقيقة وحدها، تعلو، تصفرّ، تنضج، تصير سنبلة من جديد، حرام أن يحزّها المنجل المعكوف حرام، أيتها الطفلة السنبلة والسنبلة الطفلة، يا ذات الصخب الحنون المضيء، والسكينة الصاخبة الفوضوية، فيك يبدأ الوطن ولا ينتهي، يتدفق في نهر الروح ولا يعود، أجيئك بكلّيتي، وهو معي، أنا الولد الذي يحمل النهر على كاهله المسنن، تعبأت النتوءات، غارت بعيداً، أي قوى ستلمّها وتسرقها في الليل؟ قلتُ : نورك الذهبي يختزل الليل، أرى اللصوص بكامل وضوحهم، أرتّب أسماءهم الغريبة على حجر، أراها متلاصقة، كأنها بين رحى طاحون، ها أنا أمسكُ جريشها بيدي، أفركُ النثار إلى أن ينزّ دم إخوتي الشهداء.
    هذا هو الصخب الغريب، وما تبقى من طفولتك يكفي، رائحة الحليب، التمائم، دمية مبقورة البطن، من ها هنا مّر الغزاة، ما زال السرير يهتز، أرى على السرير رائحة طفلة، يتقّطر من شفتيها المزرقتين عسلٌ شرس.
    تتقلبين على حرير حديقتي
    تستيقظين فراشة
    وجناحك المبلول يكتب في المدى:
    الياسمين وموجة الدرّاق
    فضتك الجديدة
    سيزورني في اليوم ألف ردى
    إن لم تحك دمي القصيدة
    وتفور ثانية زهوري بالندى
    ونقوم أولنا اليمام
    يهش دهشتنا
    وآخرنا الغمام
    يصب رعشتنا
    على الأرض الشهيدة


صفحة 4 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. حرائِقُ الرّحيل
    بواسطة تركي عبدالغني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 22-02-2013, 08:14 AM
  2. حرائقُ في القلب
    بواسطة مختار عوض في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 21-03-2010, 10:37 PM
  3. ضدّان على سرير المعنى
    بواسطة شكري بوترعة في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 28-07-2009, 06:07 PM
  4. حرائق الحب والسفر
    بواسطة شجاع الصفدي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 21-03-2009, 03:20 AM
  5. فوق سرير أبيض
    بواسطة أحمد حسن محمد في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 29-03-2007, 05:30 AM