الخلط بين الدين وعادات المجتمع
عندما كان كثير من الوعاظ يخلطون بين ثوابت الدين الإسلامي وتقاليد المجتمع في دروسهم الوعظية , كان كثير من العلماء يلوذون بالصمت , يستفيدون من هذا الخلط سيما في الفروع الفقهية وخاصة في الأحكام المتعلقة بالمرأة ؛ لباسها وزينتها وخروجها وصوتها , وأسقطت كثير من متغيرات العادات والتقاليد على ثوابت الدين فتصدر بعض الوعاظ وأئمة المساجد للفتوى عن غير علم فتطرفوا وأفرطوا في التحريم فأصبح صوت المرأة عورة وخروجها إلى السوق دون محرم حرام ، ولا أريد أن أزيد حتى لا أتهم في ديني . والآن وضعنا في زاوية يصعب علينا الخروج منها دون خسائر كبيرة ، لأننا لم نسارع إلى الفصل بين القيم المتغيرة من زمن إلى زمن ومن مكان إلى مكان وبين ثوابت الدين وانتظرنا حتى أصبحنا في موقف دفاع فازدادت شراسة الهجمة علينا فإن نحن رجعنا عن أحكام بنيناها على الأعراف التي كانت سائدة في وقتها وربما لا يزال بعضها سائد في بعض الأمصار سنتّهم بأننا غيرنا أحكام ديننا نزولا عند رغبة أعدائنا أو ضعفا عن مواجهة هجمتهم الشرسة على كل مقدساتنا .
ونحن في ذات الوقت , لا نستطيع أن نثبت على أحكام بنيت على أعراف وتقاليد في بعض الأماكن وبعض الأزمنة سيما وأن العالم كله أصبح الآن في ظل ثورة الاتصالات قرية صغيرة , وأننا نعيش في عصر السرعة الذي تكاد لا تثبت فيه تقاليد ولا عادات . ونحن كطلبة علم , نعلم أن الأحكام سيما في الفروع الفقهية قد تبنى على الأعراف وأنها بناء على ذلك تتغير بتغيرها فقد ذكر الفقهاء من بين القواعد الفقهية قاعدة نصها " لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان " ويعبر عنها أحيانا ب " العرف محكم " أو " العادة محكمة " . لا أريد أن أسترسل بضرب الأمثلة ولكني أكتفي بالإشارة إلى موضوع اللباس والزينة ولا أخص بذلك المرأة فالأمر عام في الرجال والنساء جميعا , بل وحتى الأطفال ذكورا وإناثا .
أما في شأن المرأة خاصة فحدث ولا حرج , فقد حرم على المرأة المسلمة كثير من الأمور بناء على التقاليد السائدة وليس على النصوص الشرعية , أذكر في هذا السياق أنني دعيت قبل سنوات عديدة لإلقاء محاضرة في إحدى المدارس الثانوية , وبعد المحاضرة فتح المجال للأسئلة فكان أن سألت إحدى الحاضرات : ما حكم مراجعة الطبيب دون اصطحاب المحرم ؟ وسألت أخرى عن حكم تسوق المرأة دون محرم ؟ وسألت ثالثة عن صوت المرأة , وكانت مديرتي في العمل ذلك الوقت تجلس بجانبي وتحذرني من مخالفة الأعراف السائدة خشية علي من التعرض لما أكره , أجبتها باقتضاب بأني لا بد أن أذكر الحكم الشرعي فالمسألة ليست محل خلاف بين الفقهاء , وبعد , فما أنا إلا طالبة علم أنقل فتاوى فقهائنا الأجلاء , وأجبت السائلة بأن المحظور في شأن مراجعة الطبيب هو الخلوة فقط لذا يجوز للمسلمة أن تدخل على الطبيب مع أية مرافقة حتى لو كانت الممرضة , ولا يجب عليها أن تستصحب أحد محارمها إلى المستشفى أو إلى السوق , وإنما اشترط المحرم للحج والعمرة وللسفر وأن هناك آدابا وأحكاما على المرأة مراعاتها إذا دخلت إلى الطبيب أّو ذهبت للتسوق ليس هذا محل ذكرها . وفي شأن صوت المرأة فالذي حرم على النساء هو الخضوع بالقول ليس إلا , وذلك حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض كما قال الله تبارك وتعالى , أما صوت المرأة فليس بعورة إذ لها أن تسأل وتجيب وتناقش وتبيع وتشتري وما إلى ذلك من المعاملات , وهناك رسالة صغيرة للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى بعنوان ( يا نساء النبي ) فيها زيادة لمن يرغب .
ولا زلت مع الأسف أواجه بهذه الفتوى حتى الآن " صوت المرآة عورة " فإذا حاججت بما ذكرته آنفا قالوا: إنما يباح لها أن تتكلم مع الرجل للضرورة !!! نعم لقد ابتلينا بوعاظ وواعظات يفتون بغير علم حتى أنهم لا يعرفون معنى الضرورة ولا يفرقون بينها وبين الحاجة , ومع ذلك يتصدرون للفتوى .
آن لنا أن نحدد ثوابتنا ومتغيراتنا
آن لنا أن نبصر العامة بحقائق الأ مورلتكون العامة ردءا لنا لا عبئا علينا . آن لنا أن نبين مرجعية الأحكام الشرعية , أهي مبنية على نصوص شرعية ؟ وإذا كانت كذلك , فهل هي قطعية الثبوت ؟ وهل هي قطعية الدلالة فيما دلت عليه ؟؟ فإذا كانت المسألة خلافية فلا نتعصب فيها لرأينا باعتباره الحق الأوحد ـ وهذه مسألة مهمة أخرى ـ ما أحرانا أن نتبع في ذلك رأي فقهائنا إذ قالوا : رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب .
كما آن لنا أن نعطي الأحكام حجمها الصحيح وأن نبحثها كجزء له أهميته با لنسبة للدين كله . فهل يعقل أن نغفل عن دور المرأة في تربية الجيل المسلم على التفكير الإيجابي والعمل للنهوض بالأمة لاستعادة دورها الريادي ونقصر اهتمامنا على حكم قص شعرها وتشقير حاجبيها ؟؟؟
منى محمد العمد