الفسحة الأولى..
ما الذي تغريه تلك الوقفة ما جاذبيتها و ما الذي يعطيها تلك النكهة العجيبة...أعرف جدا أني أفكر باختلاف كبير و ضخم و أعلم أن أهدافي مختلفة و أن أحلامي ستظل بصدري لن تبرح مكانها إن لم أجده حضنا يتبناها يعتقلها و يتلف ومضات الشك بداخلها ..
رهبة الصمت تغري على الإنصات لدبيب النملة و بوح الأشجار يغري على النظر إلى الأفق.. سألني هل تتمنين مرافقتي لفسحة .. ساد الصمت لبرهة و أنا أتصور برنامج الفسحة و مراحلها و لماذا يود مرافقتي أنا بالضبط .. ما وجدت نفسي إلا بين أحضان الطبيعة و اللون الأخضر يحيطنا من كل جانب و الفضاء واسع يلهب فينا روح العدو..و استنشاق كل هواء الأرض..أما الزهرات فقد كانت تتربع عرشا ما خلق إلا لها و من أجلها ..كانت رائحة الورود تولد فينا إحساسا بأن الرائحة تنبعث منا ومن مشاعرنا ... اختصرنا مسافات طوال بعزفنا نفس اللحن و بمد يدينا لبعض ..
عندما يحدثني عنه و عن تفاصيل حياته أو عن حبه لأصوات بعينها .. لأنه يعتقد طهرها ... أراني و قد قطعت تأشيرة لأعماقه ..أحاول قدر المستطاع أن أقاوم جبروت عقلانيتي ...أحاول أن أنجذب نحو الحلم والضياع فيه.. علني أجد لحظة فرح ..هل ألتقطها أم أنتظر ميثاقا و بندا ما طرحه و لا كتبه أحد بصكوك العدم أو بيد القدر.. أكيد أنا جاهلة لأصغر حيثياته ...ما الذي يجبرني أن أعيش الانتظار القاسي لشيء قد لا يحصل و ما جدوى انتظاره.. ما الذي سأجنيه إن ظللت تحت رحمة ما ينبغي أن يكون ...لست راضية عن أحلامي لكني راضية عن لحظات أحسها هي العمر ..أحس فيها الماء العذب للحياة..عندما كانت تعبر هاته التساؤلات مخيلتي قاطعني متحدثا عن صديقة طفولته و عن أحلامهما الكبيرة... نزهتنا كانت فرصة كبرى للانعتاق منا ..كنت أسحب قطع الشكولاتة قطعة قطعة من جيبي.. أضع الأولى بفمه و الثانية بفمي...كان يتحدث عنها بلهفة.. تصورتها طفلة شقراء جميلة حركية تبكي لأنه لم ينتبه لوجودها أو لتثير غيرته عندما كانت تكذب عليه حين إخباره أن أحد جيرانهم قد حاول تقبيلها أو حاول أن يسخر من دميتها ...ما إن أضع الشكولاتة الثانية بفمه حتى أجده و قد أحاطني بذراعه و مد يده نحو ذقني لكي يجعلني أحدق بعينيه.. هكذا كان يضطرني لأن أضع شكولاتة أخرى بفمي حتى أطرد ارتباكي و رعشات البرد التي كان تعتريني كلما حاولت الانفلات من نظراته ...ثم يسترسل هامسا زرت المدائن و القارات طالعت النساء و الشيوخ و العساكر و كل أنواع البشر الجميلات و الراهبات و المتحذلقات.. لكني احترت فيك في نبلك وفي الإستراتجية التي تنتهجينها معي.. أشد على يدك فهي تجعل الكثيرين يتشبثون بك و أنا أولهم ..ها قد استعجلت اعترافي لماذا تعذبينني قوليها انطقيها انطقي .......و قبل أن يكمل كنت أضع قطعتين من الشكولاتة بفمه حتى لا أجعله يندم على بوحه أو أجعله يتبنى بوحا ليس ملكا له ..أنا التي تهب الكثير في الحياة بسخاء إلا مشاعرها أو النطق بها لأنها غالية و مقدسة عندي.. كنت أود أن أجيبه كذلك أو بطريقتي التي حلمت بها لكنني ابتلعت ريقي و قلت حلوة أليس كذلك.. هي من صنع فرنسي غالبا ما يقال الشكولاتة سويسرية لكنني تعلمت حب الشكولاتة الفرنسية من أيام رأس السنة التي قضيتها بفرنسا ..في مدة بسيطة تناولت كمية تعادل ما تناولته بالمغرب ربما لأنها كانت ذات جودة عالية..رد علي تحسنين الهروب و مغربنا بلد جميل جدا ..و هناك أمر آخر بالحرب هناك ثلاث مراحل التقدم الهجوم الدفاع الانسحاب .. أظنك تتقنين الأخيرة ..أجبت أنت لم تفهم قصدي أنا أعشق المغرب إنما الشكولاتة ذات الجودة العالية غالية الثمن عندنا .. شد يدي بعصبية كبيرة لم أعهدها إنما كان رائعا أمام انفعالاته مع ذلك ظل مصرا على مراوغتي و هزمي.. أعرف أنه يغلبني... أو هكذا أحسست ربما كان يحكي بفطرة بطبعية ..لم يكن هدفه إثارة غيرتي ..و لم أكن أسمح لنفسي بأن تعترف بملامح الغيرة البادية على نبرات صوتي أو وجهي لأني كنت أقاوم جنونه بكل ما أتيت من قوة ..فقط من أجل عدم خسرانه ..و في غمرة التحديق بداخلي التفتت لأجده قد صافح رجلا اعتقده صديقا قديما قلت من يكون أجابني.. بلحظة جنونية اعتقدته صديقي الذي حدثتك عنه و الذي لم أعد أسمع أخباره لمدة.. أجبته نعم أتذكر ذاك الذي تمنيت حضوره حتى يدعمك و يكون لك السند ..أعرفك فأنت دوما ترجع بذاكرتك و التي تختزن معينا لا ينضب ....و كأنه لم ينتبه إلى ما ذكرته.. قال لي التفتي إلى هذا العناق ألم أعدك من قبل أننا سنحضره سويا يوما ما ..نظرت إلى عناق البحر و المحيط عناق حضرت طقوسه و احتفالياته المسائية مرات عديدة لكنه اليوم بنكهة العسل الموجودة بتلك الشكولاتة التي كانت بفمي ..لحظة و سمعته يقول سوف يزيد وزنك كيلوغرامات لم أكن أعرف ولعك بالشكولاتة ..ما كان يدري بمرارة فمي و التي كانت تضطرني لإلغائها في تلك اللحظات الجملية خصوصا و أني أرتعب لمجرد التفكير أنه ممكن أن يصير طيفا عابرا حياتي..إنما هل الشكولاتة هي التي كانت ستنجدني من رعبي ؟ أو ربما لأني بدأت أفكر في اقتراب انتهاء الفسحة و أنه سيرجع لعالمه ..و أننا لسنا معا سوى لحظة خارج مفهوم الزمن..و أننا معا سنرجع لعالمنا البارد ..قال كفى كفى أجبت كفى من ماذا من الشكولاتة ؟ أجاب لا إنما طواحين هوائك.. حرائقها تصلني لماذا تفترضين الأسوء.. كيف عرف بدواخلي أكان قادرا على قراءتي لهذا الحد ؟هكذا و في غمار ما انتابني سافر بي بعيدا و استرسل يقول..رغم أنني عندما كنت ببوخارست و كنت أيامها أحب خمرية ..فتاة جميلة عرفت معها أحلى لحظات شبابي..تعرفين لقد ودعتني بأغرب طريقة في الوجود لهذا لا أحب النهايات ..كنت أعرف أني لن أفلت من ذاكرته أضحيت أحسها ضرة تشاركني فيه إنما من أجله كنت أتمنى أن يحكي لي المزيد فقط أريده أن يفرغ لكنني اكتشفت أنه كلما حكى و فضفض كلما تضاعفت تعبئته...قلت له ما الطريقة التي ودعتك بها حبيبتك ؟ أجاب أمممم ودعتني بالمطار بقبلة شبقية قلت أها ممتاز ..قال إنما لم تكن لي القبلة إنما لآخر...أجبته على الفور طبعا كان منطقها سليم بالرد على تصرفك اتجاهها أنت تغادر المطار و البلد و حياتها هكذا ماذا كنت تنتظر تهليلا و تمرا و حليبا لتوديعك ...لا تنس المرأة كيفما كانت تنتقم لمشاعرها إن أحست الاهانة و أظنك أهنتها رغم أني أحسست نشوة كبيرة ..غير الموضوع كعادته فهو يحسن فن الانتقال إلى أي موضوع يحبه و تميل إليه أهواؤه أو ذاكرته لأنه يمل بسرعة ..لا يستطيع أن يضع علامة النهاية ربما لأنه عانق النهايات كثيرا...
ندى يزوغ..
المغرب..